بميثاق مُلزم يرفض الهدم الذاتي.. هكذا وقفت عشائر السواحرة بوجه مخططات الاحتلال في القدس

نجح الميثاق حتى الآن في حماية 13 منزلا من الهدم كان يُفترض أن يهدمها أصحابها بأيديهم مؤخرا، لكنهم التزموا بالميثاق، فلم يهدموها ولم تُقدم الجرافات الإسرائيلية حتى الآن على تدميرها.

مضافة عشيرة الجعافرة، إحدى عشائر بلدة جبل المكبر، التي التزمت بميثاق رفض الهدم الذاتي (الجزيرة)

القدس المحتلة- "نُعلنها على الملأ أننا لن نهدم بيوتنا بأيدينا، وأن الهدم الذاتي صار وراء ظهورنا"، هذا جزء من ميثاق ملزم أعلنته 11 عشيرة من عرب السواحرة، جنوبي القدس المحتلة، وقررت بموجبه وقف إجبار الاحتلال للعائلات على هدم منازلها بأيديها.

الجزيرة نت توجهت إلى بلدة جبل المكبر، التي تتبع عرب السواحرة، ولم يكن سهلا الوصول إليها لصعوبة السير في الشوارع الضيقة المؤدية إلى منازلها، مع استمرار إهمال بلدية الاحتلال لقطاع البنية التحتية للأحياء المقدسية.

ورغم التهميش الممنهج والمتعمد، فإن طواقم بلدية الاحتلال لا تتوقف عن توزيع إخطارات الهدم، إذ يُهدد حاليا 141 منزلا في البلدة بالتدمير، ويحاول الاحتلال إجبار أصحابها على هدمها بأيديهم، أو الاستعداد لهدمها بأنياب جرافاته، مع إجبارهم على دفع تكاليف الهدم في حال تمَّ ذلك.

صورة عامة لبلدة جبل المكبر في القدس حيث رفضت عشائرها سياسة هدم منازلها بأيديها (الجزيرة)

وراء ظهورنا

ومع تصاعد عمليات الهدم الذاتي القسري في القدس، وتسجيل 115 حالة عام 2021 من أصل 187 عملية هدم، وفقا لبيانات مركز معلومات وادي حلوة (مركز أهلي في القدس)، ارتأت عشائر عرب السواحرة (في جبل المكبر) إصدار ميثاق ملزم بإعلانها رفض الهدم الذاتي بشكل قاطع.

وجاء في الميثاق الذي وقّعت عليه كافة عشائر السواحرة والبالغ عددها 11 عشيرة: "نعلنها على الملأ أننا لن نهدم بيوتنا بأيدينا، وأن الهدم الذاتي صار وراء ظهورنا، وعليه فإن جبل المكبر يناشد عموم القدس الالتزام بهذا الميثاق، وتؤكد عشائره ومؤسساته على استمرار الحراك ضد هدم المنازل في القدس وضرورة اصطفاف كل المقدسيين على هذا النهج".

خلال تجوالها في بلدة جبل المكبر، التقت الجزيرة نت ممثلين عن عشيرتي شقيرات وجعافرة. وفي حي عائلة شقيرات، جلس محمد على كرسيّه المتحرك أمام منازل العائلة التي تلقى منزلان منها إخطارات بالهدم.

يقول محمد شقيرات إنه بنى لنجله -الذي تزوج عام 2013- منزلا صغيرا من الصفيح، ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا دفع مبالغ طائلة للمحامين خلال الدفاع عنه في المحاكم الإسرائيلية، بالإضافة إلى مخالفات بمبالغ باهظة لبلدية الاحتلال التي سلمته إخطارا بهدم المنزل، بحجة البناء غير المرخص.

المقدسي محمد شقيرات تلقت عائلته إخطارات بهدم منزلين لها في جبل المكبر (الجزيرة)

منازل تُهدم وتنظيم يُرفض

ويطالب الاحتلال شقيرات بـ"إرجاع الوضع على ما كان عليه قبل البناء الجديد"، في حين يرفض الرجل هدم منزله بيده. ويضيف "أقول لرئيسها نريد أيضا إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 1967، حينما كان المقدسيون يعيشون حياة هادئة بدون احتلال، ولا تهديد بتهجيرهم من منازلهم".

وحسب شقيرات، فإن كافة المشاريع التنظيمية التي اقترحها الأهالي على مدار عقدين تم رفضها من بلدية الاحتلال، التي تسعى إلى طردهم وتنفيذ مشاريع استيطانية ضخمة على أنقاض منازلهم.

