عرب امريكا اللاتينية- كولومبيا : حكاية لوريكا - صورة عامة
عرب أمريكا اللاتينية

كولومبيا.. حكاية عرب لوريكا

تتحدث الحلقة عن عرب جابوا شوارع مدينة لوريكا الكولومبية بجيوب فارغة، ولكن في جعبتهم خمسة آلاف عام من فنون التجارة، فبرعوا في التجارة والعمران والسياسة.

– لوريكا.. مستعمرة عربية
– التجارة والاندماج في المجتمع الكولومبي


undefinedأول مَن دخل عبر ميناء كولومبيا، كانت جيوبه فارغة ولكن في جعبته خمسة آلاف عام في فنون التجارة، سريعاً ازدهر الحال وكون ثروات طائلة، الفرص المحلية المتاحة والصفقات جعلت من لوريكا مستعمرة عربية في هذا المدار البعيد، إنريكي كوردوبا.. شعبي، العالم وأنا.

خواكين بيلوريا- باحث: هناك على ضفاف نهر سينو قريباً جداً من مصبه كانت هناك وما زالت مدينة لوريكا وإلى لوريكا.. إلى هذه البلدة بدأ يصل المهاجرون العرب حوالي عام 1880، حتى منتصف القرن العشرين كانت في لوريكا جالية عربية مهمة في الكاريبي الكولومبي، هم الكثير من التجار وأصحاب الشركات ومربّو مواشي وسياسيون.

لوريكا.. مستعمرة عربية

خواكين بيلوريا: الهجرة العربية العظمى من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين أساساً كانت منذ 1870، سوريا ولبنان وفلسطين كانوا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التي هي إمبراطورية تركية، عندما بدأ العرب يخرجون عام 1870 أو 1880 أو بعد ذلك حتى عام 1918 أو 1920 كانوا يخرجون بجواز سفر عثماني وكان جواز السفر مكتوباً عليه تركيا أو الإمبراطورية العثمانية، عندما جاؤوا إلى كولومبيا بلغة أسبانية رديئة.. ليس فقط إلى كولومبيا وإنما إلى أميركا اللاتينية كلها يقال إنه تركي، كان تركياً ومكتوب في جواز سفره تركياً، أوائل موظفي الهجرة بثقافتهم القليلة وهم أول أشخاص اختلطوا بهم ما رأوه أن هذه الناس أتت من تركيا، لذا فقد ظنوا أنهم أتراك الأصل ونعتوهم بالأتراك وبات بعد ذلك مستحيلاً تغيير الثقافة الشعبية ومنذ ذلك الوقت هم أتراك، نحن هنا في المنطقة السفلية من وادي نهر سينو ونحن قريبون جداً من مصب النهر، هذه المنطقة.. ليس فقط هذه المنطقة وإنما كثير من المناطق الكولومبية كان الانتقال فيها إما عن طريق البحر أو النهر لذا فقد كان نهر سينو مهماً جداً لهذه المنطقة، حيث لم يكن هناك طرق، لم يكن هناك طيران ولا سكة حديد، لذا فالحل الوحيد كان اتخاذ طرق بحرية أو نهرية، العرب أو العديد من العائلات العربية الذين أقاموا بعد ذلك في هذه المنطقة رأوا مدى أهمية الطرق النهرية لذا فقد تخصصت أسرة أو اثنتان في النقل النهري، حيث لم يظلوا في متاجرهم كما فعل معظم العرب، معظم الجاليات العربية.. معظم التجار العرب في بداية القرن العشرين سلكوا النهر في قوارب.. معظمهم في قوارب بخارية وكانوا يرسون في هذه الأماكن كما ترونها على طول الميناء، كان هذا ميناء لوريكا وقد بُني في أواخر القرن الـ 19 واستمر حتى عام 1950، إذاً كان هذا هو الطريق، الطريق الرئيس لاتصال منطقة ببعضها كان النهر، بدأت تصل الهجرة إلى كولومبيا عام 1880، يقال على مستوى العائلات العربية في كولومبيا أن أول عربي وصل البلد كان موسى حاتم وهو لبناني وصل عن طريق بارانكيا وهو ميناء بكولومبيا وبطريقة ما جاء عن طريق البحر ووصل إلى مصب نهر سينو، ثم عبر نهر سينو وأقام في لوريكا، إذاً ففي 1880 وصل أول عربي إلى كولومبيا وكان اسمه موسى حاتم.

