صورة عامة - في العمق - الدين وأنماط التدين - 6/9/2010
في العمق

الدين وأنماط التدين

تناقش الحلقة العلاقة بين الدين والتدين في الإسلام فالحديث عن الدين والتدين يبدو جدلية طويلة وحظيت بنقاشات كثيرة وكبيرة ولكنها لم تحسم.

– مفهوم التدين وأسباب الاختلاف في فهمه والتعبير عنه
– الأنماط الواجبة وأولويات سلوك التدين

– موقع الطقوس والشعائر وتأثيرها في سلوكيات المتدين وأولوياته

– تأثير التدين في الواقع السياسي والاجتماعي وأولويات الأمة

علي الظفيري
علي الظفيري
عايض القرني
عايض القرني
 راشد الغنوشي
 راشد الغنوشي

علي الظفيري: أيها السادة إن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين فالدين كما يقول عبد المجيد النجار هو ذات التعاليم التي هي شرع إلهي، والتدين هو التشرع بتلك التعاليم، فهو كسب إنساني وهذا الفارق في الحقيقة بينهما يفضي إلى فارق في الخصائص واختلاف في الأحكام بالنسبة لكل منهما، ولا يبدو كافيا مما سبق الفصل بارتياح بين المفهومين، فالتداخل الطبيعي والخلط المتعمد لخدمة الأغراض والحاجات الخاصة عقد من الأمر كثيرا حتى بات المؤمن معني بسلوك التدين دون أن يعني ذلك أو يفضي مباشرة إلى حقيقة الدين وما نص عليه، والليلة أيها الإخوة نخصص الحلقة في هذا اليوم المبارك من رمضان للحديث عن الدين وأنماط التدين في المجتمع الإسلامي والعلاقات والتداخل والإشكاليات التي لم تجد طريقها للحسم فأهلا ومرحبا بكم. معنا للغوص في عمق هذه القضية فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور عايض القرني وعضو اتحاد العلماء المسلمين وسينضم إلينا بعد قليل من لندن المفكر الإسلامي راشد الغنوشي.

مفهوم التدين وأسباب الاختلاف في فهمه والتعبير عنه


علي الظفيري: مرحبا بك دكتور عايض سعداء بوجودك معنا الليلة، الحديث عن الدين والتدين يبدو جدلية طويلة وحظيت بنقاشات كثيرة وكبيرة ولكنها أيضا لم تحسم، برأيكم دكتور هل نحن أمام مفهومين مستقلين عن بعضهما أم أن التدين جزء رئيسي لا يتجزأ من الدين؟


عايض القرني: أحمد الله وأصلي وأسلم على نبيه ومصطفاه وآله وصحبه ومن والاه وأشكركم أخي علي وأشكر الإخوة المشاهدين وأنا سعيد أيضا أن يكون معنا الشيخ راشد الغنوشي عضو اتحاد العلماء المسلمين. هذا الموضوع في حد ذاته هو قضية كبرى وساخنة، التدين هو الممارسة التي يقوم بها الناس ويفهمونها من دين الله عز وجل الذي نزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدين هو الرسالة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم، إذاً الدين هو النصوص وهو التعاليم أما التدين فهي ممارسات الناس وهي أعمال الناس سواء صحت أو ابتعدت أو اقتربت من هذا الشيء. أحب أن أنبه عن تنبيه مهم ينبغي أن أرسله من هذه القناة الرائدة وهي أن التدين عند المسلمين الآن أو السلوك الذي يقوم المسلمون به ليس بالضرورة يعبر عن روح الإسلام الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم، نحن أحيانا نقدم صورة سيئة ليست صحيحة عن الإسلام بتديننا نحن، نحن أحيانا بما نقدمه من طقوس أو ما نقدمه من غلظة أو ما نقدمه من خطاب تهجمي أو خطاب تحريضي أحيانا لا يخدم قضيتنا أو أحيانا يبتعد عن روح الشريعة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم، ومن هذا كان لزاما على أهل العلم والفكر والدعوة أن يجددوا روح الدين وأن يعيدوا الناس من التدين الخطأ إلى التدين الصحيح لأنه ليست أعمال المسلمين حجة، أحيانا بعض الناس يقول انظر المسلمين لا يفعلون ودليل على أنهم على خير وعلى أنهم على صدق وعلى أنهم.. ليس بالضرورة، نحن أحيانا أيضا من الأخطاء نجعل من النوافل فرائض ومن المستحبات أصولا وهذا ليس بصحيح، وأحيانا نتعلق بأشياء ليست بالأهمية هي بمنزلة أصول الملة وينبغي علينا أن نحدد ما هي الأصول والثوابت في دين الله كما سيأتي معنا.


علي الظفيري: دكتور هنا بما أنه صار في فصل بين التدين أو السلوك الذي يعبر عن التدين وبين الدين، قيم الدين ومفاهيمه الرئيسية، هل هذا عدم وضوح في الرسالة، في النص الديني بذاته أم هو سوء فهم من قبل المسلم حينما يريد أن يتقمص عادة التدين فيتوهم أو يتخيل أو يخطئ حتى في الشكل، شكل التدين المناسب؟


عايض القرني: أولا الدين واضح وقد بين ربنا سبحانه وتعالى يقول {..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً..}[المائدة:3] رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قال "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها" لكن المشكلة في أفهام كثير من المسلمين إما أنهم عوام ليس عندهم قدرة على فهم النص أو الناس عندهم لوثة فكرية في عدم أيضا معرفة طبيعة الدين وسهولة الدين لأن الدين أحيانا يؤخذ مأخذا فلسفيا فيبتعد عن روح طبيعته السهلة الميسرة العربية البسيطة التي يقولها الشاطبي في الموافقات، أحيانا يأتي بعض الناس لجهلهم يبتدعون في دين الله ولهذا الذي أضر بالإسلام هم أناس إما الغلاة وإما المتحللون من الدين، فمهمة العالم والداعية والمفكر الصادق المسلم أن يعيد الإنسان لروح الإسلام أو نصوصه الثابتة في دين الله عز وجل. أنت يا أخ علي ذكرتني بشيء أنه صلى الله عليه وسلم منع هذا الفهم الخاطئ في حياته صلى الله عليه وسلم، يعني قام ثلاثة من الشباب قال أحدهم أنا لا آكل اللحم الثاني قال لا أنام الليل الثالث قال لا أفطر النهار، فدعاهم صلى الله عليه وسلم قال "إن أعلمكم وأخشاكم بالله أنا وأتقاكم لله ولكنني أصلي وأصوم وأفطر وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني". هذا التشدد الذي نشاهده لا يمثل الدين بالضرورة وليس هناك ناطق رسمي عن الإسلام إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس عندنا مثل الديانات التي تمثل الكنيسة أو تنطق باسم الكنيسة، نحن عباد الله عز وجل كلنا ليس فينا معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان لزاما علينا وهذه بالضرورة أنا وأخي الشيخ راشد ينبغي ومعك يا أخ علي اليوم أن نقدم خطابا، نحن العالم الآن بحاجة إلى خطاب منا نحن المسلمين موحد يفهمهم ديننا الذي ندعو إليه لأن الخطابات الآن كثيرة عن الدين وعن التدين.


