لقاء اليوم

مسعود أحمد.. شروط صندوق النقد لدعم دول الثورات

تستضيف الحلقة مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي مسعود أحمد ليتحدث عن شروط دعم اقتصادات دول الربيع العربي. وتجيب الحلقة على الأسئلة التالية: إلى أين وصلت مفاوضات مصر للحصول على قروض من الصندوق؟
‪خليل بن الدين‬ خليل بن الدين
‪خليل بن الدين‬ خليل بن الدين
‪مسعود أحمد‬ مسعود أحمد
‪مسعود أحمد‬ مسعود أحمد

خليل بن الدين: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، ضيفنا لليوم مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، مرحباً بكم، لنبدأ من مصر، أجريتم محادثات مؤخراً مع الحكومة المصرية تتعلق بإمكانية مساعدة  صندوق النقد الدولي لمصر، هل يمكن أن نعرف إلى أين وصلتم ما هي النتائج التي توصلتم إليها.

مسعود أحمد: لقد بدأنا بالعمل مع مصر بعد اليوم الأول من الثورة تقريباً، هم طلبوا منا الآن مساعدة مالية تدعم مشاريعهم المحلية ونحن في صندوق النقد الدولي على استعداد لتقديم المساعدة لهم خلال هذه الفترة التاريخية، وحالياً تقوم السلطات المصرية بوضع اللمسات الأخيرة على برنامجهم ويقومون بإجراء نقاشات داخلية، وهذا أمر مهم بالنسبة لنا لأننا في صندوق النقد الدولي نرغب في دعم البرامج المصرية، وحالما يكونوا جاهزين للمضي قدما في هذه البرامج سنقوم بإرسال فريق جاهز الآن وينتظر في واشنطن، نحن نأمل بإمكانية تحقيق ذلك سريعا خلال شهرين أو الثلاثة أشهر القادمة.

خليل بن الدين: ولكن هل ممكن أن نعرف ما هي الشروط المفروضة من صندوق النقد الدولي لمساعدة مصر.

مسعود أحمد: الشرط الأول أن يكون هذا البرنامج ملكا للسلطات المصرية وهي التي تقوم بتطويره ويحظى بدعم واسع من قبل الشعب المصري، لماذا هذه النقطة مهمة جداً بالنسبة لنا؟ لأننا وجدنا أن البرامج التي يكون لها فرص نجاح أكبر هي المشاريع التي تعكس المقايضات والسياسات للبلد نفسه، ولكن الأكثر من ذلك يجب على برنامج الاقتصاد الوطني الذي تعده الحكومة أن يعالج تحديات صعبة جداً تواجهها مصر،  فالنمو الاقتصادي بطيء ونسبة البطالة عاليه، والميزانية تعاني من ضغوطات لذلك يتوجب عليهم أن يحاولوا تقليل الخلل في الميزانية وذلك لإعادة توزيع الأموال من أجل إيجاد فرص عمل جديدة للشباب، وأيضا للقيام بذلك أنا متأكد أن عليهم القيام ببعض المقايضات الصعبة، ولكن بالنسبة لنا فإن المقايضات المحددة ستقوم بها السلطات المصرية ما دامت تقوم بتطبيق أهداف البرنامج، حالما يتم الانتهاء من تصميم البرنامج وتتم الموافقة عليه سنقوم مع السلطات المصرية بمراقبة تطبيق البرنامج من خلال مؤشرات تم تحديدها من داخل أهداف البرنامج التي وضعتها مصر لنفسها.

تجاوب الحكومة المصرية مع شروط الصندوق

خليل بن الدين: هل وجدتم قبولاً أو تجاوبا من الحكومة المصرية فيما يتعلق بهذه الشروط التي ذكرتها أو هذه الإجراءات التي يمكن أن تتخذ في سبيل مساعدة  مصر؟

مسعود أحمد: حسنا أعتقد حسب فهمنا فإن السلطات المصرية نفسها متحمسة جداً لأن تكون البرامج برامجها، الآن يتوجب على مصر القيام بهذه الخيارات سواء كان صندوق النقد الدولي موجوداً أم لا، نحن على استعداد لان نعمل في إطار شراكة مع مصر خلال هذه المرحلة التي بدأتها البلاد، لكن من وجهة نظرنا فإننا نرغب في دعم الإجراءات التي تدعم الأهداف التي وضعوها وقمنا بمناقشها معهم ومن ثم يجب عليهم أن يضعوا المؤشرات لقياس الأهداف التي قاموا بوضعها.