جميل حاتم- محامي: بدأت أنا في الكتابة عن عائلة حاتم ولكنني لم أنتهِ من الكتابة حتى الآن لمشاكل صحية ولكنني سوف أكمل الكتابة، لقد وصلت عائلة حاتم إلى هنا تقريباً منذ أكثر من مائة وعشرين عاماً وبعد ذلك فقد بدأ وصول أولاد العموم والأخوة.. إلخ.. حتى وصل أول شخص من عائلة حاتم الذي لديه صلة قرابة مباشرة بي واسمه يوسف حاتم حاتم، ما حدث هو أن أول شخص من عائلة حاتم قد وصل إلى هنا كان اسمه عبد الأحد وليس حاتم ولكن لسهولة التعبير ولسهولة الفهم للقب فقد قاموا بتبديله من عبد الأحد حاتم لقبوه بحاتم عبد الأحد، ففي الحقيقة نحن ليس لقبنا حاتم، نحن كذلك ولكن لقبنا الأول هو عبد الأحد، العربي في طبيعته تاجر، فهو ليس برجل صناعه ولكنه تاجر وأول شي فعلوه هنا هو أنهم أنشأوا متاجر، متاجر بسيطرة ومتواضعة وكانت المتاجر تبيع كل شيء، ملابس.. وكل شيء يباع كانوا يبيعونه.

"
العرب جلبوا معهم التجديد في عالم التجارة بكلومبيا حيث أنهم كانوا يبيعون بثمن زهيد وبالدّين، بعد أن كانت السياسة التجارية تقتضي البيع بالقطعة وبأسعار مرتفعة ولم يكن هناك بيع بالدّين
"
خواكين بيلوريا

خواكين بيلوريا: سوريا ولبنان وفلسطين كانوا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، منذ مائة أو مائة وعشرين عاماً، كان البيع في المتاجر وقد كان العرب في غاية الدهاء حيث رأوا أنهم لن يستطيعوا منافسة هؤلاء التجار الموجودين منذ عشرين أو ثلاثين عاماً في دكاكينهم هنا فقرروا أن يستحدثوا في التجارة فلنذهب ونبيع من باب لباب.. أي البيع المتنقل وذلك ليس فقط في المدينة، كانوا يجوبون الشوارع بتلك العربة وفيها أقمشة وبضائع مختلفة صارخين في الشارع.. نعم صارخين بلغتهم الضعيفة أبيع الأقمشة، السياسة التجارية في كولومبيا للبيع بالقطعة كانت البيع بأسعار غالية وكان مكلفاً ولم يكن البيع بالدين وإنما بالدفع الفوري، لقد جلب العرب التجديد في عالم التجارة حيث أنهم ليسوا فقط يبيعون بثمن زهيد وإنما أيضاً بالدين، إذاً فقد كوّنوا لأنفسهم سوقاً مما أدى لأن يربحوا المال.. مالاً كثيراً مع أنهم يبيعون بالرخص ولكن كان يبقى لهم مال لأنهم كانوا يبيعون كميات، أبراهام أيها الحاج البطريرك تركت أرضك وجئت إلى هنا لتأتي إلى أرضنا وتنزرع هنا كما تزرع أنت هنا الأرز والرجال الآتين من الشرق بكلماتك العربية والأسبانية، تمحو آلام كل من حولك، تمحو آلام الشيخ ذي الرأس الأبيض.. ذي التاج الأبيض.. الجبل الأبيض.. لبنان، أه عبد الله لقد ذهبت من جديد، هذه المرة ذهبت إلى غير عودة ولكن حتى حيث أنت مازالت تبذر بذور الأرز الذي أيضاً يأتي ليصل إلينا.

سليم حاتم- محامي: كان والدي بطريركاً هنا وقد كانت له مكانة عالية بين المجتمع اللوريكي وقد اكتسب هذه المكانة لأنه عاش ليخدم الناس.

جميل حاتم: لقد كان يلقبهم بالأسماء، فقد كان يصل سوري على سبيل المثال ويقول له والدي أنت سوف تلقب برافائيل أنطونيو مارتينيث، وضع لهم أسماء كولومبية أو كان يضع لهم أسماء عربية مختلفة عن أسمائهم ويقول لهم أنت ولدت في هذا التاريخ وأنت مزارع أو مهندس وكان يعمّدهم بهذه الطريقة.