علي الظفيري: هنا المشكلة شيخ عايض الوحدة وحدة الفهم أم المشكلة بالاختلافات لأن هناك أفهاما كثيرة أكثر من فهم للدين والكل يعتقد أن هذا الفهم هو الفهم الصحيح ويدعو إليه بشدة وبتطرف ضد الآخر، هذه مشكلة البعض الآخر أيضا يرى أن الفهم الوحيد والذي تعتقد جماعة من المسلمين أنه هو الفهم الصحيح هو مشكلة لأن الأمور تختلف من بلد من طبيعة إلى أخرى، أين المشكلة تحديدا؟ ما هي الحالة الأمثل في هذا الأمر؟


عايض القرني: أحسنت. نحن لا نزعم أننا نحن الممثلون وأننا الصادقون وغيرنا على خطأ ولكن عندنا ضوابط شرعية، أنا أقول للإخوة نحن بحاجة إلى مذهب نلملم على الكتاب والسنة في هذا العصر لأن العالم الآن ينتظر منا خطابا موحدا، لا يؤمن العالم أننا فرق وأحزاب لأنه سمانا مسلمين، الله سمانا مسلمين لم يسمنا حنابلة ولا شافعية ولا مالكية..


علي الظفيري: ولا سلفيين ولا إخوان..


عايض القرني: ولا سلفيين ولا إخوان ولا تحريريين، سمانا مسلمين، فأقول -وقد قلت هذا في اجتماع علماء في اسطنبول كان معنا الشيخ راشد والشيخ القرضاوي- لماذا ما نقدم الناس على حديث جبريل اللي هو أركان الإسلام وأركان الإيمان وركن الإحسان، ثانيا هو فهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الذي فهموه لنا، ولذلك الآن طوائف الإسلام مجتمعة على فهم الصحابة في الجملة يعني، في أصول الملة، ثالثا لا أريد أن نتفق في كل مسألة يعني نتفق على أصول الإسلام وما في الفروع فليعذر بعضنا بعض وليكن عندنا سعة أفق في قبول الخلاف في الفروع أما أصول المسائل فهي بينة، أنا لا أختلف مع أي أخ أن الصلوات خمس صلوات -إلا إذا ابتدع في الدين خرج- أو أن الصوم فريضة أو الحج أو الإيمان بالله الأركان الستة، لماذا ما نجتمع هذه على الأصول وأيضا نجعل مساحة من الحرية وقبول وجهات النظر ونحترم الآراء التي تخالفنا، مثلا أنا ذهبت إلى باكستان وأفغانستان يضمون مثلا تحت السرة أيديهم ولا يؤمنون، لم أنكر عليهم هم أحناف لأن هذه المسألة ليست من أصول المسائل، أتاك أحد مسبل يديه في الصلاة من المالكية..


علي الظفيري (مقاطعا): في يوم من الأيام كانت هذه قضية كبرى يا شيخ عايض يعني كانت بالنسبة لنا أن هذه الاختلافات الشكلية البسيطة قد تخرج ناس من الملة قد تدخلهم، تعتقد أن هؤلاء منحرفين خاصة في الجزيرة العربية أو في التيار السلفي ربما كان يعتقد بشكل كبير جدا بابتعاد المختلفين تماما عن أصل الدين.


عايض القرني: هو التيار السلفي كان في طلاب عندهم ضعف في العلم أما الراسخون في العلم من التيار السلفي فهم يفهمون الأصول ويفهمون الفروع، ولكني أبشرك وأبشر الإخوة المشاهدين هناك تيار وسطي الآن أصبح يجلي صورة الإسلامي الجميلة ويؤصلها عند الناس ويفهم الناس وهذا التيار هو ضارب بجرانه التيار الوسطي {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً..}[البقرة:143] لأنه هناك يعني نحذر من حزبين أو من طائفتين الذين يدعون للتحلل من الدين يعني كان ما عندنا رسالة وكان ما نتصرف بحمل هذا المبدأ العظيم وأناس غلاة حملوا السلاح حتى على المجتمع، هم يريدون أن يفهمونا أن الدين الذي أخرجوه كان من السوبر ماركت يعني تعاليم من يوافقهم في مذكراته يدخل الجنة، قلت أنا هذا على شروطهم هم لن يدخل الجنة إلا 13 منهم ستة بدون إقامات وهذا ليس صحيحا، للجنة ثمانية أبواب الجنة كبيرة، ينبغي أن ندعو جمهور المسلمين لدخول الجنة، نحن مليار ونصف المليار في العالم ينبغي أن نقبل الأصول من المسلمين ونساعدهم على أن يدخلوا جنة الله ويدخلوا رحمة الله، أما إنسان يعني يجتهد يا أخي شاب في الدين ويعطينا هذه من الأصول وهذه ليست، الغناء قال من حلله فهو كافر أو مبتدع أو فاسق أو حصل كذا أو كذا، الموسيقى، الدخان، يا أخي عندنا أصول بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بينها في حديث جبريل، قال "جاءكم جبريل يعلمكم دينكم"، لماذا ما نفهم الناس الأصول ونترك لهم حرية الاختلاف بين العلماء في مسائل، والحمد لله ترى المالكية والشافعية والحنابلة والأحناف وغيرهم..


