في ذكراها الأولى.. كيف شكّلت معركة "سيف القدس" نقطة تحوّل في المقاومة الفلسطينية؟
"بقدر تأسيسها لمرحلة جديدة فكريا، ولجيل جديد يؤمن بالمقاومة، أسهمت معركة سيف القدس في ردع الاحتلال عن التفكير مرة أخرى في افتعال حرب مع غزة، وتسبّبت في سعيه إلى لملمة الأوراق في الضفة الغربية والداخل".
الخليل- بعد عام على وقوعها، لا يزال المراقبون يعتقدون أن معركة "سيف القدس" بين الفلسطينيين وإسرائيل شكّلت نقطة تحوّل لمصلحة المقاومة وتيارها، وأن ارتداداتها كانت مدوّية في إسرائيل على المستويين الرسمي والشعبي.
واستمرت المعركة من العاشر حتى 21 مايو/أيار 2021، ووجهت خلالها المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية في العمق الإسرائيلي على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والمخططات الإسرائيلية لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسيف القدس وتحولات النظام المصري
قراءة استشرافية في مستقبل الصراع مع الكيان.. ماذا بعد معركة سيف القدس؟
بعد انتصار المقاومة في سيف القدس.. هل إسرائيل فعلا أوهن من بيت العنكبوت؟
وفي قراءتهم لمسار تلك المعركة وانعكاساتها، يستنتج محللون تحدّثوا للجزيرة نت مجموعة سمات ميّزت "سيف القدس" وأهّلتها لتكون "معركة إستراتيجية" في تاريخ الصراع الممتد منذ أكثر من 7 عقود.
وتُعدّ "سيف القدس" المعركة الأولى التي بدأتها المقاومة، بل حدّدت ساعة انطلاقها وهدفها، لتزيد بذلك مساحة الردع التي خلقتها في حرب 2014، وفق محللين.
وحدة الشعب
في قراءته لمسار المعركة ونتائجها، يشير مدير البحوث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية خليل شاهين إلى استنتاجات على رأسها وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات، الذي هبّ في وجه الاحتلال في آن واحد.
وجسّدت هذه الوحدة ترسيخ الاتفاق والالتفاف حول البعد الثاني للمعركة المتعلق بمكانة القدس في إطار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتبارها لبّ القضية الفلسطينية، حسب شاهين.
وهنا يشير الباحث أيضا إلى البعد العربي والدولي الذي أعطته المعركة لقضية القدس من خلال المظاهرات التضامنية في أنحاء العالم.
من رمزيات الصراع التي بزغت في معركة "سيف القدس" العام الماضي.. إسقاط رايتهم ورفع رايتنا في اللد. pic.twitter.com/4yhMKh9pId
— ساري عرابي (@sariorabi) May 10, 2022
قرار المعركة ووحدة الساحات والقضايا
ومن التحولات المهمة في "سيف القدس" يذكُر شاهين قرار المعركة ذاتها، والخروج من دائرة المطالبة برفع الحصار والدفاع عن قطاع غزة إلى "اعتبار قطاع غزة جزءا من الهمّ الوطني الفلسطيني الشامل"، وهو ما اصطلح على تسميته بـ"وحدة الساحات ووحدة الرد الفلسطيني".
يعني هذا، وفق شاهين، "توسيع نطاق الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لتشمل الدفاع عن مجمل القضايا وليس فقط قطاع غزة"، على نحو يتطلب في المقابل حضور غزة في العمل الوطني والشعبي الفلسطيني بكل التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات.
وعلى الصعيد العملياتي، يقول شاهين إن المعركة شكّلت مفارقة خاصة في نقطة البداية بتوجيه الضربات إلى "وسط الكيان الإسرائيلي"، وذلك يشير إلى أن المقاومة الفلسطينية "تعمل بصبر وثبات وجهد لتطوير قدراتها".
ويقول إن "سيف القدس" لم تظهر قدرات المقاومة فحسب "بل أظهرت هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وحجم الالتباس لدى المؤسسة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية".
وعي فلسطيني جديد
يعود بنا الباحث الفلسطيني إلى عدوان عام 2014 على قطاع غزة، وكيف "أسّس لوعي فلسطيني جديد أعاد العلاقة مع الاحتلال إلى طبيعتها: شعب خاضع للاحتلال وسلطة قائمة بالاحتلال، وهي علاقة مقاومة وتصدٍّ وصمود".
وهذه الصورة نقيض الصورة التي قدمتها السلطة الفلسطينية من خلال العلاقات الاقتصادية والتنسيق الأمني مع الاحتلال، رغم الإستراتيجية الإسرائيلية التي تعمل على دفع السلطة في مسار قسري نتيجته واحدة هي تحويلها إلى وكيل يطيل عمر الاحتلال بدل تقصيره، وفق المحلل الفلسطيني.
أول معركة تبدؤها المقاومة
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل إن معركة سيف القدس كانت "أول معركة تبدؤها فصائل المقاومة، وذلك في رد فعل على تصعيد إسرائيلي خطير في القدس".
ويضيف عوكل "فصائل المقاومة رأت أنه لا يمكنها أن تبقى ملتزمة بقواعد الاشتباك السابقة، ولذا فقد حان الوقت للربط بين غزة والقدس".
