عبدالصمد ناصر- يوسف القرضاوي / الشريعة والحياة
الشريعة والحياة

تصريحات بابا الفاتيكان تجاه الإسلام

تتناول الحلقة تصريحات بابا الفاتيكان تجاه الإسلام التي أثارت الكثير من الغضب والكثير من التساؤلات، وهل العقيدة الإسلامية تقوم على أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل.

– صورة الله الحقيقية والعلاقة بين الإيمان والعقل
– الإسلام والسيف.. بوش والحديث عن الفاشية الإسلامية
– رد فعل المسلمين وعلاقته بالحوار بين الأديان

undefinedعبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم إلى برنامج الشريعة والحياة، تصريحات بابا الفاتيكان أثارت الكثير من الغضب والكثير من الأسئلة أيضا وخرجت تصريحات المسلمين مطالبة باعتذار البابا وقد قال البابا اليوم في عظته الرسمية إن ما نقله يعد اقتباسا لا يعبر بأي طريقة عن أفكاره الخاصة وعبّر عن صدمته الشديدة من ردود الفعل التي أساءت فهم تصريحاته على حد قوله ونحن في هذه الحلقة لا نريد أن نزيد الغضب ولا أن نثير الضغائن وكلام البابا لا ينفي أن هناك تصورات ومفاهيم مغلوطة تجاه الإسلام لا تزال تسكن العقول والكتب اللاهوتية والسجالات العقدية بين المسيحية والإسلام خاصة في مرحلة الحروب التي سموها صليبية، تلك الكتب التي يتم الرجوع إليها والتي يصعب فهم دوافع الاقتباس منها أو الاستشهاد بها في هذه المرحلة بالذات وهي كتب ليست علمية وكتبت في ظروف عدائية مشحونة بالكراهية، في حلقتنا هذه سنناقش مقولات البابا واقتباساته التي نقلها عن كتاب قديم كتب في القرن الرابع عشر الميلادي في ظل حصار السلطان العثماني للقسطنطينية إسطنبول حاليا وتخلصت تلك المقولات في الأتي؛ نقل البابا عن الإمبراطور قوله لمحاوره المسلم، أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وسوف نجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية من مثل أمره بنشر الدين بالسيف، مهد البابا لذلك الاقتباس بقوله الإمبراطور كان يعرف آية {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} لكنها مبكرة والتعاليم الإسلامية تطورت فيما بعد بشأن الحرب وقال أيضا إن الحجة البارزة في هذا الجدال أن الداعية الذي يتصرف بخلاف العقل إنما يتصرف بخلاف طبيعة الله ونقل عن ناشر الكتاب قوله في تعاليم الإسلام إن الله سبحانه وتعالى متعال علوا مطلقا كما إن إرادته ليست مقيدة أو متعلقة بأي مبدأ آخر بما في ذلك مقاييس العقل نفسه وأكد البابا أن إيمان الكنيسة ظل يؤكد دائما على أن أو أن من بين الله والإنسان وبين الخالق الأبدي وعقلنا المخلوق هناك دائما قياس حقيقي، مناقشة تصريحات بابا الفاتيكان تجاه الإسلام موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أهلا بك يا فضيلة الشيخ..

يوسف القرضاوي- داعية إسلامي: أهلا بك يا أخ عبد الصمد..

عبد الصمد ناصر: مرحبا بك.. فضيلة الشيخ يعني لو بدأنا بأخر ما صدر عن البابا في عظته الرسمية اليوم، قال بأنه متأسف أسفا شديدا عميقا عن ردود الفعل التي أثارتها تصريحاته التي يقول أنه أسيء فهمها وبأنها لا تعبّر عن رأيه أو أفكاره أو كلامه الشخصي، هل تعتقد بأن هذا اعتذار في حد ذاته؟ هل هو مقبول؟ هل هو كاف؟

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أنبياء الله المرسلين وعلى خاتمهم محمد وآله وأصحابه أجمعين وبعد، ففي الحقيقة نأسف غاية الأسف أن يقع رجل كبير مثل بابا الفاتيكان الذي يمثل طائفة مسيحية من الطوائف الكبرى في المسيحية يقع في مثل هذا الخطأ ويسيء إلى دين عظيم مثل دين الإسلام وإلى نبي مثل محمد عليه الصلاة والسلام وإلى أمة مثل هذه الأمة التي تبلغ مليار ونصف مليار من البشر، ما كنا نحب له أن يقع في مثل هذا الكلام الذي يستفز المشاعر ويجرح القلوب وما كان هناك مبرر لهذا ولو كان هذا الكلام جاء في حديث صحفي أو حديث عفوي لقلنا زلة لسان أو نحو ذلك ولكنه جاء في محاضرة علمية معدة ومحضرة وبالطبع مثل هؤلاء الناس الكبار يعني لهم أجهزة يعني تعد هذه الأشياء وتراجعها قبل إلقائها، فلذلك القول بأن المسلمين لم يفهموا ما قال هذه إساءة أخرى إلى المسلمين، يعني المسلمين ليس لهم عقول تفهم الكلام الذي يقال، كلام فيه إساءة واضحة وفاضحة للإسلام عقيدةً وشريعةً وتاريخاً ونبيا وكتابا فكيف يعني نستطيع بمجرد كلمة أنه المسلمين لم يفهموا ما قال وما قصد هذا، حينما يكون الكلام صريحا لا نسأل عن القصود والنيات، يعني لو واحد قال لزوجته أنت طالق ما نقولش كان نيتك إيه؟ خلاص ده كلام صريح، واحد قال عن الإسلام ما قال، الإسلام مجافي للعقل، الألوهية في الإسلام مشوشة، الرب يشاء ما يشاء ولو لم يكن في مشيئته حكمة.. يشاء الخير ويشاء الشر للناس أو الضر للبشر، هذا كلام يعني الإسلام يعني جاء لم يجيء بشيء جديد غير هذه الأشياء الشريرة وغير الإنسانية وضرب لذلك مثلا أن محمدا عليه الصلاة والسلام أمر بنشر دينه بالسيف، فين هذا؟ يجيب لي هذا الأمر بنشر الدين بالسيف، الإسلام لا يقبل من يدخل دينه تحت الإكراه، أي إكراه في الإيمان لا يُقبل الإيمان ولذلك القرآن لم يعتبر إيمان فرعون لما أدركه الغرق قال أمنت، قال الآن وقد عصيت، الآن لما نزل بأس الله وعذابه ببعض الأمم قالوا {آمَنَّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} القرآن يقول {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} لما شفت العذاب تقول أمنت، لازم تؤمن وأنت في كامل الحرية ولذلك أيضا من الأشياء التي ذكرها البابا نفسه.. يعني يقول عن الإمبراطور الذي استشهد به هذا إنه فيه في القرآن آية 256 من سورة البقرة {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ويقول أن هذه الآية نزلت في أول الأمر قبل أن يقوى محمد ويصلب عوده..

