صورة عامة – ما وراء الخبر 27/10/2010
ما وراء الخبر

أبعاد تنامي الصراع بين القاعدة وفرنسا

تتناول الحلقة رسالة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن التي حمل فيها باريس مسؤولية الصراع المتنامي بين الطرفين بسبب تدخلها في شؤون المسلمين وتعسفها بحق مسلمي فرنسا.

– أسباب تنامي الصراع ودلالات رسالة بن لادن
– الانعكاسات الأمنية والسياسية على المنطقة وآفاق المواجهة

محمد كريشان
محمد كريشان
جان بيير ميلالي
جان بيير ميلالي
ديدي ولد السالك
ديدي ولد السالك

محمد كريشان: حمّل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن باريس مسؤولية الصراع المتنامي بين الطرفين وقال في رسالة إلى الشعب الفرنسي إن استهداف مصالح فرنسا بما فيها خطف خمسة من مواطنيها في النيجر ليس إلا ردا على ما سماه مشاركتها في حروب أميركا وتدخلها في شؤون المسلمين وتعسفها بحق مسلمي فرنسا. نتوقف مع هذا الخبر لنناقشه من زاويتين، ما أسباب وأبعاد تنامي وتيرة الصراع بين تنظيم القاعدة والدولة الفرنسية مؤخرا؟ وكيف سيؤثر هذا التصعيد على الاستقرار الأمني والسياسي في المغرب العربي؟… السلام عليكم. على الأرض كما في لغة الخطاب يبدو التصعيد واضحا بين القاعدة وفرنسا، من جانب التنظيم عمليات خطف لا تخلو من قتل ومن جانب باريس ملاحقات عسكرية ضد مقاتلي التنظيم في الصحراء الكبرى التي يزداد الحضور العسكري الفرنسي فيها باضطراد، بالأمس أعلنت باريس أنها في حرب مفتوحة مع القاعدة واليوم يرد ابن لادن معلنا قبول المنازلة مع بلد عدد من الأسباب ما يرشحه إلى أن يكون جبهة جديدة للصراع مع هذا التنظيم العالمي.

[شريط مسجل]


تسجيل صوتي منسوب لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن: وابتداء أقول إن ما وقع من أسر لخبرائكم في النيجر والذين كانوا في حمى وأمان وكيلكم هناك هو رد فعل لما تمارسونه من ظلم تجاه أمتنا المسلمة، فكيف يستقيم أن تشاركوا في احتلال بلادنا وتناصروا الأميركيين في قتل أطفالنا ونسائنا ثم تريدون العيش بأمن وسلام؟ وكيف يستقيم أن تتدخلوا في شؤون المسلمين في شمال وغرب إفريقيا خاصة وتناصروا وكلاءكم علينا وتأخذوا كثيرا من ثرواتنا بصفقات مشبوهة بينما أهلنا هناك يقاسون ألوانا من البؤس والفقر؟

[نهاية الشريط المسجل]

محمد كريشان: لكن تلك ليست كل الأسباب الموجبة لهذه الحرب فابن لادن عدد أسبابا أخرى ساقها مبررات لاستهداف التنظيم لمصالح فرنسا ورعاياها.

[شريط مسجل]


تسجيل صوتي منسوب لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن: وإن كنتم قد تعسفتم ورأيتم أن من حقكم منع النساء الحرائر من وضع الحجاب أليس من حقنا أن نخرج رجالكم الغزاة بضرب الرقاب؟ بلى فالمعادلة يسيرة واضحة، كما تَقتلون تُقتلون وكما تأسرون تؤسرون وكما تهدرون أمننا نهدر أمنكم والبادئ أظلم، فالسبيل لحفظ أمنكم هو برفع جميع مظالمكم وآثارها عن أمتنا ومن أهمها انسحابكم من حرب بوش المشؤومة في أفغانستان، وقد آن لما يسمى بالاستعمار المباشر وغير المباشر أن ينتهي ولكم أن تتدبروا فيما آل إليه حال أميركا نتيجة هذه الحرب الظالمة حتى شارفت على الإفلاس في جميع المحاور المهمة وغدا سترجع إلى ما وراء الأطلسي بإذن الله، والسعيد من وعِظ بغيره والسلام على من اتبع الهدى.

