ملف سقوط الأندلس ج3
– الموريسكيون بعد سقوط الأندلس
– اعتناق المسيحية بالإكراه
– محاكم التفتيش وجواسيس الكنيسة
– اليهود ومحاكم التفتيش والاضطهاد المسيحي
– حملة حرق الكتب والمصاحف لطمس الهوية الإسلامية
– ثورة البشارات
عماد همام: بعد الحروب المتتالية للممالك المسيحية الشمالية على الثغور الأندلسية، توالى سقوط المدن الأندلسية إلى أن سقطت غرناطة آخر معقل للمسلمين عام 1492 للميلاد، وانتهت بذلك الخلافة الإسلامية في شبه الجزيرة الإبرية، لكن زوال السلطة الإسلامية لم يتبعه زوال الأندلسيين الذين استمروا في العيش بإسبانيا تحت لقب الموريسكين.
الموريسكيون بعد سقوط الأندلس
عماد همام:
بعد دخول الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا غرناطة، تم التراجع عن بنود معاهدة التسليم، وبدأت فترةٌ حالكةٌ من حياة الأندلسيين الذين انقسموا إلى قسمين، قسمٍ لحق بمن رحل عن الأندلس إلى بلاد الإسلام في شمال إفريقية، وقسمٍ آخر دخل المسيحية أو تظاهر باعتناق المسيحية، ويطلق الأسبان على هؤلاء اسم الموريسكين، والموريسكيون هم أهالي الأندلس الذين تم تنصيرهم وتعميدهم بالإجبار بعد سقوط غرناطة.
لويس برنابيه: رئيس
قسم الدراسات العربية- جامعة ألكانتي بأسبانيا: أصبحت غرناطة جزءاً من مملكة قشتالة وفي السنة الأولى بعد 1500، تم تطبيق التنصير الإجباري على كل سكان غرناطة، وبما أن غرناطة أصبحت جزءاً من قشتالة، فقد سرى القانون على كل المسلمين الذين يعيشون في مملكة قشتالة، وكانت هذه هي بداية النهاية للمسلمين في كل شبه الجزيرة الإيبرية .
مرسيدس غارسيا أرنال:
أستاذة باحثة في قسم الدراسات العربية في المعهد العالي للعلوم – مدريد: فرضوا سلسلة من الإجراءات المرتبطة بالاستيطان، مع مجموعات من المستوطنين القادمين من قشتالة، والذين كانوا يريدون التمكن من المدينة وتحويلها إلى مدينة إسبانية، كانوا يبحثون عن أراضٍ وأعمالٍ لكسب العيش منها، كان هناك توطين قوي لمملكة غرناطة، كان العديد من أهل غرناطة يغادرون ليتم استبدالهم بمسيحيين من الممالك الشمالية.
عماد همام:
بعد سقوط غرناطة توسع حضور الكنيسة البابوية، ليشمل مصير المسلمين من أهل الأندلس الذين فضلوا البقاء في ديارهم فبدأ التضييق عليهم.
محمد رزوق:
أستاذ في التاريخ بجامعة الشق- الدار البيضاء: الكنيسة والبابا لم يكونا بعيدين أبداً عن ما وقع بالأندلس، وهذا ليس فقط أثناء سقوط غرناطة بل قبل، قبل كانت هناك مباركة من طرف البابا والكنيسة، بل وبتحريضٍ من البابا والكنيسة .
عبد الواحد أكمير:
أستاذ في التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط- مدير مركز الدراسات الأندلسية وحوار الحضارات بالرباط: دور الكنيسة سيبرز بشكل أكبر بعد نهاية حروب الاسترداد، فبعد نهاية حكم المسلمين ستبدأ مرحلة التنصير القسري، وسيبدأ دور الكنيسة يبرز بشكل كبير جداً وبالتالي سيتم التراجع على مجموعة من الامتيازات بين مزدوجتين التي منحت للمسلمين قبل التوقيع على اتفاقية الاستسلام.
عماد همام:
كانت وعود تسليم غرناطة بحسب اتفاقية التسليم قد تضمنت مواد مانعةً للتنصير وحافظة للحرمات والحريات، فبموجب المادة الثامنة من الوثيقة لا يرغم صاحبا السمو فرناندو وإيزابيلا وسلالتهما حاضراً وإلى الأبد المسلمين على وضع أي إشارةٍ مميزةٍ لملابسهم، وبموجب المادة الحادية عشرة على صاحبي السمو أن لا يستخدما أي رجلٍ من المسلمين أو أن يسخروا دوابهم في أي غرض بدون إرادتهم وبدون أن تدفع لهم أجورهم، وبموجب المادة الثانية عشرة لا يسمح لأي نصراني بدخول المساجد أو أي مكان عبادة للمسلمين بدون إذنٍ من الفقهاء .