خليل بن الدين: هل هذه الشروط أو الاشتراطات التي يقوم بها أو يقدمها صندوق النقد الدولي هل هي نفس الشروط المتعلقة بمصر في دول الربيع العربي، في ليبيا في تونس مثلا.

مسعود أحمد: كل بلد مختلف عن البلد الأخر، وعلى كل بلد أن يجد دوره في معالجة التحديات الاقتصادية التي يواجهها، وبالنسبة لصندوق النقد الدولي فإن من المهم لنا أن نعمل مع كل دولة في مساعدتها في التعامل مع مشاكلها، ومع هذا هناك بعض المشاكل العامة التي تواجهها كل هذا الدول، كل هذه الدول تواجه مشكلة البطء في النمو الاقتصادي ونسب البطالة المتزايدة والإحباط المتزايد بين صفوف الشباب، وهناك حاجة إلى تغيير الدعم الحكومي لمنتجات الطاقة والذي كان حقق منافع للأغنياء إلى دعم محدد أكثر ينتفع منه الفقراء، فإذن هذه مشاكل عامة وبالنسبة لنا طالما وجدت الحكومات طرقاً لمواجهة هذه التحديات فإننا على استعداد لمساعدتها في ذلك، بالتالي فالمنهاج العام الذي نتبعه يعتمد على كون هذه البرامج محددة ومملوكة من قبل الدول وأن تحظى بدعم كبير وأن تكون قادرة على مواجهة التحديات في تلك البلدان خلال هذه المرحلة التاريخية.

مؤشرات تونس الاقتصادية

خليل بن الدين: لنأخذ تونس على سبيل المثال، قبل الثورة التونسية كانت كل مؤشرات الاقتصادية وبما فيها تقارير صندوق النقد الدولي تشير إلى أن تونس فيها نوع من التطور فيها نوع من الاستقرار الاقتصادي، ولكن حدث بعد الثورة أن الأمر أصبح مختلفا تماماً وأن في بعض الاتهامات تتهم صندوق النقد الدولي بأن السياسة التي يتبعها تساعد على تشجيع الفساد المالي، الفساد الاقتصادي وحتى بعض السياسات الناقصة والسياسات الغير مجدية في العالم العربي والتي تؤدي إلى مشاكل اجتماعية.

مسعود أحمد: على العكس من ذلك إن الهدف من وراء الاستشارات التي يقدمها صندوق النقد الدولي والدعم المقدم للبرامج هو مساعدة الدول في إدارة اقتصاداتها صغيرة الحجم بشكل يقلل من المخاطر ويؤثر إيجاباً في حياة الناس العاديين، لقد تعلمنا دروساً من الربيع العربي وأحد هذه الدروس إن أعداد الاقتصادات الصغيرة لا تعبر عن الحقيقة بأكملها، قد يكون النمو عاليا عندما تنظر إلى معدلات النمو لكن فوائد النمو قد تذهب إلى أشخاص قلائل، قد يوجد قطاع خاص لكن هناك أناس قلائل هم من ينتفعون بهذا النمو، لذلك فالأمر المهم هو ليس فقط وجود معدلات نمو عالية بل يجب أن يكون هذا النمو شاملا ويخلق فرص عمل وأن يتم التشارك بمنافعه بشكل متساوٍ، بحيث تتاح لكل شخص فرصة الانتفاع منه سواء كان مرتبطا أو غير مرتبط بالنظام.

