الشوربجي قمة جبل الجليد.. من المسؤول عن نزيف المواهب والكفاءات المصرية؟

قرار الشوربجي باللعب لصالح إنجلترا أثار جدلا واسعا وأعاد الحديث عن نزيف العقول المصرية (الصحافة المصرية)
قرار المصري محمد الشوربجي باللعب لإنجلترا أثار جدلا واسعا وأعاد الحديث عن نزيف العقول المصرية (الصحافة المصرية)

القاهرة- تتواصل في الشارع المصري الضجة التي أثارها قرار لاعب الإسكواش محمد الشوربجي اللعب باسم إنجلترا، ولكنها لم تتوقف عند الجدل الرياضي فحسب، بل تجاوزته كذلك إلى السؤال حول المسؤولية الحكومية عن مغادرة الكفاءات البلاد.

الشوربجي بطل العالم السابق والمصنف الـثالث عالميا، برر قراره بعدم تلقي أي دعم من الجهات المعنية في مصر خلال مسيرته، وأن إنجازاته السابقة تحققت بمجهوده الذاتي.

وبين رافض لقرار الشوربجي ومؤيد له، عاد الحديث واسعا عن استمرار نزيف المواهب والعقول المصرية إلى الخارج في كل المجالات الرياضية والعلمية والمهنية على السواء، وعن أسباب هذه الظاهرة التي تكلف البلاد خسائر فادحة تنمويا واقتصاديا.

نزيف متواصل

نماذج رياضية عديدة سبقت الشوربجي في قراره، مثل بطلي الفروسية عبد القادر السعيد وسامح الدهان، إذ اختار الأول تمثيل بلجيكا في حين اختار الثاني تمثيل المملكة المتحدة.

وبعد إهماله في مصر عقب إصابته، لجأ المصارع طارق عبد السلام إلى بلغاريا التي قدمت له الدعم المناسب ليتوج بالميدالية الذهبية في بطولة أوروبا 2017، إلى جانب عشرات النماذج الأخرى.

توسع الحديث خارج الرياضة إلى المجالات العلمية المختلفة، ليكشف عن فداحة ظاهرة نزيف العقول المصرية، إذ شهدت مصر خلال العقود الماضية حالة من استنزاف المواهب، خاصة في المجالات الحيوية كالطب والطاقة النووية والإلكترونيات وعلوم الفلك والفضاء والاقتصاد، حسب دراسات سابقة لأكاديمية البحث العلمي.

ويسافر آلاف الباحثين المصريين سنويا إلى الخارج، بحثا عن الحد الأدنى من الإمكانيات لاستكمال دراساتهم وأبحاثهم العلمية.

أرقام صادمة

على خلفية النقاش حول الشوربجي، تداول رواد مواقع التواصل نتائج دراسة أجراها البنك الدولي عن هجرة المواهب حول العالم بين يناير/كانون الثاني 2017 إلى ديسمبر/كانون الأول 2019.

وأظهرت هذه الدراسة أن مصر خسرت مواهب كثيرة في مجالات حيوية، مثل البحوث، والبرمجيات، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي.

وأظهرت الدراسة أن أكثر الدول التي استفادت من هذه المواهب المصرية كانت الإمارات العربية المتحدة وألمانيا وكندا والكويت وأميركا.

مجالات حيوية

لكن الدراسة لم تشمل مجالات عدة تخسر فيها مصر سنويا آلاف العقول، وعلى رأسها المجال الطبي، الذي يشهد نزيفا مستمرا بسبب تدني التقدير المادي والمعنوي، وغياب الظروف المناسبة للعمل، حسب أطباء.

ووفق دراسة للمكتب الفني بوزارة الصحة المصرية، فإن عدد الأطباء العاملين داخل مصر يبلغ 82 ألف طبيب من بين 212 ألفا مسجلين بنقابة الأطباء بنسبة 38%، مما يعني تسرب نحو 62% من الأطباء بالمنظومة الصحية، وغالبتيهم يعملون خارج البلاد.

وتشير إحصائية أخرى لنقابة الأطباء أن نحو 7 آلاف طبيب يهاجرون سنويا بسبب "الإجراءات التعسفية" ضد الأطباء، كما يستقيل نحو 10 آلاف طبيب من وظائفهم في المستشفيات الحكومية للعمل بعيادات خاصة.

وفي فبراير/شباط الماضي، علق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هجرة كثير من الأطباء للخارج، مشيرا إلى أن الرواتب التي يحصلون عليها في مصر لا تناسبهم، وأن الدولة لا تستطيع منحهم رواتب أكبر.

ولا يختلف الأمر كثيرا في مجال الهندسة، إذ تشير الأرقام الصادرة عن نقابة المهندسين إلى أن نحو 40% من المهندسين المصريين البالغ عددهم 750 ألفا يعلمون بالخارج.