علي الظفيري: الاثنا عشرية.


عايض القرني: أنا أقول عند الاثني عشرية في أصول ينبغي أن نتحدث نحن وإياهم بالمباشرة وقد قلنا حتى في اسطنبول وفي غيرها ينبغي أن نكون شجعان حتى مع إخواننا الشيعة في مسائل الخلاف التي بيننا مثل احترام الصحابة ندعوهم أيضا ونحن بالمقابل إن شاء الله ونحن نحترم أهل البيت ولكن كان في جفا عند بعض أهل السنة، أنا من الجزيرة أقول نحترم أهل البيت ولكن لا نسمح للصحابة أن يتطاول عليهم ولا عمر ولا أبي بكر ولا عائشة زوجة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وغيره من المسائل.

الأنماط الواجبة وأولويات سلوك التدين


علي الظفيري: دكتور، أنماط التدين اليوم الواجبة والصحيحة يعني بمعنى أنه نريد أن نتحدث عن أولويات جدول أوليات يحكم سلوك التدين لدى المسلم.


عايض القرني: جميل. هذا السؤال خطير وينبغي أن يفهم ويسمعنا الشباب الآن والفتيات أقول لهم يا إخوة، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى بيّن الدين هو عاش 23 سنة صلى الله عليه وسلم وفهّم الناس وقال لهم حتى يقول أبو ذر "ما ترك من طائر يقلب جناحيه إلا أعطانا منه خبرا"، لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أدى الرسالة وبلغ الأمة كلها وقال "اللهم بلغت اللهم فاشهد اللهم فاشهد اللهم فاشهد". ديننا واضح يا إخوة نحن الآن ينبغي أن ندعو  الناس كما قلت إلى أصول الإسلام وأصول الإيمان والإحسان، ينبغي التفاصيل مثلا أن نعلم الناس مثلا كيف يصلون لكن نختلف في فرعيات اختلف فيها الأئمة قبل وما تهاجر بعضهم مع بعض لكن مشكلة الناس من الشباب المتزمت المتشدد أنهم جعلوا من الفروع أصولا وإذا خالفهم أحد فسقوه أو بدعوه أو كفروه ولذلك حملوا السلاح وقد حاورنا بعضهم الآن سواء في السعودية أو في الجزائر أو في ليبيا حمل السلاح الذي يحملونه الآن على الأمة هو بسبب فهمهم الخاطئ للدين، وقابلهم فئة تحللت من الدين يقول الدين هو طقوس شعائرية يقصدون يعني يوم المولد أو افتتاح مشروع يقرأ فيهم قرآن أو مثلا بيني وبينك زكاة الفطر أو نحو ذلك، الدين هو يحكم الحياة.


علي الظفيري: ولكن هنا يا دكتور يعني هذا يناقض أيضا مطلب، هم حينما تحاورون من اعتمدوا القوة والعنف والعمل المسلح، حينما تقول الدين هو للحياة، هناك إسلام جهاد، هناك من يعتقد أن هذا الأمر هو الوسيلة أو هو يأتي على رأس الأولويات في قضية التغيير، هناك أيضا تيار الإسلام السياسي الذي تحدث عن أنظمة الحكم والطريقة التي تدار بها الدولة بشكل عام، وهناك التيار الذي يتحدث عن الطقوس والشعائر والحياة اليومية بعيدا عن الدول وبعيدا عن التغيير ويقبل بكل ما تقوم به هذه الدولة والذي يؤدي إلى نتائج سيئة، يعني ما هو النموذج الصحيح والكامل؟


عايض القرني: أولا الإسلام فيه سياسة وإدارة وتبليغ وجهاد، القرآن أتى لإنشاء دولة إسلامية وأنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا الجهاد والسياسة والحكم عموما، وعلمنا يعني التبليغ في دين الله والأخلاق والآداب والسلوك ولكن المشكلة أن بعض الفرق أخذت بكثافة وركزت على الحاكمية دون بقية الأمور حتى عرفت بها، وأنا أقول صحيح أن الحاكمية من الإسلام ولكنها تؤخذ في المجمل وبعضهم جعل الإسلام كل شيء في الحياة وفهم أحيانا الجهاد فهما خاطئا فهو يحمل السلاح على الجماعات أو المجتمع المسلم بحجة أنه جهاد وهذا ليس بجهاد. نقول الجهاد الصحيح في كتاب الله ولا يحق لأحد أن يلغي الجهاد ولكن بفهم العلماء يقول {..فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[النحل:43] بالله يا أخ علي هل يجوز لطالب من الثانوية الإعدادي عمره 18 يفتي؟ وقد حاورت بعضهم، 18 حاورتهم في سجون الرياض، قلت كيف تفتي وابن تيمية يخالفك؟ قال أنا رجل وهو رجل، يعني هو رجل، قلت له أنت مثل ابن تيمية، مثل مالك بن أنس؟ أنت لم تفهم النص، فهمت النص خطأ، ثانيا بعضهم الآن يحيد السياسة كبعض الكتاب من الليبراليين والعلمانيين نقول إن السياسة في الدين {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162] الإسلام دولة ودين وروح وجسد، الإسلام أخلاق وآداب وسلوك لكن المشكلة أن الجماعات توزعت الإسلام فكل تدعي أن الإسلام جاء لهذا الجانب فحسب والصحيح أن الإسلام جاء للجميع، أريد أن نفهم الإسلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه يحكم الحياة وأنه طريق إلى الآخرة، ونريد أن ننظف الإسلام مما علق به من أفكار البشر لأننا نحن يا أخي نعيش ترى السبات 14 قرنا كلما جاء أحد أضاف لنا مذكرة وكتاب وحملنا بمصنفات ومؤلفات، نريد ننفض هذا الغبار ونعود إلى عصر الفهم، فهم الصحابة أبي بكر وعمر للنص وفهم الرسول عليه الصلاة والسلام للكتاب والسنة، ولست ملزوم أنا بفهم، عالم يفهم مشكور ومأجور إذا فهم ذلك لكن لا يلزمنا أنا أعتقد ما أعتقد وينبغي أن نقدم للناس للعالم كل العالم على أن الإسلام هو حل ولكن ليس بالعنجهيات وليس بالتدمير والتفجير وليس بزندقة الناس والحكم عليهم..