زبيدة محمد عطا:
عميد أسبق لكلية الآداب- جامعة حلوان- أستاذة التاريخ تخصص العصور الوسطى: اللي يشوف شروط الاتفاقية يقول إنهم عاملوهم معاملة طيبة، لكن هذه الاتفاقية في 1499 أجبرت، ألغيت هذه الشروط وأجبر المسلمين على التنصر بالإجبار، وهذه الشروط التي ذكرت كلها تم عدم الاهتمام بها وإلغائها، واعتبروا المسلمين كفرة ويجب أن يدخلوا في الدين المسيحي.
مرسيدس غارسيا أرنال
: كان كل طرفٍ يتهم الآخر بانتهاك الاتفاقية، كان المسلمون يقولون إن الاتفاقية انتهكت، بفرض عملية التنصير وعدم احترام حقهم في الأراضي، وكان المسيحيون يدعون أن المسلمين انتهكوا الاتفاقية بالتمرد على السلطات القشتالية، فالحقيقة لم تكن هذه الاتفاقية لتستمر، كانت الامتيازات ستتحول بعد 10 سنوات إلى شيءٍ لا يمكن تحمله.
رضوى عاشور:
أستاذة بقسم اللغة الإنجليزية- كلية الآداب جامعة عين شمس: بدأ أهالي غرناطة يواجهون اضطهادا استثنائيا، يعني إغلاق الحمامات، كانت تعتبر الحمامات من أساليب الحياة العربية، منع حمل السلاح، منع بيع الأرض يعني من شخص عربي مسلم إلى شخص عربي مسلم.
اعتناق المسيحية بالإكراه
عماد همام:ما إن تسلما ملكا الكاثوليك غرناطة حتى شرعا في تنصير أهلها بأساليب سلمية وأوكلوا هداية الموريسكيون إلى العقيدة المسيحية إلى القس هيرناندو دي تالابيرا أول أساقفة غرناطة.
لويس برنابيه
: بعد سقوط غرناطة كان للملوك النصارى سياسةٌ دينية خاصة، وقد سلموا هذه السياسة إلى تالابيرا ، كان تالابيرا رجلاً عايش كل المعاهدات التي أبرمت على أراضي الأندلس في العصور الوسطى، وكان دائماً يتطلع إلى سياسة التنصير بشكلٍ صادقٍ ومقنع.
عبد الواحد أكمير
: وتالابيرا هذا رجل من أصول يهودية اعتنق المسيحية وأصبح مقربا من الملكين الكاثوليكيين، وكان رجلاً متسامحاً اشتهر استهجانا باسم الفقيه الكاثوليكي، لأنه تعاطف مع المسلمين وبطبيعة الحال لم يقبل قبل ذلك الطريقة التي طرد بها اليهود سنة 1492.
عماد همام:
خلال السنوات الأولى سادت روح التسامح أجواء غرناطة، وكان بالإمكان سماع صوت الأذان في أوقاته آتياً من مآذن المدينة، قبل أن تقدم السلطات الإسبانية على تحويل مسجد الطيبين إلى كنيسة وتحول مسجد غرناطة الأكبر إلى كاتدرائية، كان تحويل أماكن العبادة الإسلامية إلى أماكن للعبادة المسيحية من أولى علامات تحول سياسة الدولة الإسبانية من التسامح إلى التشدد.
لويس برنابيه
: أثمرت سياسة تلابيرا نتائج بطيئة، لهذا اختار الملكان النصرانيان الكاردينال سيسنيروس للقيام بباقي العملية، اختار سيسنيروس طريقة أخرى مختلفة تماماً عن سابقة، يرفض فيها رفضاً قاطعاً الثقافة العربية والإسلامية.
عبد الواحد أكمير
: وسيسنيروس هذا الشخص متعصب جداً للمسيحية، وله عداء لا حدود له حيال الإسلام بشكل عام وليس فقط حيال الأندلسيين..
عماد همام:
من الأرشيف الوطني الإسباني وجدنا هذه الوثيقة وهي سيرة حياة الكاردينال سيسنيروس كما كتبها حاجبه وكاتبة خوان دي باييغو، دفع الكاردينال سيسنيروس كثيراً من فقهاء المسلمين إلى التنصر، أحرق كل المصاحف التي وقعت عليها يده، حرض على قيام ثورةٍ في حي البيازين، تنادي بحظر الإسلام في مملكتي قشتالة وليون بتواطؤ من العاهلين الكاثوليكيين إيزابيلا وفرناندو، وأمر بإلغاء كل العقود التي تحرر باللغة العربية وحظر التحدث بها، كما أمر أن يرتدي الموريسكيون ملابس قشتالية، وأن تسير الموريسكيات في الشوارع ووجوههن مكشوفة.