خليل بن الدين: هل ما تتحدثون عنها حالياً موجود فقط في أدبيات صندوق النقد الدولي خصوصا أن الواقع يقول عكس ذلك، خصوصا أن في بعض المؤشرات الاقتصادية سابقاً قبل الثورات العربية كانت تشير بأن وأخذت مثال تونس على سبيل المثال بأن مؤشراتها الاقتصادية كانت جيدة ولكن على المستوى الاجتماعي هناك مشاكل كبيرة.

مسعود أحمد: إن الجواب على هذا السؤال سيأتي تباعاً من بلد إلى أخر وعندما تنظر إلى ما نقوم به، لكن دعني أعطيك مثالين: عندما تنظر إلى تقاريرنا الاقتصادية  التي نقوم بإعدادها عن كل دولة في الشرق الأوسط وفي بلدان أخرى وبشكل لا يقتصر النظر فيه على الموقف الاقتصادي المصغر بل يتعداه لدراسة كيف يؤثر هذا على التوظيف وتوزيع المنافع،  وهنالك المزيد من هذه التحليلات وردت ضمن التقرير، ثانيا: أحد الأمور التي نركز عليها بشكل كبير هو أين نقوم نحن بتقديم الدعم المادي في بلد ما؟ يجب أن يكون هذا الدعم موجها نحو برنامج مصمم من قبل ذلك البلد ويحظى بدعم كبير داخله، قد يعني هذا في بعض الأحيان أننا قد نستغرق وقتا أطول في الوصول إلى هدفنا، قد يكون من الأسهل أن نأتي بوصفة مهيأة في الخارج لكننا نعرف أنها لن تنجح، يجب عليك أن تنتظر حتى تتهيأ الظروف في ذلك البلد وبالتأكيد فإن لنا دوراً في دراسة هذا البرنامج وفي البت فيما إذا كانت تلك الأهداف ستتحقق بإتباع تلك السياسات المقترحة لأن هذا ما يريده المجتمع الدولي، هذه رغبة ال188 دولة الأعضاء في صندوق النقد الدولي وهم يرغبون بأن يقوم الصندوق بإجراء تقييم مستقل لكنه تقييم لبرنامج تم تطويره وإعداده وتعود ملكيته إلى ذلك البلد.

خليل بن الدين: تحدثنا في السؤال السابق السؤال الأول حول محدثاتكم مع مصر، هل يمكن أن تحدثنا عن محدثاتكم مع كل من تونس وليبيا مثلا ً.

مسعود أحمد: بالإضافة إلى مصر لدينا حاليا برامج لدعم الأردن وهو بلد آخر يمر بفترة انتقالية مليئة بالتحديات والصعوبات نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والبطء في الاقتصاد العالمي والظروف الغير مستقرة للمنطقة، وقد قمنا بتأسيس خط اعتماد يمكن للمغرب أن يستخدمه وهو لا يحتاج حاليا إلى تمويل لكن إذا ما ساء الوضع في أوروبا فإن للمغرب علاقات وثيقة مع أوروبا وقد يؤثر هذا على الاقتصاد المغربي، لذلك هم طلبوا والصندوق جهزهم بخط اعتماد واقعي، نحن أيضا منخرطون في نقاشات مع ليبيا وتونس، وهم حاليا لا يبحثون عن تمويل لأن ليبيا وكما تعلم  دولة ظروفها المالية جيدة وفي نهاية هذا العام سيكون لديهم حوالي 200 مليار دولار من الاحتياطي في نهاية هذا العام، لكنهم بحاجة إلى دعم تقني ويحتاجون للتشارك في الخبرات والدروس المستقاة من الدول الأخرى، في الوقت الذي يقومون فيه بالنهوض باقتصادهم وتأسيس البنى التحتية ويحاولون المضي قدما بطريقة مختلفة أكثر شمولية من أجل توفير فرص العمل لأفراد الشعب الليبي، تونس أيضا نحن نعمل معهم في مجال الدعم الفني ونساعدهم في تحليل المخاطر التي يواجهها اقتصادهم وتوفير المزيد من المعلومات حول أداء الاقتصاد التونسي والتي قد تكون مفيدة للمستثمرين في القطاع الخاص، لأنه في كل هذه الدول فإن التعافي الاقتصادي الحقيقي لا يأتي من صندوق النقد الدولي ولا يأتي من الحكومات بل يأتي من المستثمرين في القطاع الخاص الذين يوفرون فرص العمل للناس

خليل بن الدين: تحدثتم عن دور القطاع الخاص ولكن دور القطاع الخاص في العالم.. في الشرق الأوسط وفي جنوب أسيا ما زال متخلفا عن الركب الاقتصادي وما زالت مساهمته ضعيفة، كيف يمكن مساعدة هذا القطاع الخاص للمساهمة في اقتصاد الوطن.

