سد النهضة وإسرائيل.. مصر تتحسس أمنها المائي وعمقها الإستراتيجي بالقمة الأفريقية

وزير الخارجية سامح شكري يرأس وفد مصر إلى القمة الأفريقية (وكالة الأنباء المصرية)

القاهرة- تنتظر القمة الأفريقية العادية الـ35، التي انطلقت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا اليوم السبت وتستمر لمدة يومين، قائمة طويلة من الملفات الساخنة، ومن أبرزها عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي وسلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة السمراء مؤخرا.

وفي سابقة نادرة في السنوات القليلة الأخيرة، تراجع الزخم الكبير لملف سد النهضة الإثيوبي قبيل انعقاد القمة بأسابيع، في وقت قطعت فيه أديس أبابا أشواطا كبيرة في عمليات البناء والملء، وبدأت العد التنازلي لتوليد الكهرباء من السد، وإن كان ذلك مرتبطا -على ما يبدو- باقتناع مصري بفشل الاتحاد الأفريقي في رعاية المفاوضات وحلحلة الملف المتأزم منذ سنوات.

يأتي ذلك بالتزامن مع مناقشة عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد، التي لا تقل خطورة -وفق مراقبين- عن قضية السد على أمن مصر القومي، وتزايد الزخم حول هذه القضية منذ أن أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي -الصيف الماضي- قبول تل أبيب كمراقب من دون الرجوع إلى أعضاء الاتحاد، في حين ينتظر التصويت على هذا القرار في الاجتماع المرتقب، بعد أن رفضته دول عدة.

وفي هذا الصدد، ترصد الجزيرة نت أبعاد وسيناريوهات مخرجات القمة الأفريقية الحالية، بالتركيز على ملفي سد النهضة ومستقبله الفني والدبلوماسي، وعضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد وما تحمله من دلالات ومخاطر على الأمن القومي المصري.

أولا: سد النهضة:

  • لم يدرج ملف السد في جدول أعمال القمة، حسب ما ذكر المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، في مؤتمر صحفي قبل أسبوعين.
  • في مؤشر على استباق أحداث القمة، أبدى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يناير/كانون الثاني الماضي -في بيان- نية بلاده التعاون مع مصر والسودان في ملف السد، من دون أن يتطرق إلى عودة المفاوضات.
  •  يتضح من بيان آبي أحمد تغير لغة الخطاب الرسمية من توجيه الاتهامات إلى الدعوة للتعاون، وإن كان يحمل التأكيد على ثبات الموقف بأن العودة لطاولة التفاوض لن تثمر جديدًا كما سارت في جولات سابقة.
  • سبق أن اعتبر مراقبون مصريون بيان آبي أحمد "مناورة إثيوبية جديدة" لكسب المزيد من الوقت في ملف السد.
  • في المقابل، تقاربت المساعي المصرية مع السنغال باعتبارها الرئيس الجديد للاتحاد الأفريقي.

مطالب وجهوزية

رأى وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام أنه من غير الواضح حتى الآن إذا ما كانت القمة الأفريقية ستناقش ملف السد أم لا، خاصة وأن القمة ستشهد بداية تولي السنغال رئاسة الاتحاد خلفا للكونغو.

ووفق تصريحات علام -للجزيرة نت- فإن هناك ضرورة بأن تثير مصر الملف بأي شكل من الأشكال في اجتماعات القمة، وأن تطالب على الأقل بعدم اتخاذ إثيوبيا أي موقف أحادي جديد، خاصة في ما يرتبط بتعلية جسم السد أو الشروع في ملء ثالث؛ منعا لتفاقم القضية إلى أن يتم التوصل لاتفاق حول قواعد الملء والتشغيل.

غير أنه رأى أن ظروف السودان الراهنة قد تحول دون طرح الملف في القمة بسبب غياب الحكومة.

بدوره، ذهب الخبير في الشأن الأفريقي والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد إلى القول إن مصر شهدت حراكا دبلوماسيا قويا خلال الفترة الماضية، مستشهدا بلقاءات السيسي مع نظيريه الجزائري والسنغالي، إضافة إلى لقاءات أخرى تناولت ملف السد كانت على هامش مؤتمرات ومحافل دولية.

وشدد عبد الواحد -في تصريحات للجزيرة نت- على أن بلاده جاهزة تماما لأي مفاوضات قادمة، مشيرا إلى أهمية لم الشمل العربي وترتيب قضاياه التي تشهد تهديدات خاصة في ملف المياه، سواء في العراق أو الأردن أو فلسطين أو سوريا أو لبنان.

دور الاتحاد الأفريقي

بحسب الوزير الأسبق علام، فإن الكونغو لم تقدم ما يفيد خلال رئاستها للاتحاد في ملف السد، فكل ما فعلته كان عرض مبادرة رفضتها إثيوبيا، التي شهدت هي الأخرى حربا أهلية.