علي الظفيري (مقاطعا): ولكن أيضا ليس بالصمت المطبق والتام عن كل سلوك خاطئ في الحياة والمجتمع والدولة.


عايض القرني: هو الإسلام نهى عن هذا السلوك ونهى، نهى عن الغلو "لا تغلوا في دينكم" ونهى عن.. "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" الإسلام كامل يا أخي الإسلام يشرف ويرفع ولكن فهمنا نحن القاصر له أحيانا صار عندنا غبش، يقول البصيري "قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم". المشكلة عندنا ليست في الإسلام.


علي الظفيري: طيب دكتور نحن ما زلنا بانتظار أن ينضم لنا الأستاذ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي من لندن لكن لدينا بعض الإشكاليات التي تعوقنا عن الاتصال به أو عن وصوله هو إلى الأستوديو. نقول دائما دكتور عايض إن الدين تحديدا الإسلام في حديثنا عن الإسلام أنه منظومة متكاملة للحياة والتدين يؤدي للاقتراب من الدين، كان به يفترض يعني كسلوك أن تكون نتيجته الطبيعية الاقتراب أكثر من الدين وبالتالي يجب أن تتطور مناحي الحياة المختلفة، المجتمع بشكل عام الاقتصاد السياسة القوة الأمن كل مناحي الحياة المختلفة ولكن ما نلحظه رغم أن ازدياد حالة التدين في المجتمعات العربية والإسلامية بشكل كبير جدا، من يصلون اليوم أكثر ممن كانوا يصلون في السابق من يصومون أكثر من يعتمرون من يحجون ومع ذلك لم تتطور مناحي الحياة الأخرى، لم يحدث تأثير إيجابي ومباشر للتدين كحالة على بقية مفاصل الحياة في المجتمع.


عايض القرني: هو الإسلام كما قلت هو جملة من التعاليم الربانية هو دين وحياة ودولة لكن المشكلة عندنا قصور في السياسة عندنا قصور في الاقتصاد قصور في الفكر قصور في الأدب قصور في الحياة الاجتماعية، نحن واقعنا المسلم ترى يا أخي أقولها وأعترف واقعا نحن نعيش الهشاشة والهامشية، نحن في عصر ضعف وعصر وهن سواء في الجانب السياسي نحن لم نطبق السياسة سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي الشورى وإبداء الرأي وإعطاء الناس حرياتهم وإعطاء الناس حقوقهم، ليس هناك يعني في جوانب مضيئة وجميلة ولكن الحياة التي نادى بها الإسلام حياة عمر بن الخطاب..


علي الظفيري (مقاطعا): في هذه النقطة تحديدا كداعية إسلامي بارز أيضا وليست هنا محاكمة لأفكارك وإنما هي مجرد عرض أفكار تتعلق بعمل الدعاة بشكل عام، حينما يتم الدعوة للتدين لا تطرح هذه الأمور على رأس الأجندة بل تطرح أمور أنه والله معجون الأسنان يفطر ولا ما يفطر، طريقة الوضوء وطريقة.. وكأن الدين حديث، يعني لا تطرح هذه الأمور الأساسية في الحياة كأولويات في سلوك الإنسان المتدين، لا تطرح المساواة العدالة التعاون مع الآخرين، نجد أنه في سلوك المتدينين، إشكالات حقيقية في قيم رئيسية.


عايض القرني: أنا معك، شوف هو يختلف الطرح من داعية إلى داعية وعالم إلى عالم، لا بد أن نقدم أصول الملة ونعطي كل مسألة حجمها كما أعطاها القرآن ولا نغفل حتى مسائل حتى مثل المعجون ومثل بيني وبينك الفرشة ومثل هذا..


علي الظفيري (مقاطعا): يعني ليس تقليلا منها ولكن هي موقعها على رأس الأجندة أو كأولوية.


عايض القرني: إيه نعم، فأقول إن أعظم شيء عندنا هو العقيدة الصحيحة، تصحيح عقيدة الناس، يا أخي الآن القبور الأضرحة يطاف بها في العالم الإسلامي، أنا زرت أكثر من أربعين دولة إسلامية فيها أضرحة وفيها قبور، كان الجانب السياسي لا بد يصلح الجانب.. نقول بحق وبصدق يصلح الجانب السياسي، الجانب الاقتصادي على ضوء من كتاب الله عز وجل، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الآن اللي أصاب العالم الربا وأكثر الدول العربية تمارس الربا عيانا بيانا جهارا، أيضا إصلاح أخلاق الناس، كيف نصلح نحن تربية وأخلاق الناس والحكومات كثير من الحكومات الآن تشجع على العري والسفور وعلى الحفلات الغنائية المختلطة وتدعو للضياع وتبذل المال في ذلك بشيء مذهل؟ يعني مهمة الداعية أن يوضح جملة من هذه القضايا لكني أرى إن شاء الله كثيرا من الدعاة لم يقصروا في ذلك، تكلموا عن العقيدة تكلموا عن الحرية والمساواة تكلموا عن العدل، ولكن نحن لا نملك صوتا ولا نملك سيفا، نحن نملك {..إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ..}[الشورى:48]، {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية:22]، ترى عباقرة وعظماء الإسلام عاشوا في ظل الدول الاستبدادية، ابن خلدون في دول الطوائف الاستبدادية والمتنبي وبن تيمية ومالك وغيره، نحن علينا نقول كلمة الحق {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..}[النحل:125] وأظن اللي يحصل الآن في العالم العربي يعني نقلة أحسن من عشرين سنة، يعني أصبح في تقبل أحيانا ولو أنه تقبل ضئيل، أنا أريد أن يسمع صوت الناس أنا أريد أن تحترم حقوق الناس أنا أريد أن يعيش المواطن بكرامة، يعني بعض الناس يلوموننا إذا مدحنا المجتمع الأميركي، كتبت مقالة في الشرق الأوسط أميركا تنصر أمراء السعودية قام علي.. قلت يا إخواني لا يعني ذلك أنني ألغي الإسلام.