محمد رزوق
: المرحلة الخطيرة والتي ستأتي مع الشهر الخامس، وهي فرض التعميد الإجباري سنة 1500 هنا عملياً انتهى الإسلام الرسمي .
عبد الواحد أكمير
: فأصبح المسلمون مجبرون باعتناق المسيحية وبطبيعة الحال هذا لم يكن ممكناً، فبسبب ذلك كل من ثبت عدم اعتناقه للمسيحية كان يحاكم ويحرق بتهمة الهرطقة.
مرسيدس غارسيا أرنال:
من الواضح أن هذا التعميد كان قد تم بالقصر والإجبار، هل كان قانونياً أم لا، هل يجب الاعتراف به، ما أثار الجدل هو أن المعمودية سر مقدس وفقاً للديانة الكاثوليكية، الطقوس المقدسة ليست شيئاً يمكن رفضه أو إنكاره لأنها تمنح من يتلقاها بركة الرب وهكذا يمنح الرب نعمه من خلال التعميد حتى لو كان قسرياً ولا يمكن لأي إرادةٍ بشريةٍ أن تقبله أو ترفضه.
زبيدة محمد عطا
: يطلع قرارا جديدا في 1501 بالإجبار اللي مش عاوز يخش، يدخل في الديانة المسيحية فيسترق أو يغادر البلاد، والباقون يجب أن يدخلوا في المسيحية فإذن كل الاتفاقات اللي عملوها بحماية أموالهم ودينهم ومعاملتهم معاملة متميزة دي انتهت.
لويس برنابيه:
كانت هناك حالة من الفوضى مثلاً في مملكة قشتالة في الجنوب أصبح المسلمون القدامى نصارى بسبب تعميدهم وتنصيرهم إلا أن الموريسكين في ممالك الشمال في أراغون ونافارا كانوا ما يزالون يتمتعون بممارسة شعائرهم الدينية.
عماد همام:
في وثيقة من الأرشيف الوطني الاسباني بتاريخ السابع من أكتوبر تشرين الأول عام 1587 للميلاد وهي خطاب موجه من الملك فيليب الثاني إلى كبير أساقفة بلنسيه يتساءل فيها الملك عن الإجراءات المتخذة لتعزيز تعليم مبادئ المسيحية لموريكسيي بلنسية والدفع بهم لاعتناق المسيحية.
رضوى عاشور
: فرض التنصير القسري على أهالي بلنسية وكان فرض قبل ذلك على أهالي غرناطة وقشتالة وليون، كان هناك أشكال كثير من المقاومة، لا تقتصر المقاومة على الفعل السياسي المباشر، ولا تقتصر على المقاومة المسلحة والتي كان يقوم بها بعض المجاهدين في الجبال أو بعض البحارة في البحر، أشكال المقاومة لم تقتصر أبداً على الانتفاضات أو الثورات التي يقوم بها المجاهدون، لكن كان هناك أشكال مختلفة وكثيرة وبعضها فيه إبداع يقوم به الأهالي لضمان حياتهم اليومية ولضمان استمرارهم واستمرار ما يعتقدون أنه يستحق الحفاظ عليه بأي ثمن ألا وهي عقيدتهم.
مرسيدس غاسيا أرنال:
تأملوا عدد المنتصرين من المسلمين ومنهم من تنصر عن إيمان كان عليهم أن يوافقوا على إدانة آبائهم وأجدادهم، كانت هذه مشكلةً خطيرة ومثيرةً للجدل، شاع في تلك الفترة رأي يعد جريمة في نظر محاكم التفتيش وهو أن كل يهوديٍ أو مسلمٍ أو مسيحي يمنح الخلاص من خلال عقيدته أي أن من يتبع عقيدته ومبادئه بصدقٍ وإيمان سيمنح الخلاص، لم يكن ممكناً للكنسية الكاثوليكية أن توافق على ذلك فالخلاص كان فقط لدى الكنيسة الكاثوليكية.
عماد همام:
ضمن الأرشيف العام لسيما نكاس وجدنا وثيقة وهي عبارة عن مرسومٍ بعثه البابا سكستوس الرابع إلى أساقفة مملكتي قشتالة وأراغون يحثهم على ممارسة التعميد القسري على الموريسكيين وتخييرهم بين التعميد أو مصادرة أملاكهم.
