باكستان على حبل مشدود بين أميركا والصين

زيارتان قام بهما وزير الخارجية الباكستاني الجديد بيلاوال بوتو زرداري إلى واشنطن لإصلاح علاقتهما المتدهورة منذ شهور، وإلى بكين في مساع لتأكيد حماية العمال الصينيين في مشاريعها المشتركة مع باكستان.

Leader of the opposition parties Mian Muhammad Shahbaz Sharif, addresses a news conference outside the parliament building, in Islamabad
الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة شهباز شريف تواجه تحدي تراجع علاقات إسلام آباد بالولايات المتحدة والصين (رويترز)

إسلام آباد- لا تزال آثار الأزمة السياسية الداخلية في باكستان تلقي بظلالها على علاقات إسلام آباد الخارجية، خاصة مع الولايات المتحدة والصين.

وتضررت العلاقات الباكستانية الأميركية بعد اتهام رئيس الوزراء السابق عمران خان لواشنطن بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية، والتخطيط لمؤامرة لإسقاط حكومته.

وبقيت العلاقات مع الصين قوية خلال حكم عمران خان، رغم التقدم البطيء في مشاريع الممر التجاري المشترك بين الصين وباكستان نتيجة عدة عوامل، مثل توتر الوضع الأمني والإغلاقات خلال جائحة كورونا، إلا أن العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بقيت قوية وودية.

لكن مع تسلم حكومة شهباز شريف الحكم مؤخرا، أبدت الصين استياءها من الوضع الأمني والاستهداف المتكرر للصينيين العاملين في باكستان، خاصة بعد أن أدى تفجير في مدينة كراتشي (جنوبي البلاد) إلى مقتل 3 صينيين.

Pakistan’s Prime Minister Imran Khan gives the keynote speech at the 48th meeting of the OIC, Council of Foreign Ministers, in Islamabad
العلاقات الباكستانية الأميركية تضررت بعد اتهام عمران خان لواشنطن بالتخطيط لمؤامرة تطيح بحكومته (رويترز)

ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة

دفع هذا الواقع المتدهور حكومة شهباز شريف للقيام ببعض الإجراءات لتحسين العلاقات مع كل من الولايات المتحدة والصين؛ ففي وقت سابق من الشهر الجاري، قام رئيس الاستخبارات الباكستانية الفريق نديم أنجوم بزيارة للولايات المتحدة استغرقت 3 أيام، التقى خلالها مسؤولين أمنيين أميركيين كبارا، ومنهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز.

وبالإضافة إلى أنها تهدف إلى إجراء محادثات على المستوى الأمني، جاءت الزيارة تمهيدا للقاء على مستوى وزراء خارجية البلدين. وإثر ذلك توجه وزير الخارجية الباكستانية الجديد بيلاوال بوتو زرداري إلى واشنطن، والتقى نظيره أنتوني بلينكن. وعبّرت الزيارتان عن حرص باكستان الشديد على ضرورة إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة.

وفي حين يرى كثيرون أن العلاقات الباكستانية الأميركية تضررت كثيرا بسبب تصريحات عمران خان، يرى آخرون أن هذه العلاقات تعتمد على عوامل رئيسية تاريخية بعيدا عن تصريحات المسؤولين.

ويقول المحلل السياسي والخبير في العلاقات الخارجية محمد مهدي إن علاقات الولايات المتحدة مع باكستان إستراتيجية، وتعتمد على الموقع الإستراتيجي لباكستان ومكانتها وقوتها العسكرية.

ويضيف مهدي للجزيرة نت أن الولايات المتحدة لا تربط علاقاتها مع باكستان بالتصريحات التي يدلي بها السياسيون؛ "فالأميركيون يدركون جيدًا الوضع الداخلي لباكستان واستخدام المشاعر المعادية لأميركا في السياسة المحلية".

وزير الخارجية الباكستاني السابق شاه قريشي (يمين) لدى استقباله أحد مؤسسي طالبان الملا عبد الغني برادر (الفرنسية)

الملف الأفغاني

يُعتقد على نطاق واسع محليا ودوليا أن الولايات المتحدة غيّرت تعاملها مع حكومة عمران خان بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والسيطرة السريعة لحركة طالبان على الحكم في كابل.

ويدعي عمران خان نفسه بأن سبب ذلك كان رفض حكومته إقامة قواعد عسكرية أميركية على الأراضي الباكستانية لمراقبة الوضع في أفغانستان، وهذا ما تنفيه الولايات المتحدة.

وحسب وسائل إعلام أجنبية، فإن زيارة الفريق أنجوم إلى الولايات المتحدة ركّزت على الوضع الأمني ​​في أفغانستان بعد 9 أشهر من حكم طالبان، وفي ظل استمرار نشاط بعض الجماعات المسلحة هناك، بما فيها تنظيم الدولة الإٍسلامية وحركة طالبان الباكستانية.

