أزمة لم تشهدها البلاد منذ نصف قرن.. هل تنقذ ليز تراس بريطانيا من البرد والفقر؟

استفادت ليز تراس من الحرب بأوكرانيا في الترويج لصورتها كخليفة لمارغريت تاتشر، عندما ظهرت فوق دبابة لجيش بلادها، لتحاكي صورة رئيسة الوزراء السابقة التي عُرفت بـ"المرأة الحديدية".

Conservatives Announce New Party Leader
ليز تراس رئيسة وزراء بريطانيا خلفا لبوريس جونسون (غيتي)

لندن- لا وقت للراحة أمام رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس التي اختارها أعضاء حزب المحافظين لخلافة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في زعامة الحزب الحاكم، تمهيدا لتولي رئاسة الحكومة.

وفي انتظار استقبال الملكة إليزابيث الثانية لها رسميا، بدأت المطالب تتقاطر على تراس لوضع خطة طوارئ تواجه غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الطاقة.

وتدخل ليز تراس مقر رئاسة الوزراء "داونينغ ستريت 10" في لندن، لتجد على طاولتها عددا من الملفات الحارقة التي تحتاج إلى حلول عاجلة لإنقاذ المواطنين واقتصاد البلاد من أزمة لم تشهد بريطانيا مثيلا لها منذ نصف قرن.

Candidates Rishi Sunak and Liz Truss take part in the BBC Conservative party leadership debate at Victoria Hall in Hanley, Stoke-on-Trent, Britain July 25, 2022. Jeff Overs/BBC/Handout via REUTERS NO RESALES. NO ARCHIVES. MANDATORY CREDIT. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. NOTE TO EDITORS: Not for use more than 21 days after issue. You may use this picture without charge only for the purpose of publicising or reporting on current BBC p
تراس تفوقت على منافسها ريشي سوناك في زعامة حزب المحافظين (رويترز)

منافسة لمصلحتها

ورغم أن تراس، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية، لم تكن ضمن المرشحين المفضلين لخلافة بوريس جونسون عند بداية السباق نحو رئاسة الوزراء، فإنها نجحت في حشد دعم كبير بين قواعد حزب المحافظين خصوصا عندما انحصرت المنافسة بينها وبين وزير الخزانة السابق ريشي سوناك، وبدا هذا واضحا من نتائج انتخابها زعيمة لحزب المحافظين بنسبة 57% من الأصوات.

ومن الصعب ربط هذه النتيجة الكبيرة بالبرنامج الانتخابي لتراس لوحده. فبمقارنته ببرنامج ريشي سوناك، يعدّ سوناك أكثر فعالية وواقعية. وتدخلت عوامل أخرى في اختيار تراس، من بينها أن قواعد حزب المحافظين -كما يبدو- غير مستعدة لانتخاب زعيم من أصول هندية، ليكون أول رئيس وزراء ملوّن ومن أصول أجنبية يقود بريطانيا.

وسيكون على تراس أن تفرج عن الإجراءات التي وعدت بها لإنقاذ الملايين من البريطانيين من شبح الفقر، في الأيام المقبلة، والتعامل مع ملفات معقدة ستحدد مصير البلاد.

أزمة الطاقة

تعيش بريطانيا على وقع ارتفاع مستمر وصاروخي لأسعار الغاز والكهرباء، ومن المتوقع أن تبلغ فاتورة الطاقة السنوية أكثر من 4500 دولار، وذلك سيجعل أكثر من 8.5 ملايين أسرة بريطانية مهددة "بالفقر الطاقي" بحلول شهر يناير/كانون الثاني المقبل.

ومن المنتظر أن تعلن تراس عن عدد من الإجراءات لمواجهة هذه الأزمة، وفي مقدمتها تجميد الزيادة المستمرة في سقف أسعار الغاز التي ترتفع كل 3 أشهر، ومن شأن هذا الإجراء أن يلجم جماح الأسعار التي ارتفعت بنسبة 90% مقارنة بالعام الماضي.