وفي شوارع البلدة وأحيائها، تجولنا مع المسن إبراهيم جعافرة الذي صادرت أذرع الاحتلال 32 دونما من أراضيه المزروعة بأشجار الزيتون، التي سيمر مشروع "الشارع الأميركي" الاستيطاني منها، وهو يجادل الآن في أروقة المحاكم ليحافظ على 2700 متر مربع أخرى أخطرته البلدية بمصادرتها لصالح الشارع ذاته.

عام 2013، بنى جعافرة 3 محال تجارية بمساحة 180 مترا مربعا على مدخل البلدة، وعام 2016 علّقت طواقم البلدية أوامر هدم عليها، وأخطرته أن الأرض مصادرة لصالح "الشارع الأميركي" أيضا، وأن 900 متر فقط من الأرض لن يبتلعها الشارع لكنها تُصنفها أرضا خضراء يُمنع البناء عليها.

رفض جعافرة هدم محاله التجارية رغم إمهاله 21 يوما في يناير/كانون الثاني الماضي، لهدمها بيده، أو الاستعداد لدفع تكاليف الجرافات والجنود الذين سيؤمنون عملية الهدم.

وقال الرجل بانفعال "اليد التي تبني لا تهدم، هذا إذلال، وسياسة ممنهجة هدفها تطهير عرقي للمقدسيين من جبل المكبر، لا أقبل أن أكون عونا لهم في تنفيذ سياسة الاقتلاع والإحلال".

عارف جعافرة: الميثاق يشمل أيضا رفض مشاريع "تنظيم البناء" التي تطرحها بلدية الاحتلال (الجزيرة)

"مشاريع التنظيم" أيضا

عارف جعافرة، شيخ عشيرة الجعافرة، إحدى عشائر عرب السواحرة (جبل المكبر)، وصف الهدم الذاتي القسري بالجريمة التي رأت العشائر ضرورة في إيقافها بشكل نهائي.

وقال الشيخ جعافرة -الذي استضاف الجزيرة نت ببيت الشَعر المهدد بالهدم أيضا- إن أصغر منزل في القدس تُقدّر تكاليف بنائه بنحو 94 ألف دولار، وإقدام الشخص على هدمه تحت تهديد بلدية الاحتلال، لا يقل ألما عمّن يُقدم على حرق نفسه بيده.

ومن هنا، ارتأت العشائر ضرورة إطلاق ميثاق ملزم لأهالي جبل المكبر بوقف الهدم الذاتي، والوقوف على قلب رجل واحد أمام تهديدات الاحتلال الذي بات يستسهل هذه العقوبة، لتخفيف تكاليف الهدم في حال أقدمت جرافاته على تنفيذه.

ولا ترفض العشائر الهدم الذاتي فحسب، بل كافة مشاريع "تنظيم البناء" التي تطرحها بلدية الاحتلال، والتي لا تتناسب مع طبيعة الحياة الفلسطينية.

وعن ذلك يقول الشيخ جعافرة، "عشائرنا بدوية بالأساس، واعتدنا على العيش بمنازل أمامها أراض خالية، ولا يمكننا العيش في شقق داخل بنايات عمودية".

13 عائلة استجابت للميثاق

وتبلغ مساحة أراضي جبل المكبر، حسب ابن البلدة المحامي رائد بشير، 4 آلاف دونم يعيش عليها 37 ألف مقدسي، وتدّعي البلدية أن نسبة الأراضي الصالحة للبناء لا تتجاوز 13%.

وبالتالي، سلّمت طواقهما إخطارات هدم لـ62 بناية لصالح إقامة "الشارع الأميركي" الذي نُفّذ جزء منه، في حين سلمت 79 بناية أخرى إخطارات بهدم المنازل تحت ما يعرف بقانون "كامينتس".

والحُجّة التي تتذرع بها البلدية دائما هي أن أصحاب هذه البنايات لم يحصلوا على التراخيص اللازمة للبناء، لكنها ترفض فعليا منح هذه التراخيص، وترفض كذلك كافة المشاريع التنظيمية التي يتقدم بها الأهالي من أجل الحفاظ على منازلهم من الهدم.

ويقول المحامي بشير -للجزيرة نت- إن أهالي البلدة قرروا تسجيل موقف حازم ضد المشاريع الاستيطانية بتثبيت رفض الهدم الذاتي، مؤكدا أن الميثاق نجح حتى الآن في حماية 13 منزلا من الهدم كان يُفترض أن يهدمها أصحابها مؤخرا بأيديهم، لكنهم التزموا بالميثاق فلم يهدموها ولم تُقدم الجرافات حتى الآن على هدمها.

المصدر : الجزيرة