مسعود أحمد: صحيح أنه في بعض الدول فإن القطاع الخاص لم يلعب الدور الذي باستطاعته أن يقوم به والموجود في بلدان أخرى من العالم، كيف إذن بإمكاننا مساعدتهم؟ اعتقد أن الشيء الذي يرغب القطاع الخاص بوجوده هو المزيد من الوضوح في البيئة الاقتصادية وفي القوانين والقيود التي يعمل من خلالها عندما يرغب في بدء مشروع صغير، وعندما تفكر بالقطاع الخاص فمن المهم أن لا يقتصر تفكيرك على المشاريع الكبيرة بل أيضا على المشاريع الصغيرة مثل افتتاح مطعم صغير أو محل صغير، هؤلاء هم الأشخاص الذين يوفرون فرص العمل، الآن إذا ما رغبت في افتتاح محل صغير يجب عليك أن تقوم بأخذ العديد من الخطوات وعليك أن تحصل على العديد من الموافقات وفي بعض الأحيان يتوجب عليك الحصول على نفس الموافقات لأكثر من مرة، لذلك وعن طريق تبسيط بيئة البدء بالمشاريع أولا وثانيا أن نحاول توفير التمويل للقطاع الخاص، هل تعلم أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط لديها الحصة الأقل من الاعتماد الذي توفره المصارف، لذلك فإن تشجيع المصارف على تقديم الدعم للمشاريع الصغيرة سيساعدها على النمو فمثلا الشخص الذي لديه محل واحد بإمكانه أن يشتري محلا أخر ويقوم بتوسيع مشروعاته، ثالثا: علينا أن ننظر إلى التدريب والمهارات لدى الشباب الذين يأتون من المدارس والجامعات، معظم التدريب الذي قدمناه للشباب يعمل على تهيئتهم للعمل في القطاع العام فقط، أكثرهم لديهم القناعة بأنه يجب عليهم الانتظار من أجل وظيفة في القطاع العام، لكن كما تعرف القطاع العام لا يمكن أن يوفر الوظائف للشباب بأعدادهم المتزايدة، لنأخذ مصر مثلاً فمصر تحتاج في كل عام إلى 750000 وظيفة للمتخرجين من المدارس والجامعات لقوة العمل، لا يمكن للقطاع العام أن يوفر كل هذه الوظائف، لذلك يجب علينا العمل لتغيير طريقة تفكير الشباب وتدريبهم للحصول على وظيفة في القطاع الخاص و نجعلهم يرون بأن هذه الوظائف  هي وظائف المستقبل.

خليل بن الدين: مشاهدينا الكرام نذهب إلى فاصل قصير ونعود بعد ذلك.

[ فاصل إعلاني ]

خليل بن الدين: أعزائي المشاهدين مرحباً مرة ثانية، أستاذ مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، كيف تقيمون الوضع الاقتصادي الآن في سوريا وما هي المساهمة الممكنة لصندوق النقد الدولي؟

مسعود أحمد: أولاً إن ما يحدث في سوريا مأساة إنسانية وإن كلفة هذه المأساة شيء يجب علينا أن نتذكره دائما، وطبعا هنالك تبعات اقتصادية أيضا، إن معلوماتنا عن الوضع في سوريا ليست مباشرة أو حديثة لأننا لم نتمكن من الحصول على أية معلومات لسنة ونصف، لكن المعلومات التي حصلنا عليها من مصادر غير مباشرة تؤكد لنا أن الاقتصاد يعاني من الانكماش واحتياطي التبادل يعاني من الضغط وإن خسارة المصارف في تزايد، وترى بعض الآثار تقع على دول الجوار فيما يتعلق باللاجئين الذين فروا من سوريا فهم يؤثرون على الميزانية في الأردن ويؤثرون على تركيا وعلى لبنان أيضا، لذلك فإن الصراع الأهلي السوري لا يؤثر على الداخل السوري فقط بل أيضا على الخارج، لكن التكلفة الأكبر يتحملها بالتأكيد الشعب السوري.