عبد الصمد ناصر: حينما كان نعم وهي مدنية..

يوسف القرضاوي: هذا جهل..

عبد الصمد ناصر: السورة مدنية..

يوسف القرضاوي: هذه لم تنزل في العهد المكي إنما نزلت بعد غزوة بدر وغزوة أحد وبني قينقاع وبني النضير، في غزوة بني النضير وحدث لسبب لا يتسع الوقت لأن أذكره.

عبد الصمد ناصر: يعني خلاصة الكلام هل نعتبر ما قاله اعتذار؟ هل هو مقبول؟

يوسف القرضاوي: لا.. لا هذا ليس اعتذار، هذا اتهام للمسلمين بأنهم لم يفهموا كلامه وهذا ليس صحيح، الاعتذار الحقيقي أن يسحب هذا الكلام، يعني يحذف هذه الفقرة التي يقول هي لا تمثلني وإنما أنا نقلتها.. نعم إن مش صحيح، إذا كانت لا تمثله فعلا ولا.. فليحذفها من كلامه، يعتبرها كأن لم تكن، تُحذف من نص الكلام، زي ما بييجوا في البرلمانات والأشياء هذه ويقول لك تحذف هذه من المضبطة يعني كأن لم تقل يحذفها وإحنا نعتبر الأمر خلاص وننتهي، نحن لا نريد مصارعة بيننا وبين المسيحيين، نحن قبلنا الحوار مع المسيحيين، ذهبت إلى روما ومعي كثير من الأخوة وذهبت إلى برشلونة وذهبنا هنا لقد حاورنا المسيحيين في الدوحة في مؤتمرات، نحن رحبنا بهذا..

صورة الله الحقيقية والعلاقة بين الإيمان والعقل

عبد الصمد ناصر: هذه النقطة فضيلة الشيخ، اسمح لي سنعود إلى هذه النقطة نقطة الحوار بين المسيحيين والمسلمين ولكن لو أخذنا نقطة نقطة مما جاء في كلام البابا من النقاط المثيرة التي تحدث عنها البابا في خطابه العلاقة بين الإيمان والعقل، العلاقة بين صورة الله سبحانه وتعالى والعقل البشري، هل صورة الله سبحانه وتعالى في كتب التوراة والإنجيل التي بأيدي الناس الآن التي وصلت إلى هذا العهد هل تعكس صورة الله الحقيقية التي يمكن للعقل أن يقتنع بها؟

يوسف القرضاوي: بالعكس لأن التوراة.. الإيمان في التوراة قائم على تشبيه المخلوق.. تشبيه الخالق بالمخلوق..

عبد الصمد ناصر: تشبيه الخالق بالمخلوق، نعم..

يوسف القرضاوي: الله يغفل ويجهل ويندم ويحسد ويغار..

عبد الصمد ناصر: ويصارع.

"
المسيحية تقوم على تشبيه المخلوق بالخالق لتجعل الإنسان ابن الله أو مشاركا في جزء من الإله والإسلام يقوم على التوحيد الخالص لله
"

يوسف القرضاوي: وهكذا ويصارع ويصرع إلى آخره، هذا والمسيحية تقوم على تشبيه المخلوق بالخالق لتجعل الإنسان ابن الله أو ثلث إله أو مشارك في جزء من الإله وهذا ليس.. بالعكس الإسلام يقوم على التوحيد الخالص، الأديان دي كلها توحيدية ولكن التوحيد الخالص والتنزيه الخالص لا تراه إلا في الإسلام {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ (3) ولَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} التوحيد المطلق، هو يقوم على العقلانية، العقيدة الإسلامية تقوم على العقلانية، لا تقوم على مجرد الوجدان، الإيمان في النصرانية إيمان وجداني قبل كل شيء ولذلك عندهم من الألفاظ المأثورة آمن ثم اعلم، أعتقد وأنت أعمى، أغمض عينيك ثم اتبعني، إحنا لا {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إيمان المقلد لا يقبل حتى يكون على بينة ويكون على برهان ولو برهان إجمالي، هذا هو الأصل، لا يوجد كتاب انتشرت فيه كلمات العقل واللب والحجة والبرهان والبينة والحكمة والنظر والتفكر {أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ}، {أَفَلا تَعْقِلُونَ}، {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ}، {ومَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ}، {قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} هذا.. اقرأ التوراة من أولها لا تجد هذه الألفاظ شائعة هذه..

عبد الصمد ناصر: من أسماء الله الحسنى الحكيم..