عبد الواحد أكمير:
بالنسبة للمورسكيين آنذاك أحلاهما مر، لكن حسب علمي العديد منهم فضل التعميد على التخلي عن أملاكه، فهم انطلاقا من الشرعية الإسلامية التي تقول إلا من اضطر وقلبه مطمئن بالإيمان فأغلبهم تعمدوا لا نجد لم يكن بإمكان أحدهم أن يتجرأ ويقول أنا أرفض التعميد، أنا أرفض اعتناق المسحية، ظاهرياً كلهم مسيحيون وباطنياً كلهم مسلمون وبالتالي هم كانوا يعيشون أزمة هوية حادة جداً.
محمد رزوق:
حتى الذين عمدوا كانوا يبحثون لهم عن أسباب ولو واهية لاتهامهم أنهم ما زالوا مسلمين وينتزعون أراضيهم فهو هذا الموريسكي المعذب المقموع أرضه كانت ستنتزع منه سواء ظل مسلماً أو اعتنق المسيحية.
زبيدة محمد عطا:
تجد بقا تبقى عملية إجبار على الجميع في الدخول في الديانة المسيحية إما أنه يدخل أو مش بس بيأخذ أرضه بيسترق يعني يشتغل عبدا في الأرض أو ينفى خارج إيه وبعدين وصلت بعد كده إلى الإعدام.
عماد همام:
بين عامي 1524 و1525 اندلعت حرب في بلنسية قامت بها طبقة برجوازية متوسطة إسبانية شنت الثورة ضد الموريسكيين ونجحت خاصة في التخلص من النبلاء المسلمين أو تقليلهم كما قامت بدخول القرى وجمع أهالي المسلمين وتخييرهم بين التنصر أو الموت.
لويس برنابيه:
وعلى هذا الأمر رأى الملك معارضة النبلاء وقرر أن على كل مسلمي أراغون التنصر كالبقية أو الهجرة من ديارهم، حدث ذلك سنة 1515وكان الأمر الذي حدد مصير المسلمين في بلنسية.
عبد الواحد أكمير:
فالعديد منهم تظاهر بالمسيحية لكن في بيوتهم كانوا يمارسون الإسلام وبحكم أنهم كانوا يشكون في اعتناقهم للمسيحية فكانوا مجبرين على ترك بيوتهم مفتوحة ليل نهار لتدخل محاكم التفتيش وتراقب وهنا بدأت واحدة من أكبر المآسي التي عرفتها تاريخ إسبانيا.
محاكم التفتيش وجواسيس الكنيسة
عماد همام:
أسست الكنيسة الكاثوليكية محاكم التفتيش في إيطاليا وفرنا وألمانيا لتقصي أخبار الناس ومتابعتهم إن خالفوا أفكار وأعمال الكنيسة، فطاردت العلماء والمفكرين وشردت وأحرقت منهم الكثير وأنشأت أول محكمة تفتيش عام 1242 في أراغون وسميت بالديوان القديم وفي عام 1459 أصدر ملك قشتالة أنريكي الرابع أمراً ملكياً للأساقفة بالبحث والاستقصاء في دوائرهم عن المضمرين لأفكارٍ مخالفةٍ للكاثوليكية، وفي نوفمبر تشرين الثاني من عام 1478 أصدر البابا سيكستوس الرابع مرسوماً بإنشاء محكمة التفتيش في إسبانيا وطالبت المحكمة الجميع بالتحول إلى ما يشبه الجواسيس للكنيسة.
لويس برنابيه:
في البداية كان عمل محاكم التفتيش يتوقف على التقصي عن النصارى ولم تكن ملزمة بالتقصي عن المسلمين ولكن ابتداء في عام 1501 إلى 1525 أصبح لها دور كبير في التقصي وطرد الموريسكيين، كانت محاكم التفتيش في ظاهرها أو في تكوينها محكمة دينية متشددة ثم انتقلت بعد ذلك إلى أداة سلطةٍ قويةٍ في سياسة الملوك الكاثوليك.
عبد الواحد أكمير:
محاكم التفتيش استمرت إلى غاية القرن التاسع عشر، المسلمون في الأندلس واصلوا ممارسة معتقداتهم الدينية لم يختف الإسلام بينهم لكنه فقط مورس في الخفاء ولنا الرحلات التي قام بها الرحالة والسفراء المسلمون إلى الأندلس في القرن السابع عشر والثامن عشر وتركوا لنا مذكرات مثل الغزال ومثل المكناسي يتحدثون عن هؤلاء وكيف يمارسون معتقداتهم في الخفاء وكان كل من يكتشف منهم إلى غاية القرن التاسع عشر يعدم .
