لوبوان: حسب سي آي إيه.. هذه هي التهديدات الجديدة التي تخيم على العالم

التهديدات الكونية العابرة للحدود، كتغير المناخ وانتشار أسلحة الدمار الشامل والتهديدات الإلكترونية والإرهاب وعسكرة الفضاء والأوبئة، تلقي بثقلها على الكوكب بأسره.

A view of what state news agency KCNA reports is the test firing of a hypersonic missile at an undisclosed location
روسيا ستظل المنافس الأهم والأقوى للولايات المتحدة في مجال أسلحة الدمار الشامل (رويترز)

كشفت الصدمتان الصحية والعسكرية، بعد سنتين من جائحة كوفيد وشهرين من الحرب في أوكرانيا، الاتجاهات التي بدأت تتشكل منذ عدة سنوات، وها هي القوى "الاستبدادية" وعلى رأسها الصين وروسيا تعمل على تفكيك الهيمنة الأميركية، لينتشر مفهوم قانون الأقوى على حساب مفهوم الشرعية الدولية.

بهذه المقدمة، بدأت لوبوان (Le Point) الفرنسية تقريرا  يتضمن مقتطفات من تقرير وكالة المخابرات الأميركية المركزية (سي آي إيه) عن التهديدات التي تواجه العالم، مذكرة بما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أقل من أسبوعين، في الذكرى الـ 61 لرحلة يوري غاغارين إلى الفضاء، من أن روسيا يجب أن تظل قوة عظمى "نووية وفضائية".

وأوضحت المجلة -في تقرير بقلم لوك دي باروشيه- أن العالم بدأ يتغير ليصبح أكثر عنفا وصعوبة وأقل استقرارا، منذ أن شنت روسيا أعنف هجوم عسكري على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، مما ألقى بكثير من اللاجئين على الطرق، أكثر مما شهدته القارة القديمة منذ انهيار ألمانيا النازية.

لقد تسبب الصراع في أزمة طاقة عالمية -كما يقول الكاتب- وأيقظ شبح نقص الغذاء وعطل سلاسل الإنتاج العالمية وعجل بارتفاع التضخم، مولدا توترات اجتماعية متتالية، إننا نشهد "بداية تغيير العصر" كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقلق في مقابلة له مع لوبوان الأسبوع الماضي.

بهذه الحرب -كما يقول الكاتب- اكتسب الانكفاء القومي مدى جديدا، وطفقت عواطف الهوية تغذي الكراهية تجاه الآخرين، وبدأت العولمة تفقد زخمها، ليشك الغرب الذي أصبح في موقف دفاعي في قيمه الليبرالية، في وقت يجد فيه الأوروبيون صعوبة متزايدة في حماية نموذجهم الديمقراطي من الهجمات الداخلية والخارجية، وفي تمويل دولة الرفاهية الخاصة بهم.

بكين وموسكو وطهران وبيونغ يانغ أظهرت قدرتها وعزمها على تعزيز مصالحها على حساب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها

المصالح القومية الأميركية

ويقول الكاتب إنه وفي هذا السياق المؤلم، تساعد تنبؤات وكالات الاستخبارات الأميركية على توقع أزمات مستقبلية، إنسانية واقتصادية وبيئية وإستراتيجية، وقد نشرت تقييمها السنوي للتهديدات التي تتعرض لها المصالح الوطنية الأميركية، وهو يصف الخطر المتزايد للصراع بين القوى العظمى، في وقت تقوم فيه جهات فاعلة أخرى بالإخلال بالنظام القائم، سواء أكانت دولا مثل إيران وكوريا الشمالية وغيرها، أم غير ذلك مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وحزب الله وشبكات الجريمة المنظمة الكبرى وتهريب المخدرات.

ويشير التقرير إلى أن "بكين وموسكو وطهران وبيونغ يانغ أظهرت قدرتها وعزمها على تعزيز مصالحها على حساب الولايات المتحدة وحلفائها" وذلك في وقت تلقي فيه التهديدات الكونية العابرة للحدود بثقلها على الكوكب بأسره، كتغير المناخ وانتشار أسلحة الدمار الشامل والتهديدات الإلكترونية والإرهاب وعسكرة الفضاء والأوبئة.