سليم حاتم: هكذا يمكنك أن تجد في أي مكان في لوريكا مَن يقول أبراهام أبي في العماد، أناس تبلغ من العمر الستين والسبعين عاماً تتحدث عن أبيها في العماد أبراهام.

جميل حاتم: أنت سوف تتزوج من فلانة ذلك لأنني قد اخترت لك هذه الفتاة لتكون زوجتك أو مثلاً أنت سوف تمارس هذه التجارة وقد كان بمثابة المرشد الروحي، المرشد الثقافي أو المرشد الاقتصادي وكان يلقبه الكثيرون بإنجيل لبنان لأنه كان يعرف كل شيء.

سليم حاتم: الحديث عن أبراهام الياس عبد الأحد حاتم هنا في لوريكا هو الحديث عن وجود لبناني ووجود عربي.

جميل حاتم: خلال الأعوام الأخيرة لوالدي قبل وفاته طرحت عليه سؤالاً محدداً وصريحاً، قلت له يا أبي لقد أتيت هنا وعمرك ستة عشر عاماً أي أنك قد عشت في لبنان ستة عشر عاماً وعشت هنا ثمان وخمسين عاماً في هذه الأرض فأيتها تحب أكثر من الاثنين؟ فقال لي إن لبنان هو وطني أما كولومبيا فهي أرضي.

سليم حاتم: هذه الأرض مليئة بالعرب وبالحضارة العربية، فقد كانت لوريكا في وقت ما يطلقون عليها اسم لوريكا السعودية حيث كان بها الكثير من العرب.

جميل حاتم: منذ خمسين عاماً هنا في لوريكا كان يعيش أكثر من ثمانين أو مائة عائلة سورية ولبنانية وكان الناس هنا يتحدثون العربية، كان يحب أن تكون لدينا مدارس تدرس اللغة العربية لكي يتحدث الناس العربية والأسبانية معاً وكان من المقرر أن هذه المدينة تكون مدينة ثنائية اللغة كما كان مخطط لها.

سليم حاتم: كانت بيوت العرب هي أحسن البيوت في البلدة فقد حافظوا دائماً على الطراز العربي.

جميل حاتم: اللبنانيون الذين جاؤوا إلى هنا بدؤوا في بناء منازلهم وهم يفكرون بلبنان، فهذا المنزل هو مطابق لمنزل أبي في الزهدي في لبنان، بناه أبي تماما مثل منزله في لبنان، فهو منشأ على الطراز العربي، كلياً عربي، هذا الأثاث قد أحضروه لأبي كهدية لزواجه، هدية لزفافه عندما تزوج من والدتي، نحن هنا موجودون في لبنان وذلك لأن جميع الأشياء لبنانية، فالأثاث لبناني وأبناؤهم هم أبناء لبنانيون.

خواكين بيلوريا: إن لوريكا محاطة بالماء من كل الجوانب أو على الأقل من ثلاثة جوانب، هناك نهر سينو والمستنقعات والشوارع حولهم، لذا نجد في تاريخ كل من القرن الـ 19 والقرن الـ 20 في القصص.. في الصحف أن أحد مشاكل لوريكا الرئيسة كانت الفيضانات.. طوفان النهر المستمر ونجد ذلك في الروايات أن النهر كان يدخل على الشوارع المختلفة وليست الشوارع القريبة فقط وإنما البعيدة أيضاً، حوالي عام.. أي بدايات القرن الـ 20 فترة 1910 و1920 النهر في لوريكا كان فيضانه ثابتاً، حتى أنه المدة شهرين أو ثلاثة لم تكن لوريكا ظاهرة، شكري فياض كان واحد من أوائل المهاجرين الذين وصلوا إلى لوريكا عام 1890 كان لبنانياً وجنى الكثير من المال، زوجته أيضاً كانت شخصية منهمكة بالعمل التجاري، كانا زوجين تجاريين ورأسماليين قويين، شكري فياض بالأعوام 1920 أو قبل عام 1919.. 1920 قام ببناء منزل في زاوية النهر حيث يقوم النهر بالعودة، بنى منزلاً تحول إلى حائط نوعاً ما وظل المنزل بدون كسور حتى أنه تمت مقارنته بالقلعة الحصينة، هذا المنزل منع في مناسبات عديدة النهر سينو من أن يدخل مدينة لوريكا، المنزل تم تشييده في المكان الذي ينحني عنده النهر، عدة سنين بعد ذلك أنشئ السوق الشعبي، إن منزل شكري فياض في ناصية منحنى النهر والسوق الشعبي تحولا إلى سد منيع لغزوات النهر، كان لدى شكري فياض مال كثير وفي القصص يتساءل الناس عن مكان المال، بما أنه لم يستطع صرف كل هذا المال.. المنازل الكثيرة والمزارع الكثيرة والعرب يبهرهم الذهب.. الذهب الكثير، في الأقاويل الشعبية يقال إنه هو وزوجته قد دفنا كنوزهما في المنزل.. في الأدوار السفلية لهذا المنزل والناس تتحدث عن وجوب البحث عن كنوز شكري فياض المفروض أن تكون في مكان ما في هذا المنزل.

