زوجة الأسير الفلسطيني خليل عواودة للجزيرة نت بعد زيارته: وجدته هيكلا عظميا ولا يذكر إلا "الحرية"

اعتقل خليل عواودة -الذي لم يتجاوز عمره 40 عاما- 12 عاما متفرقة، ولم تكن بين كل اعتقال والذي يليه مدة طويلة، وكانت سلسلة الاعتقالات هذه كافية لتعطيل حياته العلمية والمهنية. الجزيرة نت التقت زوجته التي زارته أخيرا بعد 145 يوما من الإضراب عن الطعام لتروي كيف وجدته.

خليل عواودة مضرب عن الطعام منذ 60 يوما رفضا لاعتقاله الإداري (مواقع التواصل)
الأسير خليل عواودة يدخل حالة حرجة بعد إضرابه عن الطعام 145 يوما (مواقع التواصل)

رام الله- عندما أعلمها الصليب الأحمر بصدور تصريح لزيارته في المستشفى لم تتردد زوجة الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام منذ 145 يوما خليل عواودة، رغم ضغوط من العائلة والمحيط عليها للرفض، خوفا من انهياره عندما يراها، وأن تؤثر على إضرابه.

أصرت بعزم على ألا تكون "جبهته الداخلية الأضعف"، وهو ما همست به حين وصولها؛ "طلبت مني في رسائلك الأولى من الإضراب أن أكون جيشك القوي، وأنا الآن وكل عائلتك خلفك في هذه المعركة حتى انتزاع حريتك".

هذه الكلمات لم تكن سهلة على دلال عواودة (32 عاما) وهي ترى زوجها تحوّل إلى "هيكل عظمي" في زيارتها الأولى لها منذ اعتقاله وخوضه الإضراب المفتوح عن الطعام رفضا لاعتقاله الإداري.

تقول دلال للجزيرة نت "رأيت أمامي هيكلا عظميا مكسوا بالجلد، وعينين بارزتين، ووجها بلا ملامح، وكان مكان البطن والمعدة مجوفا، والرجلين عبارة عن عظام والركب بارزة. والأخطر من ذلك ذاكرته الضعيفة والمشتتة".

المعتقل خليل عواودة يواصل إضرابه عن الطعام منذ 145 يوما رفضا لاعتقاله الإداري (الأناضول)

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سمحت -بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي- لزوجة الأسير عواودة بزيارته في مستشفى أساف هروفيه الإسرائيلي، بعد تردي وضعه الصحي وإصراره على مواصلة الإضراب عن الطعام بعد تراجع الاحتلال عن اتفاق معه -بعد 111 يوما من إضراب سابق- يقضي بأن يتم الإفراج عنه في 26 يونيو/حزيران 2022.

وتأتي هذه الزيارة بعد أسبوع من تفاهمات رعاها الوسيط المصري بوقف إطلاق النار في غزة، بعد أيام من المواجهة مع المقاومة الفلسطينية المحسوبة على حركة الجهاد الإسلامي، من بينها بند ينص على أن تبذل مصر جهودها للإفراج عن الأسير خليل عواودة ونقله للعلاج.

وفي العاشر من أغسطس/آب الجاري، عقدت محكمة عوفر جلسة طارئة له قررت بعدها السماح لمحاميته وطبيبة من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية بزيارته، حيث حذرت في تقريرها الطبي -الذي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- من خطر الموت المفاجئ للأسير الذي استمر إضرابه فترة طويلة.

وترى الطبيبة أن توقفه عن الإضراب بعد الاتفاق الذي تنصلت منه إدارة الاحتلال يعد إضرابا لقصر مدته. وحسب التقرير فإن الأسير يعاني من ضعف الإدراك ومشاكل في الرؤية والحديث.

وهذا ما أكدته أيضا محاميته، حيث كان خليل غائب الذهن تقريبا ولا يستجيب لمن يتحدث معه سوى بكلمة "حرية"، وهي الرسالة ذاتها التي أكدها لزوجته خلال زيارتها له.

