صورة عامة
مسارات

مطاع صفدي.. التجربة الفلسفية العروبية ج1

ضيف مسارات المفكر والأديب العربي مطاع صفدي أحد أشهر أعلام الفكر الفلسفي العربي المعاصر حيث نشأت على مؤلفاته ومقالاته أجيال من القراء.

– الاهتمام بقضايا الأمة وسبل النهضة العربية
– منهجية القومية العربية وتجربة التعبير الأدبي

الاهتمام بقضايا الأمة وسبل النهضة العربية

undefinedمالك التريكي: عندما آلف مطاع صفدي رواية جيل القدر التي نُشرت في بيروت عام 1961 فأنه كان يعني جيله من الشباب العربي الوطني المثقف الذي تجرأ على الحلم بأن يسفر نجاح الكفاح ضد الاستعمار عن تجاوز واقع التجزئة القطرية والمضي المنهجي نحو بناء دولة الولايات العربية المتحدة، هذا الجيل الذي حدا به عشق المعرفة إلى خوض غمار الفكر الفلسفي الذي أثبتت الأمم الحية أنه من أمضى الأسلحة في تجديد الإيمان بقدرة الذات الفردية والحضارية على الإقبال على المصير ولهذا اعتبر جيل القدر أن الوحدة السورية المصرية هي الحدث الاستقلالي الحقيقي حسب تعبير مطاع صفدي أي الحدث المصنوع بإرادة الشعبين وغير الممنوح أو المفروض من قبل الأجنبي المهيمن كما كان حال الاستقلالات القُطرية السابقة، في هذا السياق من تداخل المخاضات الفكرية والسياسية التي عدت آنذاك إرهاصات بإمكان نجاح النهضة العربية الثانية كان مطاع صفدي الذي يعد الآن من أشهر أعلام الفكر الفلسفي العربي المعاصر حيث نشأت على مؤلفاته ومقالاته أجيال من القراء، في هذا السياق كان مطاع صفدي قد بدأ في الخمسينيات في شق مساره الفكري عبر التأليف الجدلي بين النزعة القومية والفلسفة الوجودية، القومية كمذهب فكري وسياسي يؤمن بوجوب العمل على إحياء الذات الحضارية والوجودية كموقف فلسفي يلزم بتحمل عبء الحرية.

"
جون بول سارتر الفيلسوف العالمي الذي قاد حركة تحرير العقل الفرنسي ثم العقل الغربي، أصبح بالنسبة لنا محرضا حقيقيا على أن نتبين ما واقعنا نحن ونلتزم بحلول قضاياه
"

مطاع صفدي – مفكر وأديب عربي: نستطيع أن نقول أن حب المعرفة بمعنى ما كان هو دافعنا الأول في جيلنا إلى أن نتطلع إلى الفلسفة وخاصة أننا كنا نقرأ طبعا عن الفلاسفة الفاعلين الملتزمين بقضايا شعوبهم وأممهم، كان في ذلك الوقت التيار الوجودي الشامل وكان جون بول سارتر الفيلسوف العالمي الذي قاد حركة تحرير العقل الفرنسي ثم العقل الغربي إجمالا وهذا الفيلسوف أصبح بالنسبة لنا محرضا حقيقيا على أن نتبين ما هو واقعنا نحن ونلتزم بحلوله.. بحلول قضاياه، سارتر قامت فلسفته على كلمتين أولا أنا يجب أن أحقق وجودي وهذا الوجود فيه إمكانيات وأنا حر في تحقيق هذه الإمكانيات، لابد لي إذا من أن أفعل أو أعمل أو ألتزم بمبدأ الحرية الملزم أنا بها، يعني الحرية هنا ليست اختيار بل أنت مجبر أن تكون حرا لكي توجد، إذا لم تكن حرا لن توجد فمفهوم الحرية هنا والالتزام.. التزام بماذا؟ الالتزام بإمكانياتك إمكانياتك تفهم كإمكانيات المجتمع بشكل عام إمكانيات المجتمع أن يحقق وجوده السليم الصحيح وفي ذلك الوقت كنا ننتقل نحن من مرحلة الاستعمار والاحتلال المباشر إلى مرحلة بناء الدولة الوطنية الجديدة المستقلة وكنا نشعر أن مجتمعنا مليء بالإمكانيات التي كانت ممنوعة ولابد من تفجير هذه الإمكانيات، لابد من إعطاء المجال أمام إنساننا العربي لكي يبني وجوده مجددا بأساليب عصرية وبمفاهيم عصرية، هذا هو المنطلق الأول لاندفاعة الجيل الذي أنتمي إليه في ذلك الوقت وطبعا قامت العقبات الكثيرة والتحولات السياسية ودائما التفكير شيء والعمل السياسي شيء آخر ولم نكن نحن لنبلغ بعض الحرية حتى نستطيع فعلا أن نحقق ما كنا ننشد إليه.

