طه عبد الرحمن
مسارات

طه عبد الرحمن.. هوس الترجمة الإبداعية ج5

يتابع المفكر طه عبد الرحمن حديثه ليسلط الضوء على هوس الترجمة الإبداعية أشهرها ترجمته للكوجيتو الديكارتي، ويعد الترجمة بمثابة السؤال المصيري للفلسفة العربية.

– مستويات الترجمة
– الترجمة التأصيلية والموقف من ابن رشد

مالك التريكي: انظر تجد من أشهر ما عرف به المفكر طه عبد الرحمن ترجمته للكوجيتو الديكارتي أنظر تجد لأنه يعد العبارة الشائعة أنا أفكر إذاً أنا موجود مجرد ترجمة حرفية سقيمة إذ يقسم رئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين يقسم الترجمة الفلسفية إلى مراتب ثلاث، الترجمة التحصيلية أي الترجمة الحرفية التي تغلبها ألفاظ النص الأصلي على أمرها والترجمة التوصيلية أي التي تفي بغرض الأمانة المضمونية ثم الترجمة التأصيلية أي الترجمة الإبداعية التي تتوخى التصرف في نقل النص الأصلي بما يتلاءم مع عبقرية اللغة المنقول إليها حتى لكأنها تنفي بتأصيليتها عملية النقل فتقع من نفس القارئ العربي موقع الأصل، ذلك أن طه عبد الرحمن الذي يعد الترجمة بمثابة السؤال المصيري للفلسفة العربية ينعي على الترجمة الفلسفية العربية تحصينيتها التي توقعها في الإخلال بمقتضيات المجال التداولي العربي. ولا يقتصر هذا العيب المتمثل في انتهاك المتعارف عليه من طرائق البيان العربي لا يقتصر على الترجمات الحديثة بل إنه يشمل معظم الترجمات القديمة ولا يكاد يستثني طه عبد الرحمن من هذا القصور سوى ابن رشد الذي كان بينه وبين ابن طفيل حديث مشهور عن معالجة سقم الترجمات أو ما سمياه برفع قلق العبارة الفلسفية، غير أن طه عبد الرحمن لا يعترف لابن رشد بالإتقان إلا في مجال الترجمة التوصيلية التي بلغت حد الشرح الوافي لنصوص أرسطو أما ما ينسبه معظم المفكرين العرب والغربيين لابن رشد من التفرد فإن طه عبد الرحمن ينكره ويفنده بكثير من الحجج المنطقية والتاريخية وبهذا يكون هو وأبو يعرب المرزوقي المفكرين الوحيدين تقريبا الخارجين على الإجماع الرشدي السائد، ذلك أن طه عبد الرحمن الذي يمثل الإبداع لديه همًا يبلغ حد الهوس يقوِّم إنتاج ابن رشد بمقياس الإبداع فيرى أن ازدواجية ابن رشد في الفلسفة والفقه لم تثمر إبداع في أي من المجالين فلا هو أبدع في مجال الفلسفة من طريق الفقه على غرار الشاطبي ولا هو أبدع في مجال علم الأصول من باب المنطق على غرار الغزالي.