في هذا السياق، يقول الباحث السياسي سلمان رافع شيخ -في مقالة بصحيفة "آسيا تايمز" الصادرة في هونغ كونغ- إن زيارة أنجوم رفيعة المستوى عزّزت "التقارب الباكستاني الأميركي" الجديد حول أفغانستان، وهو اندماج المصالح المدفوع جزئيا بعلاقات باكستان المتدهورة مع طالبان الأفغانية بسبب عدم رغبتها في احتواء حركة طالبان باكستان.

في حين يقول المحلل الباكستاني محمد مهدي إن إسلام آباد لديها سياسة واحدة تجاه أفغانستان تتمثل في وقوفها مع الشعب الأفغاني، وتحاول حاليا منع العالم من اتخاذ خطوات خاطئة لزيادة محنة الأفغانيين بدعوى وجود طالبان في السلطة.

وأضاف مهدي أنه بسبب حالة عدم اليقين في أفغانستان تضررت باكستان بشدة، وهي تريد أن تكون في مأمن من ذلك.

العلاقات مع الصين في تراجع

على الجانب الآخر، أدركت حكومة شهباز شريف مدى ضغط الصين بعد تفجير كراتشي. ووفقا لصحيفة "داون" الباكستانية، فإنه في أعقاب الانفجار أبدت الصين استنكارها وسخطها الشديديْن، وطالبت باكستان بإجراء تحقيق شامل في الحادث، واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لضمان سلامة المواطنين الصينيين في باكستان.

في أعقاب ذلك، بادرت باكستان بعدد من الإجراءات للتقليل من التراجع في العلاقات؛ ففي 22 مايو/أيار الجاري قام وزير الخارجية الباكستاني بزيارة إلى الصين، وناقش مع نظيره الصيني التنسيق الاقتصادي ومشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.

وقبل ذلك، أكد زرداري مع تسلّمه وزارة الخارجية عزم باكستان على زيادة وتعزيز شراكتها التعاونية الإستراتيجية مع الصين، بما في ذلك التنفيذ السريع للممر الاقتصادي.

بالتزامن مع زيارة زرداري إلى الصين، وخلال اجتماع بين كبير أمناء وزارة الخارجية الباكستانية ومفوض الأمن الخارجي بوزارة الخارجية الصينية، اتفقت حكومة السند الباكستانية والسلطات الأمنية الصينية على العمل معا لتطوير آلية أمنية مضمونة للصينيين العاملين في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وغيره في المقاطعة.

ويعد التهديد الأمني للممر الاقتصادي، وما يترتب عليه من بطء تنفيذه؛ من أكبر التهديدات للعلاقات الباكستانية الصينية. وفي هذا يقول الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا إن الولايات المتحدة والهند ليس من مصلحتهما إتمام المشروع الذي يعزز العلاقات بين باكستان والصين، ولذلك فإنهما تعرقلان هذا المشروع.

ويقول رانا للجزيرة نت إن العلاقات بين البلدين ليست مرتبطة بالممر الاقتصادي فقط، ولكنها علاقات إستراتيجية تعتمد على الجغرافيا السياسية للبلدين، وعلى العداء المشترك بين الصين وباكستان تجاه الهند.

Officials change documents as Pakistani Prime Minister Imran Khan (behind L) and China's Premier Li Keqiang (behind R) attend a signing ceremony at the Great Hall of the People in Beijing, China, November 3, 2018. REUTERS/Jason Lee/Pool
يقول محللون إن باكستان تميل إلى تقوية علاقاتها بالصين لذا تتعرض لضغوط اقتصادية أميركية وهندية (رويترز)

ضغوط اقتصادية

وتأتي جهود باكستان لموازنة علاقاتها بين الولايات المتحدة والصين، في الوقت الذي يتأرجح فيه اقتصادها نحو الانهيار، ووسط مخاوف من انزلاق البلاد إلى أزمة سياسية وحالة عنف داخلي مع دعوة عمران خان للتظاهر في العاصمة والمطالبة بانتخابات مبكرة.

وتُجري باكستان حاليا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لإنعاش اقتصادها، وهذا أمر يجعلها تسعى لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة.

ويعتقد المحلل محمد مهدي أن طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة يمكن أن تؤثر على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وأن "قروض الصندوق لطالما تم استخدامها لممارسة الضغط على باكستان". وهذا ما أكده المحلل جاويد رانا الذي قال إن "الولايات المتحدة تدعم الصندوق بنسبة 70%، ولذلك فإنها تهيمن على قراراته".

ورغم حرص باكستان على موازنة علاقاتها بين الولايات المتحدة والصين، يقول رانا "إنها تبدو أقرب للصين، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تمارس بعض الضغوط على علاقات باكستان والصين".

المصدر : الجزيرة