[موجز الأنباء]

التجارة والاندماج في المجتمع الكولومبي

أنطونيو ميلاد- شاعر: كل مرة أطأ أسفلت هذا الشارع.. شارع فورخينسيو دي كركابيلي تعود إلى ذاكرتي ذكريات طفولتي عند شجرة خشب الأكاجو، أتذكر جدتي ذات التجاعيد العميقة المحملة بأثقال الحرب، أتذكر أبي وهو يعمل بين المحركات، أتذكر العمَّات وهن جالسات ينسجن تاريخ بلدتهن والبرد القارص الذي يحمل في بطنه أمطار السماء وأنا مذهول تحت شجرة قديمة ومنهكاً أكلاً زيتوناً كنت أسرقه سراً، فلعل الجدة ذات التجاعيد العميقة لن تر ثانية الباب ذا خشب الأكاجو ولن يعود طعم زيتون طفولتي ولن يكون كما كان تحت الشجرة المسنّة والمتعبة والآن عندما أعبر الباب الجديد المعدني بجانب آلة العرض أسمع صوتاً لطيفاً يسألني ماذا تريد يا سيدي؟ فأجيب مذهولاً طالباً زيتوناً وتعود فجأة ذكريات عائلتي من جديد، نشرت ثلاثة نصوص من بينها خريف طونيو والورقة الوحيدة ونص ثالث لوريكا تحت شمس البوليرو وهو بترتيب تاريخي، الورقة الوحيدة آخر كتاب لي أهديته لجدتي لماريا صايغ، الجدة ذات التجاعيد العميقة وما أذكره عن جدتي حسب ما حُكي لي وهو ما حكاه لي أبي عنها أنها كانت سيدة مميزة ومحبوبة جداً ومثقفة للغاية، أحياناً كانوا يطلبون منها ترجمة الرسائل التي تصل بالعربية.. رسائل من لبنانين آخرين ومن سوريين، هي كانت تترجمها، فالمهاجرون مع أنهم كانوا يأتون من الشرق الأوسط لم يكونوا يتقنون الكتابة أي أنهم لم يتعلموا القراءة، يحكون لي أن جدتي كانت تجيد القراءة والكتابة اللغتان العربية والفرنسية لذا كانوا يطلبون منها أن تقرأ الرسائل للعديد من المهاجرين الذين لم يجيدوا القراءة والكتابة، أذكر أنه عندما عدت في أحد الأيام إلى المنزل لأنني قد سمعت الكثير عن شارع العرب حيث كانت تعيش جدتي وكان يطلق عليه آنذاك شارع الأتراك اليوم هو شارع فورخينسيو دي كركابيلي الشارع 19 سألت أبي من أين نحن؟ قال لي نحن أجانب من لبنان وأنا في طفولتي آنذاك كنت أعتقد أن لبنان هو الشارع الذي تعيش فيه جدتي حيث أن الجميع هناك كانوا يتحدثون العربية وكان به الكثير من المحال التجارية وفي الشارع الآخر أيضاً، لذا فقد اعتقدت أن لبنان هو هذه المنطقة وكان كلما ذهب أحدهم وفتح الثلاجة وجد أطباقاً جاهزة من الكبة والتبولة والشيش بارك وكنت تجد هناك أي شيء، الخبز العربي.. الحمص وبذلك كنت أعتقد أن لبنان هو تلك المنطقة التي تعيش فيها عائلتي.