[نهاية الشريط المسجل]

أسباب تنامي الصراع ودلالات رسالة بن لادن


محمد كريشان: معنا في هذه الحلقة من باريس جان بيير ميلالي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، ومن نواكشوط الدكتور ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نواكشوط، أهلا بضيفينا. نبدأ من باريس والسيد ميلالي، لماذا تقريبا فرنسا بدأت تحتل مكان واشنطن في الصراع ضد القاعدة؟


جان بيير ميلالي: من الصعب الإجابة بكلمات قليلة على هذا السؤال، ما هو ملحوظ هو أن خمسة مواطنين فرنسيين اختطفوا في النيجر وطلبت القاعدة في المغرب الإسلامي مطالب غير معقولة مثل إلغاء قانون فرنسي مثل دفع ملايين من الدولارات بالفدية ثم أتى أسامة بن لادن فعرقل أكثر إمكانيات حل هذا الاختطاف بطلب انسحاب أعضاء الجيش الفرنسي من أفغانستان، هذا هو الواقع. أما الموقف الرسمي الفرنسي تجاه القاعدة في المغرب الإسلامي تميز بالصرامة بعد أن رهينة فرنسي كان في أيدي القاعدة في المغرب الإسلامي وهو توفي في الصيف الماضي.


محمد كريشان: ميشيل جيرمانو. إذا أردنا أن نعرف -وهنا أنتقل إلى السيد ولد السالك في نواكشوط- يعني تقليديا كانت القاعدة تركز باستمرار على الولايات المتحدة وبدرجة ثانيا ربما بريطانيا ثم الحديث عن الغرب بشكل عام، أن يتم التركيز الآن على فرنسا تحديدا ما الذي يعنيه؟


ديدي ولد السالك: طيب أشكركم. هذا هو لعدة أسباب ولكن قبل التطرق لهذه الأسباب ينبغي أن نحدد للمشاهد الكريم إستراتيجية كل من الطرفين في الحرب أي القاعدة والأطراف الغربية، القاعدة تبحث عن خلق فراغات في إفريقيا وفي العالم كله لسحب أعدائها التقليديين ومقاتلتهم ومقاتلة الدول التي تقف في الواجهة أو تعتبرها موالية للغرب ولذلك جاء تواجدها في الصحراء الكبرى في إفريقيا، أما الغرب على رأسه الولايات المتحدة والدول الاستعمارية التقليدية فهي تقاتل القاعدة أو تحاول مقاتلة القاعدة في بلدان الآخرين والبحث عن دول تقاتل نيابة عنها، إذاً هذه هي إستراتيجية كل من الطرفين في هذه المواجهة المفتوحة. أما تحدد مواجهة القاعدة مع فرنسا في الفترة الأخيرة فله سبب أساسي ومباشر هو أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي كان موجودا تاريخيا في المنطقة منذ عشرين سنة لأن قاعدته كانت هي المجموعة المسلحة الإسلامية في الجزائر وعندما أصبحت هذه المجموعة تابعة لتنظيم القاعدة هي أي المجموعة جاهزة عسكريا وعندها عداوة -بخلفيتها الجزائرية لأن أغلبية عناصرها جزائرية- عداوة مع فرنسا وهذا العامل الأول الأساسي، العامل الثاني هو أن التواجد الفرنسي تواجد كبير في الدول التي تسعى القاعدة لخلق فيها فراغات اللي هي موريتانيا وجنوب الجزائر ومالي والنيجر وتشاد وبالتالي طبيعي أن تصطدم القاعدة مع التواجد الفرنسي المكثف في هذه البلدان لأن أغلبية هذه البلدان إما أنها فيها قواعد فرنسية مصرح بها ومعترف بها أو فيها تواجد فرنسي غير معلن مثل الحالة الموريتانية باستثناء طبعا الجزائر التي لا يوجد فيها تواجد فرنسي مرئي يذكر أن هناك تواجدا أميركيا، إذاً هنا وجدت القاعدة..


محمد كريشان (مقاطعا): إذاً في هذه الحالة..


ديدي ولد السالك: اسمح لي أكمل الفكرة..