خليل بن الدين: كنتم قد أجريتم محادثات أو بالأحرى كنتم قد طلبتم من الحكومة الجزائرية قرضاً، هل يمكن أن نعرف أولاً: لماذا طلبتم من الحكومة الجزائرية هذا الأمر، ثانياً: إلي أين وصلت النتائج؟ هل تلقيتم جواباً من الحكومة الجزائرية أم لا؟

مسعود أحمد: كما تعرف إن صندوق النقد الدولي مؤسسة عالمية تحاول أن تعمل مع المخاطر المحتملة والاحتياجات المالية ليس فقط في الشرق الأوسط بل على نطاق العالم اجمع، ومنها مثلا في أوروبا حيث تشهد أوروبا الآن اضطرابات مالية، لذلك من أجل تقوية إمكانيات صندوق النقد الدولي في التعاون مع أي مخاطر محتملة على الاقتصاد العالمي فقد طلبنا من الدول الأعضاء وخاصة الدول القوية مالياً والجزائر مثلا بلد يتمتع بقاعدة اقتصادية قوية لذلك وفي هذا الإطار قمنا بمناقشة قيام الجزائر بتقديم إسهامات مالية لدعم صندوق النقد الدولي على هيئة قرض، والنقاشات ما تزال مستمرة ونأمل بأن تتاح لنا الفرصة لإجراء المزيد منها عندما نلتقي في طوكيو في شهر أكتوبر وهو موعد الاجتماع السنوي للصندوق حيث تجتمع كل الدول الأعضاء وهذا العام سينعقد الاجتماع في طوكيو وآمل أننا عندما نلتقي هناك سنمضي قدماً في نقاشاتنا.

خليل بن الدين: تحل هذه الأيام الذكرى السنوية للأزمة المالية والاقتصادية ما هو رأي أو ما هي اتجاهات الاقتصاد العالمي برأي صندوق النقد الدولي؟ هل هو إلي النكسة إلى الأزمة أم إلى الانتعاش؟

مسعود أحمد: يجب أن نتفق على أن أسوأ جزء من الأزمة المالية العالمية أصبح الآن خلفنا لكن الاقتصاد العالمي ما يزال يمر بفترة صعبة فالنمو في الاقتصادات المتقادمة خاصة يضل بطيئا جدا واحتمالات النمو للاقتصاد العالمي ضعيفة أيضاً، أما الأسواق الناشئة فما يزال أداؤها جيداً، ولكن هذه الأسواق بدأت أيضا تشعر ببعض الأخطار جزئيا وذلك بسبب ما حصل للاقتصادات المتقدمة، الكثير من هذا أنتج الصعوبات و الاضطرابات في الدول الأوروبية ودول منطقة اليورو، إذ إن عددا من تلك الدول ما زال يواجه اضطرابات مالية وأيضا الآن هنالك تحديات في أماكن أخرى  تواجه الاقتصاد العالمي.

أوروبا والخروج من الأزمة الخطيرة

خليل بن الدين: الأزمة الأوروبية التي تحدثتم عنها الآن تشهد منعرجا أخر، هل ممكن أن نعرف ما هي اتجاهات هذه الأزمة في نظركم، ما هي المساعدات الممكنة من طرف صندوق النقد الدولي لمساعدة أوروبا من الخروج من الأزمة الخطيرة أو الأزمة التي يمكن أن تؤثر أو أثرت بالفعل على الاقتصاد العالمي وليس فقط على الوضع في أوروبا؟.