يوسف القرضاوي: أه الحكيم والعليم ويعني الأسماء ولذلك كل ما خلق الله سبحانه وتعالى ينم عن حكمة وكل ما شرع الله ولذلك الكلام أن مشيئة الله مطلقة لا يحدها شيء ولا عقل ولا شيء، لا مشيئة الله بإجماع علماء الأمة مرتبطة بحكمته، لا تنفصل المشيئة والإرادة عن الحكمة أبدا، لا يشاء الله شيئا مخالفا للحكمة ولا يشاء الله شيئا فيه ضررا أو شر.. للبشر شر مطلق إلا شر يستلزمه الخير، إنما الشر المطلق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجي ربه "الخير بيديك والشر ليس إليك" الشر ليس إليك، فلا يشاء الله إلا ما فيه.. حتى إن المعتزلة وهم طائفة مشهورة من المسلمين.. من متكلمي المسلمين قالوا إن الخير.. عمل الخير فعل الخير وفعل الصلاح والأصلح لخلق الله واجب على الله مش بس يعني شيء مطلوب أو مشروع أو كذا لا واجب على الله، المسلمين الآخرون يوافقونهم على الهدف..

عبد الصمد ناصر: لا يجب على الله شيء..

يوسف القرضاوي: ولكنهم يخالفونهم في كلمة..

عبد الصمد ناصر: الوجوب..

يوسف القرضاوي: واجب على الله وهم يستشهدوا بكلام ابن حزم، هم لم يفهموا كلام ابن حزم..

عبد الصمد ناصر: قال بأن الله ليس لازما عليه أن يتمسك بكلمته ولا شيء..

يوسف القرضاوي: أه ليس لازما عليه لأنه يقول لا يجب على الله شيء، في هي مسألة في علم الكلام الإسلامي بين المعتزلة وأهل السُنّة والظاهرية وغيرهم إنه فيه شيء اسمه الحسن والقبح العقلي، يعني هل الأشياء فيها حسن ذاتي اقتضى الشرع أن يأمر به وهل فيها قبح عقلي ذاتي في الشيء بحيث أن ربنا ينهى عنه؟ المعتزلة يقولون ذلك ويوافقهم المتوردية وبعض أهل السُنّة، الظاهرية ومنهم ابن حزم بيقول لا ربنا كان يمكن يأمرنا بالشرك وينهانا عن التوحيد، كان يمكن يأمرنا بالكذب وينهانا عن الصدق، عنده هذا وهذا لم يوافقه أحد لأن ابن حزم لا يقول بالتعليل ولا بالحكم ولا بالمقاصد.. ظاهري، ينفي القياس، ما يقدرش يقيس شيء بنظيره أبدا وهذا يعني في الفقه وفي علم الكلام أيضا، فهذا ما أراده ابن حزم، لا يريد أن ربنا يقول الشيء ثم يخلفه.. لا، هو بيتكلم عن إمكان العقل إنما إذا وعد الله وعدا أنجزه {إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ}، {وكَانَ وعْدُ رَبِّي حَقاً} ولا يكذب الله {ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} {ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}.

عبد الصمد ناصر: نعم، حينما نقول فضيلة الشيخ أنه لا يجب على الله شيء، أو يجب على الله شيء ما، يعني هذا يقتضي أن هناك ربما سلطة أخرى توجبه عليه.

يوسف القرضاوي: أه ما هو ده رفضه أهل السُنّة من أجل هذا الإيهام أو الآخرون يقولوا لا هو العقل أوجبه عليه، يعني عقلا لا يمكن أن يفعل كذا يعني وهي يعني المعركة الحقيقة لفظية، إذا سبرت أغوارها تجد الجميع متفق على أن الله حكيم فيما يخلق حكيم فيما يشرع، لا يخلق شيئا باطلا {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} ولا يشرع شيئا اعتباطا ولا ظلما، كل ما شرع الله فيه المصلحة وفيه الرحمة كما قال ابن القيم الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، مصلحة كلها، حكمة كلها..

عبد الصمد ناصر: يعني لو انتقلنا إلى المحور الثاني الذي تعرض له البابا في هذا السياق وهو مسألة العقل والعنف والدين وهو بالمناسبة لم يذكر سوى الإسلام هنا وهنا وردت مقولة الإسلام انتشر بالسيف ليقول إن نشر الدين بالعنف ينافي العقل، جاء بالقول أنه في البدء بين قوسين.. في البدء كانت كلمة يعني كما في سفر التكوين في التوراة، كيف نفهم هذا كله والله سبحانه وتعالى يقول في سورة البقرة كما قلت قبل قليل فضيلة الشيخ {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ}؟

يوسف القرضاوي: أولا كما قلت الإسلام قام على العقل حتى إن علماء الإسلام الكبار أمثال أبي الحسن الأشعري وأبي بكر الباقلاني والإسفراييني وإمام الحرمين الجويني والغزالي والرازي والآمدي والشهرستاني كل هؤلاء العلماء الكبار يقولون أنه لولا العقل ما قام النقل.. النقل الوحي يعني، لأن الوحي بماذا ثبت؟ كيف تثبت أن محمدا نبي موحى إليه؟ تثبته تقول قال الله تعالى وقال الرسول كذا، أنا لا أؤمن بالله ولا برسوله، إنما أنا عايز أؤمن.. فالعقل هو الذي أثبت الوحي، هو اللي أثبت النبي بصفة عامة، هو أثبت النبوة لنبي معين لموسى أو لعيسى.. هذه بالعقل ولذلك يقول العقل.. ويقول الإمام الغزالي إن الوحي ثبت بالعقل ثم بعد أن ثبت بالعقل عزل العقل نفسه ليتلقى من الوحي، يعني الوحي يثبت بالعقل بإقامة الأدلة والبراهين العقلية، بعد أن يثبت هذا يقول له خلاص أنا عزلت نفسي وهأتلقي منك، أسمع وأطيع {سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ} فهذا شأن العقل لا يمكن أن يتنافى العقل والنقل، حتى لو كان هناك نص يعني نقلي وتعارض مع قاطع عقلي يُقَدم القاطع العقلي على النص الظني، القاطعان.. لا يمكن أن يتعارض قاطع عقلي وقاطع شرعي نقلي لأن القواطع لا تتناقض..

عبد الصمد ناصر: حتى نفسر الأمر بشكل..

يوسف القرضاوي: إنما يمكن الظنيات تتناقض، ممكن ظني يتناقض مع عقلي، فلو فيه نص ظني وتعارض مع قاطع عقلي نؤول النص الظني، هذا هو رأي المسلمين أما مسألة العنف و..

عبد الصمد ناصر: والجهاد..

يوسف القرضاوي: والجهاد إن الجهاد جاء لنشر الدين بالسيف.. هذه أكذوبة، الجهاد في الإسلام قام للدفاع عن الدين والدفاع عن أهل الدين والدفاع عن الأرض والعرض، يقاوم الفتنة، القرآن يقول {وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} لأن المسلمين كانوا يعني المسلمين كانوا يدخلون في الإسلام فماذا يُفعل؟ يضطهدون ويعذبون وتصب.. ماذا فعلوا بعمار وماذا فعلوا بأبي عمار وأم عمار؟ ماتوا تحت العذاب، مر الرسول على عمار بن ياسر وأبيه وأمه فقال لهم "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" وقتلت المرأة وقتل زوجها.. سمية وزوجها ياسر قتلا تحت العذاب، من أجل هذه الفتنة.. وظل المسلمون ثلاثة عشر سنة وهم يقاومون هذه الفتنة ويصبرون ويجيؤوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما بين مكسور ومجروح ومجلود ومضروب ويقولوا يا رسول الله ائذن لنا أن ندافع عن أنفسنا، الله.. ليه نصبر على هذا الذل؟ نقاتل، فيقول "كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة"، منعهم أن يفعلوا أي شيء حتى بعد الهجرة جاء قوله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ولذلك نحن نقول الإسلام لم ينتصر بالسيف إنما انتصر على السيف، السيف شُهر في وجه الإسلام من أول يوم وصبر المسلمون عليه ولذلك بعد كده قام السيف ضد السيف وانتصر على السيف، لم يكن المسلمون..

عبد الصمد ناصر: ولهم مثال في فتح مكة يا فضيلة الشيخ..

يوسف القرضاوي: نعم، الإسلام يرحب بكل دعوة للسلم، بالعكس لما حدث صلح الحديبية نزلت سورة في القرآن اسمها سورة الفتح تبدأ بقوله تعالى {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً}، قال الصحابة أفتح هو يا رسول الله، قال نعم هو فتح، لم يتصوروا فتحا بغير حرب، لم نحارب ويبقى فتح، فتح سلمي فهذا هو الذي جاء به الإسلام.. الإسلام لا يتشوف إلى الدماء، حينما انتهت معركة الأحزاب.. معركة الخندق بغير دماء بغير صدام نزل قوله تعالى {ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ} النبي عليه الصلاة والسلام يقول "لا تتمنوا لقاء العدو وإسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا" كونوا رجالا وأعلموا أن الجنة تحت.. إنما لا تتمنوا، المسلم لا يتمنى أنه يحارب، لا بالعكس يتمنى السلم الرسول عليه الصلاة والسلام يقول "اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم" الإسلام كان يقاوم الفتنة ويقاوم الاضطهاد ويقاوم الاستكبار في الأرض، هذه كل الحروب الإسلام التي لم يفهمها الذين اتهموا الإسلام.

الإسلام والسيف.. بوش والحديث عن الفاشية الإسلامية

عبد الصمد ناصر: يعني فضيلة الشيخ كلام البابا هذا حينما يتحدث عن أن الإسلام انتشر بالسيف يأتي أياما قلائل بعد تصريح الرئيس الأميركي بوش الذي تحدث فيه عن ما سماه بالفاشية الإسلامية وهنا نجد أنفسنا أمام فكرتين.. بوش يؤسس لفكرة أن الإسلام استخدم العنف لقتل غير..

يوسف القرضاوي: سمى الفاشية الإسلامية..

عبد الصمد ناصر: نعم الإسلام، يستخدم العنف لقتل غير المسلمين والبابا الآن يتحدث عن أن الإسلام فرض أو انتشر بالسيف، البعض ذهب لحد القول بأن البابا وكأنه يؤصل لفكرة بوش ويجد لها جذورا تراثية، ما قولك في ذلك؟

يوسف القرضاوي: هو هذا هو الذي نقرأه أن هذا نوع من التبرير لما تقوم به القوة العالمية المنفردة في العالم الآن وما تفعله باسم اليمين المسيحي واليمين المتصهين وكإن البابا يريد أن يتقرب إلى بوش بمثل هذا، يريد أن يعطيه غطاءً دينيا لفعله، أنا هذا ما نرفضه، نحن الحقيقة لا نريد أن ننبش التاريخ، لو أردنا أن ننبش التاريخ لقلنا الكاثوليك عملوا كذا وعملوا كذا في الأندلس وعملوا كذا في الحروب الصليبية وعملوا كذا ولم يقبلوا الاعتذار عن الحروب الصليبية كما اعتذروا لليهود وكما برؤوهم من دم المسيح وأعطوهم وثيقة إلى آخره، نحن.. أنا أريد أن أسأل البابا وأسأل كل من يقول إن الإسلام دين عنف وأريد أن يفسروا لي ما جاء في التوراة في سفر التثنية.. تثنية الاشتراع وهو من أسفار التوراة الخمسة الأساسية، ما جاء فيها عن القتال وأمر به موسى أنه في بلاد معينة إذا دخلتموها غير أرض الميعاد البلاد المدن البعيدة اضربوا جميع ذكورها بحد السيف، هذا إذا حبيت أقرأ لك النص.. اضربوا جميع ذكورها بحد السيف، لم يستثن طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا، جميع ذكورها اضربوهم ولا تقبلوا منهم إيمان إذا أرادوا أن يدخلوا في اليهودية ولا تقبلوا منهم.. اضربوا جميع.. أما البلاد الأخرى البلاد القريبة اللي بيسموها أرض الميعاد بلاد الحيثيين واليبوسيين والكنعانيين والفرزيين، سبع شعوب هم، إذا دخلتم هذه البلاد فلا تستبقوا فيها نسمة حية، دمروها عن بكرة أبيها، يعني إبادة، استئصال، هذا ما جاءت به التوراة، ماذا يقول البابا في هذا؟ وهذا هو الذي أورث النصارى الذين يؤمنون بالكتاب المقدس بأسفاره القديمة وبكتب العهد الجديد.. يؤمنون بهذا بأنه أن عيسى لم يجيء لينقض هذا، ما جئت لأنقض الناموس، ما جئت لأنقض بل لأتمم، هذا ما قاله المسيح، ماذا يقول؟ هذا أورث النصارى فكرة الإبادة والاستئصال للشعوب، الذي فعلوه في الفلسطينيين، الذي فعلوه في أميركا حينما دخل نصارى أوروبا، دخلوا أرادوا أن يبيدوا الهنود الحمر وفعلوا بهم ما لا يقره دين ولا خلق ولا عرف ولا عقل من الإبادات وحينما دخل البريطانيون أستراليا ماذا فعلوا بالسكان الأصليين؟ إبادة واستئصال هذه فكرة الإبادة فكرة الاستئصال فكرة توراتية، ماذا يقول الذين يؤمنون بالأسفار المقدسة.. بأسفار العهد القديم؟ يتركون هذا ويأتون بالقرآن يقولوا القرآن هو دين العنف، القرآن الذي يقول {وإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} الذي يتمنى الصلح ويتمنى الفتح، ماذا أقول؟ يعني هذا أمر أنا بألؤف فيه كتاب من جزأين يعني سأشرحه إن شاء في موعده.

عبد الصمد ناصر: إن شاء الله على كل حال نقاشنا مستمر فضيلة الشيخ بمحاور أخرى ولكن بعد أن نأخذ هذا الفاصل، مشاهدينا الكرام نعود إليكم بعد فاصل قصير، ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم وأهلا بكم من جديد في برنامج الشريعة والحياة، حلقة اليوم حول تصريحات البابا، فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل قليل حول يعني تزامن تصريحات البابا مع حملة يراها البعض موجهة ضد الإسلام آخرها بعض التعبيرات التي بدأت الآن تنتشر كالفاشية الإسلامية وغيرها، هناك من ذهب للقول إن الكنيسة الكاثوليكية ربما باتت تسخر طاقاتها لخدمة السياسة الغربية فتركب موجة العداء التي بدأت تسود وسادت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر خاصة في أميركا حيث يُضيق على الكاثوليكية هناك وتحارب من طرف المحافظين الجدد، هل من تعليق على ذلك؟

يوسف القرضاوي: هو هذا وارد يعني هذا وارد كما قلت.. يعني هذا يعني استخدام السياسة يعني واستخدام الدين للسياسة وهذا شيء خطر جدا، أن يتخذ الدين مطية لخدمة السياسة والمفروض إننا نربأ بالدين أن يكون في خدمة خصوصا السياسة العدوانية، السياسة المستكبرة في الأرض بغير الحق، السياسة الفرعونية هذه، لا المفروض أهل الدين يربؤون بأنفسهم أن يكونوا خداما لها، بالعكس المفروض ننكر هذه المظالم، نريد من الباباوات أن ينكروا هذا الظلم الواقع على الأخوة في فلسطين.. في كل يوم هذا التدمير وهذا التذبيح وهذا الذي يحدث يوميا وهذا الذي حدث في لبنان وهذا الذي يحدث في العراق وهذه المظالم البشرية هي التي توجد من يسمون أهل العنف أو أهل الإرهاب، هي اللي بتصنع هؤلاء والآن مثل هذه التصريحات.. أنا أخشى أن تعطي حجة للقاعدة ولهذه الأشياء يقولون هؤلاء الذين تدافعون عنهم، هؤلاء هم الذين تطلبون الحوار معهم..

عبد الصمد ناصر: يحاورونهم نعم.

يوسف القرضاوي: هذه تصريحاتهم، إنهم يعادون الإسلام، إنهم يدمرون الشر {قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} ممكن أن يقولوا هذا فنحن..

رد فعل المسلمين وعلاقته بالحوار بين الأديان

عبد الصمد ناصر: طيب إذاً كيف يمكن نحن كمسلمين أن نغضب ما يمكن أن نسميه غضبة رشيدة دون أن نكسب أعداء جدد؟ يكفينا أعدائنا الذين الآن ينصبون العداء للإسلام وللمسلمين.

يوسف القرضاوي: فنحن لا نستغضب أحدا، إنما نحن الذين نستغضب يعني..

عبد الصمد ناصر: طبعا غضبنا غيرة على مقدساتنا.

يوسف القرضاوي: الحكمة تقول من استغضب ولم يغضب فهو حمار ومن استرضي ولم يرض فهو جبار، نحن نستغضب لازم نغضب لأنفسنا، نغضب.. لو واحد شتم أباك أو شتم أبواي ماذا أفعل يمكن أحيانا أقاتله وقد أقتله إذا شتمني أو أمي، طيب هذا إذا شتم دينك وعقيدتك ونبيك وماذا تفعل؟ مقدساتك، أهان مقدساتك، أهان الحرمات، استحل حرماتك، ماذا يفعل الناس حتى ما تستطيع تكبح جناح البشر وبعدين نحن أصبحنا ملطشة من عدة شهور أسيء إلينا..

عبد الصمد ناصر: الرسوم آه..

يوسف القرضاوي: الرسوم الكاريكاتيرية التي سخرت برسولنا وفعلت ما فعلت وبعدين بعد عدة شهور يعني مش صحفي في جريدة لا يعني..

عبد الصمد ناصر: البابا نفسه.

يوسف القرضاوي: بابا الفاتيكان الذي يمثل..

عبد الصمد ناصر: رأس قمة الكاثوليكية..

"
نحن ضد تصريحات البابا ومن يوافقه على هذا، نحن ندعو المسلمين أن يغضبوا لله ولرسوله ولكتابه ولدينه الغضب العاقل، يغضبوا لدينهم وهذا باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
"

يوسف القرضاوي: الكاثوليكية وإن كان هناك بعض الكاثوليكيين غير راضي عن هذه الكنيسة (كلمة غير مفهومة)، طبعا نحن لا نقول إن هذا ضد كل المسيحيين هناك البروتستانت لا يمثلهم.. الأرثوذكس، الكنيسة الإنجيلية، هنا ليس كل البابا يمثل كل المسيحيين ولكن نحن ضد تصريحات البابا ومن يوافقه على هذا، نحن ندعو المسلمين أن يغضبوا لله ولرسوله ولكتابه ولنبيه ولدينه، يغضبوا لدينهم وليكن هذا باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. ندعو المسلمين في يوم الجمعة القادم آخر جمعة من شعبان أن يجعلوه يوم غضب عاقل، أقول هذا.. يعني أحذر المسلمين أن يعتدوا على كنيسة من الكنائس، على معبد من المعابد، على ممتلك من الممتلكات، على شخص.. لا نريد يعني غضبا سلميا لحتى لا نصدقه ده ناس أهل عنف، لا إحنا عايزين نقول إحنا أهل حكمة، إحنا نغضب ولكن نغضب غضبا عاقلا غير متهور ولا متجاوز، يوم الجمعة من استطاع أن يتظاهر فليتظاهر ومن لم يستطع أن يتظاهر فليعتصموا بالمساجد الكبرى، يعني إحنا هنا نعتصم في مسجد عمر بن الخطاب وبالمساجد الكبيرة، في مصر مثلا يعتصموا بالأزهر، بالحسين، بمسجد عمر مكرم، المساجد الكبرى يتجمع فيها الناس بعد الصلاة يبقون ساعة يتحدثون فيها عن هذه الأمور ويخطبون ويعني يقولون ما يشاؤون إعلانا عن هذا الغضب، لازم أيضا نعلن غضبنا باستنكار، يعني سفراء البلاد العربية والمسيحية.. سفراء العرب والمسلمين في الفاتيكان، الفاتيكان دولة ولها في ناس سفراء عندها.. يحتجوا كتابيا وبلهجة قوية وصريحة على هذا الاستفزاز، لا يحضرون حفلات التي يدعو إليها الفاتيكان، لا يشاركونهم في شيء، لا يدعونهم في الاحتفال، لازم يعني يظهر هذا بقوة، نحن نريد الأمة أن تظهر إنها أمة لا يستهان بها، أمة لا تغض العين على الأذى، يعني المسلم عزيز {ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ولَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} المسلم لا يرضى بالهوان أبدا ولذلك الشاعر العربي يقول

لإن كنت محتاجا إلى الحلم إنني إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج

ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ولي فرس للجهل بالجهل مسرد

فمن رام تقويني فإني مقوم ومن رام تعويجي فإني معوج

وما كنت أرضى الجهل خدنا وصاحبا ولكنني أرضى به حين أحرج.

إذا أحرجت استعملت الشدة، نحن استغضبنا فغضبنا ولكن يجب أن يكون غضبنا يعني غضبا حكيما..

عبد الصمد ناصر: عاقلا.

يوسف القرضاوي: وعاقلا نجعل يوم الجمعة هذا يوم مؤتمرات، يوم خطب، يوم اعتصامات في المساجد..

عبد الصمد ناصر: سلمية آه.

يوسف القرضاوي: تظاهرات سلمية عاقلة لا تسم أحدا بسوء، هذا ما نريده إن شاء الله آخر أن جمعة قبل رمضان.

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ يعني كما قلت يعني المستغرب أن تصدر مثل هذه التصريحات ليست عن عالم دين غربي كاثوليكي أو بروتستانتي ولكن من قمة الهرم الكاثوليكي.. الكاثوليك الذين يشكلون طرفا مهما في الحوار بين المسلمين والمسيحيين وهناك مشتركات كثيرة بيننا نحن المسلمين والمسيحيين في بعض القضايا كقضية محاربة الإلحاد، محاربة المادية، بعض القضايا الأخلاقية كالإجهاض وغير ذلك، يعني كيف نفسر صدور مثل هذه التصريحات.. ويفترض من رجل يؤمنون به الكاثوليك كرجل معصوم؟

يوسف القرضاوي: والله يعني إحنا عندنا لا عصمة إلا للأنبياء..

عبد الصمد ناصر: نحن لا نتحدث عن المسلمين، نعم.

يوسف القرضاوي: ولكن يعني حتى يظل كلام هذا الرجل الذي يُعتقد في عصمته مصونا ينبغي أن يقول إن هذه الكلمات التي صدرت عنه يعني كانت خارج الوحي، يعني يعتذر عنها وبذلك تصفو العلاقة بين الفاتيكان وبين أمة الإسلام إذا أردنا علاقة يعني حقيقية غير قائمة..

عبد الصمد ناصر: متوازنة.

يوسف القرضاوي: على الدخن وعلى النفاق السياسي أو على علاقة حقيقية يجب أن يحذف هذا ونبدأ صفحة.. نحن حاورنا والتقينا مع الكاثوليك في روما وفي غير روما ولكن لا نستطيع إننا يعني..

عبد الصمد ناصر: هل هذا مؤشر على فشل هذه الحوارات؟

يوسف القرضاوي: نعم؟

عبد الصمد ناصر: هل هذا مؤشر على فشل كل الجولات الطويلة والحوارات؟

يوسف القرضاوي: طبعا إذا ظل هذا الأمر على ما هو عليه ولم يحدث اعتذار حقيقي ستقف كل هذه الحوارات، أي حوار؟ أحاورك وأحاوره وبعدين يجيء رأسك الذي يمثله..

عبد الصمد ناصر: ويهدم كل..