محمد كريشان: عفوا اسمح لي أنت يعني لو تكرمت، في هذه الحالة هل معنى ذلك -وهنا أعود إلى السيد ميلالي- هل معنى ذلك بأن فرنسا هي التي جرت نفسها لمواجهة مع القاعدة قبل أن تختار القاعدة أن تدخل هي في مواجهة معها؟


جان بيير ميلالي: هي القاعدة التي اختارت هذه المواجهة مع فرنسا بكل وضوح.


محمد كريشان: كيف؟


جان بيير ميلالي: لما تمثل فرنسا من رمز لماضيها الاستعماري في المنطقة ولسياستها الحالية.


محمد كريشان: ولكن إذا أخذنا كلام ضيفنا الموريتاني السيد ولد السالك يقول بأن القاعدة أرادت أن تتمدد في منطقة هي تقليديا وإستراتيجيا منطقة فرنسية وبالتالي اصطدمت مع نفوذ فرنسا هناك، هل يمكن أن تفهم الصورة بهذا الشكل؟


جان بيير ميلالي: نعم إلى حد ما ولكن تصطدم القاعدة كذلك مع الدولة الجزائرية وغيرها من الدول المحلية.


محمد كريشان: في هذه الحالة سيد ولد السالك يعني هل تعتقد بأن في النهاية سواء القاعدة جرت إلى مواجهة مع فرنسا أم فرنسا هي التي جرت برأيك هل تعتقد بأن استهداف فرنسا في هذه المرحلة في فكر القاعدة له ما يبرره نظريا على الأقل؟


ديدي ولد السالك: تماما هذا هو الذي كنت سأوضحه منذ حين هو أن القاعدة تتحرك في منطقة وجود منطقة محصنة تاريخيا لفرنسا لأن أي دول غرب إفريقيا تاريخيا مستعمرات فرنسية، فرنسا لها قواعد عسكرية موجودة في أغلبية هذه الدول لها نفوذ شركات كبرى مثل توتل لاستغلال النفط والغاز، الشركات التي تستغل اليورانيوم في شمال النيجر وبالتالي القاعدة اختارت الوقت المناسب والمكان المناسب لجر فرنسا لحرب ستخسرها لأن القاعدة موجودة في صحارى تعرفها وتمتهنها ولو فرنسا إذا قاتلت بجيشها جيش نظامي ستعرف نفس المصير الذي عرفته الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان وإذا نوبت الدول لتقاتل عنها في هذه المنطقة هذه الدول إمكانياتها العسكرية والبشرية والاقتصادية لا تسمح لها بمواجهة مفتوحة مع القاعدة في إفريقيا جنوب الصحراء.


محمد كريشان: بهذا الشكل سيد ميلالي هل معنى ذلك -إذا وافقت على هذا الطرح طبعا- بأن فرنسا تدخل معركة خاسرة سلفا؟


جان بيير ميلالي: لا أظن ذلك، لا أظن ذلك، صحيح أن الحرب مع عدو يستعمل أساليب مثل الاختطاف والتفجيرات والتهديدات صعب وخاصة لدولة ديمقراطية ولكن على المدى البعيد لا أظن أن فرنسا ستخسر هذه المعركة.


محمد كريشان: ولكن فرنسا التي أدانت في وقت من الأوقات تقديم فدية من قبل إسبانيا لمختطفي رهائن في الفترة الماضية أعربت عن استعدادها للدخول في حوار مع المختطفين ألا يعني هذا بداية رضوخ مبكر لضغوطات القاعدة؟


جان بيير ميلالي: لا، هذه من الممارسات المفروضة لدولة ديمقراطية عليها تحاسب من رأي العام لبلادها فعليها أن تهدئ الأمور قبل البدء في المفاوضة، هذه أمور طبيعية ولا يعني أن فرنسا تدخل خاسرة في الحلبة إن صح التعبير لأن مثلما تعرفون هناك قوى عسكرية فرنسية في المنطقة.