واعتبر أن جميع الأمور لم تساعد على إيجاد أرضية لمفاوضات جادة؛ لسوء حظ وأزمات بالمنطق، أبرزها المرحلة الانتقالية المتعثرة في السودان، حيث "لم يكن لدى الاتحاد الأفريقي حول ولا قوة في إدارتها"، على حد قوله.

في المقابل، توقع اللواء عبد الواحد طرح قضية السد في القمة، وتقديم الكونغو تقريرا لأهم ما حدث في الفترة الماضية من مفاوضات، متوقعا سعي السنغال أيضا إلى أن يكون لها دور في هذا الملف الحيوي الحساس لاستكمال المسيرة.

وقال إن موسم أزمات سد النهضة عادة ما يبدأ مع شهر فبراير/شباط، مشددا على ضرورة أن يكون للاتحاد الأفريقي دور هو الآخر في الوصول إلى حل ملزم وعادل يرضي جميع الأطراف.

مخرجات وسيناريوهات

ويقلل علام من قدرة الاتحاد الأفريقي على حلحلة ملف السد مستقبلا، مشيرا إلى غياب أي دور قوي له في مشاكل القارة وتطلعات شعوبها، محذرا من تداعيات اتخاذ أي عمل فردي يزيد الهوة بين الدول الثلاث، ويدفع إلى مرحلة قد يصعب الرجوع عنها.

مهما كانت المخرجات، شدد عبد الواحد على أن بلاده ستستمر في قضيتها المصيرية التي تعتبر حياة أو موت، ولن تفرط في قطرة واحدة من حقوقها في مياه النيل، مشيرا إلى تشكيك الخبراء المصريين في حقيقة إتمام إثيوبيا الملء الثاني لبحيرة السد، طبقا لتحليلات وصور الأقمار الصناعية.

ثانيا: عضوية إسرائيل

  • هناك اتفاق على أن طرح عضوية إسرائيل كمراقب قد يخلق صداما داخليا في الاتحاد، كما يهدد العمق الحيوي والإستراتيجي لمصر مهما كانت درجة تقارب البلدين.
  • يحتاج أي قرار بشأن إسرائيل إلى دعم ثلثي الدول الأعضاء في المنظمة، وهناك اعتراض كبير وتحفظات يرتبط بعضها بجوانب إجرائية.
  • وفق الوزير الأسبق علام، فإن كل الأمور واردة في قبول إسرائيل كعضو مراقب أو عدم قبولها، في ظل متغيرات دولية كان آخرها ضغوط أميركية على السودان لتعزيز اتفاقية التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب أواخر 2020.
  • يعزز الرأي السابق، ما قالته مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، مولي في، الثلاثاء الماضي، إن واشنطن ترى أن غياب الحكومة التي يقودها المدنيون أثّر على مفاوضات التطبيع بين السودان وإسرائيل.
  • أصبح السودان سادس دول عربية بجانب مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب تطبع العلاقات مع إسرائيل.
  • تقود الجزائر وجنوب أفريقيا حائط الصد في مواجهة قبول إسرائيل في المنظمة، في وقت أشارت فيه تقارير صحفية غربية إلى أن من بين أكبر الداعمين لإسرائيل رواندا والمغرب، بينما لم توضح دول كثيرة موقفها.

الموقف المصري والتداعيات

بحسب علام، على الدول الأفريقية مجتمعة -وليس العربية فقط- رفض عضوية إسرائيل التي لها أهداف غامضة وسرية، مشددا على أن إسرائيل تظل العدو الدائم لمصر، وهي دولة احتلال مهما تغيرت المعطيات من فترة لأخرى.

بينما توقع اللواء عبد الواحد أن تشهد القمة جدلا واسعا بسبب الطلب الإسرائيلي بين معارض وموافق، وستكون ساخنة هذا العام، مشيرا إلى أن المشكلة تبقى في إسرائيل نفسها، التي قاطعتها دول أفريقية حتى وقت قريب.

وأضاف أن فعاليات القمة ستكشف إذا ما كان هناك مزيد من الدول ستنضم إلى حائط الصد الذي يمثله 25 دولة حتى الآن، أم أن من بين الدول الرافضة من سيغير موقفه بعد الجولات المكوكية لإسرائيل، وبعد تطبيع مع المغرب والسودان وتشاد.

مآرب إسرائيلية

بحسب عبد الواحد، فإن إسرائيل تسعى -عبر إقحام نفسها في القارة- إلى تحقيق مكاسب كثيرة، ومن أهمها:

  • استكمال نجاحات التطبيع الأخيرة.
  • الاحتفاظ بصداقات أفريقية والحصول على دعم أصوات الأفارقة في المحافل الدولية لدعم قضاياها وفك عزلتها.
  • عوامل اقتصادية، أبرزها حجم الثروات الأفريقية من معادن ونفط وطاقة وغاز وغيرها.
  • اللعب على تناقضات الدول للحصول على ثرواتها.
  • أن أفريقيا سوق خصبة للمنتجات الإسرائيلية سواء التكنولوجية أو المرتبطة بالتسليح العسكري المتطور، أو الاستثمارات الزراعية ومجالات التعليم والثقافة.
المصدر : الجزيرة