بعضهم غادر العاصمة.. الليبيون يخزنون السلع والوقود خشية استمرار المعارك

تسببت الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس بنقص في المواد الغذائية وارتفاع أسعارها بعد تخزين السكان كميات كبيرة منها واستغلال التجار للوضع الأمني الصعب وفق ما يرويه المواطنون.

يتوافد احد سكان العاصمة الليبية طرابلس لشراء الدقيق والمعكرونة لتخزينها في بيته
سكان طرابلس توافدوا لشراء السلع الرئيسية لتخزينها خشية اندلاع حرب جديدة (الجزيرة)

طرابلس- منذ فجر السبت، بدا المشهد مغايرا في العاصمة الليبية طرابلس؛ إذ سيطر على المواطنين الهلع من تداعيات الاشتباكات المسلحة التي شهدتها ضواحي المدينة، وتدافعوا لتخزين المواد الغذائية خشية استمرار المعارك، ما أدى إلى نقص العديد من السلع من الأسواق وارتفاع كبير في أسعارها.

وتجددت الاشتباكات في مناطق متفرقة بطرابلس أمس الاثنين، بين قوات تابعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، وبين "الكتيبة 777" المدعومة من حكومة فتحي باشاغا.

وفي جولة ميدانية للجزيرة نت بشارع الزاوية حيث دارت اشتباكات طاحنة أدت إلى نزوح معظم أهالي المنطقة، تقول عائشة التائب (58 عاما) للجزيرة نت "اشتريت مواد غذائية أساسية خشية من اندلاع الحرب".

ولجأت التائب لذلك رغم ارتفاع أسعار المواد الغذائية وشح السيولة النقدية وتردي الظروف المعيشية. وقالت "أفكر في الانتقال إلى خارج طرابلس خوفا على عائلتي من أي ضرر قد يصيبهم، كما أن استمرار الاشتباكات قد يعني عدم وجود ممرات آمنة لخروج المواطنين كما حدث (أمس) الاثنين".

يقف طفل صغير للحصول على بعض من اللترات لتخزينها خشية من اندلاع حرب
الحرب دفعت ليبيين لتخزين مادة "السولار" في بلد نفطي (الجزيرة)

وضع لا يطاق

أما المواطن صالح النعاس (34 عاما) فقال "احترقت سيارتي وبها أهم أوراقي الرسمية وجواز سفري.. الوضع لم يعد يطاق، وأتجهز اليوم لمغادرة طرابلس كليا، لقد تركت عملي وذكرياتي ولكنني سأبقى بعيدا عن الاشتباكات التي قد تخطف أعزاء لي كما حدث مع جيراني".

وقال رضوان أبو خريص الذي يدير مجمعا تجاريا في طرابلس، إن سماسرة الحروب يستغلون الوضع الأمني في البلاد ويقومون بزيادة الأسعار حالما سنحت لهم الفرصة. مشيرا إلى أن هذه المشكلة تزداد في ظل غياب رقابة الدولة، حيث إن ليبيا تستورد ما نسبته 95% من احتياجاتها من السلع من الخارج، وهذا يسهّل على التجار التحكم في الأسعار.

أزمات متتالية

تضاف أزمة نقص السلع وارتفاع أسعارها إلى أزمة انقطاع الكهرباء. وتعلق المواطنة آمال الفقية بأنها استطاعت الحصول على بعض من لترات البنزين لتشغيل المولد الكهربائي خشية من انقطاعها. وتعود إلى أذهانها تجربة انقطاع الكهرباء في هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والاشتباكات التي دارت في عام 2019 بالعاصمة طرابلس.

ويلجأ بعض السكان في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء، إلى المولدات التي تعمل بالبنزين، والتي اعتاد أغلب الليبيين على استعمالها لقلة التيار الكهربائي العمومي.

وكانت الليبية "أم العز ارتيمة" -وهي مواطنة من طرابلس- تقف بسيارتها في طابور مخصص للنساء بانتظار دورها. وقالت "انتظرت طويلا للحصول على بعض اللترات من الوقود لملء خزان سيارتي ويحاول المسؤولون التضييق علينا بأبسط سبل الحياة".

مقاتلون موالون لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة خلال اشتباكات في طرابلس (رويترز)

ذكريات أليمة

ومرت 3 سنوات على محاولات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الهجوم على طرابلس، والتي أعلن فيها أكثر من مرة بدء ساعة الصفر لاقتحام العاصمة، لكنه أخفق رغم الدعم الكبير الذي تلقاه من أطراف دولية وإقليمية عدة.

وتقول زينب العامري (34 عاما) للجزيرة نت "انتقلت إلى مدينة ترهونة التي تنعم بأمن كبير بعيدا عن الاشتباكات المتكررة التي تشهدها طرابلس"، ولم تتحمل الأم الضغوطات النفسية التي مرت بها بعد فقدان ابنها (عمره 14 عاما) في اشتباكات جنوب طرابلس في عام 2020.

في حين يعلّق أكرم بن عثمان (63 عاما) أحد سكان شارع الصريم، أنهم لا يستطيعون العيش بأمان في ليبيا في ظل وجود الأسلحة، وقال إنهم عاشوا حالة من الرعب في الأيام الأخيرة لم يشهدها وسط العاصمة منذ بداية الأزمة الليبية عام 2011.

وفي سؤاله حول بقائه في العاصمة، أجاب إنه لم يتخلّ عن بيته سابقا ولن يفعل مستقبلا. إلا أنه يحاول تخزين السلع التموينية لتكفي عائلته التي تتكون من 9 أفراد في حال نفدت من السوق وكي لا يضطر للخروج إذا تجددت الاشتباكات بين الأحياء مرة أخرى.

لا أفق سياسي

ويعبر المحلل السياسي محمد إسماعيل عن استغرابه من تجدد الاشتباكات وسط الأحياء السكنية المكتظة لحساب أطراف سياسية، في بلاد تعاني من ضيق الأفق لإجراء الانتخابات.

ويقول إسماعيل إن قادة المرحلة الحالية "هم وخصمهم متفقون على أن الانتخابات ستقصيهم إلى الأبد وسيفعلون أي شيء في سبيل تمطيط المشهد وضمان البقاء في السلطة، لذلك لا أحد منهم يرغب في التوجه إلى الصندوق".

وأعلنت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية، في وقت سابق مقتل 32 شخصا وإصابة 159 آخرين، فضلا عن إلحاق أضرار مادية وخسائر كبيرة في ممتلكات عامة وخاصة، جراء الاشتباكات التي حدثت بين الفصائل المتناحرة في طرابلس.

وتحاول ليبيا تجاوز عقد من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وعانت من الانقسامات وتدخل قوى إقليمية في الصراع الممنهج؛ مما أدى إلى تشظي المشهد السياسي وإخفاق الوصول إلى انتخابات ديمقراطية، ودخولها في استعصاء لا نهاية مرتقبه له.

المصدر : الجزيرة