وفي عام 2015، أظهرت الإحصاءات أن عدد المهندسين المصريين العاملين في المملكة العربية السعودية نحو 70 ألف مهندس، و35 ألفا في الإمارات، ومن 15 إلى 20 ألفا في قطر.

 

غياب التقدير والرعاية

ويتسبب غياب كل من التقدير والرعاية في هجرة الكفاءات العلمية من مصر، ووفق العديد من الإحصاءات فإن هناك عشرات الآلاف من العلماء والخبراء المصريين يعيشون ويعملون في دول أخرى.

وأعلنت مؤسسة "مصر تستطيع" أغسطس/آب 2019 تسجيل 30 ألف عالم مصري بالخارج، وتوقعت أن يصل الرقم النهائي في قاعدة البيانات الشاملة التي تعدها إلى أضعاف هذا الرقم، ولكنها لم تصدر أي بيانات لاحقة بالأرقام الجديدة.

وقبل عدة سنوات، أصدر اتحاد المصريين بالخارج إحصائية عن تعداد العلماء والأكاديميين المصريين المقيمين بالخارج، أظهرت وجود نحو 86 ألف عالم وأكاديمي مصري حول العالم.

وأشارت بيانات الاتحاد إلى أن العلماء المصريين في الخارج بينهم 1883 عالما في تخصصات نووية نادرة، بالإضافة إلى 42 رئيس جامعة.

وأوضح الاتحاد أنه اعتمد في معلوماته بشأن تلك الإحصاءات على مركز الاتحاد والإحصاء التابع للأمم المتحدة، وبعض المراكز البحثية في أوروبا وأميركا والروابط، وروابط العلماء ورؤساء الجاليات الإسلامية في الخارج.

وطالب الرئيس المصري عام 2019 الدول التي توجد بها الكفاءات والعقول المصرية باقتسام عوائد أبحاثهم العلمية.

وقال السيسي خلال فعاليات ملتقى الشباب العربي الأفريقي، الذي عقد في أسوان مارس/آذار 2019، "ما تيجوا نتكلم معاهم، ونقولهم لما يكون عندنا عقل متميز نبعتهولكم، ولما ينجح في بحث علمي أدونا (أعطونا) نسبة من عقله، ابننا وعلمناه عندنا وأتحناه ليكم، خلوا المنتج اللي هيطلعه تكلفته علينا محل نظر".

المناخ السياسي

أسباب عديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية، تقف وراء هجرة العقول المصرية.

وفي دراسة ميدانية أجراها الباحث حسام إبراهيم الدسوقي عن "أسباب هجرة العقول المصرية"، أظهرت أن أهم الأسباب الطاردة للكفاءات المصرية هي ضعف العائد المادي وضعف الاهتمام بالبحث العلمي، وانتهاك الحريات الأكاديمية وضعف تقدير النظم السياسية الحاكمة للعقول المتميزة، فضلا عن انتشار البيروقراطية الإدارية والروتين.

وأوضحت الدراسة أن الكثير من الكفاءات تعاني من سوء تقدير الأنظمة السياسية الحاكمة للعقول المتميزة، في حين تؤدي المعايير القائمة على الولاء إلى تواري أعداد كبيرة من الكفاءات وتوقف عطائهم العلمي، ودفعهم إلى التفكير جديا في هجرة وطنهم.

وأظهرت دراسة أخرى للباحثة شيماء عصام عبد الرحمن، بعنوان "أسباب هجرة العقول ونتائجها الاقتصادية على التنمية الاقتصادية في مصر"، أن المناخ السياسي يلعب دورا رئيسا في هجرة العقول النابغة، وخاصة في ظل اضطهاد المختلفين سياسيا وتفشي الفساد والمحسوبيات.

وأشارت الدراسة إلى أن غياب منظومة الحكم الرشيد، وضعف الشفافية والمساءلة وتراجع هامش الحريات خلال أكثر من 30 عاما، شكلت مناخا سياسيا طاردا للخبرات وعلامات لإشاعة الإحباط في المستقبل.

ويخشى مراقبون من تزايد مشكلة هجرة العقول المصرية إلى الخارج بسبب عدم استيعاب الدولة لأسباب الهجرة والعمل على معالجتها، والاكتفاء بقرارات سلطوية معلبة.

وفي توصية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2020 بشأن هجرة ذوي المهارات العالية، طالب بضرورة وضع برامج وسياسات تعمل على جذب الكفاءات من خلال مراجعة مستويات الأجور وتوفير مناخ علمي مناسب، مع التركيز على المهارات والتخصصات الضرورية التي يحتاجها المجتمع المصري.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي