هل اعتمد البشر الأوائل على المحار في هجرتهم من أفريقيا للجزيرة العربية؟

الباحثون يرجّحون أن البشر القدامى اعتمدوا على المحار في طريق هجرتهم من أفريقيا للجزيرة العربية (يوريك ألرت)

كان وقت التحرك قد آن، حيث كان البشر في طريقهم للخروج من أفريقيا والارتحال إلى شبه الجزيرة العربية، وهي المحطة الأولى في موكب عملاق يعرف باسم التشتت الجنوبي، وهو أحدث موجة في هجرة أجدادنا إلى "خارج أفريقيا".

ترسم الاكتشافات الجديدة في هذا السياق باستمرار مسارات غير متوقعة تتحدى فهمنا لهذه الملحمة، وتجبرنا على إعادة التفكير في هذا الفصل المعقد من عصور ما قبل التاريخ.

التشتت الجنوبي

ما لدينا من المعلومات حتى الآن يكفي لأن نعرف أن التشتت الجنوبي (Southern Dispersal) كان شيئا قد حدث، وأن البيئات في كل أفريقيا والجزيرة العربية لم تجعل الأمور سهلة لمن هم في الطريق.

في فترة منذ ما يقرب من 65 ألفا إلى 55 ألف سنة، اتسمت المنطقة بالجفاف الشديد، وهو ما كان من شأنه أن يؤدي إلى ندرة النباتات، مما أدى إلى نقص الثدييات الأرضية الكبيرة المتاحة للصيد أمام الصيادين القدامى.

ويثير ذلك سؤالا مهما: ما الذي أكله أولئك الذين سافروا من أفريقيا خلال التشتت الجنوبي، أثناء هجرتهم من شرق أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية، وأثناء عبورهم البحر الأحمر عند ما نعرفه الآن بمضيق باب المندب؟

البيئات الجافة في كل من أفريقيا والجزيرة العربية شكلت صعوبة على البشر الأوائل (ويكيبيديا)

فرضية المأكولات البحرية

فهل اعتمد البشر على المأكولات البحرية؟ ليس لدينا الكثير من الأدلة المؤكدة على ذلك، خاصة أن المواقع الساحلية التي كانت موجودة في تلك الفترة التاريخية القديمة أصبحت الآن مغمورة بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر.

حديثا كتب فريق بحثي بقيادة عالم الآثار الساحلية نيكلاس هاوسمان من جامعة يورك بالمملكة المتحدة، ورقة بحثية نشرت بتاريخ 21 مايو/أيار الماضي في دورية كواتيرناري إنترناشيونال: "لا يُعرف الكثير عن مدى أهمية الموارد الغذائية البحرية في الماضي".

وفي دراستهم الجديدة تلك، حلل هاوسمان وفريقه بقايا المحار من أكثر من 15 ألف عينة من كونوميوريكس فاسكياتس (Conomurex fasciatus)، وهو نوع من القواقع البحرية يعيش في البحر الأحمر.

فُحصت البقايا المأخوذة من مجموعة من المكبات القديمة لنفايات المحار في جزر فرسان (ويكيبيديا)

فُحصت البقايا المأخوذة من مجموعة من المكبات القديمة لنفايات المحار في جزر فرسان (Farasan Islands) جنوب البحر الأحمر، والتي يعود تاريخها إلى ما يقرب من 7 آلاف إلى 5 آلاف سنة مضت.

وهذا يجعلها أحدث بكثير من بقايا المحار التي استهلكت قبل 70 ألفا إلى 50 ألف سنة. ولكن منذ حوالي 8 آلاف سنة، أظهرت منطقة البحر الأحمر جفافا مشابها لما شوهد خلال فترة التشتت الجنوبي، مما يجعل الرواسب الجديدة تقدم نظيرا للظروف البيئية للهجرة الكبرى.

الأهم من ذلك أن تلك المجتمعات المسؤولة عن تلك المكبات الجديدة نسبيا لم تكن تأكل القليل في ولائمها، وكان اعتمادهم الأكبر على المحار والرخويات، دون أن يكون لذلك تأثير سلبي على وفرة واستدامة وتجدد هذا الطعام.

الاعتماد على المحار

يقول هاوسمان "تُظهر بياناتنا أنه في الوقت الذي كانت فيه الموارد الأخرى على الأرض نادرة، كان بإمكان الناس الاعتماد على المحار المتاح محليا".

ظل سكان جنوب البحر الأحمر يأكلون المحار طوال آلاف السنين (ويكيبيديا)

ويضيف "أظهرت الدراسات السابقة أن سكان جنوب البحر الأحمر ظلوا يأكلون المحار على مدار السنة، وعلى مدى آلاف السنين. ونحن نعلم الآن أن هذا المورد لم يستنفد، إذ استمر المحار في الحفاظ على صحة السكان".

وأوضح الباحثون "يمكننا أن نفترض أن هذه الممارسات كان يمكن استخدامها من دون صعوبة من قبل البشر الحديثين، ومن الممكن استهلاك الرخويات حيثما كانت متاحة".

ويضيفون أن الآثار المترتبة على وجود مورد ساحلي يتسم بالمرونة والوفرة ويمكن التنبؤ به ويمكن الوصول إليه بسهولة في إحدى العقد المهمة للتنقل البشري -جنوب البحر الأحمر- تضيف بعدا إضافيا لدراسة "الخروج من أفريقيا".

المصدر : الصحافة الأسترالية + الصحافة الأميركية