مستويات الترجمة

طه عبد الرحمن: حقا الإبداع هوس عندي وأقول نحن أولى بهذا الهوس من غيرنا كأمة أولى بهذا الهوس لأنه حقيقة هو وجه صحتنا لو أننا نصبح مهووسين بالإبداع لأصبحنا أحياء، حقيقة نحن الآن ميتون ولنحيا لابد من الإبداع فما هو الإبداع عندي طبعا تعريفه معروف كلمة ابتكار اختراع حقا بل يضاف إلى ذلك أنه يعني ابتكار على غير مثال سابق يعني تبدع شيئا لم تقلد فيه أحدا ولكن هناك جانب أخر في الإبداع مغفول ومغفول لدى الجميع لا بالنسبة لمقابلته الأجنبية ولا بالنسبة للكتابة العربية وهو أن الإبداع يتضمن معنى زائدا على الابتكار وهذا المعنى الزائد هو الجمال أن نقول هذا عمل بديع يعني هذا عمل بلغ نهايته في الجمال فإذا المبدع هو الذي ينشئ الأشياء وقد تحقق معنى الجمال فيها يعني ينشئ الأشياء إنشاء جماليا، لا يكون المبدع مبدعا حقيقيا حتى ينشئ الأشياء إنشاء جماليا ولذلك البديع أسم من أسماء الله سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض فإذا مفهومي للإبداع هو هذا لا يمكن أن نحقق الابتكار الذي يخرج بنا إلى الحداثة، الحقيقة حتى تصبح يصبح ما نبدعه مما نبتكره في إطار الحداثة تقوم بيننا وبينه علاقة جمالية أو تعامل جمالي بمعنى أخر أن يتحول مفهوم الحداثة نفسه إلى قيمة جمالية في أنفسنا حتى يمكننا أن نخرج بإيداعات تناسب هذه القيمة فإذاً كيف نتصور الإبداع مع الترجمة وقد.. وخصوصاً إذا تكلمنا على الترجمة العربية التي خلت من هذا الجمال كلياً قبح الترجمة في إطار خصوصاً الترجمة العربية الفلسفية يعني قبح ربما لا يقارن بغيره.

مالك التريكي: الترجمة القديمة أم الحديثة؟

"
الترجمة العربية واقعة في التقليد وفي الإخلال بمقتضى الإبداع من جهتين ما يعني أنه ليس بها ابتكار ولا جمال، وهذا السبب جعل الترجمة الفلسفية العربية تتولد عنها شروح لا تنتهي ليس لعمق الفكرة وإنما لركاكة العبارة
"

طه عبد الرحمن: القديمة وأغلب الحديثة أيضاً باستثناءات جزئية جداً كترجمة قديماً ترجمات حنين بن إسحاق وما إلى ذلك فإذاً الترجمة العربية هي ترجمة واقعة في التقليد من حيث أو واقعة في الإخلال بمقتضى الإبداع من جهتين أن ليس فيها ابتكار وليس فيها جمال فطبعاً وهذا هو السبب اللي جعل الترجمة الفلسفية العربية تتولد عنها شروح لا تنتهي فليس لعمق الفكرة وإنما لركاكة العبارة التي تجعل الفكرة مستغلقة على الأذهان فيأتي الشارح حتى يرفع ذلك الاستغلاق.

مالك التريكي: وهذا ما حدا بنا في حلقة من الحلقات السابقة إلى التأكيد على رأي طريف لديك في تعلين سبب انحسار الفلسفة في الحضارة العربية الإسلامية قلت إن أسباب ذلك ليست سياسية مثل ما يقال عادة وإنما هو الإخلال بمقتضيات المنطق ومقتضيات الاستعمال التداولي للغة العربية للبيان العربي قلق العبارة مثلما كان يقال إن ذاك الركاكة في التعبير..

طه عبد الرحمن: هذا الأمر يعني لا زلت ثابت عليه ولا وما يقال من أن الفلاسفة اضطهدوا وأنهم تعرضوا لمحن وحجبوا عن أفكارهم بسبب عمقها وشذوذها عن المجتمع ولكن في الحقيقة الشذوذ لم يكن في جدة الأفكار بل الشذوذ كان في العبارة غير السليمة لأنها لم تكن تستجيب لمقتضى التعبير العربي أما كون أفكارهم بلغت من العمق أو من الجرأة بحيث أن المجتمع الإسلامي لم يستطع أن يتقبلها أو يقبلها منهم وعرضهم لما تعرضوا له فالخطاب الصوفي هو أكثر جرأة أكثر جرأة حتى على العقيدة وعلى الفقه من حيث فهم الناس لهما عموم الناس لهما يعني أكثر جرأة فلماذا يعني لم يحاصروا كما.. بل كان تأثيرهم قوي جداً لماذا لأنهم استطاعوا أن يستثمروا اللغة العربية استثماراً بليغاً ويوظفوا كل إمكانات التعبير الموجودة في اللغة العربية لينفضوا إلى بلاط المترقي فلذلك هذه نقطة في غاية الأهمية.