علي الظفيري: تمنيت أن تكون فيها أميركيا يعني؟


عايض القرني: لا، أنا قصدي لا يعني ذلك أنني أنا أوافق هذه الدولة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "لا تقوم الساعة إلا والروم أكثر الناس" اعترف لهم، القرآن اعترف لأعدائه يقول {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ..}[آل عمران:113] بالله عليك أليس المواطن الأميركي يشعر بحقوقه كاملة أكثر من بعض الدول التي تقول إنها مسلمة؟..


علي الظفيري: أكيد يعني هذا أمر أصبح قطعيا.


عايض القرني: معروف قطعي، وتجد قيمة الإنسان في فرنسا والكلام في هذا، قلت يا أخي لا تفهموا خطأ، هم عاشوا دنياهم عاشوا حوارا وعاشوا نظاما وعاشوا قيمة للإنسان وعاشوا اهتماما بالبيئة واهتماما بحق الإنسان وديننا ينص على ذلك، حتى يا أخي دخلت امرأة النار في هرة في الإسلام لكن قل في الإنسان الآن، فأنا أثني على الجوانب التي بدت تحصل إيجابية وأنا أنادي من هذا المنبر الحكام والعلماء هم المسؤولون سوف يقودون سفينة النجاة لهذه الأمة يا أخي وأن يجددوا خطابا تسامحيا تصالحيا، يقولون طبعوا مع إسرائيل، يا أخي طبع مع المواطنين الآن طبع بين الحاكم والمحكوم طبع بين الطوائف الإسلامية، نحن نتجالد في الصحف، الطائفة الإسلامية تجالد الكتاب الآن، هم يقولون عن بعض الدعاة خوارج والدعاة يقولون عنهم زنادقة، قبل هذا لماذا لم يكن عندنا خطاب تصالحي تسامحي على ألفة في الوطن الواحد قبل أن نسعى إلى التطبيع مع بيريز والآخرين؟..


علي الظفيري: والأعداء طبعا.


عايض القرني: والأعداء.


علي الظفيري: سنأتي إلى كثير أيضا من القضايا وسينضم لنا الشيخ راشد الغنوشي بعد هذا الفاصل مشاهدينا الكرام فتفضلوا بالبقاء معنا.

[فاصل إعلاني]

موقع الطقوس والشعائر وتأثيرها في سلوكيات المتدين وأولوياته


علي الظفيري: أهلا بكم من جديد مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة التي نبحث فيها في الدين وأنماط التدين، ينضم إلينا الآن من لندن الأستاذ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي وعضو اتحاد علماء المسلمين وأيضا ضيفنا في الأستوديو الدكتور عائض القرني الداعية الإسلامي، مرحبا بكم أستاذ راشد وسعداء بانضمامك، خسرنا من وقت مشاركتك وكسبناه مع الدكتور عايض.


راشد الغنوشي: أنتم كاسبون يعني.


علي الظفيري: أستاذ راشد هل تعتقد أن هناك إشكالية حقيقية في مسألة أن أنماط وأشكال التدين لا تصب بشكل مباشر لصالح المفاهيم والقيم الرئيسية التي جاء بها الدين الإسلامي؟


راشد الغنوشي: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أحييكم والشيخ القرني وكل المشاهدين. إذا كان المقصود بأنماط التدين القائمة هل تصب لصالح الإسلام هل هي منسجمة معه؟


علي الظفيري: نعم.


راشد الغنوشي: لا يمكن للتدين أن يكون مطابقا تمام المطابقة للأصل فالدنيا ليست مجالا لتحقيق الكمال، الدنيا مجال النسبية {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:99] بحيث ليس هنالك تحقق كامل لقيم الدين في أي شخص بعد المعصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسب الناس أن {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..}[العنكبوت:69] حسب الناس أن يقتربوا من النموذج النبوي الذي كان خلقه القرآن بحيث فقط عندما نتحدث عن النبوة نتحدث عن تطابق بين الدين والتدين ولكن كلما نزلنا، بقدر ما ننزل بقدر ما زاوية الانفراج تتسع بين الدين وبين التزام الناس به وبين الدين وبين مدى فهم الناس له الفهم الصحيح وبين الواقع فعلى قدر ما يقترب الناس من النموذج النبوي وهو المجسد لمعاني الدين فهما وتطبيقا بقدر ما تضيق الهوة بين المثال وبين الواقع، وأحسب أنا دنيانا الآن دنيا المسلمين هي خليط بين تدين صحيح ونحسب أنه الغالب وبين أخلاط أخرى من بقايا الانحطاط والتغريب وما إلى ذلك.


علي الظفيري: شيخ راشد هل تعتقد أن جدول الأولويات القائم عليه سلوك المتدين المسلم والذي يتم الحث عليه يقترب -يعني دعنا نقل يقترب بما أن الأمور نسبية كما ذكرت- يقترب من المفاهيم والأولويات الأساسية، من الأولويات التي يحث عليها الدين في ظل طغيان موقع الطقوس والشعائر مع أهميتها على حساب قيم رئيسية حث عليها الدين وكانت فكرة الدين أصلا غرسها وتكريسها في المجتمعات؟


راشد الغنوشي: يعني نحن نتحدث عن أمة، أمة مترامية الأطراف أمة ليس لها دولة بمعنى ليس لها إمام ليس لها رأس يوجهها وينظم أمورها ويعطي التصور العام للإسلام، خاصة وأن الإسلام ليس فيه كنيسة بمعنى ليس هناك ناطق رسمي باسم الإسلام، إذاً نحن نتحدث عن أمة مترامية الأطراف وبالتالي لا يمكن أن.. لا نتحدث عن نخبة قليلة وبالتالي فسيكون هناك أمامنا صور من التدين مختلفة متباينة ولكن على كل حال تصب في المحصلة يعني تعود في المحصلة الأصل هكذا أن تعود إلى مرجعية الدين العليا في الكتاب والسنة وما تأصل من قيم من تراث المسلمين، أحسب أن هناك أننا يمكن أن نتحدث مع كثرة دروب التدين ولكن لا يغيب معنى الإسلام، لا يغيب معنى أن هناك أمة وأن هناك دعوة إسلامية وأن هناك تيارا وسطيا وسط هذا الزخم الهائل من ضروب التدين، هناك تيار وسطي هناك معالم لشخصية إسلامية ولأمة إسلامية ولردود فعل إسلامية واحدة تجاه الأحداث الكبرى وذلك من أثر وعد الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الدين وببقاء الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتجدد هذا الدين من خلال وجود أئمة ومن خلال وجود علماء كبار يجددون لهذه الأمة أمر دينها ويعيدونها باستمرار كلما انحرفت قليلا إلا وعملوا على إعادتها إلى الوسطية السمحة التي ترك النبي عليه الصلاة والسلام الأمة عليها.


