برقيات التجسس

برقية إسرائيلية سرية تكشف التستر على سرقة مخططات صاروخية

تفضح برقية تجسسية إسرائيلية سرية حصلت عليها الجزيرة وجود تستر على سرقة تكنولوجيا صواريخ من جنوب أفريقيا، وتبين أن أجهزة حكومية أخفت حصول إسرائيل على مخططات سلاح مسروقة.

ويل جوردان

تكشف وثيقة سرية صادرة عن جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد جرى تسريبها إلى الجزيرة، أن إسرائيل حصلت في العام ٢٠١٠ على تقنية صاروخ مضاد للطائرات تابع لجنوب أفريقيا، إلا أن جهاز مخابرات جنوب أفريقيا تستر على الأمر. 

بعد سنوات، وحينما قدم رجلان اتهما بسرقة المخططات للمحاكمة في جنوب أفريقيا لم يفلح الادعاء في الكشف عن التفاصيل الكاملة لتورط الموساد. 

وتم تزويد الصحفيين الذين غطوا مجريات القضية بمعلومات زائفة عن الحادثة، مما نجم عنه نشر تقرير مفاده أن المادة قدمت للإسرائيليين ولكنهم "لم يبدوا اهتماماً". 

غير أن البرقية الإسرائيلية السرية تبين أن الإسرائيليين كانوا بالفعل مهتمين وأنهم أخذوا باعة السوق السوداء على محمل الجد، والظاهر أنهم اشتروا المخططات ثم بعد ذلك سلموها للموساد. 

تشتمل البرقيات الجاسوسية على رد سري جداً على طلب من جنوب أفريقيا بأن تعيد المخابرات الإسرائيلية المخططات. يقول جهاز الموساد في هذه البرقية إنه "في ضوء التعاون القوي" بين أجهزة المخابرات في البلدين "فإن بإمكاننا، على الأقل، إعادة المخططات المفقودة إليكم". 

ولكنهم فعلوا ذلك شريطة "ألا يحاكم المواطن الإسرائيلي المتورط في هذه القضة وألا يورط في أي قضايا قانونية أخرى". يبدو أن جنوب أفريقيا وافقت على هذه الشروط، والدليل على ذلك عدم ورود اسم أي مواطن إسرائيلي في أي قضايا قانونية منذ ذلك الوقت.

‪المخططات الصاروخية الجنوب أفريقية المسروقة وصلت إسرائيل ولكن الموساد رفض التحقيق بالأمر‬ (الجزيرة)
‪المخططات الصاروخية الجنوب أفريقية المسروقة وصلت إسرائيل ولكن الموساد رفض التحقيق بالأمر‬ (الجزيرة)

الثعبان الأسود
في برقية للموساد في أغسطس/آب ٢٠١٠ صنفت على أنها سرية وكانت تحمل عنوان "الرد على مخططات صاروخ ماكوبا"، رفض الموساد التحقيق في كيفية حصول إسرائيل على المخططات المسروقة والخاصة بنظام صاروخ من نوع ماكوبا، والذي تصنعه شركة دينيل الحكومية المختصة بتصنيع الأسلحة وأعطي اسما مشتقا من كلمة بلغة سيتسوانا تعني ثعبان مامبا الأسود المخيف.

إلا أن البرقية تنص على استعداد الموساد للمساعدة في استعادة الوثائق، وورد في النص ما يلي: متابعة لطلبكم الخاص بقضية صاروخ ماكوبا، نرجو ملاحظة أن جهازنا لا سلطات لديه تخوله إجراء تحقيق على الأرض الإسرائيلية. ولكن، وفي ضوء التعاون القوي بين جهازينا، ورغبتنا المخلصة في مساعدتكم، قمنا باستطلاع الطرق التي يمكن من خلالها أن نساعد، على الأقل في إعادة مخططات الصواريخ إليكم. علماً بأن المعلومات التي سنوصلها إليكم بهذا الشأن هي معلومات استخباراتية سرية وينبغي ألا تستخدم في أي إجراءات قانونية. 

تظهر أوراق المحكمة أن شخصين قدما للمحاكمة في العام ٢٠١٢ في محكمة بمدينة بريتوريا على دورهما في قضية صاروخ ماكوبا، وكانا قد ألقي القبض عليهما قبل ذلك بعامين في عملية معقدة للشرطة التي نصبت لهما فخاً فوقعا فيه. 