مسعود أحمد: كما قلت سابقاً إن عدداً من دول منطقة اليورو تمر حاليا بفترة صعبة جداً وإن صندوق النقد الدولي يعمل مع تلك الدول بشكل فردي بالإضافة إلى عملنا مع السلطات الأوروبية مثل المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، وذلك من اجل محاولة مساعدة كل من تلك الدول لإيجاد مخرج لها من تلك الأزمة، هذا بالإضافة إلى مساعدتهم في وضع قوانين وقيود أكثر عمومية وسياسات الدعم التي ستساعد تلك الدول على إدارة تلك الأزمة وبأقل تكلفة ممكنة، وقام صندوق النقد الدولي أيضاً بتقديم التمويل لبعض الدول بينما قدم النصح في دول أخرى، وبطريقة ما فإن الدور الذي لعبه صندوق النقد الدولي في الأزمة الأوروبية يشبه إلى حد كبير دوره في دول أخرى شهدت أزمات، حاولنا دعمهم بثلاث طرق: أولاً عن طريق التحليل حول المخاطر وكيفية التعامل معها وأيضا نحاول المساعدة عن طريق تقديم الدعم الفني من أجل تقوية المؤسسات وبناء إمكانياتها، مثلا في المصرف المركزي أو الوزارات، وحاولنا أيضا تقديم التمويل الذي من شأنه أن يسهل الفترة الانتقالية، لذلك يمكن أن يتم اتخاذ القرارات الصعبة الواجب اتخاذها وقت الأزمات بوجود دعم قد يأتي من صندوق النقد الدولي.

خليل بن الدين: المساعدات التقنية الموجه من طرف صندوق النقد الدولي إلى أوروبا كنا نعتقد بأنها مساعدات ربما فنية  تلك التي نتحدث عنها إضافة للمساعدات المالية لكن نتحدث فقط عن المساعدات الفنية، كنا نعتقد أنها تذهب للدول الفقيرة، الدول الغير المتقدمة، هل أوروبا بحاجة أيضا إلى مساعدات فنية من طرفكم.

مسعود أحمد: نحن مؤسسة تتكون من 188 دولة، وفي بعض الأحيان هنالك أكثر من دولة تحتاج للدعم الفني لكن طبيعة هذا الدعم قد تختلف، ففي بلد ما قد تكون هنالك حاجة إلى تقوية إدارات الإنفاق العام وخاصة الدول ذات الدخل المنخفض إذْ إن من المهم لهم أن يحصلوا على مردود جيد مقابل إنفاقهم، وبشكل عام تتحسن إدارة الإنفاق كلما تحسنت تطور البلد، وعندما يتحسن وضع البلد قد يرغبون باستخدام خبرات الآخرين بإجراء اختبارات على المصارف، وهذه منطقة أخرى بإمكان صندوق النقد الدولي أن يقدم الدعم فيها ولا يقتصر دور صندوق النقد الدولي على تقديم الدعم الفني من داخل المؤسسة فقط بل عن طريق إحضار الخبرات من دول أخرى حاولت أن تحل المشكلة نفسها لأن أفضل الخبرات هي تلك المستقاة من دول حاولت أن تجد حلا للأزمة نفسها وبالتالي تعلم الدروس منها.

الوحدة النقدية الخليجية

خليل بن الدين: أزمة اليورو، ألا تعطي مثالاً سيئاً ربما أو قد تعيق تجربتها هي تجربة الوحدة النقدية في دول الخليج العربي، أنتم تعرفون بأن هذه الوحدة النقدية الخليجية متعثرة الآن في بعض الدول التي رفضت الانضمام إليها، ما زالت هناك بعض المشاكل القانونية والتقنية هل تعتقدون بأن أزمة اليورو ستؤثر على الوحدة النقدية الخليجية؟