وهذه الخطوة ستكلف خزينة الدول عشرات المليارات من الدولارات، وحتى الآن من غير المعروف كيف ستوفرها حكومة تراس المقبلة، إلا أنها الخيار الوحيد المتاح لمواجهة أزمة الطاقة.

حملة في بريطانيا لرفض دفع فواتير الطاقة عنوانها "لا تدفع" احتجاجا على الرفع المستمر لأسعارها (مواقع التواصل)

غلاء المعيشة

تواجه بريطانيا أكبر موجة تضخم منذ أكثر من 40 سنة، ومن المتوقع أن يتجاوز معدل التضخم 15% بحلول بداية العام المقبل، مع دخول اقتصاد البلاد في حالة ركود قد تمتد إلى نهاية سنة 2023.

ووضعت تراس خطة تقوم على خفض الاقتطاعات الضريبية من أجور الموظفين لمصلحة الخدمات الصحية، وتعليق "الضريبة الخضراء" وهي جزء من فاتورة الطاقة التي تدفع للمشاريع الاجتماعية والخضراء، والمساعدة على الاستدانة.

وقد تساعد هذه الإجراءات المواطنين على مواجهة غلاء المعيشة على المدى القصير، إلا أن خبراء الاقتصاد يحذرون من ضرب مداخيل الدولة الضريبية والتأثير على نمو الاقتصاد، والدخول في حالة ركود مزمن قد تمتد أكثر من سنة.

وتعلم ليز تراس أن الخريف والشتاء القادمين سيكونان الأصعب على حكومتها، قبل أن تبدأ الأمور في التحسن، إلا أن هذا الرهان مرتبط بأمرين؛ التحكم في معدل التضخم وتراجع أسعار الطاقة، وإلا فإن البلاد ستدخل في دوامة من الأزمات الاقتصادية.

البريكست

تروّج ليز تراس لنفسها بأنها شخصية متشددة في التعامل مع ملف البريكست (اتفاق انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي)، واختارت خط التصعيد مع الاتحاد، رغم أنها كانت قبل الاستفتاء عليه من أنصار البقاء مع الاتحاد الأوروبي.

وستواجه ليز تراس مفاوضات عسيرة مع الاتحاد الأوروبي، بخصوص البروتوكول الخاص بوضعية أيرلندا، وذلك بعد قرار الحكومة البريطانية على عهد بوريس جونسون الانسحاب من هذا البروتوكول الذي يحدد وضعية أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، ويضع نقاط تفتيش البضائع في الحدود البحرية لبريطانيا.

ورغم التحذيرات الكثيرة من مغبة الدخول في معركة قضائية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بسبب هذا البروتوكول، فإن تراس تعدّ مدافعة شرسة عن هذا القرار، وحتى خلال توليها وزارة الخارجية كانت من الداعين لتبنّي المواجهة مع التكتل الأوروبي.

وستواجه تراس عقبة أكبر في حال تبينّها لنهج متشدد مع الاتحاد الأوروبي، تتمثل في الموقف الأميركي الصارم الذي توعّد لندن بعدم المضي قدما في مفاوضات اتفاقية التبادل التجاري الحر، إذا أصرّت الحكومة البريطانية على الانسحاب من البرتوكول الخاص بأيرلندا.

New UK PM to be announced following Conservative membership ballot, in London
البريطانيون يعتقدون أن تراس تسعى لمحاكاة صورة رئيس الوزراء السابقة مارغريت تاتشر (رويترز)

محاكاة صورة تاتشر

استفادت ليز تراس من الحرب في أوكرانيا، في الترويج لصورتها كخليفة لمارغريت تاتشر، عندما ظهرت مع بداية الحرب وهي فوق دبابة لجيش بلادها، لتحاكي صورة تاتشر التي عُرفت "بالمرأة الحديدية".

وبلغت الحماسة بتراس أنها شجعت مواطني بلادها على الذهاب إلى أوكرانيا من أجل القتال، قبل أن يتدخل القادة العسكريون لانتقاد هذا الموقف والتحذير من خطورته.

وستواصل تراس سياسة سلفها بوريس جونسون في الدعم السخي لأوكرانيا عسكريا وماليا، والتصعيد مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.

المصدر : الجزيرة