هل توقف الصين تحركاتها ضد تايوان عند هذا الحد؟

الصين أجرت مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في مضيق تايوان (رويترز)

بكين- على بعد نحو 200 كيلومتر شمال جزيرة تايوان، تقع جزيرة كينمن النائية التابعة لتايبيه، رغم أن أقل من 5 كيلومترات هي المسافة التي تفصلها عن البر الرئيسي الصيني.

منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، حاول الشيوعيون مرتين احتلال كينمن، لكن القوات القومية صدّت الهجمات في المرتين.

ويرى بعض من في الجزيرة -البالغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة- أنها ستكون المحطة الأولى لأي هجوم مستقبلي للصين على تايوان.

ورغم تأكيد ضرورة الحل السلمي، لم تستبعد بكين استخدام القوة للسيطرة على جزيرة تايوان، وكررت هذا التهديد الأربعاء الماضي، في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، وتعدّها بكين إقليما تابعا لها تسعى لإعادة توحيده مع البر الرئيسي.

تدريبات بطابع هجومي

هناك العديد من الأسباب التي تدفع الصين وتايوان إلى تجنب حرب يمكن أن تقتل عشرات الآلاف وتدمر اقتصاد البلدين، وربما تؤدي إلى صراع نووي مع الولايات المتحدة وحلفائها.

في المقابل، تبرز عوامل أخرى قد تدفع هذه الدول نحو العمل، منها رغبة الرئيس الصيني شي جين بينغ في ترسيخ إرثه من خلال كسب "الأراضي المفقودة"، وانخفاض الدعم بين جمهور تايوان لأي اتحاد مع الصين، وصعود القوى المؤيدة للاستقلال في تايبيه والولايات المتحدة على نحو متزايد.

وبالنظر إلى خريطة المناورات العسكرية التي بدأتها بكين في الرابع من أغسطس/آب الجاري، فإن التدريبات ركزت على 6 مناطق خطرة حول تايوان، 3 منها تتداخل مع المياه الإقليمية للجزيرة.

ويتوقع خبراء أن تسير الصين في طريق الضربة القاضية السريعة ولو بعد حين، حيث يتغلب جيش التحرير الشعبي (الجيش الصيني) على الجزيرة الرئيسة قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من المساعدة.

السعي لانتصار رمزي

وعلى الورق، فإن الميزان العسكري يميل بشدة إلى بكين التي تنفق على جيشها نحو 25 ضعفا لما تنفقه تايوان، وفقا لتقديرات معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام. ولدى بكين أيضا ميزة تقليدية واضحة في كل شيء؛ من الصواريخ، والطائرات المقاتلة، إلى السفن الحربية، ومستويات القوات، فضلا عن ترسانتها النووية.

وقالت مجلة "الإيكونوميست" (The Economist) إنه "مع تنامي التفوق العسكري الصيني، أصبحت إمكانية قيام بكين بنشر قوة ضد تايوان أكثر واقعية".

ونقلا عن محللين عسكريين، تقول وسائل الإعلام الصينية إن التوغلات العسكرية عبر خط الوسط (خط وهمي يقسم مضيق تايوان) ستحدث بشكل أكثر انتظاما، حيث يرى البعض أن زيارة بيلوسي يمكن أن "تسرّع" التوحيد. وسبق لبكين أن حذرت الولايات المتحدة من أن المضيق الذي يفصل الجزيرة عن مقاطعة فوجيان ليس مياهًا دولية.

يقول الأستاذ المساعد في جامعة "سوتشو" في تايبيه، تشن فانغ يو، إن الصين غير مستعدة بعد لشنّ هجوم شامل على تايوان. وأضاف للجزيرة نت أن الاستيلاء على جزيرتي كينمن وماتسو التايوانيتين النائيتين المنزوعتي السلاح إلى حد كبير يمكن أن يوفر انتصارا رمزيا للحزب الشيوعي الصيني؛ في موقف يحتاج فيه إلى فوز ملموس في مضيق تايوان.

ضغوط لفرض شروط

ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أن لدى بكين خيارا أقل تكلفة من الحرب، هو حرب "المنطقة الرمادية" التي هي جزء من قواعد اللعبة التي تمارسها الصين مع تايوان والدول المجاورة التي لديها نزاعات إقليمية معها.

ويتوقع علوش -في مقال نشرته الجزيرة نت- أن تلجأ بكين إلى فرض حصار بحري طويل الأمد على الجزيرة، وربما ضرب أهداف عسكرية تايوانية كما فعلت في أزمة مضيق تايوان السابقة، كذلك يُمكنها سنّ تشريعات جديدة للتسريع في عملية التوحيد.

ويرى محللون أن الصين ستبدأ بفعل شيء تلو الآخر لا يعطي أبدا للولايات المتحدة أو اليابان أو التحالف الرباعي أي سبب للحرب.

من جهته، يقول المحلل السياسي شو تشين دو للجزيرة نت إن إستراتيجية الصين لا تزال تتمثل في زيادة الضغط الإستراتيجي والاقتصادي على تايوان، بهدف فرض مفاوضات على التوحيد وفقا لشروطها.

متى تبدأ شرارة الحرب؟

وكانت قد صدرت تصريحات عسكرية صينية تؤكد أن أي تدخل متعمّد للجيش التايواني في وجه أي تدريبات صينية سيواجه برد قوي، قد يتطور إلى مواجهة شاملة.

ووفقا لمسح أجرته صحيفة "غلوبال تايمز" (Global Times) المحلية، فإن 70% من الصينيين يؤيدون بشدة استخدام القوة لتوحيد تايوان مع البرّ الرئيسي.

وفي مقال لمارتن جاك، الباحث في معهد "تشونغ يانغ" للدراسات المالية بجامعة "رينمين" الصينية، قال إن خطر الصراع العسكري مع تايوان وحلفائها الآن أكبر من أي وقت مضى منذ السبعينيات، وستكون عواقبه مضاعفة، لأن قوة الصين لم تكن كما كانت في السابق، وجيشها أقوى.

من ناحية أخرى، أورد أستاذ القانون في جامعة ووهان، تشو يي شونغ، في كتابه "مخطط لتوحيد تايوان"، أن "حكم تايوان سيكون أصعب بكثير من هونغ كونغ، سواء من حيث النطاق الجغرافي أو الظروف السياسية".

وعند نشوب الحرب، قد تكون المذبحة المدنية أسوأ بكثير، إذ ينتشر سكان تايوان -البالغ عددهم 24 مليون نسمة- في مناطق حضرية كثيفة مثل العاصمة تايبيه، بمتوسط 9575 شخصا لكل كيلومتر مربع، ومن شأن ذلك أن يجبر بكين على التفكير العميق والجاد في الغزو إن كان يستحق التكلفة البشرية الهائلة أو لا.

المصدر : الجزيرة