وبحسب تقييم سي آي إيه، يقوم "الخصوم والمنافسون الرئيسيون للولايات المتحدة بتحسين قدراتهم العسكرية والإلكترونية وغيرها، ولا يترددون في استخدامها، مما يزيد من المخاطر للولايات المتحدة وحلفائها، مضعفا قوة ردعها التقليدية، ومضاعفا التهديد المستمر الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل".

استعادة الهيبة

وذكر الكاتب بأن عدم قدرة أجهزة الاستخبارات الأميركية على إحباط هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وبعده تلاعب واشنطن بالمعلومات حول أسلحة العراق للدمار الشامل لتبرير غزوه عام 2003، قد أسهم بشكل خطير في تدمير مصداقية وكالة المخابرات الأميركية، إلا أن أحداث أوكرانيا أعطتها الفرصة لاستعادة هيبتها، وذلك بكشف السلطات الأميركية أمام العالم عن استعدادات الجيش الروسي على حدود أوكرانيا، إضافة إلى كشفها عن نوايا الكرملين وتحديد محاور الهجوم الرئيسية، بل وتوقع تاريخ الغزو بدقة.

وحسب الكاتب، كان القرار الأكثر إثارة هو قرار الحكومة الأميركية نشر مثل هذه المعلومات التي تعد غاية في السرية، رغم أن هذه الشفافية غير المسبوقة لم تمنع الحرب، إلا أن الكشف عن نوايا موسكو الخبيثة -حسب وصف التقرير- نزعت فتيل الدعاية الروسية المتعلقة بالاستفزازات الأوكرانية المزعومة.

من ناحية أخرى، توقعت سي آي إيه هزيمة كارثية للقوات الأوكرانية، ولم تكن لتفكر بالمقاومة الشرسة التي أظهرتها تلك القوات بتحفيز من الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

توقع التقييم أن تظل موسكو قوة مؤثرة وتحديا هائلا للولايات المتحدة في بيئة جيوسياسية متغيرة خلال العقد المقبل

روسيا.. الاستفزاز من أجل النفوذ

وبحسب المجلة الفرنسية توقع تقييم سي آي إيه أن تظل موسكو قوة مؤثرة وتحديا هائلا للولايات المتحدة في بيئة جيوسياسية متغيرة خلال العقد المقبل، وأن تستمر في السعي وراء مصالحها بطريقة تنافسية واستفزازية في بعض الأحيان، بما في ذلك الضغط من أجل الهيمنة على أوكرانيا و"البلدان القريبة" الأخرى، مع استكشاف احتمالات إقامة علاقة أكثر استقرارا مع واشنطن.

وأشار التقرير الاستخباري الأميركي إلى أن روسيا تستخدم الفساد أداة فعالة في السياسة الخارجية للترويج لأهدافها الجيوسياسية ولشراء النفوذ في البلدان الأخرى، إلا أن الفساد في الداخل أيضا يؤثر عليها، فضلا عن أنه يمثل عبئا على أدائها الاقتصادي وقدرتها على جذب الاستثمار.

وتختم لوبوان بأن التقييم الاستخباري الأميركي يخلص إلى أن روسيا ستظل المنافس الأهم والأقوى في مجال أسلحة الدمار الشامل في المستقبل المنظور، لما تقوم به من توسيع وتحديث قدرات أسلحتها النووية وزيادة قدرات أسلحتها الإستراتيجية وغير الإستراتيجية، ولما تقوم به من استخدام استخباراتها ووسطائها وأدوات نفوذها من أجل إحداث انقسام في الغرب وزيادة نفوذها حول العالم، مع محاولة التأثير على الموقع العالمي للولايات المتحدة، وتضخيم الخلاف داخلها، والتأثير على الناخبين وصناع القرار الأميركيين.

المصدر : لوبوان