مالك التريكي: الانتقال من الوجودية كمذهب اشتهر عادة على أنه مذهب فردي وليس مذهب يدعو إلى العمل الجماعي، لكن الوضع العربي آنذاك بداية منذ منتصف الأربعينيات في سوريا بلدك كان وضع بناء الدولة الوطنية دولة الاستقلال فانتظم في سياق عمل جماعي بالنسبة لكم، لذلك كان الانتقال إلى القومية نوعا ما أو الموائمة بين الوجودية والقومية بالنسبة لكم شيئا طبيعيا..

مطاع صفدي: صحيح.

مالك التريكي: كيف تمت ذلك؟ كيف كانت؟

مطاع صفدي: يعني هي هنا الوجودية لا تطبق تطبيق منهج لأن الوجودية ليست منهج، في الأساس الوجودية هي تطالب الإنسان بأن يكون ذاته لا أكثر ولا أقل أن يكون ذاته وعندما تطرح هذه المسألة على مستوى اجتماعي معنى ذلك أن الأمة يجب أن تعطي ذاتها، يعني أن تتحرر مما هي عليه وكنا في ذلك الوقت نشكو من نوعين من الطغيان.. طغيان استعماري تخلصنا منه إلا أننا واجهنا الطغيان الأصعب وهو طغيان التخلف، وجدنا أنفسنا أننا فعلا متخلفين عن عصرنا في كل شؤون الحياة اليومية للإنسان اقتصاديا ثقافيا اجتماعيا عمرانيا إلى آخره، فإذا أنت عليك الآن أن تبدأ برحلة البناء من الصفر ومن أجل أن تبني لابد أن تتمم حريتك السياسية، لابد أن تكون حرا حقيقيا إلا أن مجرد خروج المستعمر الأوروبي جاءنا الاستعمار الأميركي والصهيوني وبدأ التلاعب بأنظمة الحكم القائمة في المنطقة فأنت في واد وأنظمة الحكم في واد آخر ومن هنا بدأ هذا النوع من التناقض الذي يعني تعمق مع الزمن بين الفكر وبين الواقع السياسي الذي كان يخرج عن إرادة الأفراد، عن إرادة ما يسمى في ذلك الوقت الطلائع التي طرحت نفسها إنها طلائع التقدم والتطور وأصبحنا نقع تحت طغيان الأنظمة بدلا من طغيان الاستعمار المباشر وطبعا الأنظمة كانت هي عبارة عن تشتغل نيابة عن المستعمر الذي خرج من البلاد لكنه يحاول أن يقنن تطور هذا المجتمع لأن الأمة المتحررة المستقلة كانت تخيف الأجنبي، إن هذه الأمة إذا ما اتحدت إذا ما توحدت بهذه الكمية البشرية بهذه المساحة الجغرافية الواسعة بهذا المركز الاستراتيجي الذي تطل فيه على البحار.. بحار عالمية وهمزة الوصل ما بين ثلاث قارات والإمكانيات الدفينة في أرض هذه الشعوب، طيب هذه الأمة إذا ما أتيح لها أن تستقل وأن تتضامن فيما بينها ليس فقط أن تتحد.. يعني ربما الوحدة كانت صعبة لكن أنت تتضامن، أن يحكمها نظام وطني صحيح وسليم، ماذا كانت ستفعل؟ لابد من أنها ستنشئ شيئاً مخيفاَ بالنسبة للمشاريع الإسرائيلية في ذلك الوقت لأن ما أن استقلت أو ما أن استقلت بلادنا حتى نشأت الدولة الإسرائيلية فأصبح عدوك الآن يقبع في عرض المحيط الذي يحيط بك في منتصف الجغرافيا العربية، فإذاً من ذلك الوقت عندما يفكر الجيل بالوحدة كان تفكير طبيعي، لم يكن يحلم أحلاماً بعيدة لأنه هذه الوحدة هي سبيله الوحيد من أجل أن يستجمع قوى هذه الأمة حضارياً وثقافياً وأيضاً سياسياً وعسكرياً ليقاوم لأن الجيل فهم من إقامة إسرائيل أن هذه الدولة لن تكتفي بحدود وحتى اليوم ليس لها حدود، كما تعلم يعني ليس لها حدود مرسومة، فهذه الدولة ستتسع وتحاول أن تتدخل في شؤون الأقطار العربية الناشئة مجدداًَ، فمن هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن الفكر الفلسفي ساعد على الأقل بتجديد الإيمان بقدرة الذات والذات تفسيرها سياسياً هي ذات المجتمع.. ليست فقط الذات الفردية، هي ذات المجتمع وإذا أردنا أيضاً أن نقول هي ذات الأمة بمعناها الذي كان مشبعاً آنذاك بكل ذكريات الأمة العربية في تاريخها المجيد وكان الدليل والبرهان الأكبر دائماً الذي يستعمله جيلنا في الكلام هو أن هذه الأمة كانت في يوم من الأيام قادرة على أن تكون حرة وأن تبدع حضارة معترف بها إنسانياً فلماذا لا نعيد..