أحد هؤلاء هو داني ستينكامب، كبير فنيين سابق في شركة دينيل، الذي اعترف بأنه مذنب بتهمتين بموجب قانون حماية المعلومات المعمول به في جنوب أفريقيا، وحكم عليه بالسجن خمس سنين. 

وأما الثاني فهو أنتوني فيليون، المدير المنتدب لشركة تعمل مع شركة دينيل، والذي اعترف بأنه مذنب بتهمة واحدة بموجب قانون حماية المعلومات وكذلك بموجب قانون ضبط التسليح التقليدي الوطني. 

وكان فيليون قد عقد صفقة مع المدعي العام يقر بموجبها بذنبه ويتحول إلى شاهد ادعاء، مما مكنه من أن يتجنب المكوث في السجن بعد أن أصبح الحكم هو السجن خمسة أعوام مع وقف التنفيذ وتغريمه مبلغ ٥٠٠ ألف راند أي ما يعادل ٤٥ ألف دولار أميركي.

‪شركة دينيل الحكومية المختصة بتصنيع الأسلحة‬ (الجزيرة)
‪شركة دينيل الحكومية المختصة بتصنيع الأسلحة‬ (الجزيرة)

مؤامرة
تقول أوراق المحكمة إن الرجلين التقيا حينما كان فيليون يقوم بإصلاح عربة صاروخ لشركة دينيل، وخطط الرجلان فيما بينهما لبيع تكنولوجيا الصاروخ لصالح شركة أوفشور وإيداع المبالغ في حساب بنكي في جزر موريشيوس. 

يظهر السجل القانوني أنه بين يناير/كانون الثاني ٢٠٠٨ ويناير/كانون الثاني ٢٠٠٩ عرض ستينكامب على عدة أشخاص وثائق ونماذج وأجساما ومعلومات خاصة بصاروخ ماكوبا، ومن الذين عرضها عليهم شخص اسمه إسحق تالياح المشهور باسم إدوارد هنري تالجآرد وشخص آخر غير معروف لدى الدولة (بما في ذلك دولة إسرائيل). 

اتهم ستينكامب بأنه كان عازماً على عرض وبيع المواد لمن رغب في شرائها، بما في ذلك لصالح دولة أجنبية أو منظمة معادية. 

تقول إحدى أوراق المحكمة إن من العوامل التي خففت الجرم في حالة فيليون أن محاولات بيع التكنولوجيا لم تفلح وأن الدولة كانت على اطلاع على الموضوع منذ مرحلة مبكرة. 

ومع ذلك يمكن أن يفهم من الوثيقة التي سربت للجزيرة أن المحكمة لم تكن على علم بالمعلومات المتوفرة لدى جهاز مخابرات جنوب أفريقيا عن الموضوع، أي أنه كان يعلم بأن المخططات انتهى بها المطاف إلى أيدي دولة أجنبية. 

وبحسب أوراق المحكمة كان هناك شريك ثالث في الجريمة، وهو جون غراندلينغ الذي كان قد سافر إلى إسرائيل في المراحل الأولى من محاولات كل من ستينكامب وفيليون بيع مخططات الصواريخ. 

تظهر السجلات أن غروندلينغ أطلق النار على نفسه منتحراً في مارس/آذار ٢٠١٠ عندما كان تحت مراقبة الشرطة في منزله وكان على وشك أن يلقى القبض عليه، وذلك بعد أن دهمت الشرطة ومحققو عمليات الاحتيال منزله كجزء من عملية تحقيق منفصلة في عملية احتيال ضريبي بعدة ملايين من الدولارات. 

ولا يزال الغموض يكتنف علاقة غراندلينغ بقضية الصاروخ ماكوبا وبقضية نقل مخططات الصاروخ إلى إسرائيل. 

وعندما دهمت الشرطة المنزل كان الرجل وزوجته لا يزالان في السرير. قال لهم الرجل إنه يعاني من مرض السكر وطلب أن يسمح له بتناول دوائه وبتناول طعام الإفطار، وهو ما تم فعلا تحت حراسة الشرطة.