محمد كريشان: على كل هناك مسألة مهمة جدا سنحاول أن نتطرق إليها بعد الفاصل هي إلى أي مدى هذه المواجهة سواء كانت بالمعنى العسكري أم بالمعنى السياسي القائم الآن بين فرنسا والقاعدة قد تهدد الاستقرار السياسي في منطقة المغرب العربي وحتى في تلك المنطقة القريبة من صحراء الجزائر وموريتانيا، لنا عودة إلى هذه النقطة بعد فاصل قصير نرجو أن تبقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

الانعكاسات الأمنية والسياسية على المنطقة وآفاق المواجهة


محمد كريشان: أهلا بكم من جديد. التصعيد في الصراع بين تنظيم القاعدة وفرنسا بدأ قبل عام تقريبا، التقرير التالي يلقي المزيد من الضوء على أبرز تطوراته.

[تقرير مسجل]

نبيل الريحاني: مر التصعيد بين فرنسا وتنظيم القاعدة بمحطات عدة أوصلته في الآونة الأخيرة إلى شبه مواجهة مباشرة، إرهاصات ذلك بدأت على الأرجح في ديسمبر 2009 بعد اختطاف الفرنسي بيير كامات في شمال مالي، ثم شهدت منعرجا خطيرا بعد اختطاف الفرنسي ميشيل جرمانو في نفس المنطقة سنة 2010 وفشل محاولة تحريره التي أودت بحياة سبعة من عناصر التنظيم فتم إعدامه إثر ذلك، مواجهة بدا الدور الفرنسي قويا فيها من وراء الستار حتى أعلن رئيس الوزراء فرنسوا فيون في يوليو من ذات السنة أن بلاده في حرب مفتوحة على القاعدة، إعلان أعقبه انتقاد من الرئيس ساركوزي في أكتوبر 2010 لإطلاق رهينتين إسبانيتين مقابل ما قيل وقتها إنها فدية مالية غير أن اختطاف عدد من العمال الأجانب العاملين في شمال النيجر بينهم خمسة فرنسيين في منتصف سبتمبر المنقضي وارتفاع مؤشر التهديد بهجمات على أهداف فرنسية بعد ذلك من بينها برج إيفل دفع فرنسا فيما يبدو للبحث عن طرق للتفاوض مع القاعدة بعيدا عن الخيارات العسكرية ما جعلها وجها لوجه مع مطالب للتنظيم أهمها التراجع عن حظر النقاب وإطلاق مساجينه لدى باريس ودفع عشرة ملايين دولار بحسب بعض الروايات.

[نهاية التقرير المسجل]

محمد كريشان: دكتور ولد السالك في ضوء ما جرى الآن بين القاعدة وفرنسا ورسالة ابن لادن الأخيرة، هل نتوقع أياما صعبة قريبا في المنطقة؟


ديدي ولد السالك: هو ستكون هناك حرب مفتوحة إذا لم تفهم دول المنطقة أن عليها أن تواجه حربا مع القاعدة ومواجهة القاعدة بسياسة أخرى، مداخل هذه السياسة تقوم على البعد الأمني الاستخباراتي والبعد الاقتصادي الاجتماعي والبعد الثقافي أي البعد الأمني وهو عمل استخباراتي غير عسكري أي أنها لا تهاجم القاعدة ولا تفتح معها الحرب وإنما تستدرجها بعمل استخباراتي، البعد الاجتماعي الاقتصادي هو أن القاعدة تتغذى من البطالة والفقر المنتشر في بلدان المغرب العربي ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء عموما وبالتالي ما لم نحارب الفقر والبطالة والتهميش والحرمان والتفاوت الاجتماعي الذي تعانيه مجتمعات هذه البلدان فإن القاعدة ستظل تجد المدد الكبير، المدخل الثاني هو المدخل الثقافي..


محمد كريشان (مقاطعا): يعني عفوا دكتور هذا التحليل قد ينسحب على القاعدة في وضع داخلي معين يعني القاعدة داخل الجزائر أو داخل اليمن أو داخل موريتانيا ولكن عندما تكون في منطقة مفتوحة في الصحراء وتتغذى على عمليات من هنا وهناك ربما هذه المقاربة تصبح غير سليمة.