[فاصل إعلاني]

مالك التريكي: كي نصل وصلاً واضحاً بين مقتضى الإبداع عندك فكرياً وحضارياً بصفة عامة ومقتضى الإتقان في الترجمة من الناحية الجمالية أنت ترى أن من أسباب ضعف الفلسفة العربية قديماً وحديثاً ضعف الترجمة ولذلك في نظريتك ولكن نظرية متكاملة في الترجمة تحصر كل تاريخ الترجمة العربية للفلسفة في المستوى ما تسميه بالترجمة التحصيلية.

طه عبد الرحمن: هو الترجمة التحصيلية أقصد بها بالطبع هو مسايرة النص حرفاً بالحرف يعني ولو بعدم فهم النص لا ننسى أن المترجمين لم يكونوا عرب ولم يكونوا حتى مسلمين بل كانوا على ملل أخرى بل كانوا لا يحسنون اللغة العربية ولا يتقنون اللغة العربية إتقاناً كاملاً إلا بعض البعض منهم بمعنى يعني مفروض أن الترجمة لما تقدم إلى الآخر يراعى مقتضاه العقدي ومقتضاه اللغوي ومقتضاه الفكري حتى يستوعب النص أو على الأقل تفتح السبل لفهم هذا النص، فهؤلاء كانوا يغلقون هذه السبل ويخرجون الترجمات التي هي تحاذي النص حرفاً بحرف وكان المضمون في النهاية مضموناً لا يفهم ومستغرق كلياً وكانت النتيجة أن المتلقي يقع له نفور وإحجام عن هذه النصوص بل يستصعب النص لدرجة أنه إما يتخلى عنه تخلياً كاملاً أو ينسب إلى الفلسفة ما نسب إليها من بعض الصفات التي أضرت بها وأعطي مثالاً على ذلك تصوروا أن كتاب الميتافيزيقا..

مالك التريكي: لأرسطو؟

طه عبد الرحمن: لأرسطو وضمن لأرسطو أن ابن سينا قرأه أربعين مرة لكي يفهمه والصعوبة لم تكن في فكر أرسطو الذي تجاوز العقول حتى يمكن بل كان في العبارة التي تجاوزت جميع قوانين الجمالية للغة العربية فكان لا يفهم النص ولذلك اضطر ابن سينا أن يكرر وقال تصدق تصور محبة الحكمة لأي درجة أنه تصدق لما فهم الكتاب وكذا على كل المهم هو أن هناك فيلسوف حقيقة حاول أن يرفع هذه الرقاقة عن العبارة الفلسفية ويعيد صياغة المترجمات بلغتين تجتنب إلى حد ما قلق العبارة وسماها شروح وهذا هو ابن رشد فابن رشد يعني إلى حد ما شروحه وأنا قلت هذا لا اعتبرها شروح بقدر ما اعتبرها إعادة ترجمة ولو أنه لا يترجم من النص الأصلي لأنه لم يكن يعرف اليونانية ولا السريانية وإنما كان يعيد صياغة الترجمات صياغة قد يقبلها التعبير العربي..

مالك التريكي: يُعرِّبها..

طه عبد الرحمن: يعربها إلى حد ما فهذه قد نجح..

مالك التريكي: بلوغا إلى مستوى الترجمة التوصيلية لأن نظريتك طبعا ثلاثية تقوم على الترجمة التحصيلية وهي الدرجة الصفر في الترجمة لا يرضى بها ترجمة حتى في النصوص البسيطة القانونية والصحافية والترجمة التوصيلية التي تنقل المعاني ثم الترجمة التأصيلية التي سيأتي الكلام عليها بعد..