مالك التريكي: نسترجع هذا الدور.
مطاع صفدي: تعيد الأمة الحاضرة الآن تاريخها الماضي بصورته العصرية؟ يعني أن تشتغل على أساس منطلقات العصر وتعطي إمكانياتها بحسب المناهج العصرية أيضاً وتصبح أمة حقيقية بين أمم العالم.

[فاصل إعلاني]

منهجية القومية العربية وتجربة التعبير الأدبي

مالك التريكي: كان أول الأحزاب آن ذاك في المنطقة الذي اتخذ فكرة القومية العربية كمنهج هو حزب البعث الذي انضممت إليه وكنت أول منتقديه انتقاد مهاجير منذ عام 1964 في كتاب شهير وهو كتاب حزب البعث مأساة المولد ومأساة..
مطاع صفدي: عندما لم يكن البعث بعثاً.

مالك التريكي: نعم، كانت الفكرة في بدايتها هي البعث الحضاري في فكر زكي الأرسوزي وليس البعث بالمعنى الضيق.

"
فكرة البعث طرحها الأستاذ زكي الأرسوزي وتقوم على أساس بعث الحضارة العربية بشكلها التاريخي لكن بوسائل العصر الجديد وبوسائل الحضارة أو المدنية المعاصرة
"

مطاع صفدي: هذا كلام صحيح، يعني عندما طرحت فكرة البعث طرحها الأستاذ زكي الأرسوزي قبل سواه كان التفكير على أساس بعث الحضارة العربية بشكلها التاريخي لكن بوسائل العصر الجديد وبوسائل الحضارة أو المدنية المعاصرة الآن في العالم، ففكرة البعث هو ليست بعث بمعنى العمل السياسي.. العمل السياسي نتيجة لهذا الإيمان أولاً أنك تؤمن أن هذه الأمة أمة تستحق الحياة وكانت لها تجربة في تاريخها وتستطيع أن تستعيد هذه التجربة في ظروفها الحاضرة فيما لو تخلصت من العوائق والعوائق خارجية وداخلية، الخارجية هو الاستعمار وربيبته إسرائيل في المنطقة، الداخلية هو تخلفنا وأيضاً الطبقات المتعايشة على هذا التخلف والتي تستثمره أكثر وتغذيه وتجعله كما لو أنه سيصبح واقعاًَ مستمراً وهذا الواقع النهائي كما هو الأمر الآن بعودة الانحطاط وتصورنا أن هذا هو المثل الأعلى لنا، يعني ما وصلنا إليه هو النهاية ويجب أن نتوقف عند هذا وأن نؤمن بما كُتب لنا يعني قدرياً، فالبعث بدأ طبعاً هذه البداية الحضارية الثقافية، في المجتمع عندما يُسأل من هو البعثي؟ هو المثقف، يعني أي مثقف كان في حزب البعث كل هذه النخبة من الشبيبة المثقفة كلهم كانوا طلاباً بل وأساتذة، يعني انطلق الحزب كطلاب وأساتذة ومن ثم بدأ يطرح موقف سياسية تجاه الطبقة الحاكمة آنذاك والطبقة الحاكمة هي كانت نتيجة المراحل السابقة من تاريخ المنطقة إبان الاحتلال الاستعماري، فهي كانت توصف في حينها بالأحزاب اليمينية والأحزاب الرجعية التي لا تريد أن تتطور البلد بأكثر ما هو حاضر من أجل أن تبقي على منافعها ومصالحها، يعني مثلاً كان الإقطاع منتشر، كان الفساد المالي منتشر، كان كل هذه الأشياء فالجيل يرى أنه يجب التخلص أيضاً من هذه العوائق الداخلية بالقدر اللي نعمل فيه على تحررنا السياسي الخارجي وتحول الحزب تدريجياً من العمل الثقافي إلى العمل السياسي المحض لأنه المعارك التي كان يخوضها الحزب باستمرار ضد هذه الطبقة الرجعية المسيطرة والتي كانت تعيد تحالفات مع الأجنبي.. يعني مع الأجنبي الذي خرج تعيد نوعاً من التحالفات مثلاً أنت ذاكر حلف بغداد، فراغ آيزنهاور إلى آخره من هذه المشاريع التي كانت تفكر فيها أميركا وتجبر البلاد العربية خاصة في منطقة المشرق على الدخول في هذه الأحلاف لتقودها هي وكانت تطرح محاربة الشيوعيين كما لو كان هي الهدف الأعلى بل ونحن لم نكن نرى أن الشيوعية هي خطر علينا.. هي خطر على مجتمعاتنا، الخطر هو الخطر الصهيوني الاستعماري.

مالك التريكي: بسبب من تكوينك الفلسفي الذي منحك هذا الهامش من الفكر النقدي الذي يمنحك إمكانية أخذ مسافة بين كل شيء وإحكام العقل فيه.. طبعاً تركت حزب البعث بسرعة بعد ما تبين لك أن لم يكن يخدم الأهداف الحضارية العربية التي تعرفها، هذا جانب من جوانب شخصيتك الفكرية آنذاك في أواخر الخمسينيات بداية الستينيات، جانب آخر أيضا وبما أننا ذكرنا سارتر.. العمل الفكري لم يقتصر عندك وتكاد تكون من أحد مفكرين اثنين عربيين أو ثلاثة فقط لم يقتصروا على الكتابة الفكرية النسقية فقط ولكنهم أيضا أنتجوا إنتاجا أدبيا وقد بدأت آنذاك بكتابة روايات وحتى مسرحية ومجموعة قصص، ما هي أهمية تجربة التعبير الأدبي بالنسبة لك كمفكر؟

مطاع صفدي: يعني الحقيقة لم نكتب نحن أبحاثا فلسفية في ذلك الوقت حاولنا أن نعمق الأدب نفسه الأدب الذي هو طبعا له جذور عميقة في ثقافتنا ويتطلع إليه الشباب، يتطلع إلى الشاعر إلى الكاتب المؤلف، لم يكن هناك صيغة معينة تسمى المفكر مثل..ا هذه الصيغة فيما بعد أصبحنا نتحدث عن المفكرين، فكانت الوسيلة الأدبية هي المتاحة لأنك تشحنها أنت بأفكارك بمواقفك وتعطيها فعلا كيانا حيا ولذلك كتبت القصة أنا، كتبت القصة القصيرة ودأبت على كتابة القصة القصيرة وكان هناك مجلة ناشئة جديدة اسمها مجلة الآداب تخرج في بيروت..