رضوى عاشور:
كان هناك محاكم تفتيش باباوية في القرون الوسطى، لكن محكمة التفتيش الإسبانية التي نتحدث عنها هي محاكم نشأت بأمر الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا في السبعينات من القرن 15 وفضلت تواصل دورها حتى الثلث الأول من القرن 19وإن كان طبعاً دورها كان تراجع.
عماد همام:
أصل مرسوم تأسيس محاكم التفتيش بالأندلس ضائع بين مراكز الأرشيف الإسبانية، لكننا عثرنا في الأرشيف العام لسيما نكاس على مرسوم لاحق أصدره البابا سيكستوس الرابع في الحادي عشر من نوفمبر تشرين الثاني لعام 1481 بزيادة عدد المفتشين من ثلاثة إلى عشرة من القساوسة الذين يديرون محاكم التفتيش، يتبين من هذا المرسوم أن البابا عين بيدرو دي أوكانيا كمفتشٍ عام لمملكتي قشتالة وليون بالإضافة إلى آخرين كخبراء في اللاهوت المسيحي.
مرسيدس غاسيا أرنال:
تم تدمير نسبة كبيرة جداً من سجلات محاكم التفتيش لدى غزو نابليون لإسبانيا والذي سبب دماراً كبيراً وقعت معظم أحكام الموريسكيين تحت بند التوفيق، ويتضمن مصادرة الممتلكات والأراضي وأحكام الشغل التي كانت شبه نظامية، كانت سنوات الشغل تنفذ في التجديف بالمراكب، وكان هذا شاقاً للغاية، مات الكثير من الناس في تلك المراكب، لم يكن ممكناً تحمل ثلاث أو أربع سنوات في مراكب التجديف، لكنه لم يكن حكماً بالإعدام فلم يتم حرقهم، البعض منهم قاوم أو تحرر إثر مهاجمة السفن العثمانية لمركبهم، أو دفعوا مبلغا من المال لتخفيف الحكم، لكن عدد الموريسكيين الذي أعدموا حرقاً أقل بكثير من اليهود المرتدين أو البروتستانت إذ كانوا الخطر الأكبر بنظر محاكم التفتيش.
[فاصل إعلاني]
رضوى عاشور:
بعد ما سيطر الملكين الكاثوليكيين على كل الأندلس بسقوط آخر الممالك وهي مملكة غرناطة، كان مطلوب فرض تجانس عقائدي على كل سكان شبه الجزيرة الإبرية إسبانيا يعني، ما سوف يصبح إسبانيا لاحقاً.
لويس برنابيه:
بحكم أن الموريسكيين أصبحوا نصارى رسمياً وأمام السلطة فقد صار يسري عليهم قانون محاكم التفتيش وأصبحوا خاضعين للرقابة، كانت محاكم التفتيش تتقصى وتبحث عن أي تحريف أو أي اعتقادٍ يشوه المعتقد النصراني عن الموريسكيين.
عماد همام:
وفي وثيقةٍ ضمن الأرشيف العام لسيما نكاس، وجدنا وصفاً لمحاكم التفتيش، حيث تبدأ المحكمة عملها بتبليغ الشخص المتهم فإن كان معروفاً يستدعى لتقديم شهادته التي تعتبر تفتيشاً تمهيدياً، تعرض نتائجه على رهبان مقررين الذي يتجه قرارهم إلى الإدانة غالباً، فيقبض على المتهم ويسجن من دون أن يعرف السبب.
محمد رزوق:
عندما ننظر إلى هؤلاء الموريسكيين وهم في محاكم التفتيش، هذا الموريسكي أولاً في المحكمة هو متهم لا ننسى هذا، موريسكي تعرض للتعذيب تعرض للقمع، هذا الموريسكي لا يعرف مصيره ماذا سيكون بعد، لا ننسى أنه ممكن أن يذهب إلى الحرب لما يسمى آنذاك للطهارة.
لويس برنابيه:
في نهاية القرن السادس عشر حدثت موجة رهيبة من اضطهاد الموريسكيين، خاصةً في مملكة أراغون من قبل محاكم التفتيش، هذه المحاكم تأكدت من خلال بحثها وإجراءاتها كيف أن الإسلام عاش وما يزال يعيش داخل هذه الأسر الموريسكية طيلة القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر.
