الجزيرة نت ترصد أوضاعه.. هكذا يبدو المستشفى الإندونيسي بغزة تحت القصف
غزة- من داخل غرفة الأشعة بالمستشفى الإندونيسي، المركز الطبي الأكبر في محافظة شمال غزة، الذي يخدم قرابة 400 ألف نسمة، يأمل المسن أبو أحمد أبو زايدة أن يسعفه الوقت لإجراء عملية جراحية لتثبيت بعض كسور جسده الهزيل التي حلت به بسبب القصف الإسرائيلي.
ويقول أحمد أبو زايدة، للجزيرة نت، إن والده أصيب بقصف مباشر على منزله وسط مخيم جباليا، وهو بحاجة إلى عملية جراحية، لكن الأطباء أخبروه أن دوره سيتأخر قليلا لوجود حالات أكثر أولوية منه.
وهنا، يترقب نزلاء المستشفى -من المرضى وجرحى العدوان الإسرائيلي- بقلق ووجل كبيرين مصيرهم المجهول في ظل انقطاع الكهرباء والإنذارات المتكررة بتوقف عمله بسبب زيادة الأحمال على المولدات التي تعمل على الوقود الشحيح أصلا.
ظروف استثنائية
ويضيف أبو زايدة "نقدّر الظروف الاستثنائية التي تمر بها الأطقم الطبية، لكنّي أرجو أن يأتي دورنا في إجراء العملية قبل أن تحل الكارثة ويتوقف عمل المستشفى".
ويصطف عشرات المرضى والجرحى للتداوي في ممرات المستشفى الإندونيسي، ممن لم يجدوا مكانا لهم إثر تكدس الحالات داخل الأقسام وحيث الأولوية للأخطر فالأقل خطورة.
وتجوّلت الجزيرة نت داخل أقسام المستشفى لتسليط الضوء على أوضاعه الكارثية مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للأسبوع الثالث على التوالي.
وبين جنبات المستشفى، الذي يستقبل الشهداء والمصابين على مدار الساعة، يتهدد خطر الموت 184 مريضا بالفشل الكلوي يُجرون عمليات غسيل الكلى طيلة الأسبوع.
خطر الوفاة
وينذر انقطاع التيار الكهربائي بتوقف كامل لعمليات غسيل الكلى، مما يتهدد حياة هؤلاء المرضى بخطر الوفاة الحتمية، حسبما يقول مدير المستشفى الإندونيسي عاطف الكحلوت، للجزيرة نت.
وما يضاعف الأعباء على كاهل إدارة المستشفى لجوء مئات الأسر النازحة إليه لتحتمي به من جحيم القصف الإسرائيلي الشديد الذي تتعرض له مدينة غزة ومحافظة الشمال التي لها النصيب الأكبر منه.
من ناحيته، يقول النازح محمود عودة -للجزيرة نت- إنه لجأ وعائلته للمستشفى هربا من القصف الإسرائيلي على مدينة بيت حانون التي غادرها خلال الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي.
وأضاف أنهم يعيشون أوضاعا مأساوية بفعل شح المياه والغذاء، لأن المستشفى غير مهيأ أساسا لإقامة أُسَر بداخله. وعبّر عن أمله في انتهاء الحرب قريبا ووضع حد لهذه المعاناة.
شح كبير بالمياه
أما عن وضع المياه داخل المستشفى، فليس بأفضل حال من خارجه، إذ يصطف الأطفال والشبان في طوابير طويلة أملا في تعبئة عبوات صغيرة لعلها تسد رمقهم في ظل الشح الكبير، مما يدفعهم إلى شرب مياه غير صالحة.
وتوقفت غالبية محطات تحلية المياه في غزة عن العمل منذ الأيام الأولى للحرب، إما بسبب القصف الإسرائيلي بجوارها أو لانعدام الوقود اللازم لتشغيلها، وينتظر السكان أياما طويلة كي يحصلوا على عبوة مياه من هنا أو هناك.
وتعجّ ثلاجة الموتى التابعة للمستشفى الإندونيسي بجثامين الشهداء التي تصل تباعا من كل مكان، ويسابق الموظفون والمتطوعون فيها الزمن لتكفين ما بين أيديهم من جثامين، ليتفرغوا لمن هو آت.
