كيف يدبّر المعتصمون في الجامعات الأميركية احتياجاتهم؟

طاولة الطعام في كلية مدينة نيويورك (الجزيرة)
تتولى لجنة اللوجستيات والطعام مسؤولية توزيع الاحتياجات في أماكنها الملائمة (الجزيرة)

نيويورك- بمجرد دخول مكان الاعتصام في كلية مدينة نيويورك يمكن ملاحظة طاولات مصطفة بجوار بعضها، ممتلئة بأصناف من الأطعمة والمشروبات، كالطعام الصيني، والباكستاني، والعربي، والحلويات، والمشروبات الباردة والساخنة، ويتشابه هذا المشهد مع خدمات منظمة لحراك الطلاب في جامعة كولومبيا، وغيرها من الجامعات الأخرى.

وإزاء ذلك، يتبادر إلى الأذهان سؤال: مَن يأتي بكل هذه الأصناف؟ وكيف يُدار هذا المكان؟ وهو التساؤل الذي دفع مغردين ووسائل إعلام للتشكيك في نزاهة الاعتصامات، وتساءلوا عمن يمول ويدعم هذه الاحتجاجات، في تلميح لتدخل جهات خارجية.

لذا، تحدثت الجزيرة نت مع مجموعة من المنظمين لهذه الاعتصامات عن كيفية إدارتها وتدبير احتياجات المعتصمين.

قوة المجتمع

"هذا الاعتصام يديره المجتمع"، هكذا علّق عبد الرحمن حسين، وقال "إذا كنا بحاجة إلى شيء، فإننا نعلن عن احتياجاتنا على حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد أفراد المجتمع يُسارعون بتلبيتها"، مؤكدا أن هذا الأمر يشمل الأغطية والخيم، والطعام، وحتى الأدوية، وغيرها من الاحتياجات الأساسية.

ويضيف عبد الرحمن، مصور جاء متطوعا من واشنطن إلى نيويورك لمشاركة أصدقائه مكان الاعتصام، للجزيرة نت، أن "كثيرا من العائلات المحيطة بمكان الاعتصام تساهم بانتظام في تلبية ما نحتاج إليه".

ويوضح أن المعتصمين أنفسهم يساهمون بالمال، كما يجلب المتطوعون القائمون على أمور التنظيم بقية الاحتياجات بمجرد إبلاغهم عنها، فالمجتمع هو الركيزة الأساسية لدعم الاعتصام.

ويتشابه الحال مع جامعة كولومبيا، لكنها تحديدا تخضع لتضييق أمني على بواباتها من قِبل شرطة نيويورك، لذا فإن الطلبة والأساتذة فقط هم المخولون بالدخول للجامعة، ويتكفل بتوفير متطلبات الاعتصام مَن يستطيع الدخول للجامعة حصرا.

ويؤكد رايان شافون، أستاذ في كلية نيويورك، أن الروح التي يجدها في مكان الاعتصام تدلل على أن هذا المجتمع قادر على إدارة نفسه واتخاذ القرارات الأفضل، ويقول للجزيرة نت إنه فخور بأن يكون عدد من هم في أعمار طلبته يملكون زمام القرارات، وأنه سعيد بتبعيته لإدارتهم وتنظيمهم.

وتشدد الاجتماعات العامة في مخيمات الاعتصام على أن تكون الروح السائدة في المكان هي روح التعاون وليست عقلية الإلزام، فالجميع أتى لمكان الاعتصام طواعية ورغبة منهم في تحقيق الأهداف، التي يسعى المعتصمون للوصول إليها.

ويقول سايد ميوليك، أميركي من أصول بوسنية، للجزيرة نت، أن هذا الاعتصام يجمع أفرادا من مختلف الإثنيات والأديان والطبقات الاجتماعية والاقتصادية، للوصول إلى أهداف الاعتصام بوقف حرب الإبادة الجماعية على غزة، ولهذا فإن الجميع يتضامنون فيما بينهم.

اللجان الاختصاصية

في رأي سارة عبد العزيز، واحدة من القائمين على تنظيم الاعتصام في كلية مدينة نيويورك، أن التحدي الأساسي الذي يواجه أي عمل تطوعي منظم لا يقتصر على جلب الاحتياجات، بل في كيفية إدارتها وتقسيمها بما يتلاءم واحتياجات المكان.

وتقول إن إحدى السمات الرئيسية للعمل الطلابي الجامعي هي اللجان الاختصاصية التي توزع الأدوار وفق التخصص، ويكون لكل لجنة دور منوط بها، وتتكون من قائد فريق ومجموعة من المتطوعين الذين تحدد لهم المهام بصيغة واضحة.

فإحدى اللجان الأساسية المتواجدة في كافة الاعتصامات تقريبا هي لجنة المفاوضات، والمنوط بها التواصل مع إدارة الجامعة لتحقيق الأهداف المرجوة من الاعتصام، ففي كلية مدينة نيويورك، يقود فريق من المتطوعين مسار النقاش والتفاوض مع إدارة الجامعة لتحقيق مطالبهم.