رضوى عاشور:
أولاً كان دايماً سهل التهمة إن دول طابور خامس، دول أعداء إسبانيا، دول بيتعاملوا دول خونة، دول يتعاملوا مع القوة العدوة مع الإنجليز أو الفرنسيين.
عماد همام:
ضمن الأرشيف الوطني الإسباني وثيقة تجسد تفاصيل ممارسات محاكم التفتيش، حيث أنه إذا اعترف الشخص عوقب بدون رحمة ولا شفقة، وإذا لم يعترف يحال إلى التعذيب حتى يعترف بأي شيء أو يموت تحت العذاب، وكانت دروب التعذيب تصل إلى درجةٍ من الوحشية لا تخطر على بال، ويمكن للمتهم أن يعلن التوبة ويطلب العفو من البابا مقابل أموالٍ طائلةٍ إن كانت له أموال، وإذا حكم على المتهم بالبراءة وقليلاً ما يكون ذلك، فإنه يعطى شهادةً بطهارته من الذنوب تعويضاً على ذهاب ماله وشرفه وصحته ظلماً وعدواناً، أما إذا كانت الإدانة بتهمة كبيرة فيؤخذ المتهم من السجن بدون أن يعلم مصيره.
لويس برنابيه:
غدت الحياة اليومية للموريسكيين مملوءة بالرعب والخوف من محاكم التفتيش ومن المتعاونين معها، من الممارسات التي كانت محاكم التفتيش تقوم بها انتزاع الاعترافات وتوقيف المشتبه بهم، وكانت هذه الاعترافات في كثير من الأحيان، تؤخذ تحت التعذيب.
مرسيدس غارسيا أرنال:
لم تفرق محاكم التفتيش بين الرجال والنساء، لكن كأي مجتمع في فترة ما قبل الحداثة كانت هناك اختلافاتٌ في المواقع الدينية للرجال والنساء، وخاصةً عندما يمارس الدين سراً، يتمثل دور المرأة في الحفاظ على ما يجري في المنزل، الطقوس والطعام وتربية الأطفال وغسل وتكفين الموتى، تنتمي كل هذه الأشياء في المجتمع المحافظ إلى العالم النسوي، ونفس الشيء بالنسبة للموريسكيين، وكانت النساء تدان لهذه الأسباب مثل الرجال، كان عدد النساء المحاكمات أكثر عندما كانت محكمة التفتيش تنجح في تفكيك عائلة أو مجتمع بمعنى أنها كانت تحاكم عدداً من أعضاء الجماعة بإستراتيجيةٍ وقوةٍ كافيتين تدفعهم إلى الوشاية ببعضهم البعض.
اليهود ومحاكم التفتيش والاضطهاد المسيحي
عماد همام:
عند سقوط غرناطة عام 1492 للميلاد، قام الملكان الكاثوليكيان فرناندو وإيزابيلا بطرد اليهود الذين قصدوا جهاتٍ متعددة، وبعدها تم إنشاء محاكم تفتيشٍ خاصة بهم تتبعهم في جميع إسبانيا فكانوا أول من اكتوى بنار هذه المحاكم.
زبيدة محمد عطا:
لأن بعض اليهود اعتنق المسيحية وصل من مناصب عليا فالكنيسة شككت في إيمان إيه، اليهود دول، وابتدت تعمل لهم محاكم تفتيش.
محمد رزوق:
اليهود الذي تعرضوا لمحاكم التفتيش فرض عليهم التنصر، يسمون في اللغة الإسبانية كونفيرسس، كونفيرسس هو ذلك اليهودي الذي تنصر عمداً منه وتحاول السلطة أن تدخله في النسق الإسباني.
عبد الواحد أكمير:
النصارى لهم أعداء بنفس المستوى للمسلمين ولليهود، ولا ننسى أن اليهود استمتعوا في الأندلس بحرية دينية وثقافية واقتصادية لم يستمتعوا ولم يستفيدوا بمثلها في أي مكانٍ من العالم، هذا التعايش يبين درجة التسامح وهذا لم يعد قائماًً لما دخل النصارى، فأعداء النصارى وأعداء الملكين الكاثوليكيين لليهود يتبين من خلال التعجيل بطردهم فقد طردوا مباشرةً بعد دخول القوات المسيحية إلى غرناطة، ولم توقع معهم أي اتفاقية مثل التي وقعت مع المسلمين.