علي الظفيري: دكتور عايض فيما يتعلق بموقع الطقوس والشعائر الإسلامية على الرغم من أهميتها ينظر البعض على أنها احتلت الموقع الأكبر على حساب ما عداها، هذه ناحية، الناحية الأخرى أن التأثير الإيجابي المفترض بهذه الطقوس والشعائر بمعنى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، يفترض أن الصيام يؤدي بسلوك آخر، أنها اقتصرت على فقط تأدية هذه الطقوس والشعائر دون أن تؤثر بشكل إيجابي على سلوك المسلم. الجزئية الأولى هل احتلت أكبر؟


عايض القرني: نعم إن كثيرا من المسلمين عندهم جزئية الشعائر احتلت قدرا كبيرا في تطبيقها بحيث إنهم صغروا أو كبروا ما صغر الدين أو أنهم عظموا أشياء ليست منزلتها في التعظيم بقدر ما قالوا، أحيانا أعمال القلوب ترى في القرآن أعظم وفي السنة أعمال القلوب..


علي الظفيري (مقاطعا): نريد أمثلة دكتور عايض.


عايض القرني: أنا أمثل مثلا الرحمة والحلم والصفح والصبر في القرآن أعظم لكن عند المسلمين مثلا تشاحن مثلا وتحاسد وتقاطع وتدابر ولكن يركزون على مسألة الأسباب وهذا من الدين يعني واللحية والغناء والموسيقى ونحو ذلك، فهم ذهبوا إلى أشياء هي بلا شك من السنن ومن النوافل ولها أحكام جزئية فرعية وتركوا أصولا، أصول في الأخلاق وأصول في التدين، مثلا في رمضان يقول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وندعو الله عز وجل أن يعفو عنا، بينما جاري الذي يصلي معي لم أعف عنه مثلا، بيننا تحاسد وتطاحن نحن المسلمين، بيننا تهاجر تجد الجار لا يسلم على جاره من عشر سنوات ولكنه يدعو إلى خطاب تسامحي مع العالم يعني مع موزمبيق ومع رومانيا مع أنه هجر أخاه المسلم ويغتاب أخاه ويهجره..


علي الظفيري: يعني التزم بالطقس الديني دون أن تؤثر أو تغير من سلوكه.


عايض القرني: نعم. ثانيا أنه أحيانا حقيقة الدين ما تصل إلى القلوب، أحيانا في ناس يصلون ولكن لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر لأن الصلاة الصحيح يقيمون الصلاة، لم يكونوا يصلون، يقيمون الصلاة يعني يقيمونها بخشوعها وخضوعها التي تدخل إلى القلب فيقيمونها في حياتهم، لأن الصلاة تمنع الكذب تمنع التزوير تمنع عن شهادة الزور عن القطيعة عن عقوق الوالدين ونحو ذلك. نحن الآن بحاجة إلى نقل مجتمع إلى تطبيق هذه التعاليم السماوية والشعائر إلى حقائق لأنه في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض كان خلقه القرآن عليه الصلاة والسلام، نحن الآن نرفع شعارات كبيرة ولكن حينما تجد المجتمع المسلم تجد هذه التطبيقات خاطئة ليست فيه، نحن نجتمع مثلا نرفع للعالم أنا مجتمع التراحم والتواصل بينما أكثر سيارات في العالم فيها هراوي وعصي هي سياراتنا وأكثر السيارات مصدومة أو أناس فيهم لكمات وضربات هم أبناء جلدتنا لأننا في مجتمع قسوة مجتمع عنف إلا من رحم ربك، أين رحمة الإسلام التي يمثلها للعالم؟ نحن نقول {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107] نخاطب بها الناس في باريس ولندن وفي مثلا في بيجين لكن نحن كمجتمع مسلم ينبغي أن نحكم هذه الرحمة التي حكمها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وأن نعود إلى حقائق الدين ولا نرفع شعارات لسنا على مستواها أو تبقى هتافات فقط ولافتات نرفعها على رؤوسنا بينما إذا وجدت إلى القلوب الكثير  منا خواء، يعني أنت تفاجأ بإنسان مثلا يحمل تدينا ولكن يكذب أو يغش أو يجمع أموال الناس..


علي الظفيري: وكأنها ازدهرت حتى بين الإسلاميين كثيرا يعني.


عايض القرني: هم ليسوا.. الإسلاميون ليسوا أنبياء فيهم الكثير منهم أخيار ولكن يوجد منهم من يتستر بالدين ويأتي مثلا يقتنص أموال الناس بالمساهمة أو يفتح مثلا جمعية أو مؤسسة عقارية وهمية كاذبة ليست بصحيحة فيقتنص الناس لأنهم يثقون فيه بواسطة التدين، التدين هو قلب سليم ولسان صادق وفكر ناضج ورحمة بالناس وتعاليم وأخلاق، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقنع الناس بالكلام أقنعهم بالقدوة حتى قال له ربه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4] الرسول صلى الله عليه وسلم حول أعداءه بخلقه الكريم إلى أصدقاء، نحن الآن نرفع شعار التسامح لكن نقول للحكام العرب الآن أو حكام المسلمين الذين بعض رعاياهم الآن يعيشون في الخارج وفي فرنسا وفي بريطانيا مشردين لا حقوق ولا أسرة ولا أهل ولا حرية تعبير، لما دخل صلى الله عليه وسلم مكة وقال لأعدائه الذين طردوه وآذوه وشتموه وحاربوه اذهبوا فأنتم الطلقاء عفا الله عنكم، متى يرفع لافتة الرحمة والمصالحة والمسامحة؟ تريد من الناس أن يثنوا عليك أو تريد الناس أن يجعلوك داعية إلى الحق وأنت لم ترفع لهم لواء الحق أو تعطيهم حقوقهم الشرعية! ليس بصحيح.