وعلى صعيد الإمكانات، يقول الكاتب إن فصائل المقاومة قدّمت في تلك الجولة أسلحة جديدة وأظهرت إمكانات أربكت إسرائيل إلى حد كبير، خصوصا في ما يتعلق بالصواريخ وقدرتها التفجيرية.
وتابع أن المعركة "خلقت شيئا من الردع أفضل من السابق"، وأفشلت مخططات إسرائيلية استخبارية، "ووضعت المقاومة في موقف يُفتخر به".
وأشار إلى أن المعركة استمرت 10 أيام لكن آثارها باقية خاصة "في خلق قواعد جديدة للربط بين غزة والقدس، وربما أسست لتطوير هذه المعادلة لتربط بين غزة والضفة بشكل عام وليس القدس فقط، كما ظهر الشعب الفلسطيني موحدا".
وتطرق عوكل إلى نشاط الفلسطينيين في أراضي الـ48 "الذي من شأنه أن يظهر مدى عنصرية إسرائيل، وفي الوقت نفسه يؤثر على جبهتها الداخلية".
قال قائد فرقة غزة العميد نمرود الوني في حديث مع السكان المستوطنين في غلاف غزة: "حماس لديها وحدة تركتورونات جوية وبواستطها سيحاولون عبور السياج.
مهندسو حماس موهوبون، حاولت قوة من (ح"س) الهبوط بالمظلات إلى داخل "الأراضي الإسرائيلية" في حارس الأسوار وقمنا بمهاجمتهم أيضًا ،>>> pic.twitter.com/NYZWTN5OQj— سعيد بشارات Saaed Bsharat (@saaed_bsharat) May 13, 2022
ردع متبادل
على الصعيد الإسرائيلي، يرى الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد في "سيف القدس" معركة مختلفة عن سابقاتها.
ويضيف "إذا كانت معركة 2014 قد أدت إلى ردع متبادل مع فارق القوة فمعركة 2021 أسهمت في زيادة مساحة الردع لمصلحة المقاومة". ودلّل على رأيه بأن "المقاومة هي التي بدأت الحرب بأول ضربة، وأنهتها بآخر ضربة".
أما المتغير المهم في رأي الباحث الفلسطيني فهو "دخول فلسطيني الداخل على الخط والخوف من اشتعال الضفة العربية".
ارتدادات في إسرائيل
وفي استعراضه لآثار تلك المعركة وانعكاساتها على إسرائيل، يقول أبو عواد إنها شكّلت ضربة للمستوى الأمني الذي لم يحسن التعامل مع الجبهات الفلسطينية المختلفة، وكانت تقديراته خاطئة حيالها.
فالمستوى الأمني فشل استخباراتيا في عدم تقدير مشاركة فلسطيني الداخل بالمواجهة، وعملياتيا في التقدير بأنه لا يمكن خوض حرب في أكثر من جبهة، وفي عدم نجاحه بمواجهة التحدي في الجبهات الثلاث، وفق الباحث أبو عواد.
وعلى الصعيد العملياتي يقول إن "الضربة الأمنية الخطيرة والكبيرة" تمثلت في عدم القدرة الإسرائيلية على إيجاد قوات كافية ونقل قوات من مكان إلى آخر.
خبر من "إسرائيل اليوم" اليوم:
"69% من اليهود بإسرائيل خائفون على مصير الدولة و67% يعتقدون أنه يجب العمل بواسطة السلاح والغرامات لأجل منع أعمال الشغب والاحتكاكات بين اليهود والعرب. هذه بعض نتائج استطلاع لحركة "الأمنيين"، على خلفية موجة الإرهاب والذكرى السنوية لحملة حارس الأسوار".
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) May 10, 2022
هروب مقابل ثقة
على مستوى الداخل الإسرائيلي، يشير أبو عواد إلى نشوء مخاوف مستقبلية "فلأول مرة يشعر الجمهور الإسرائيلي أنه مهدد تهديدا مباشرا، ليس فقط على وقع الصواريخ بل على وقع الحياة الداخلية والعلاقة مع فلسطيني الداخل".
وأضاف "لأول مرة يضطر المستوطنون إلى الهروب من مدينة اللد، حيث قررت 40 عائلة عدم العودة إليها، وذلك يشير إلى فقدان الثقة بالمستوى السياسي وتراجع الأمن الشخصي".
ويشير أبو عواد إلى استطلاع للرأي يفيد بأن 40% فقط من اليهود متفائلون بالمستقبل، مقابل 60% غير متفائلين.
أما عن انعكاسات المعركة فلسطينيا، فيقول أبو عواد إنها رفعت منسوب الثقة لدى الفلسطينيين بقدرة المقاومة على تحقيق إنجازات، وتلاشت المناكفات ومصطلحات الانقسام، وتحول المشهد إلى تيارين: عريض يمثل المقاومة، وضيّق يمثل السلطة ومسار التسوية.
ويرى أن المعركة بقدر ما أسست فلسطينيا لمرحلة جديدة فكريا، ولجيل جديد يؤمن بالمقاومة، فإنها أسهمت في ردع الاحتلال عن التفكير مرة أخرى في افتعال حرب مع غزة، وتسبّبت في سعيه إلى لملمة الأوراق في الضفة الغربية والداخل المحتل.
ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، استشهد في المعركة 261 فلسطينيًا، من بينهم 67 طفلًا و41 امرأة، وأصيب أكثر من 2200 فلسطيني بجروح، في حين قُتل 13 شخصًا في إسرائيل وأصيب 710 آخرون.