عماد همام:
جاء في وثيقة من الأرشيف العام لسيما نكاس أنه في عام 1483 للميلاد عينت الملكة إيزابيلا توماس دي توركيمادا في منصب المفتش العام لمحاكم التفتيش، بطش هذا الأخير بالمتنصرين اليهود، وأخذ عماله يحولون الهراطقة اليهود إلى المحاكم بحرقهم أحياءاً أو مصادرة أموالهم، وفي عام 1492 للميلاد أصدرت إيزابيلا مرسوم طرد اليهود من أجل طمس دوافع اقتصادية تمثلت في إعفاء الخزانة الملكية من أعباء تسديد الديون التي قدمها الممولون اليهود لقهر غرناطة.
مرسيدس غارسيا أرنال:
لا يمكن فهم مشكلة الموريسكيين بمنأى عن مشكلة اليهود المتنصرين، ولا يمكن فهم مشكلة اليهود المتنصرين والموريسكيين بمنأى عن حروب الدينية خلال القرن السادس عشر في أوروبا، تلك المعارك المستميتة بين الإصلاحيين والكاثوليك التي سفكت أنهاراً من الدماء، منح التاج الاسباني نفسه حق الدفاع عن الإصلاح الكاثوليكي، وذلك أثر بشكلٍ حاسم على الدور الذي كان التاج يتبناه بالنسبة لتابعيه.
محمد رزوق:
إن هؤلاء الموريسكيين رغم الضغوط ورغم القمع، ظلوا محافظين على ديانتهم والدليل على ذلك أن هؤلاء الموريسكيين حتى بعد أن ضعفت لغتهم العربية ولم يستطيعوا التكلم بها، أنشئوا ما يسمى ألخميادو ، ألخميادو وهو جيء من كلمة العجلية أي اللغة الموريسكية العجلية، أي كتابة الإسبانية لكن بحروف عربية.
لويس برنابيه:
منذ أن أصبح المسلمون نصارى بالقوة، بدأت السلطات النصرانية تعمل على اجتثاث ومسح كل مظاهر الحياة الإسلامية من ناحية الملبس والمأكل والغسل، وكل ما له علاقة بالثقافة العربية الإسلامية.
عماد همام:
صدر الأمر بمنع استعمال اللغة العربية وتابعت الدولة والكنيسة سياسة التنصير القسري، فتم تعميد جميع الأهالي بالقوة وبدأت بوادر حرق الكتب العربية تلوح في الأفق.
رضوى عاشور:
في نفس هذا الوقت، حدث واقعة أعتقد أن كان لها تأثير كبير جداً على أهالي غرناطة والبائسين اللي هي واقعة حرب الكتب.
محمد رزوق:
سيسنيروس هذا الراهب المتعصب الذي جمع في غرناطة الكتب العربية الإسلامية وأحرق العديد منها.
حملة حرق الكتب والمصاحف لطمس الهوية الإسلامية
عماد همام:
ضمن وثيقةٍ من الأرشيف الإسباني يصف الأب خوان محرقةً من محارق الكتب الدينية والمصاحف، أمر بها الكاردينال سيسنيروس في ميدان باب الرملة في غرناطة بمرسوم أصدره في 12 أكتوبر تشرين الأول 1501، تشير الوثيقة إلى أن الكاردينال سيسنيروس، ومنذ وصوله إلى غرناطة دفع الكثير من الفقهاء والوجهاء إلى التنصر، وأحرقت كل ما وقعت عليه يده من مصاحف وكتب دينية واللافت أن الأب خوان، سجل حادثة محرقة باب الرملة في هامش المخطوطة وربما يكون قد ظن في البداية أن التكتم عليها أفضل، ثم قرر تسجيلها بعد ذلك.
لويس برنابيه:
كان لحرق الكتب في ساحة الرملة ردة فعل كبيرة، قام الكاردينال سيسنيروس بإصدار أمر بمصادرة كل الكتب العربية، كتب القرآن الكريم والحديث أو أي كتب مكتوبة بالعربية وأمر بحرقها باستثناء الكتب العلمية والكتب التاريخية .
رضوى عاشور:
طبعا المؤرخون يختلفون حول عدد الكتب والمخطوطات التي حرقت، يقول البعض، أنها كانت 5000 ويقول البعض أنها أكثر من ذلك بكثير.
ثورة البشارات
عماد همام:
وجد الموريسكيون أنفسهم في وضع كانت فيه فرص الاختيار ضئيلة أمام تعسف نظام الحكم في غرناطة وممارسات محاكم التفتيش، لجأ العديد منهم إلى جبال البشارات بضواحي غرناطة، ومن هناك وفي اليوم 23 من ديسمبر عام 1568 اندلعت ثورة البشارات التي تزعمها محمد ابن أمية، كادت الثورة تنجح، لكن نظرا لقلة العتاد وعدم الاستعداد وتفرق الكلمة والتنازع فشل الأندلسيون، وانتهت هذه الثورة عام 1571 للميلاد.