تأثير التدين في الواقع السياسي والاجتماعي وأولويات الأمة


علي الظفيري: شيخ راشد في لندن يعني رغم ازدهار التدين كسلوك في المجتمعات العربية تحديدا الإسلامية إلا أن ذلك حسب البعض لم يؤثر بشكل إيجابي على مناحي الحياة في هذه المجتمعات العربية الإسلامية من حيث الاقتصاد من حيث العملية الصناعية من حيث تكوين عمل منتج من حيث مجتمع قائم على مبدأ العدالة والمساواة بينه بعيدا عن دور وتأثير السلطة السياسية، لماذا برأيك؟


راشد الغنوشي: هنالك أسباب كثيرة يعني بعضها موروث ما يسمى بالانحطاط هو في الحقيقة صورة من صور التناقض بين المبدأ بين القيمة وبين الواقع، الانحطاط إلى حد كبير أفرغ قيم الإسلام وشعائر الإسلام أفرغها من محتوياتها فأصبح هنالك تركيز -كما كان يذكر الشيخ القرني- تركيز على الأشكال أكثر منه على القيم وعلى المقاصد، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولكن من الناس يعيشون يصلون المسجد في واد وحياتهم في واد آخر، ومن قديم في الحقيقة كتب الإمام الغزالي إحياءه "إحياء علوم الدين" ليبين بأن الدين قد تمت إماتته بمعنى تحول إلى مجرد أشكال وإلى صناعة شكلية صناعة فقهية، بينما إصلاح العقول وإصلاح القلوب وإصلاح الناس بمقاصد الإسلام في العدل والحرية والشورى هذه القيم إلى حد كبير يعني أفرغت من محتوياتها فأصبحت الشورى شكلية وأصبح البيعة مجرد يعني في كثير من الأحيان تؤخذ تحت السيف وأصبح لم يعد للمجتمع الإسلامي رأس لم يعد للمجتمع الإسلامي نموذج، أنا أعتبر بأن انحراف الحكم الذي كان أول انحراف في تاريخ الإسلام أول ما عطل عطلت الشورى فهذا الانحراف لا زال يسبب كثيرا من الآلام وكثيرا من ضروب الانحطاط على عامة الأمة لأن الأمة لا ترى حكامها نماذج ولا ترى حياتها السياسية مطابقة لحياتها الدينية وبالتالي هناك انشطار في عالم المسلم في عقل المسلم وفي عالمه بين حياته الدينية وبين حياته المجتمعية والاقتصادية فهو يمارس الدين ربما ممارسة جيدة صلاة وصياما وحجا ولكنه إذ يذهب إلى عالم الاقتصاد والاجتماع والسياسية فهو يتصرف تصرفا يعني نستطيع أن نقول علمانيا في الحقيقة بمعنى مجردا عن عالمه الديني وبالتالي المهمة الأساسية للإصلاح هي تجسير هذه العلاقة بين الحياة الدينية للمسلمين وبين الحياة الاجتماعية والسياسية، حتى الآن الشورى ليست مرتبطة رغم أن ورودها في سورة الشورى جاء مرتبطا بالصلاة مباشرة {..وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الشورى:38] ولكن مع ذلك الصلاة لم تعد جزءا لم تعد ذات ارتباط بالشورى والزكاة أي بحياتنا الاقتصادية وبحياتنا العملية، فالأمر يحتاج إلى تجديد، وبالتالي لم يخطئ المصلحون إذ أكدوا على معنى التوحيد، لا بد أن نقنع الناس نفهم أمة الإسلام مجددا أن لا إله إلا الله لا تعني أن نعبد الله في المسجد فقط وإنما أن نعبده في السوق وأن نعبده في المدرسة وفي المحكمة وفي وسائل الإعلام وفي علاقتنا مع جيراننا وفي علاقتنا مع من نحب ومع من لا نحب.


علي الظفيري: نعم، دكتور عايض ماذا يجب أن..


راشد الغنوشي (مقاطعا): فهذا الانشطار هو المسؤول والسياسة تتحمل مسؤولية كبيرة على هذا الانحراف.


علي الظفيري: نعم. إذا كانت السياسة كما يقول الشيخ راشد تتحمل مسؤولية كبيرة أيضا الدعاة تقع عليهم مسؤولية كبيرة في هذا الجانب وألحظ ويلحظ كثيرون أن هناك تغيرا في شبه الجزيرة العربية تحديدا لأن كان لها فكرا دينيا ربما مختلفا إلى حد ما، في السعودية تحديدا هناك تغير هناك حديث عن التغيير عن الوسطية عن التوجه نحو المجتمع بشكل كبير تقوده أنت وعدد أيضا لا بأس به من الدعاة البارزين، ماذا يجب أن يحدث لإحداث انقلاب في معادلة التدين وجسر هذه الهوة بينها وبين المفاهيم الحقيقية للدين والدفع بمجتمع حيوي قائم على مبادئ دينية إسلامية حقيقية؟


عايض القرني: أنت ذكرت السعودية بما أنها بلد الإسلام منطلق الرسالة مهبط الوحي والحرمين، الحقيقة مجتمعنا في السعودية الوسطي هو المجتمع الضارب وهو الغالب الآن وهو من زمان ولكننا نحن نحارب.. مجتمعنا الوسطي هناك فئتان الغلاة المتشددون الذين كفروا المجتمع وحملوا السلاح على الأمة وطائفة تدعو إلى التحلل من الدين..


علي الظفيري: المفرطون.


عايض القرني: المفرطون، هذا في إصلاحات كثيرة وأصبح الخطاب الآن السائد والذي عندنا في الإعلام ولعلك تلاحظ يا أخي علي هو الآن الحمد لله الذي يقدم للناس الآن والناس يقبلونه لأنه دين الفطرة الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً..}[البقرة:143].