الترجمة التأصيلية والموقف من ابن رشد

طه عبد الرحمن: هو في الترجمة حقيقة وصدقت تماما على أنه قصد أن يحقق ترجمة توصيلية يعني يبلغ المضمون كله بدون تصرف إلا التصرف في بعض الألفاظ أن المضمون كان يقدس تقديسا كاملا يسعى سعي كامل أن ينقل هذا المضمون بحذافيره وهذا النقل قد نقول فيما نقول ولكن يبقى أنه ارتقى مرتبة أعلى من المرتبة الأولى ولكن مع ذلك لشدة تمسكه بهذا المضمون وحرصه على أدائه كما لو كان وحي جعل منه مقلد ليس فوقه مقلد..

مالك التريكي: دكتور هنا استوقفك لأن الأمر يحتاج توضيح، الشائع بين أغلب المفكرين العرب جلهم إن لم يكن كل المفكرين العرب أن بظروف المبدع وأكثر المفكرين العرب يعتبرون أنفسهم رشديين فأنت تقول قول غير مسبوق نوعا ما فلابد من التوضيح ابن رشد بالنسبة لك مقلد طبعا أنت هنا لا تتحدث عن الترجمة فقط لا تتحدث عن مسألة الترجمة تتحدث..

طه عبد الرحمن: المضمون هو عرض الخروج من التقليد الحرفي للنص ولكن وقع في التقليد المضموني للأصل..

مالك التريكي: بسبب إجلاله البالغ لأرسطو..

طه عبد الرحمن: هذا بالضبط فحقيقة يعني أنا..

مالك التريكي: وأنت لست رشديا..

طه عبد الرحمن: أنا بالنسبة للكتاب والمؤلفين شاب في هذا الموقف..

مالك التريكي: لأنك لست رشديا..

طه عبد الرحمن: وتحملت من الأذى الكثير في هذا الأمر واُتهمت بما اتهمت ولكن لدي أدلة قوية على ذلك أدلة قوية وقناعة بأن الرجل أقدِّر فيه قدرته العقلية أنه استطاع أن يتمثل نصوص أجنبية ونصوص أرسطو تمثل ربما لم يسبقه غيره إليه ولكن يبقى مع ذلك وأنا قارنت نصوص لابن رشد مع النص اليوناني ووجدت فيه أخطاء فهم كثيرة جدا وأنا على يقين على أن الباحثين الذين يقدسون ابن رشد متيقن منهم ما دام لم يعرفوا اليونانية ويقارنوا شروح ابن رشد بالنص اليوناني سوف لن يتبينوا تلك الأخطاء فلابد من تعلم اليونانية لفهم مدى وفاء ابن رشد بالنص اليوناني ولكن يبقى أنه أوفى من غيره في هذه بقية بالنسبة لابن رشد مقلد بل حتى في كتبه التي يعتبرونها مبدعا فيها فهو عنده كتاب..

مالك التريكي: التهافت.. التهافت..

"
ابن رشد هو فيلسوف غربي بلسان عربي قدم الفلسفة الغربية الأرسطية للعالم الغربي صافية مخلصة من كل شائبة إسلامية، بمعنى نقاها تنقية كاملة من كل الإضافات والتحويلات التي قام بها فلاسفة الإسلام
"

طه عبد الرحمن: التهافت.. التهافت فماذا يفعل في الكتاب هذا يدافع عن التقليد ضد الفلاسفة هو والغزالي يعني لابد أن تأخذوا بأرسطو، أرسطو التقليد المضمون لابد أن تأخذوا بأرسطو بالنسبة كتابه كشف الأدلة يدافع عن التقليد إزاء المتكلمين وكتابه يفسر ما قاله ويدافع عن التقليد إزاء الفقهاء فالرجل أشبع تقليد لأرسطو حتى قال أحدهم لو كان أرسطو الإنسان قائم وقاعد في نفس الوقت لقال بابن رشد يعني بمعنى آخر لو خرج أرسطو عن مبدأ التناقض لتبعه ابن رشد في ذلك فمن هذه الناحية فأنا شخصيا أقول بأن ابن رشد هو فيلسوف غربي بلسان عربي قدم الفلسفة الغربية الأرسطية قدمها للعالم الغربي صافية مخلصة من كل شائبة إسلامية، يعني نقاها تنقية كاملة من كل الإضافات والتحويلات التي قام بها فلاسفة الإسلام الذين سبقوه حتى يخرج يعني وجد الغرب في ابن رشد أنه قام بالمهمة التي كانوا يريدون أن يقوم بها..