عبد الواحد أكمير:
الثورة كان لها شق سياسي لكن كذلك كان لها شق اجتماعي وثقافي فالمسلمون الذين استسلموا وبقوا في غرناطة لاحظوا بأن اتفاقية الاستسلام لم تحترم أبدا، وأنهم أصبحوا مستهدفين في ثقافتهم، في ديانتهم، في أملاكهم فقرروا الانعزال والخروج من غرناطة والذهاب إلى منطقة البشارات.
زبيدة محمد عطا:
خلال 3 سنوات يجب أن يتركوا اللغة العربية تماما ولا يستعملوها، ويتعلموا اللغة القشتالية في 3 سنوات. ولا يرتدوا الملابس الإسلامية ويبعدوا عن كل ما هو إسلامي بالإجبار، ولو ثبت عكس هذا يسترق الشخص، فأدت إلى ثورة البشارات.
لويس برنابيه:
كبر هذا التوتر في منطقة البشارات حتى ثار الموريسكيون فيها وأعلنوا الاستقلال تماما عن الممالك النصرانية، فقاموا بثورة وحملوا السلاح حتى على رجال الدين النصرانيين.
عماد همام:
جاء في وثيقة من الأرشيف الوطني الإسباني، أنه عام 1500 للميلاد، انتقلت ثورة من حي البيازين إلى جبال البشارات بقيادة محمد ابن أمية، لاحق الجيش الثوار وحاصرهم، ثم قضى عليهم بعد شهور، وقتل معظمهم واسترق أبناءهم ونساءهم. ثم قامت ثورة أخرى أواخر عام 1500 في منطقة المرية ، قضي عليها بالهمجية والقساوة نفسها، تبين هذه الوثيقة وهي اتفاقية وقعها الملك فرناندو مع أهالي بلد كريم وجهات أخرى من منطقة جبال البشارات، لاحتواء التمرد المتواصل، ومعالجة القمع الذي مورس ضد الموريسكيين.
رضوى عاشور:
يعني كل انتفاضه كل ثورة هنا وهناك، حتى كادت تنتهي بمعاهدة أخرى ثنائية لتهدئة الأهالي، ثم يتم خرقها.
عماد همام:
ضمن الأرشيف العام لسيما نكاس، وجدنا وثيقة بتاريخ 30 من مارس آذار لعام 1571 تسرد فيها برياندا بيرف زوجة ابن أمية زعيم ثورة البشارات الأحداث كافة التي وقعت منذ بداية ثورة البشارات عام 1569وحتى مقتل زوجها عام 1571، وتصف فيها أشكال القمع والتقتيل الذي مورس في حق الموريسكيين.
محمد رزوق:
لو الخيانة، أقول الخيانة، سواء من داخل الأندلس، واليوم لا، عدم وصول المساعدات التي كانت تأتي من المغرب وباقي الدول الإسلامية.
لويس برنابيه:
هذه الثورة صراحة أحدثت خوفا وهلعا كبيرين في كل أسبانيا النصرانية، ليس في أسبانيا فقط بل في كل أوروبا وكانت أيضا هي الحرب الأخيرة التي قام بها المسلمون في أسبانيا.
عبد الواحد أكمير:
هذه الثورة كان محكوما عليها بالفشل أولا لانقسامات داخلية، داخل صفوف الموريسكيين، ثم أن لعدم توازن القوى بين أسبانيا آنذاك، أصبحت دولة اسمها أسبانيا ولها إمبراطور هو فيليب الثاني وجماعة من المقاومين البسطاء الذين انعزلوا في الجبال، وبطبيعة الحال النتيجة كانت لفائدة أسبانيا.
لويس برنابيه:
العقاب الذي لقيه بعدها الموريسكيون في البشارات كان صعبا وأليما جدا، لأنه تقرر في حقهم تهجيرهم من بيوتهم، وتوزيعهم على كل أنحاء أسبانيا.
عماد همام: بعد قمع ثورة البشارات تم طرد عدد كبير من الموريسكيين من غرناطة وتشتيتهم على باقي الجهات الإسبانية، والذي بقي منهم بقي بدأ يفكر في بيع ممتلكاته وأراضيه، والرحيل إلى شمال أفريقيا، وباعتلاء فيليب الثالث عرش أسبانيا بدء التخطيط لأفظع إبادة عرقية عرفها التاريخ، طرد الموريسكيين نهائيا من شبه الجزيرة الإبرية.