علي الظفيري: طيب أولويات دين الفطرة الذي تقوم عليه دعوتكم يعني؟


عايض القرني: أول شيء تصحيح العقيدة عند المسلمين، وأنا مع الشيخ راشد كما قال "لا إله إلا الله" لا بد أن نصححها للمسلمين في جميع الأقطار، يا أخذ ذهبت إلى دول في آسيا وأفريقيا لا يفهمون "لا إله إلا الله" التوحيد، لا يزالوا يتبركون بالأموات بالقبور، لا زالوا يعني يتبركون بالحجارة، لا بد أن العقيدة الصحيحة أولا نفهم الناس العقيدة الصحيحة، ثانيا كما ندعو للعدل والحرية والمساواة وإعطاء الناس حقوقهم، لأن هذه في القرآن لما ذكر الله توحيده سبحانه وتعالى ذكر الوحدة والحقوق والحكم جل في علاه فلا بد أن نأتي على هذه الأولويات ونفهم الناس، الثالث الأخلاق، المسلمون ينقصهم أخلاق يا أخي الآن، يقول الناس إنهم فتنوا، ما فتنا في أوروبا لكن يوم تجد.. اعترف القرآن حتى لغير المسلمين، يوم تجد الحضارة توري كما قال ابن خلدون تجد الرجل هناك مهذبا وقريبا منك وله مشاعر دافئة وعواطف بينما تيجي أحيانا المسلم ولكنه فظ غليظ وعبوس في وجهه وغليظ في كلمته، أين أثر هذا الدين الذي يحمله هو في لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا إله إلا الله هو توحيد وتصحيح العقيدة، لا إله إلا الله هو حاكمية لله، لا إله إلا الله أخلاق على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله اقتصاد منضبط على منهج الله لا غش ولا ربا ولا سحت ولا ربا، لا إله إلا الله السلوك والرحمة..


علي الظفيري (مقاطعا): السياسة.


عايض القرني: أنا قلت الحكم، ولا إله إلا الله السياسة، لأن بعض الناس يجرد الإسلام من جانب من جوانب الحياة، نقول لا، الإسلام هو جاء للجميع ولهذا ترى في مقال لمحمد إقبال الشاعر الكبير يقول "جردوا الإسلام حتى تصل الثورات بالشعوب إلى الحكم مثل ما يجرد الإسلام" يوضع الإسلام الآن إلا في بعض من يحكم بالشريعة أو في مجمل الشريعة والحمد مثل بلادنا هي في مجملها بالشريعة القضاء والهيئات على أننا لا ندعي أننا مجتمع الخلفاء الراشدين نحن نطالب الإصلاح أكثر وبزيادة ونطالب بأن نقترب أكثر من روح الإسلام وأيضا لا نرضى أن نرى باطلا بل نبينه بالطرق الصحيحة الراشدة الهادفة التي تؤدي إلى أحسن النتائج.


علي الظفيري: شيخ راشد في لندن يعني السؤال الأخير هناك فئة ترى التركيز على العمل نحو إدارة الدولة والعمل السياسي فقط وتضعه أولوية مطلقة، هناك من يركز على الجهاد تحديدا وهناك من يتحدث عن السلوك اليومي والإسلام الطقوسي الشعائري والحياة اليومية كل يرى أن هذه الأولوية هي الأولوية الكبرى، ما هي الأولوية بنظرك أنت؟


راشد الغنوشي: مهم جدا فكر الأولوية الذي ركز عليه شيخنا الشيخ القرضاوي فالإسلام هو مطلوب كله من المسلمين ولكن ينبغي ولكن هناك أولويات، لا شك أن هناك أولوية للعقيدة كما كان الشيخ القرني يذكر، هناك أولوية للعقيدة وهناك أولوية للعلم على العمل هناك أولوية لعالم القلوب على عالم الظواهر، فهناك أولوية لحاجات الأمة لحاجات الأغلبية على حاجات الأقلية، أولوية لقضايا الأمة على القضايا القطرية فهناك أولويات وعندما ننزل هذه الأولويات على كل قطر وللأسف نحن ممزقون إلى عشرات الأقطار فكل قطر له أولوياته في الحقيقة فإذا كان هناك بلد محتل مثل فلسطين لا شك أن الأولوية للتحرير لتحرير هذا البلد للاحتلال، واجب على أهل فلسطين أن يجعلوا هذه أولويتهم بدل المساواة على الوطن ويجب على المسلمين أن يدعموهم وكذلك الأمر في أفغانستان وفي كل قطعة محتلة، في بلد آخر هناك تفاوت اجتماعي رهيب بين قلة تبتز أموال الناس وبين أغلبية مفقرة مجموعة، الأولوية هنا أولوية الإسلام، والحركة الإسلامية ينبغي أن تكون أولوية اجتماعية تنتصر للعدل تنتصر للفقراء ولا تكون محايدة، في بلد آخر هناك دكتاتورية ينبغي أن تكون أولوية الحركة الإسلامية تحرير البلد ذاك من حكم الدكتاتور لأن الإسلام عدل والإسلام شورى وهكذا في بلد هناك أولويات وتبقى في العموم أولوية العقيدة وأولوية عالم الأخلاق والروح وقضايا المجتمع وقضايا الأمة على ما يقابلها.


علي الظفيري: نعم شيخ راشد طبعا مهمة هذه الحلقة هي الإشارة تسليط شيء من الضوء..


راشد الغنوشي: الأمة على كل حال في خير في مسارها العام، الأمة تتحسن والإسلام يفرش بساطه على الأمة كل مرة أكثر فأكثر إن شاء الله.

علي الظفيري: شكرا لك الأستاذ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي عضو اتحاد العلماء المسلمين ضيفنا من لندن، شكرا للدكتور عايض القرني الداعية الإسلامي المعروف وعضو اتحاد علماء المسلمين، وكما ذكرنا مهمة هذه الحلقة هي تسليط شيء من الضوء على هذه الفكرة في هذه الأيام أيضا الرمضانية المباركة لإعادة هذه الأولويات أو ترتيب هذه الأولويات في سلوك المتدين بشكل عام، شكرا لكم مشاهدينا الكرام، بريدنا كالمعتاد alomq@aljazeera.net تحيات من داود سليمان منتج البرنامج، راشد جديع مخرج في العمق وكل عام وأنتم بألف خير، في أمان الله.