مالك التريكي: في القرون الوسطى..

طه عبد الرحمن: في القرون الوسطى..

مالك التريكي: عندما كانوا يحتاجون لعلم أرسطو..

طه عبد الرحمن: أن يفصل الفلسفة عن التراث الإسلامي وتأثير التراث الإسلامي..

مالك التريكي: لكن ربما أيضا دكتور لكي تكون الصورة أوسع ربما أيضا لأنه زمنيا أتى في طبعا هو توفي في أخر القرن الثاني عشر 1198 لذلك احتفل قبل سنوات بالمئوية الثامنة لوفاته أتى في القرون الوسطى عندما بدأت حركة النهضة الأوروبية وكانت تحتاج إلى من يصلها بأرسطو لم يكن لهم تراث أرسطو لم يكن متوفر لديهم..

طه عبد الرحمن: بالضبط وهو أحسن وصلهم بأرسطو لأنه فصل كل تأثير إسلامي بل كان يعتبر كل تأثير إسلامي دخل على الفلسفة بمثابة سفسطة كان يسمى أحيانا المتكلمين السفسطائيين.

مالك التريكي: بينما يفترض بادئة أن كونه فقيها ربما كان يساعده على أن يكون مبدعا في الفلسفة من وجه الفقه ومبدعا في الفقه ربما من وجه الفلسفة وهذا قد أتى به مثلا الشاطبي في..

طه عبد الرحمن: لا هو كان فيلسوفا فقيها ولا فقيها فالفيلسوف يعني بمعنى لم يستثمر فقهه في إنشاء فلسفة ولم يستثمر الفلسفة في باب الفقه إلا في بعض الأخلاق الأرسطية ذكرها في بداية المجتهد وهي بالأفلاطونية والأرسطية الفضائل الأربع مذكورة هناك هي التي تظهر بعض الأخذ من الفلسفة فأنا شخصيا من هذه الناحية أنا أعقب أنا موقفي..

مالك التريكي: إذاً موقفك دكتور.. أنا أسأل وألح أيضا في السؤال للتوضيح إذاً موقفك ليس مجرد رد فعل على التصنيف الشهير الذي قام به أرنست وهو من أشهر من كتب.. راح سأقول الذين ينظمون الدعاية نوعا ما لابن رشد على أساس أنه ربما الاستثناء الوحيد في الحضارة العربية الإسلامية التي كان يسميها بعقلية سامية بليدة وغير قادرة على التجريد ابن رشد هو الوحيد ليس رد فعل على هذا التصنيف؟

طه عبد الرحمن: لا أبدا لا علاقة لي بأرنست ولم أنا انطلقت انطلاقة أصلا في القراءة انطلاقة لغوية منطقية لا تاريخية أبدا بل كنت أحلل نصوص ابن رشد وأقارن أعطيك مثال مثلا نأخذ مثال له مقالة من مقالات أرسطو يأخذ لنا مثلا المبدأ وهي تعرض جملة من مفاهيم المصطلحات المبدأ اسمه باليونانية أركيه فيعطينا اللفظ العربي مبدأ ويسند له كل المعاني الموجود للفظ أركيه في اليونانية مثل من هذه المعاني مثلا حكومة هل معنى اللفظ مبدأ يعني حكومة في اللغة العربية فهذا يدل على أن الرجل كان يريد أن يحفظ كل ما جاء به.. ثم هناك نقطة أخيرة هي التي تجعلني أيضا أقف يعني لست رشديا هو أنه أول من أحدث العلمانية المعرفية أقول العلمانية المعرفية فصل بين الخطاب الإسلامي بصفة عامة معرفي ولا غير معرفي وبين الخطاب الفلسفي فهو أول من حقق هذا الفصل واستفاد منه اللاتين أوروبا آنذاك لتمرير مواقفهم ولفرض رؤاهم على السلطات.

مالك التريكي: إذاً رأيك في ابن رشد يندرج في إطار فلسفي معرفي ومنطقي بحكم ممارستك للمنطق والفلسفة ويندرج في إطار نظريتك النظرية المتكاملة للترجمة التي تنقسم إلى ثلاثة مستويات لأنه لم يصل إلى مستوى الترجمة التي تنادي بها وترى أنها الوحيدة الترجمة المبدعة وهي الترجمة التأصيلية ولك مثال شهير أصبحت معروفا به وهذا مشهور لك ترجمة شهيرة جدا يعني مثال من أمثلة هذه الترجمة التي تسميها التأصيلية للترجمة الإبداعية الكوجيتو الشهير أنا أفكر فأنا موجود أنت تترجمه أنظر تجد أود منك التوضيح السبب لأنك اشتهرت بهذه الترجمة، توضيح أسباب اتخاذك هذه الترجمة خاصة أن نظريتك في الترجمة تندرج في إطار غاية أوسع وأبعد وهي ما تسميه بإقدار العربي على التفلسف يعني إكساب الشخص العربي المواطن العربي القدرة على أن يتصرف في النص الفلسفي؟

طه عبد الرحمن: أولا الترجمة لم آت ووضعتها دفعة واحدة بل كتبت ما يقرب من ثمانين صفحة لتبرير اختياري لهذا المفهوم ولماذا اخترت لهذه الترجمة لماذا اخترت لفظا نظر ولفظ بدل فكَّر ولماذا اخترت مفهوم الوجود بالوجود بهذا المعنى ولماذا استعملت صيغة الخطاب ولما استعملت صيغة المتكلم فمثلا لو قلت الترجمة أولا بدأت بنقد الترجمة المعروفة أنا..

مالك التريكي: أفكر..

طه عبد الرحمن: أنا أفكر فإذاً أنا موجود وبينت بأن ما نستنتجه منطقيا من التعبير العربي من لوازم ونتائج لا نجده على مستوى الأصل أجنبي فمثلا أنا أفكر هنا تركز أنت على الذات في اللغة العربية بينما في الأصل اللاتيني أو الأصل الفرنسي التركيز فقط على التفكير وليس على الذات لأن الذات ستثبت في النتيجة لأن ما يريد أن يقول، يقول ديكارت هناك تفكير يوصل إلى ذات تفكر في حين الترجمة العربية تضع الذات في الأول تسلم يعني تصادر على المطلوب فهناك أخطاء كثيرة جدا على مستوى هذا التركيب وبالتالي نحتاج إلى فأنا وضعت فأنظر تجد أنا توصلت إليها بمقتضيات وقواعد وضعتها طويلة جدا ولا يمكنني في هذه الدقائق أن استعرضها ولكن مما سرني غاية السرور أني بعد ذلك بعد إصدار الترجمة وبعد ظهور كتابي جاءني شخص يهرول إلي ويقدم لي كتابا فيه قصائد شعرية ويذكر لي بيتا فيه العبارة بعينها يا تائها في مهمها وهي صحراء عن سره أنظر تجد الأجود فيك.. أنظر تجد فيك الوجود بآسره.. أنظر تجد فيك الوجود بآسره فسرني هذا..

مالك التريكي: هذا بيت قديم..

طه عبد الرحمن: قديم جدا..

مالك التريكي: صوفي..

طه عبد الرحمن: قد يكون صوفيا فأنا فوجئت يعني هذا يدل على أني أصبت في اختيار عبارة التي أولا لها أصل تداولي بدليل اشتراكي مع الأخر وأصبت أيضا من حيث أنه من الممكن أن تبدع من خلالها لأن العبارة ما دفع على أن أراد إثبات الذات وأراد إثبات الله وإثبات العالم فإذا قلنا أنظر تجد فيمكن تقول أنظر تجد نفسك وأنظر تجد الله وأنظر تجد العالم يعني بمعنى عبارة يعني نستطيع أن نستنتج منها كل أدلة ديكارت الثلاثة المعروفة.