ما وراء الخبر

تجاهلت الدور المصري.. لماذا اختارت واشنطن الرياض لبحث شؤون السودان؟

ناقشت الحلقة دلالة اختيار واشنطن الرياض للتباحث معها بشأن مستقبل التطورات بالسودان. وتساءلت: ما مدى أهلية السعودية للدعوة لاستئناف الحوار مع المجلس العسكري بالنظر لطبيعة علاقتها به خلال الفترة الماضية؟

قال الباحث في شؤون الخليج والشرق الأوسط سيغورد نيوباور إن اختيار واشنطن للرياض للحديث معها بشأن التطورات في السودان وما يجب أن تؤول إليه الأوضاع هناك من تسليم السلطة لحكومة بقيادة مدنية؛ سببه هو أن أميركا والسودان لا تجمعهما علاقات كاملة منذ سنوات عديدة بسبب المجازر التي حصلت في دارفور، ومستوى التمثيل الدبلوماسي الأميركي في الخرطوم ما زال محدودا وليس لدى أصحابه صلاحيات واسعة للتحدث نيابة عن واشنطن.

وأضاف –في تصريحات لحلقة (2019/6/5) من برنامج "ما وراء الخبر"- أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ديفد هيل أدانا بقوة العنف الذي مارسه مؤخرا المجلس العسكري بالسودان ضد المعتصمين، ودعا هيل الرياض إلى التدخل لدى المجلس لكي يقوم بنقل للسلطة موظفا علاقة الرياض بالخرطوم التي تشاركها الحرب في اليمن، خاصة أن رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان كان قبل سقوط عمر البشير هو مسؤول التنسيق مع التحالف السعودي الإماراتي بشأن اليمن.

وأوضح نيوباور أن المنظور الأميركي لما يجري في السودان يقول إنه من المهم ترك العملية السياسية هناك تأخذ مداها، وإن على المجلس العسكري أن يتحاور مع المحتجين بدون تدخل إقليمي، خاصة أن واشنطن –التي تفرض عقوبات على مسؤولين ربما من بينهم البرهان نفسه- لا يمكنها التحدث بشكل مباشر مع المجلس العسكري، لكنها تريد أن ترى حكومة تستمد شرعيتها من الشعب السوداني، مع ضمان عدم خروج الوضع الأمني عن السيطرة.

أما الكاتب الصحفي السوداني طارق الشيخ فيرى أن اتصال الأميركيين بالرياض للحديث في شأن يخص السودان هو ذاته "مدعاة للتساؤل"؛ فقد كان العادي أن تتحدث أميركا مع مصر في الشؤون السودانية، وهذا التحول يعني إدراك واشنطن أن الرياض وأبو ظبي هما من يؤثر على الخرطوم الآن مما يؤكد "انحدار السياسة السودانية"، وهو ما يؤيده تغيير البرهان لموقفه من إعلانه الحاسم قطع العلاقات مع قوى الحراك بعد فض الاعتصام إلى الدعوة للتفاوض معهم مجددا، وذلك بسبب الضغط السعودي عليه بطلب الأميركيين.

مرحلة الارتباك
ووصف إدانة السعودية لفض الاعتصام بالقوة بأنها كانت "إدانة شكلية" رغم بشاعة المجزرة التي جرت في عملية الفض، متهما الرياض بأنها وراء "الطبخة الفجة التي تجري في السودان والسيناريو الذي يجري إعداده وتنفيذه بخبث مهما كانت التكلفة"، خاصة أن السودانيين لم يشعروا يوما بأن المجلس العسكري يتحدث من تلقاء نفسه بل بمقتضى "إملاءات خارجية".

وأكد الشيخ أن واشنطن تعتمد الآن على الرياض وأبو ظبي بعد أن باتت مصر خارج اللعبة وتراجع نفوذها خاصة بعد المصالحة التي تمت بين إثيوبيا وإريتريا برعاية إماراتية، مشيرا إلى أن المجلس العسكري أخطأ بارتكابه الفض الدموي للاعتصام، ثم بدعوته للحوار مع "محور المساومة" في صفوف قوى الثورة وعزل قوى أخرى أكثر تأثيرا سعيا لإعادة تشكيل النظام القديمة بوجوه جديدة، لكن ثورة السودانيين لن يستطيع إفشالها أحد في الداخل أو الخارج.

ومن جهته؛ يقول الكاتب والمحلل السياسي عمر عياصرة إن المتحكم في الشأن السوداني الآن هو المحور الإقليمي لأن "عقل المجلس العسكري موجود في الرياض"، ومن هنا جاء اتصال واشنطن بها. كما أن زيارات قادة المجلس العسكري الأخيرة للسعودية والإمارات ومصر كان هدفها هو تسويق فض الاعتصام لدى الإدارة الأميركية، لكن ردود الفعل المحلية والدولية صدمت واشنطن.

وحسب عياصرة؛ فإن مصر شكت لواشنطن من الفوضى التي ترعاها الرياض في الخرطوم، لأن أمن السودان في النهاية يؤثر على الأمن القومي لمصر وبالتالي فإنها لا تريد حصول فشل في الانتقال السياسي في جارتها الجنوبية، وربما تكون حرضت واشنطن لكي تقوم بضبط السلوك السعودي في السودان، كما أن واشنطن ملّت من توريط الرياض وأبو ظبي لها في الأزمات الإقليمية.

وذهب إلى أن مواقف المجلس العسكري تستجيب لضغوط الخارج إضافة إلى الداخل الذي يتحرك ويضغط وقد يؤثر، لافتا إلى أن المسار الإقليمي حصل فيه استدراك فقط ناتج عن حركة واشنطن ومخاوفها من مساعي روسيا التي أبطلت مع الصين قرار مجلس الأمن الدولي بشأن السودان. وشدد عياصرة على أن المشهد السوداني دخل الآن في "مرحلة الارتباك"، وعلى الثوار السودانيين إدراك أنهم يمكنهم الضغط على أميركا التي لا تريد أن ترى فشلا في السودان يضيف عليها أعباء جديدة.