يوسف القرضاوي: ينسف هذا كله، كلمة واحدة تضيع هذا..

عبد الصمد ناصر: طيب أريد أن أشرك الدكتور طارق متري وهو وزير الثقافة في لبنان ومختص في الشؤون المسيحية، دكتور طارق متري أهلا بك، أنت كمسيحي كمختص في الشأن المسيحي كيف تقيم ما جاء على لسان البابا والذي اعتبر مسيئا للإسلام؟

طارق متري – وزير الثقافة في لبنان: مساء الخير.

عبد الصمد ناصر: مساء الخير أستاذ.

طارق متري: أولا سلامي وتحيتي الطيبة تحية محبة لفضية الشيخ العزيز يوسف القرضاوي.

يوسف القرضاوي: حياك الله يا دكتور.

عبد الصمد ناصر: الله يبارك فيك يا سيدي، اليوم سمعنا بداية تصويب من البابا لعل هذا يساهم في تغيير الجو بعض الشيء نحو تفاهم أكبر، لكن مهما يكن من أمر هذا التصويب أعتقد أن ما قاله البابا كان مؤسفا بل مؤسفا جدا ولأكثر من سبب، أكتفي منها بثلاث من الأسباب؛ السبب الأول في اعتقادي يتصل بالسياق، قال البعض إن كلام البابا أو بعض كلامه أخرج من سياق نصه، ربما كان ذلك صحيح لكن الأهم هو السياق السياسي والثقافي العالمي الذي يتحدث فيه البابا، هناك اليوم في الغرب خطاب أيديولوجي يعتمد لغة المواجهة مع العرب والمسلمين وهذا الخطاب يميل إلى التعميم والاختزال ويأخذ الكل بجديرة الوعظ على نحو الزعم بأن المسلمين مثلا لا عقلانيون وهم ميالون إلى العنف وهذا بالطبع غير مقبول ويأخذ الكل بجريرة مجموعة صغيرة والحقيقة كلنا يعرفها أن اللاعقلانية أو الميل إلى العنف لا يختصان لا بشعب ولا بدين، فكلام البابا لا يأخذ بالاعتبار هذا السياق ومن هنا يثير أسفي الكبير، الأمر الثاني هو أن في هذا الكلام استعادة للغة السجالات القديمة وهذه الاستعادة تستحضر ماض يريد الكثيرون منا مسيحيون ومسلمون كنا مسيحيين أو مسلمين نريد لهذا الماضي أن يمضي إلى غير رجعه ليحل محله وأعتقد أن هذا قد بدأ فعلاً.. تخاطب بين المسيحيين والمسلمين ونحن في العالم العربي والإسلامي تعلمنا أصول هذا التخاطب عبر قرون من العيش الواحد ومن المودة التي تشدنا الواحد إلى الآخر، تخاطب مبني على الاحترام وعلى الإصغاء المتبادل وعلى حق المؤمنين أن يفسروا دينهم بأنفسهم، سجالات العصر الوسيط موصومة بروح العداء وبالجهل، واضح إن من يكتب كلاماً كالإمبراطور مانويل لا يعرف الإسلام، موصومة بروح العداء وموصومة بروح الجهل وإنها تشوه صورة المسلمين ومن حق المسلمين ألا يروا هذه اللغة تستعاد، طبعاً البابا أكد إنه هو اقتبس من هذا النص لكنه لم يتبن أفكار صاحبه.. لا بأس، لكن كنا بغنى عن استعادة نص كهذا، الأمر الثالث.. السبب الثالث الذي دعاني كمسيحي عربي مهتم كثير الاهتمام بترسيخ علاقات المودة والاحترام التضامن بين المسيحيين والمسلمين هو أن بيننا لقاء على مستوى القلب والعقل معاً وأن الكثيرين من المسيحيين ومن كل الطوائف بمن فيهم الكاثوليك.. أنا لست كاثوليكياً، لكن بمن فيهم الكاثوليك هناك الكثيرون ممن يؤكدون كل يوم على احترامهم للإسلام ولنبي الإسلام ولإيمان المسلمين ويؤكدون على غرار ما جاء في وثائق المسيح ووثائق من المجمع الفاتيكاني الثاني أنهم والمسلمين يعبدون الله الواحد الأحد والحي القيوم وأنهم يشاركون المسلمين قيم أخلاقية وهذه القيم مصدرها الدين، ليست قيم المسلمين قيم معزولة عن إيمانهم الديني، القيم الأخلاقية عند المسلمين وعند المسيحيين أيضاً مصدرها إيمانهم ويشاركونهم هذه القيم الأخلاقية، كنا نتوقع من البابا ومن أي مسؤول كنسي كاثوليكياً كان أو غير كاثوليكي ألا يتجاهل هذه المواقف المسيحية والتي بأي حال من الأحوال يجب ألا تحجبها أصوات المتشددين، هناك متشددون في العالم الغربي، هناك متشددون بين المسيحيين وهناك متشددون أيضاً بين المسلمين، يجب ألا تحجب أصوات المتشددين أصوات فيما يعني المسيحيين هذه الفئة من المسيحيين التي تحرص على احترام المسلمين وإيمانهم واحترام نبيهم والتأكيد على ما يشد المسيحيين إلى المسلمين من روابط كثيرة روحية وخلقية وروابط الانتماء المشترك والعيش بسلام ومحبة معاً، إن ما حصل يدعونا مجدداً إلى التأكيد على أخلاق الحوار، فأخلاق الحوار هي التي تقينا شر الانزلاق وتشويه صورة الآخر، لا نقبل نحن المسيحيين أن تشوه صورة المسلمين بأي صورة من الصور ولا نقبل..