سليم حاتم: لوريكا في أيام طفولتي كنا نعاني من بعض الرفض من بعض المعادين للأجانب، اللوريكيين كانوا يميزوننا ويطلقون علينا عبارة هؤلاء الأتراك، فقد كانوا يضعوننا في نطاق معين يفصلنا عن الباقي ولكنهم كانوا يستضيفوننا ولكن كانوا يقولون بسخرية ما هؤلاء الأتراك؟

خواكين بيلوريا: معظم التجار العرب حسب ما بان لاحقاً كانوا يمارسون التجارة بطريقة حسنة، ليسوا مخادعين بمعظمهم والناس كانوا يصفونهم بالجيدين، فيقولون هم أزواج جيدون وآباء جيدون فلا سبب لكي نعادي هؤلاء التجار الذين أدخلوا تجارة أرخص إلى المدينة ولهذا فقد نتجت منافسة وتوتر بين التجار المحليين والتجار العرب.

أنطونيو ميلاد: فرناندو دياث دياث الدكتور في التاريخ الذي كان أستاذي في الجامعة كان يقول لي اسمع يا تركي، في فترة ما حسب أبحاثي كنت تجد موجة من الخوف من الأجانب في لوريكا وقد أقام الناس مظاهرات لإخراجهم.. إخراج كل الأجانب وعندما حاولوا ذلك فوجؤوا بأنهم سيطردون أصحاب المصانع وسيطردون الأطباء وسيطردون المحامين فلن يبق أحد.

خواكين بيلوريا: بدؤوا يستاؤون ويكتبون مقالات ضد العرب.. مقالات ناتجة عن الخوف من الأجانب، مقالات عنصرية، مقالات مهاجمة فيها، استخدموا لفظ أتراك ليس كلفظاً شعبياً وإنما كهجوم ضدهم وقد كتبوا فليخرج الأتراك.

أنطونيو ميلاد: اكتشفوا في الحقيقة أن اللوريكيين الأصليين لم يصنعوا أي شيء ولم يكونوا ينتجون أي شيء مثل ما فعله هؤلاء المهاجرون الذين أتوا.

خواكين بيلوريا: كان هناك شعوب بالاستياء وفي إحدى البلدات خاصة بلدات التجار لأنهم المستهلكين كانوا سعداء ظهرت مقالات في الصحافة تدافع عن سياسة السوريين، في هذا الوقت لم يكن اسمهم العرب وإنما الأتراك والسوريين وكانوا يقولون يحيا السوريون الذين يحضروا لنا المنتجات بأسعار أرخص بكثير، في البداية كانت هناك صعوبات في التواصل الشخصي وكانوا منعزلين قليلاً بحيث أن تواصلهم الوحيد كان بين أعضاء جاليتهم، حتى أن هناك شباباً كانوا يذهبون إلى بلادهم.. لبنان أو سوريا أو فلسطين ويتزوجون شابة منها ويحضرونها معهم من هناك، لذا فقد كان المجتمع يرى أنها جالية منغلقة وقد كانوا يفعلون ذلك ليحموا تقاليدهم وثقافتهم الخ، لذا كان العرب بشكل ما لديهم رغبة في إنشاء ناد اجتماعي وليس فقط المكوث في بيوتهم يلعبون الورق بل الذهاب إلى مكان أكثر وسعاً وأكثر راحة، حيث أنه كان لديهم أموال أكثر أو مثل الآخرين، في لوريكا أسسوا نادي الكلونيون في عام 1930.. في تلك الأعوام، كانوا يحاولون إنشاء ناد منذ سنوات من قبل وفي لوريكا ولد ناد للصفوة اللوركية ولم يكن عندهم أية نية في إدخال أي عربي إلى هذا النادي، اتخذ العرب منطقة معينة وأقاموا فيها ناد خاص بهم لذلك نرى في عام 1930 أنه أصبح في لوريكا ناديان اجتماعيان أحدهم الخاص بالصفوة الذين أقاموا ناديهم في لوريكا والآخر الخاص بالتجار وأصحاب الشركات العرب الذين أقاموا الكلونيون وهكذا استمر الحال حوالي عشرة أو خمسة عشر عاماً وفي عقد الخمسينيات اختفت النوادي.