مالك التريكي: في بيروت.. نعم، إسماعيل إدريس نعم.

"
كان الأدب بالنسبة لنا وسيلة مباشرة من أجل طرح أفكارنا وتأتي هذه الأفكار حية لتؤثر أيضا بوسيلة حية لدى القراء
"

مطاع صفدي: وهي المجلة التي جمعت فيما بعد جمعتنا كلنا نحن شعراء وكتاب ومفكري تلك الفترة يعني في هذه المجلة وكانت هذه المجلة بمثابة يعني النشرة الضرورية المغذية لكل العرب في أيا كان في أي مكان، فكنا ننشر قصصنا وقصائدنا وإلى آخره من شهر إلى شهر، هذه الأفكار تأتي عن طريق الكلام والحوار والوصف وتحليل الشخصية شخصية البطل فالفكرة إذا معاشرة وهذه من ثمار أيضا التفكير الوجودي لأنك أنت عندما تتحدث عن وجودك.. طيب وجودك ما هو؟ هل أنت وجود.. موجود كإنسان، كإنسان كامل فيه الرأس وفيه القلب فيه الجسد فيه كل شيء فإذا لابد من أن تجد الوسيلة التي تعبر عنك كإنسان كامل، ليس فقط عن عقل مجرد، هذا العقل يعيش في رأس والرأس في جسد والجسد له دوافعه وله نوازعه قصص الحب قصص الخيانات قصص اللقاءات الغدر إلى آخره، كل هذا كان يلعب دورا أساسيا في تحقيق حرية الفرد وفي الوسيلة التي يراها من تجاهه ولذلك كان الأدب بالنسبة لنا وسيلة مباشرة من أجل طرح أفكارنا وتأتي هذه الأفكار حية لتؤثر أيضا بوسيلة حية لدى القراء وكانت الثمرة إيجابية جدا، يعني كان كل هذا الجيل يقرأ هذه القصص مثلا الرواية الأولى التي كتبتها أنا جيل القدر يعني أصبحت أشبه بكتاب مقدس يعني إلى حد ما..

مالك التريكي: مرجعي جيل القدر هو جيلكم أنتم؟

مطاع صفدي: جيلنا ونحن تحدثنا عن..

مالك التريكي: عام 1961 أظن كانت.

مطاع صفدي: بالـ1961 خرجت في الـ1961 وقُرأت من كافة الشبيبة العربية، قُرأت في العراق في سوريا ولبنان المناطق إلى آخره حتى وصلت أيضا إلى مصر واُعتبرت أنها هي فعلا التجربة الأولى لتكوين الإنسان العربي الجديد في تناقضاته وفي حياته اليومية وكيف يمكن فعلا أن يلتزم بقضايا أمته، في يعني هنا دائما الربط ما بين حياتك وإخلاصك لحياتك كفرد وبين التزامك بقضايا الأمة أو ما تسمى بقضايا الإنسان عامة، يعني شو قضايا الأمة؟ فكرة القومية العربية يعني فكرة حرية الأمة حرية الإنسان، يعني هي في الأخير نوع من تمجيد الحريات التي يعني لم تخرج الفلسفات السياسية من أيام أرسطو إلى الآن عن هذا الشعار، كيف يمكن أن تكون حرا سيد نفسك؟ وكيف يمكن لك أن تكون فعلا قادرا على أن تنفذ ما لديك من الإمكانيات بطريقة شرعية لا تنال من حرية الآخر بل تتكامل مع حرية الآخر وتنتج شيء يعني يظل هو مثالي لكن هو المحرك الدائم للتطورات الإنسانية.

مالك التريكي: إذاً بما تفسر أستاذ مطاع عدم محاولة المفكرين العرب الآخرين عندما ذكرت مفكرين اثنين أو ثلاثة يحضرني الآن اسم عبد الله العوي مفكر عربي كتب في الرواية والمفكر الشاب الفلسطيني عزمي بشارة أيضا وهو مفكر سياسي وله إنتاج وله إنتاج روائي أيضا ونال نجاحا كبيرة بإنتاجه الروائي أيضا، بماذا تفسر عدم إقبال المفكرين العرب الآخرين على الإنتاج الأدبي؟ خاصة أن المرحوم عبد الرحمن بدوي وهو مفكر يوصف بأنه وجودي لأنه حاول تأصيل نوع من الوجودية العربية له قول شهير عن سارتر الذي كنت معجبا به في فترة شبابك وأظن أنك لا تزال معجبا به الآن..

مطاع صفدي: أينعم.

مالك التريكي: أن سارتر هو مجرد أديب وقالها يعني بتعبير نوعا ما فيه تحقير أنه ليس فيلسوفا.

"
أرى أن المثقف الذي يطرح نفسه كمفكر لابد له من أن يكون أديبا بشكل من الأشكال
"

مطاع صفدي: يعني هذا بتعرف حسب معلوماتك حتى الآن في فرنسا هناك من يرى سارتر أنه أقرب إلى الأديان منه إلى الفلسفة لأنه كتب مسرحيات وكان له طبعا نظرية في الأدب وفي النقد الأدبي وعرضها بكثافة وصدق وكان متكاملا بين الفلسفة والأدب، فأنا في رأيي المثقف الذي يطرح نفسه كمفكر لابد له من أن يعني أن يكون أديبا بشكل من الأشكال والدليل على ذلك أن فوكو مثلا الفيلسوف المعاصر يكتب بأسلوب أدبي خارق، أسلوب أدبي خارق لا يتمتع به الأديب العادي، دولوز مثلا.. الفيلسوف دولوز وإلى حد كبير يعني يقرأ النص الفلسفي اليوم على أنه نص أدبي في نفس الوقت وكبار الفلاسفة منذ أفلاطون حتى يومنا هذا يتمتعون بأسلوب ناصع بلغة غنية بصور ببراهين هذه البراهين العقلانية هي طابعها عقلاني لكنها مازال التأثير مباشر في الناحية الاستاتيكية تبرهن على أن..

مالك التريكي: الجمالية، نعم.

مطاع صفدي: أيضا الجمالية الناحية العقلانية عن العقل والجمال الفني الجمال الفني متطابقان، يعني الحقيقة هي في حد ذاتها هي جميلة، الحقيقة جميلة كما أن البحث عن الحق أيضا هو بحث جميل من حيث أنه فعلا يعبر عن الإنسان ويعطيه نوع من صفة الشعور بأنه يحقق حريته وأنه يصل إلى النتيجة التي يجب عليه أن يصل إليها كل إنسان مفكر فالفكر والأدب متلازمان مع بعضهما البعض وكل الفلاسفة لا.. يعني إذا تركنا تعليق الأستاذ بدوي رحمه الله يعني هذا كلام غير واقعي لأنه جميع الفلاسفة إطلاقا هم أدباء كبار وتعمقهم أدبيا أوصلهم إلى الفلسفة، أوصلهم إلى.. يعني لم ينتجوا شعرا لم ينتجوا روايات لكنهم أنتجوا فكر يتضمن عظمة اللغة التي يتكلمون بها، هايديغير مثلا هايديغير فيلسوف كبير جدا لكنه هو يشتغل على اللغة وكل أفكاره تقريبا مشتقة من تأويلات..

مالك التريكي: لغوية نعم.

مطاع صفدي: للغة ومعانيها..

مالك التريكي: رجوعا بها إلى أصولها.

مطاع صفدي: والرجوع بها إلى جذورها اليونانية من جذورها اليونانية إلى الألمانية.