عبد الصمد ناصر: شكراً لك دكتور، لضيق الوقت أعذرني للمقاطعة دكتور طارق لضيق الوقت للأسف وزير الثقافة في لبنان المختص في شؤون المسيحية دكتور طارق متري شكراً جزيلاً لك، هل لديك أي تعليق فضيلة الشيخ على ما قاله الدكتور متري؟

يوسف القرضاوي: أنا أؤيد كل ما جاء في كلام الدكتور متري وفي الحقيقة يعني كل المسيحيين العرب على اختلاف يعني طوائفهم كلهم أنكروا هذا الموقف، الأرثوذكس والإنجيليين وغيرهم.. فريق الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان وهو بعضه لبنانيين وبعضه مصريين وبعضه سوريين، هذا الفريق أنكر، الأب عطا الله حنا في القدس، البابا شنوده، كل الطوائف المسيحية في بلاد العرب والشرق كلها أنكرت هذا ونحن يعني نرحب بهذا ونريد إننا نبعد الاخوة المسيحيين في الشرق عن هذه الحلبة فليس لهم دخل بها ولذلك آسفني إني سمعت في فلسطين اعتدوا على بعض الكنائس، هذا لا يجوز في الحقيقة أبداً لأن إخواننا المسيحيين في بلادنا كلهم معنا ولا حتى كنائس الكاثوليك لا ينبغي الاعتداء عليها، هذا أنا أحذر منه، نحن نغضب ولكن نظل نحتفظ بالحرمات لأهلها ونحتفظ بالمقدسات، لا نمس أي مقدس يعني عند أي فريق من المتدينين ولو كنا في خصومه معه.

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ نقطة أخيرة أريد أن نعرج عليها وهي أن الكتب المقدسة الحالية التي بأيد الناس كما قلت غير القرآن طبعاً خضعت لدراسات غربية كثيرة تشكك في صحتها وفي وجودها التاريخي ومصداقيتها ونحن نجد في القرآن آيات تعتبر شاهدة على صدق هذه الرسالات السماوية وعلى كذلك إثبات كل الرسالات والأنبياء، أوليس من المفترض على المسيحيين وغير المسيحيين أن يحرصوا على هذا الكتاب؟ على العناية به في صد كل محاولات التشكيك هذه من طرف الملحدين وغير الملحدين؟

يوسف القرضاوي: طبعاً هكذا من الغربيين وخصوصاً يعني العلمانيين منهم والمتحررين من الدين.. هناك دراسات كثيرة أثبتت تحريف التوراة وأثبتت يعني زيادات في الأناجيل وأثبتت أشياء وهناك من شكك في وجود المسيح وأمه، يقول لك هذه أسطورة اخترعها بعض الناس واخترقها، لا يوجد امرأة اسمها مريم ولا يوجد رجل اسمع اسمه المسيح، يعني إلى حد التشكيك في الوجود ولذلك أن أعظم دليل يثبت وجود المسيح ووجود موسى هو الكتاب الذي {لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ} القرآن الكريم هو الوثيقة السماوية الوحيدة التي بقيت سليمة من التحريف ومن التبديل ومن التغيير، هي أدل دليل وأنصع دليل وبرهان على أن هناك كان المسيح وكان أم المسيح وحدث كذا وهذا، هذا أعظم وثيقة وإيمان مئات الملايين من المسلمين بهذا يكفي على أن هذه ليست أكذوبة وليست أسطورة اخترعها من اخترعها.

عبد الصمد ناصر: هناك استطلاع رأي على قناة الجزيرة على موقع الجزيرة نت، استفتاء للرأي هناك سؤال في أي إطار تقرأ تصريحات بابا الفاتيكان؟ كجزء من مؤامرة على الإسلام، صوت 70% بنعم، أسيء فهمها.. 7% فقط صوتوا بأنها أسيء فهمها وكتعصب ديني 22% وإجمالي المصوتين كان 25100 تقريباً، هناك استطلاع رأي مشابه على موقع شبكة (C.N.N.) الأميركية كان السؤال هل يجب على البابا أن يعتذر عن تعليقاته بخصوص الإسلام، أجاب بنعم 67% أنه يجب عليه أن يعتذر للمسلمين و33% قالوا لا من مجموع الأصوات 86770 صوتاً قالوا أو شاركوا في هذا.. هل لديك تعليق فضيلة الشيخ؟

يوسف القرضاوي: أريد أن أقول بالنسبة للاقتباس الذي اقتبسه البابا عن هذا الإمبراطور البيزنطي..

عبد الصمد ناصر: نعم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم.

يوسف القرضاوي: أي اقتباس يقتبسه إنسان يستشهد به محاضر في محاضرة علمية..

عبد الصمد ناصر: ليدعم رأيه.

يوسف القرضاوي: لابد أن يكون إما أن يأتي ليؤيد هذا الشيء الذي اقتبسه أو ليفنده ويرد عليه، طيب البابا لم يرد على هذا الكلام الذي معناها إنه يؤيده فعلاً بنى عليه من افتراضات ومن العنف الذي عند المسلمين، فيعني التنصل من هذا الاقتباس وإنه لا يعبر عن رأيه ليس حقيقة، هذا ما ذكره إلا إن هذا يتماشى مع رأيه ومع اتجاهه العام.

عبد الصمد ناصر: بارك الله فيك فضيلة الشيخ، شكراً لك، في الختام لكم مشاهدينا الكرام تحيات منصور طلافيح في الإخراج ومعتز الخطيب في الإعداد ولكم مني عبد الصمد ناصر أجمل التحية على أننا يمكن أن نستمر في التواصل عبر موقع البرنامج على الإنترنت وهو (sharia@aljazeera.net) ولنا لقاء آخر في الأسبوع القادم بحول الله ربما الشيخ له كلمة..

يوسف القرضاوي: أريد أن أذكر المسلمين فقط بيوم الجمعة القادم يكون يوم غضباً لله ولرسوله ولدينه إن شاء الله، غضباً عاقلاً غير متهور ولا متجاوز إن شاء الله.

عبد الصمد ناصر: إن شاء الله، بارك الله فيك فضيلة الشيخ، شكراً لكم مشاهدينا الكرام وإلى اللقاء في الأسبوع القادم بحول الله.