ديدي ولد السالك: لا، هو أخ محمد اسمح لي من الدول أنا أعني سياسة محلية سياسة مغاربية سياسة وطنية لكل دولة وسياسة مغاربية منسقة لأن القاعدة عندما تبدأ تواجه دول المغرب العربي وتكون فرنسا هي السند لدول المغرب العربي في مواجهة القاعدة ستجد القاعدة مبررا شرعيا لمحاربة هذه الدول بوصفها عميلة للاستعمار وبوصفها تدافع عن سياسة الاستعمار في المنطقة، أنا أريد سياسة من هذه الدول منعزلة وبعيدة عن السياسة الفرنسية لأن السياسة الفرنسية تاريخيا سياسة استعمارية في هذه المنطقة وبالتالي نحن من مصلحتنا أن نجد لأنفسنا سياسة وطنية وسياسة إقليمية تخدم خياراتنا في مواجهة القاعدة بعيدا عن السياسة الفرنسية لأن السياسة الفرنسية تقوم على مصالحها وعلى تركيز وجودها وهذا ما تحاربه القاعدة تماما إذاً علينا ألا نكون واقعين بين فكي الكماشة أي بين فرنسا الاستعمارية بمصالحها وبين القاعدة التي تحارب الغرب الاستعماري بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة في منطقة المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء.


محمد كريشان: هو رئيس الوزراء الفرنسي -وهنا أعود إلى ضيفنا في باريس- السيد فيون عندما صرح في يوليو الماضي بأن فرنسا في حرب مع القاعدة قال أيضا بأننا سنكثف -يعني فرنسا- سنكثف من دعمنا العسكري لدول المنطقة، هل معنى ذلك سيد ميلالي بأن ربما فرنسا في النهاية وقعت في فخ القاعدة في تلك المنطقة؟


جان بيير ميلالي: هو الخطر كان أن يدعو القاعدة فرنسا للمكافحة كي تقع فرنسا في الفخ وهذا ما وقع تاريخيا قبل أحداث 11 سبتمبر عندما هاجم الجيش الأميركي أفغانستان وهي إستراتيجية تبنتها القاعدة أكثر من مرة ولكن أرجو أن فرنسا لا تقع في هذا الفخ وكلام الزعماء الفرنسيين الذي ذكرته قبل دقائق عن إرادتهم لبدء مفاوضات يدل على أنهم حريصون ألا يقعوا في مواجهة مباشرة مع القاعدة لأن هذا هو الذي تطمح إليه القاعدة كي ترجع أهميتها أمام بعض المسلمين.


محمد كريشان: في البداية بعد شريط ابن لادن -سيد ميلالي- بعد شريط ابن لادن موقع لوموند مثلا قال بأن وزير الداخلية قال نحن نعلم بأننا في حرب مع القاعدة ولا جديد في كلام ابن لادن ولكن قبل قليل كانت البرقيات تتوالى لتقول بأن فرنسا تأخذ على محمل الجد ما قاله ابن لادن وبأن الأمر ربما ينبئ بتطورات مستقبلية أكثر خطورة، هل تعتقد بأن فرنسا مستعدة لمرحلة جديدة -إن صح التعبير- في صراعها مع القاعدة؟


جان بيير ميلالي: مستعدة عمليا نعم ولكن من حيث الرأي العام الفرنسي لا نعرف لأنه مثلما تعرفون هناك توترات داخلية في فرنسا قد يستفيد منها أعداء فرنسا. ولكن بشكل عام أظن أن تقنيا وعمليا فرنسا مستعدة لأن للأسف لها تجربة طويلة من مكافحة الإرهاب خارج البلد وداخله فالرأي العام الفرنسي مستعد لهذه التطورات للأسف لأنه مقتنع أن هؤلاء الأعداء يبحثون عن المواجهة كي يكسبوا أهمية أكثر من أهميتهم الواقعية.


محمد كريشان: المفارقة في كلمة ابن لادن -وهنا أعود إلى السيد الدكتور ولد السالك- المفارقة في كلمة ابن لادن أولا هو يؤكد زعامته لهذا التنظيم ثانيا هو نوعا ما يعمده في المنطقة ويزكيه بالمعنى التنظيمي والفكري لكن دولة مثل موريتانيا مثلا في الفترة الماضية كانت تقول دائما هؤلاء مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، الآن هل المواجهة ستأخذ شكلا جديدا في المنطقة بعد كلام ابن لادن؟