أدريانو صوصة– نحات وفنان تشكيلي: كان كونيغان جراهام إنجليزي الأصل جاء في عام 1912 أو 1911 من المملكة البريطانية ليقوم بدراسات عن منطقة السينو ووجد أنه في عام 1911 كان هناك شيء عجيب بالنسبة له كمسافر، أنه في وسط لوريكا في هذا الوقت كان هناك أناس كثر يتحدثون العربية، أول من بدأت تقوم بعمل الخبز العربي هنا كانت والدة جدي كان اسمها أنخيلا حاتم وكان هناك أيضاً مهاجر يدعى خوسيه ضاهر وهو قد علمني كتابة العربية وقراءتها قليلاً والتكلم بها قليلاً وقد بقيت معه لمدة ثلاث سنوات أتعلم العربية، فكرة مشروع الحائط في بيت الثقافة أننا نحتاج إلى الكثير لأننا نبحث عن تاريخنا لذا فالفكرة أساساً كانت على حائط من تسعة أمتار أن تجمع تاريخ البلدة، هكذا ببساطة حيث لن يكون صعباً على أي أحد أن يقرأ تاريخ بلدته في الشارع، هذا العمل له معنى تربوي وفيه الكثير من المعاني، هذا العمل تم تنفيذه عام 1994، هو أمر يدعو للفخر عندما أمر أحياناً لأجد أطفال المدارس الابتدائية يقومون بواجباتهم من على الحائط ببيت الثقافة، ليس عليهم أن يشتروا كتباً فبالفعل التاريخ موجود في الشارع وعندما يريدون أن يقوموا بدراسة تاريخ لوريكا يقولون أنه هناك الكثير على الحائط ويذهبون للقراءة وليس مكتوب فقط على الحائط وإنما هناك جزء مصور أيضاً وببساطة النص يدعم الصور.

خواكين بيلوريا: في الأصل وصل معظمهم تجاراً، معظمهم.. لكن بعضهم كانوا مزارعين ورعاة ماشية، هنا كانت تربية المواشي منتشرة للغاية ولا تزال موجودة كنشاط اقتصادي مركز وبدا بعض مربي المواشي في استجلاب مصادر للمرعى من مناطق أخرى لتحسين التغذية في مزرعة المواشي، مصانع الثلج.. بسبب المناخ هناك حاجة للثلج فأقاموا مصانع للثلج، فهم دائماً يبحثون عما يحتاجه الناس، إلى لوريكا في الأربعينيات والخمسينيات كان يأتي عدد كبير من التجار ليس فقط مهاجرون بل تجار من مدن أخرى من البلاد وبدأت تظهر الحاجة لفنادق لذا بنوا فندقاً وهناك شيء إضافي وهو السياسية، دخلوا السياسية، فهم لم يشتغلوا فقط في الاقتصاد وإنما وصلوا إلى السلطة، أصبحوا بمناصب سياسية كمستشارين وعمدة وحكام وأعضاء بالمجلس التشريعي، أل حاتم الذين بقوا هنا خوسيه فرانسيسكو حاتم كان رئيساً لمجلس الشعب، ابنته سليمة حاتم هي عضو حالي في مجلس الشعب وهي تتقن جيداً العمل في السياسية.

"
العرب شاركوا في التقدم السياسي في هذه المنطقة حيث ساهموا في إنشاء البلديات والمقاطعات في القرن العشرين، كما شاركوا في كونغرس الجمهورية
"
سليمة حاتم

سليمة حاتم- نائبة بالكونغرس: أنا عضو ممثل في الكونغرس لقرطبة، لقرطبة الكثير من الأعضاء الذين من أصل عربي في الكونغرس، فنحن حوالي خمسة أعضاء في كونغرس الجمهورية اليوم من أصول مختلفة، الأكثرية لبنانيون وهناك واحد من أعضاء كونغرس الجمهورية سوري، لقد شارك العرب في التقدم السياسي في هذه المنطقة، فقد ساهموا في إنشاء البلديات والمقاطعات في القرن العشرين وشاركوا في كونغرس الجمهورية استطاع عضوان ممثلان لقرطبة الوصول لرئاسة الكونغرس في جمهورية كولومبيا وكنت أنا شخصياً قبل بضعة أشهر رئيساً لمجلس النواب، عندنا نواب ومستشارون ومحافظون من أصل عربي، هو حضور قوي جداً في التطور السياسي والاجتماعي لمنطقتنا، إن الحياة اليومية لمَن هم من أصل عربي هنا متأثرة جداً بثقافتنا وتقاليدنا وعائلاتنا متحدة جداً، فنحن نجتمع باستمرار، فنحن متجمعون ومتقاربون وتجمعنا عاداتنا الثقافية الغذائية القوية جداً في هذه المنطقة، التأثير الحضاري والهوية العربية قويان للغاية هنا في هذه المنطقة، حتى أن بعض الأسماء المهمة تحمل أسماء عربية، مثلاً جبل لبنان هي بلدة قريبة من سان جورجي بقرطبة وبها أكثر من سبعين ألف نسمة وكان مؤسسوها من أصل لبناني وقد أقاموا هنا منذ بداية القرن الـ 20، كانت لهم أملاك كثيرة حيث أنهم هم من أنشأوا هذه البلدة الموجودة اليوم والكثير من البلدات الصغيرة جداً ذات القليل من السكان أخذت أسماء عربية، دمشق بلدة مجاورة للوريكا وهي ظهرت أيضاً بهذا الاسم وهو اسم عاصمة سوريا نتيجة لكون بعض السوريين وصلوا إلى المنطقة والكثير من الأشخاص هنا لهم أسماء عربية، حيث سمعوها من العرب الذين جاؤوا هنا وسموها لأبنائهم، فليس بالضرورة أنهم من أصل عربي وإنما أعجبهم الاسم عند سماعه أو لأنهم قريبون منا أو لأنهم يظنون أنها أسماء من هنا ولم يخطر ببالهم أنها أسماء من أصل عربي.