مسعود أحمد: مثلما كنت أقول منذ قليل من المفيد دائما استقاء الدروس من تجارب الدول الأخرى، وذلك لمعالجة القضايا التي قد نواجهها، وهذا مثال جيد على ذلك، يتساءل أعضاء مجلس التعاون الخليجي عما يمكن أن يتعلموه من الاتحاد الأوروبي وأنا أقول إن هناك درسين مهمين يجب تعلمهما: الأول أن تكون السياسات والمؤسسات موجودة في كل دول ستكون جزءا من الاتحاد النقدي وذلك من أجل ضمان وجود مناهج متشابه في إدارة اقتصاداتهم، وأيضا لمراجعة سياساتهم المالية والسياسات النقدية، أما النقطة الثانية فهي مهمة جداً، هنالك آليات متفق عليه يجب أن تكون موجودة لتساعدهم على التعامل مع أي صدمات أو أزمات قد تحدث ولا تكون متوقعة من قبل الدول بشكل فردي أو من قبل الاتحاد ككل، لذلك أعتقد أننا تعلمنا دروساً مما حدث لأوروبا وأنا متأكد أن أعضاء مجلس التعاون قد أخذوا هذه الأمور بعين الاعتبار.

خليل بن الدين: أنتم تعرفون بأن دول الخليج لديها وفرة مالية أو معظم دول الخليج بالأحرى إن صح التعبير، لديها وفرة مالية، في نظركم ما هي أهمية تطوير سوق سندات الدين في هذه الدول؟

مسعود أحمد: حسناً إن سوق سندات الدين العام تلعب دوراً مهماً وحتى لو لم تكن لديك حاجة ملحة للتمويل، ويرجع هذا لأسباب ثلاثة: السبب الأول عندما تقوم الحكومة بتطوير هذا السوق وتلعب دورا مهما في الاقتراض  فأنها تساعد على تكوين ما نسميه المنحنى العام، وهو سعر الاقتراض بمستويات مختلفة، وبإمكان هذا المنحنى أن يكون نقطة قد تلجأ إليها شركات القطاع الخاص الراغبة بالاقتراض، لذلك هو يعمل على إيجاد سوق للاقتراض وإيجاد مرجع للاقتراض الخالص، ثانيا: إذا ما كان لديك سوق اقتراض محلي فهو سيساعد على مراقبة سياساتك النقدية فيما يتعلق بتوفير الأموال والسيولة للاقتصاد، وهذا مهم في دول مجلس التعاون الخليجي لأن نسب التحويل لديهم ثابتة، لذلك من المهم أن تتم السيطرة على السيولة بهذه الطريقة، السبب الأخير لأهمية هذا الأمر لدول مجلس التعاون الخليجي هو أنه يوفر طرقاً مختلفة ومتنوعة في تمويل المؤسسات في القطاع الخاص ليس فقط بالاعتماد على المصارف أو على طرق أخرى يمكنك استخدامها في سوق الدين المحلي كالسندات مثلا، يمكنك أن توجد هيكلا متنوعاً ويكون أقل عرضة للمخاطر المصاحبة لتركيز التمويل عبر نوع واحد من المؤسسات وهو  المصارف، لذلك هنالك توزيع لإدارة المخاطر وإدارة أفضل للسياسة النقدية وإيجاد مؤشر للقطاع الخاص، كل هذه أسباب جيدة تشجع على إيجاد أسواق دين محلية في دول مجلس التعاون الخليجي.

خليل بن الدين: هل صندوق النقد الدولي لديه مساهمة في هذا الإطار؟ ما هي إمكانية مساعدة دول الخليج العربي على الأقل فنياً وتقنياً لوجود مثل هذه السوق، سوق سندات الدين العام؟

مسعود أحمد: نحن بدأنا العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً لهذا الخصوص بناء وتقوية أسواق الدين المحلية وأسواق رأس المال المحلية بشكل عام، ونحن أيضاً نستمر في دعمهم حول عناصر معينة خاصة بسوق الدين، أمور بسيطة بإمكاننا أن نسميها تسهيل عمل سوق الدين ومنظومة الدفع وأنظمة التسويات، لذلك نحن نعمل مع عدد من الدول حول هذه القضايا وسنستمر بالعمل فيها مع دول مجلس التعاون الخليجي.

خليل بن الدين: شكراً لكم السيد مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، شكرا لكم مرة ثانية وتحياتي لكم أيها المشاهدون الكرام والسلام عليكم وإلى اللقاء.