الحرية أو الشهادة

وحول هذه الزيارة، قالت دلال إنها وصلت عبر حاجز ترقوميا العسكري (جنوب الضفة)، بمرافقة مندوبة الصليب الأحمر إلى المستشفى، وفور وصولها أخبرها طبيب المستشفى المتابع لحالته أنه في حال فك خليل إضرابه عن الطعام في هذه المرحلة فإن كثيرا من أعضاء جسده ستكون غير قادرة على القيام بوظائفها بشكل طبيعي؛ وهو ما زاد مخاوف الزوجة التي تنتظر وعائلتها قرار محكمة الاحتلال في الجلسة المقبلة في 15 أغسطس/آب الجاري، بشأن الاستجابة لمطالبه.

ووسط إجراءات أمنية مشددة وحراسة داخل الغرفة وخارجها، كانت الزيارة التي استمرت ساعة ونصف الساعة. ومُنعت دلال من الاقتراب من زوجها ومصافحته من قريب، وطوال الزيارة كان 5 جنود يرافقونها في الغرفة، ومُنعت من التصوير بالكامل.

لم يتعرف خليل على زوجته في البداية؛ فالرؤية لديه مشوشة وغير واضحة، ولكن بعد دقائق من حديثها عرفها من صوتها، فقال لها مواسيا "صورتك محفورة بقلبي، أراك حتى لو عجزت عيناي عن ذلك".

تقول دلال "رغم هذه الحالة فإنه أكد لي أنه صامد صمود جبال فلسطين ولن يتراجع حتى تحقيق مطلبه وانتزاع حريته ولو كان الثمن استشهاده".

ومن الرسائل التي أوصلها خليل خلال زيارة زوجته -تأكيدا لما نقلته عنه محاميته في السابق أيضا- أن خوضه هذا الإضراب من أجل الحرية، وأنه إضراب للقيد بلا تهمة ولا محاكمة، وليس رفضا للحياة؛ "الحرية ليست شعارات يرددها خليل، وإنما يقين بحقه في ممارستها وهو الذي حرم منها سنوات تحت مسمى الاعتقال الإداري"، كما تقول دلال.

أحلام بوقف الاعتقال الإداري

واعتقل خليل نهاية عام 2021، وقرر خوض الإضراب عن الطعام بداية مارس/آذار 2022، رفضا للاعتقال الإداري الذي حرمه من العيش حياة طبيعية.

وقبل 20 عاما التحق خليل بجامعة بوليتكنك بالخليل لدراسة الهندسة التي أحبها منذ صغره، ولكن اعتقاله الإداري المتكرر حرمه من إكمال حلمه، فتوجه لدراسة الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة، ولكنه لم يكمل تخصصه أيضا بسبب الاعتقال قبل فصل واحد من تخرجه.

اعتقل خليل -الذي لم يتجاوز عمره 40 عاما- 12 عاما متفرقة، ولم تكن بين كل اعتقال والذي يليه مدة طويلة، ولكنها كانت كافية لتعطيل حياته العلمية والمهنية والاجتماعية أيضا، وهو ما جعله يصر خلال إضرابه الحالي على انتزاع حريته.

حديث خليل لم يكن سهلا عليه، فقد كان يحتاج لجهد لإخراج كلمات معدودة، أخبر زوجته فيها عن الضغوط التي تمارس عليه من طاقم المستشفى أطباء وممرضين لتناول المدعمات مع إصراره على رفضه الشديد على تناول أي من المدعمات.

وحمل خليل زوجته رسائل عدة؛ أهمها لعائلته وبناته الأربع (أكبرهن تولين 9 سنوات وأصغرهن مريم عام وتسعة أشهر) بأمنيات من أجل تجاوز كل هذا الألم والحرمان وعودته للعيش بينهن. وتقول دلال "في نهاية الزيارة أشار إلي بيده مودعا، وقال بحبك واللقاء القادم سأكون أنا عندكم".

المصدر : الجزيرة