ديدي ولد السالك: اسمح لي أن أوضح أن ابن لادن وجد قاعدة عسكرية، القاعدة تبحث في البلدان الأخرى عن إنشاء خلايا نائمة وخلايا تتحرك، القاعدة وجدت في المغرب العربي وشمال إفريقيا قاعدة منظمة عسكريا هي الجماعة الإسلامية المسلحة التي كانت موجودة في جنوب الجزائر تقاتل منذ عشرين سنة وحتى خلفياتها في السبعينيات الحرب على بومدين قادتها جماعات عسكرية جزائرية إذاً هذه القاعدة لا بد أن يتبناها ابن لادن ويشيد بها بصفتها جيشا منظما له قوة حقيقية وبالتالي اليوم تصريح ابن لادن ليس إلا إضفاء الشرعية على تواجد هذا الجيش والاعتراف به أما محاربته لهذه الدول فأعتقد أن الجزائر التي لها خبرة طويلة حرب مع القاعدة ومع التنظيمات الإسلامية المتطرفة من التسعينيات إلى اليوم بدأت تفهم اللعبة وهي أنها لا تهاجم هذه التنظيمات وإنما..


محمد كريشان (مقاطعا): عفوا على ذكر الجزائر دكتور ولد السالك الجزائر ترفض تماما أي تدخل أجنبي في هذه الحرب ضد القاعدة، مالي أيضا رفضت أي وجود عسكري على أراضيها ولكن دولة مثلا مثل موريتانيا ذكرت التقارير بأنها شاركت في عمليات مشتركة مع الجيش الفرنسي، كيف ترى مستقبل هذا التنسيق بين دول المنطقة وفرنسا في المجابهة العسكرية؟


ديدي ولد السالك: تماما، هنا الدول تختلف غير قادرة على تنسيق مواقفها لأن الجزائر عندها هدفان رئيسيان الهدف هو أنها عملت إستراتيجية مع محاربة القاعدة ومستمرة عليها وهي عدم المواجهة العسكرية وإنما الاستدراج عن طريق عمليات استخباراتية، العامل الثاني أن الجزائر تريد توريط فرنسا وفرنسا فعلا تورطت، أما النيجر ومالي فهما فاهمان وضعهما الحقيقي وغير قادرين على المواجهة وبالتالي تاركين القاعدة تتحرك، للأسف العميق الذي وقع في الفخ -وأرجو أن ننسحب منه- هو موريتانيا التي دخلت في عمليات مسلحة في الأراضي المالية ضد القاعدة ونرجو أن موريتانيا تكون أخذت الدرس وفهمت اللعبة وأنها لا يمكن أن تحارب القاعدة منفردة إلا بتنسيق إقليمي تدخل فيه الجزائر وكل دول المنطقة ولا تكون كبش فداء تدفعه فرنسا في المنطقة لندفع نحن ضحية التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وحتى الثقافية.


محمد كريشان: ولكن هل فرنسا -وهنا أختم بالسيد ميلالي- هل فرنسا في المرحلة المقبلة ستلجأ إلى هذه المقاربة الشاملة مع كل دول المنطقة لمواجهة أكثر فعالية مع القاعدة؟


جان بيير ميلالي: أظن أن هذا هو حل من الحلول هو حل عسكري بحت يمكننا أن نتوقع أنه قد يصل إلى حل ولكن حل آخر وهو حل سياسي أو أيديولوجي يطلب ممارسات مختلفة سياسية دبلوماسية وحتى ثقافية واجتماعية.


محمد كريشان: هل معنى ذلك بأن من الوارد أن تنسحب فرنسا من هذه المواجهة وتعود إلى حدودها -إن صح التعبير- حتى تنأى بنفسها عن مزيد من التداعيات مع تنظيم القاعدة؟


جان بيير ميلالي: لا، ليس هناك من حدود طبيعية، الدولة القوية والتي تمتاز بقدرات استثنائية من الطبيعي أن تمتد إلى أبعد من حدودها وهذا يطلبه حتى الدول الأصغر ولكن على فرنسا أن تلعب بدبلوماسية وبحنكة في هذه المرحلة لأنها مرحلة خطيرة بالفعل.


محمد كريشان: شكرا جزيلا لك جان بيير ميلالي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس.


جان بيير ميلالي: شكرا لكم.


محمد كريشان: شكرا على حضورك وشكرا أيضا للدكتور ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نواكشوط. أستودعكم الله.