أما لجنة اللوجستيات والطعام، فتحرص على توزيع التدفق المستمر للاحتياجات في أماكنها الملائمة، كتخزين الفواكه والخضراوات، ووضع الأطعمة التي تحتاج لأماكن باردة في أماكن مخصصة لها، وتحرص على توفير المشروبات الباردة والساخنة وتوزيعها بطريقة منظمة تلائم احتياجات الزائرين والقاطنين.

أما الأطعمة التي قد تقارب على الفساد، فترسلها اللجنة لجهة اعتصام أخرى بإحدى الجامعات في المدينة ممن يحتاجون لدعم إضافي.

ويوضح شريف، أحد المنظمين للاعتصام في جامعة كولومبيا، أن هذه اللجنة تعمل على مدار اليوم لتلبية كافة احتياجات الطلبة.

كما أن هناك لجنة الأمن والحماية، التي تحوي متطوعين يحرصون على سلامة المكان، وإبقاء مجموعة مستيقظة حين نوم المعتصمين، بالإضافة لتوعية الطلبة بالسلوكيات التي يجب عليهم القيام بها في حال حدوث فض للاعتصام، أو حضور الشرطة للمكان.

وتقوم أستاذة في كلية نيوريوك، تحدثت للجزيرة نت ولم ترغب الإفصاح عن اسمها، بإعطاء دورة تخصصية بهذا المجال للمنضمين الجدد للاعتصام.

وتعنى هذه اللجنة أيضا بتنسيق العمل الإعلامي، والرد على وسائل الإعلام، كما يقول الناشط مايكل، أحد المسؤولين عن تنظيم عملية التواصل مع وسائل الإعلام، للجزيرة نت، إن بعض الوسائل المعادية للتظاهرات المؤيدة لحق الفلسطينيين تسعى لالتقاط الأشخاص غير المدربين، لذا يحرص المنظمون على أن يقود الرد على هذه الوسائل أشخاص مدربون ومؤهلون.

ويضيف مايكل أن الطلبة باتوا واعين بالأجندة التي تحاول تشويه سمعتهم، ويردون على الادعاءات التي تحاول ربطهم بأجندات خارجية، أو تصورهم كمعادين للسامية.

كما تتواجد لجنة المستلزمات الطبية والصحية، ويقول رايان شافون، إنه يأتي متطوعا مع الطلبة في خيمة المستلزمات نظرا لتخصصه، حيث تتوفر فيها احتياجات العناية الطبية والشخصية، بدءا من مسكنات الألم، ووصولا لمعدات النظافة مثل مزيل العرق ومعجون الأسنان، ومستلزمات التعامل مع الدورة الشهرية للنساء.

وتدير هذه الخيمة مجموعة من المتطوعين، الذين يتناوبون وفق أوقات محددة ومهام واضحة لكل متطوع، لتكون عملية التسليم والاستلام واضحة للجميع دون ارتباك، كما أن غالبية المتطوعين في هذه اللجنة هم من العاملين في مجال الصحة، حسب ما توضح سارة عبد العزيز.

وإضافة لكل ذلك، ثمة لجنة لتنظيم برنامج اليوم، تتولى مهمة استقبال المتحدثين، وفتح باب المشاركات للزائرين والمعتصمين في المخيم، وتنظيم إقامة الصلاة في أوقاتها.

طلاب يحمون المصلين أثناء أداء صلاة الظهر في الحرم الجامعي
طلاب يحمون المصلين أثناء أداء صلاة الظهر في الحرم الجامعي (الجزيرة)

أهمية التنظيم

ويضيف الطالب شريف، للجزيرة نت، أن التنظيم هو العامل الأساس في إنجاح كل هذه المُدخلات، فهناك توجيهات مثلا بأن لا يحتك المعتصمون بالمظاهرات المضادة لهم، وألا ينساقوا وراء الاستفزازات التي تلاحقهم.

وتستدعي التحديات المتصاعدة، والمدخلات الكثيرة التي يمكن أن تغير المشهد، سواء التهديدات التي تصل الطلبة بقرب اقتحام مكان المخيم، أو القرارات التي تتخذها إدارة الجامعة تجاههم، وعيا وقدرا من المسؤولية وتنظيما عاليا، وهو ما يمكن ملاحظته في مختلف الجامعات، التي أفرزت قيادات طلابية قادرة على إدارة الاعتصامات.

وتؤكد سارة، للجزيرة نت، أنه بسبب كل تلك العوامل، يتم تنظيم اجتماع يومي، وفيه يتم عرض المستجدات، وتُحدد عضوية كل لجنة، ويوزع فيه الأفراد بوضوح لتبعية قائد كل لجنة، وهؤلاء القادة هم من يحددون المهام للمتطوعين، ويستقبلون المتطوعين الجدد.

كل هذا التنظيم يجعل مكان الاعتصام مكانا حيا وقادرا على التعامل مع المتغيرات المختلفة، في سبيل ما يعتبرونه الطلبة طريقا لتحقيق أهدافهم، وهي وقف حرب الإبادة على غزة، وأن تسحب الجامعة استثماراتها في الشركات العسكرية الإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة

إعلان