خواكين بيلوريا: بدأت هجرة العرب مرة أخرى وليس إلى المكان الذي أتوا منه.. من بيروت ودمشق وإنما إلى شمال البلد، مع مرور الوقت لم يعد نهر سينو الطريق الرئيسي للاتصال في المنطقة وبسبب مشاكل عديدة، مشاكل اقتصادية بالمنطقة والمناطق المجاورة قررت العائلات الأكثر قوة الهجرة إلى مدن أحسن على الكاريبي الكولومبي، يذهبون إلى بارانكيا وكارتاخينا وإلى مونتريا، فوسائل الاتصال سمحت بأن هذه العائلات تترك المكان وتذهب إلى تعليم أفضل لأبنائهم باحثين عن مستقبل أفضل بالنسبة للاقتصاد وتجارتهم وتعليم أبنائهم.

أنطونيو ميلاد: كبار رجال الأعمال ذهبوا وأقاموا في بارانكيا شركات ضخمة وانتشروا في الدولة مثل عائلة تشار على سبيل المثال.

سليمة حاتم: ومصانع.. الكثير من هذه المصانع الآن هي نفسها التي بدأت في لوريكا.

خواكين بيلوريا: وكل هذا يُعد تاريخاً، فقد كانت في لوريكا جالية عربية مهمة على نهر سينو واليوم بعد مرور عشرين أو ثلاثين عاماً ليست بجالية كبيرة، هي محدودة اليوم فعندنا جالية أصغر من الجيل الثاني والثالث.

سليم حاتم: كانت لوريكا منذ خمسون عاماً أفضل من الآن على الرغم من أنه كان لدينا خدمات أقل وتكنولوجيا أقل، فلم يكن هناك كهرباء في هذه الفترة منذ خمسون عاماً ولكنهم كانوا فقط سعداء في هذه الأرض.

أنطونيو ميلاد: الجدة ذات التجاعيد العميقة التي بكت لفراق بلدتها عندما أتت تركت الذكريات، منها ذكريات سعيدة ولكنها محزنة أيضاً لأنها لم تعد موجودة الآن وعندما أعبر هذا المكان لا أجد أقاربي ولا أبناء عمومتي فقد ذهب الجميع وبقي فقط القليلون مثلي أنا مثلاً، بقينا بشعورنا بالحنين إلى الأرض الأم.. إلى الوطن الذي أتينا منه في يوم من الأيام.

سليم حاتم: لوريكا هي أرض الذكريات.

أنطونيو ميلاد: مع مرور الحرب والحنين ووقتاً غير آمناً ملئ بالمعاناة هاجر أسلافي من أرضهم ووصلوا إلى أراضي السينو ودموع جدتي جفت مثل رمال الصحراء والوحدة ما بين اللغات التي نلقاها في الهموم كانت تغرق في الأسبانية والعربية، رحلت معهم ذكرى تجمدت، من الأردن وسوريا ولبنان، بكاء وبحور وهموم ولغة من الشرق إلى الغرب بشغف، بصمة زيتون باقية داخلي وفرع أرز قوي مثل نور مضاء بالزيت لا ينتهي في دمي يجري دم الشعب العربي.