وإلى جانب ثلاجة الموتى، تُرص جثامين الشهداء بانتظار أحبابهم لتشييعها إلى المقابر. ويتكرر المشهد ذاته، فلا مساحة لقبور جديدة، والحل بدفن مزدوج لأكثر من شهيد في قبر واحد.
مشهد مكرر
وفي أثناء وجودنا داخل المستشفى، ضجت الأرجاء بأصوات البكاء والنحيب حين فُجعت فتيات آل "أبو الجبين" بجثامين 3 من أقربائهن مسجية على الأرض بعد أن قضوا في قصف إسرائيلي على منزلهم بحي الفاخورة غربي مخيم جباليا، وبات هذا مشهدا مكررا طوال ليل غزة ونهارها وفي جميع أنحائها بلا استثناء.
ومع إعلان وزارة الصحة في القطاع انهيار المنظومة الصحية بالكامل، انقطع التيار الكهربائي عن المستشفى الإندونيسي تماما نتيجة ضغط الأحمال على المولدات التي استعانت بها الإدارة لتعويض إمدادات الكهرباء المقطوعة عن غزة كلها من قبل جيش الاحتلال.
ويوضح الكحلوت أن هذا الوضع الاستثنائي دفع إدارة المستشفى إلى إعادة توزيع الأحمال على الأقسام وإلى المفاضلة في توصيل الكهرباء في ما بينها بما يضمن استمرار العمل في الأكثر حاجة منها، وهي العمليات الجراحية والعناية المركزة.
وأضاف أن الطاقة الاستيعابية القصوى في الأوضاع الطبيعية للمستشفى هي 140 سريرا، مما اضطرهم إلى مضاعفة هذا العدد إلى ما يزيد على 200 سرير لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الإصابات.
أعباء
وتابع أن "هذا العدد قابل للارتفاع في أي وقت، مما يزيد من أعباء المنظومة الطبية، وينعكس سلبا على نوعية وحجم الخدمة التي نقدمها للجرحى والمرضى، في ظل نقص الكوادر بسبب تهجير عوائلهم جراء الاستهداف الواسع من الاحتلال".
وأكد الكحلوت أنه منذ بدء العدوان تعيش الكوادر الطبية حالة استنزاف شديدة بفعل حجم الاستهداف الهائل وغير المسبوق، وأن الكثير منهم لم يغادروا إلى منازلهم ولم يروا ذويهم الذين يقبع كثير منهم في مراكز الإيواء، مما يحملهم عبئا نفسيا إضافيا.
وكانت وزارة الصحة في غزة أعلنت قبل أيام خروج 7 مستشفيات و21 مركز رعاية صحية أولية عن الخدمة بسبب القصف والحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل على القطاع.
ويعاني المستشفى الإندونيسي أوضاعا صحية متفاقمة بفعل نقص المستلزمات والمعدات الطبية نظرا لأعداد الجرحى والشهداء الكبيرة التي يستقبلها.
مهمة إنسانية
وحول النقص الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية، قال مدير المستشفى "كنا نتحدث قبل العدوان الحالي عن أن قرابة 40% من الأدوية رصيدها صفر نتيجة الحصار، والآن وصلنا إلى نسبة عجز تناهز 95% في أصناف مستلزمات العمليات الجراحية والعناية المكثفة".
وكان المستشفى قد تعرض في اليوم الأول للعدوان لقصف إسرائيلي استهدف مركبة بداخله، مما أسفر عن استشهاد اثنين من العاملين فيه، حسب الكحلوت الذي طلب جيش الاحتلال منه -في اتصال هاتفي- إخلاء المستشفى، كحال مستشفيات عديدة في غزة.
وأكد الكحلوت أن فكرة الإخلاء هي "ضرب من الجنون"، وأنهم لن يتخلوا عن مهمتهم الإنسانية في مداواة أبناء شعبهم مهما حدث.
وحول إمكانية إرفاد المستشفى بالعون من مستشفيات أخرى، قال إن المستشفيات الأخرى ليست بأفضل حال من "الإندونيسي". وقال إنها "تعاني مما نعاني منه من نقص المعدات والكوادر، والإسناد بينها منعدم حاليا نظرا لاتساع رقعة القصف الإسرائيلي في جميع أماكن القطاع بلا استثناء".