بمصاغ النساء وبمدّخراتهم لأداء فريضة الحج.. هكذا تبرع الفلسطينيون لإغاثة النازحين السوريين

بعد 24 ساعة من انطلاقها استطاعت حملة "بيت بدل خيمة" جمع تبرعات تكفي لبناء منازل لكل الأسر التي تعيش في مخيم "كوكنايا" للاجئين السوريين بالشمال السوري، ومنازل لـ273 أسرة تعيش في مخيم "الوادي الأخضر"، ثم لـ430 أسرة أخرى في مخيم "الحدث".

أطفال مقدسيون يتبرعون من حصالاتهم للاجئين السوريين (الجزيرة)

القدس المحتلة- قبل 3 أسابيع أنهكت مقاطع فيديو لنازحين سوريين يكابدون البرد والصقيع نفسية الشاب الفلسطيني إبراهيم خليل. وشعر هذا الشاب المتحدر من قرية البعينة-نجيدات في الداخل الفلسطيني بتقصيره تجاه الأطفال الذين يرتجفون بردا، وغيرهم ممن تجمدت أجسادهم النحيلة ولقوا حتفهم بسبب البرد الشديد، فبادر بالانطلاق بحملة أطلق عليها اسم "مدافئ" بهدف جمع 100 مدفأة لمخيم واحد في الشمال السوري، تكلفة كل منها نحو 190 دولارا أميركيا.

لكن هذا الشاب فوجئ بعد ساعات من انطلاق الحملة بتولي رجل أعمال فلسطيني بتكاليف المدافئ والتبرع لهذه العائلات بأغطية للخيام وملابس شتوية وبالخبز، فقرر خليل البدء بجمع تبرعات لمخيم "كوكنايا" في الشمال السوري حيث تعيش 255 أسرة أوضاعا معيشية مأساوية.

يقول الشاب خليل للجزيرة نت إنه بعد انطلاق الحملة بيومين فقط دخلت إلى المخيم شاحنات محملة بالمعونات الإنسانية العاجلة، واستقبلتها النساء هناك بالزغاريد، لكن "ما دفعني إلى المضي قدما وعدم التوقف عند هذا الحد هو مقطع فيديو وصلني من المخيم ذاته بطلته الطفلة ندى التي شكرتني على المدافئ والمساعدات الأخرى لكنها تمنت أن تعيش مع جدتها في منزل لا خيمة".

قافلة المساعدات الفلسطينية في مدينة غازي عنتاب التركية في طريقها إلى الشمال السوري (الجزيرة)

بيت بدل خيمة

يتابع خليل "من هنا أطلقتُ فورا حملة (بيت بدل خيمة)، وخلال 24 ساعة من انطلاقها تمكنا من جمع تبرعات تكفي لبناء منازل لكل الأسر التي تعيش في مخيم كوكنايا، فانتقلنا إلى جمع تبرعات لبناء منازل لـ273 أسرة تعيش في مخيم الوادي الأخضر ثم لـ430 أسرة أخرى تعيش في مخيم الحدث وهكذا".

فوجئ خليل بأن رقعة التبرعات بدأت تتوسع تدريجيا، وأن بلدات ومُدنا في الداخل الفلسطيني انضمت إلى الإعلان عن الانطلاق بحملات تبرعات منها طمرة ونحِف والناصرة وأم الفحم، ثم بدأت أحياء القدس وبلداتها تنضم للحملة على نحو تلقائي، وجمع سكان العاصمة المحتلة ملايين الشواقل رغم الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها.

وهكذا قرر خليل بالتعاون مع جمعيات خيرية في الداخل الفلسطيني مناشدة أهالي الضفة الغربية للانضمام إلى حملة التبرعات عبر توفير رابط مخصص للتبرع، لكن هؤلاء واجهوا عقبات في تحويل الأموال من البنوك في الضفة إلى حسابات الجمعيات في الداخل الفلسطيني.

طفل يتبرع في بلدة بيت حنينا بالقدس للاجئين السوريين (الجزيرة)

بلغ مجموع التبرعات حتى يوم الخميس الماضي 10 ملايين دولار أميركي، ويجزم خليل أنها تجاوزت الآن حاجز 17 مليون دولار مع استمرار الفلسطينيين بالتبرع رغم توقف استقبال التبرعات في كثير من المناطق.

ذُهل هذا الشاب من نتائج الحملة التي أعلن عنها بشكل بسيط على المنصات الاجتماعية، وقال إن ما لفته فيها أن المتبرعين من الفقراء؛ "أحدهم تبرع بقسطه الجامعي وآخر بمبلغ مالي يدّخره منذ سنوات لأداء فريضة الحج، ومسنّة تبرعت بكل ما تملك من الذهب وغيرها أرامل وأطفال أيتام كانوا من فئة المتبرعين.. فخور بشعبي الفلسطيني الذي جاد بما يملك لإغاثة اللاجئين المنهكين في خيامهم".

من مدينة غازي عنتاب التركية تحدث مدير جمعية القلوب الرحيمة رائد بدر للجزيرة نت عن تجهيز ودخول 80 شاحنة محملة بالمدافئ والألبسة الشتوية وأغطية الخيام والمواد الغذائية وغيرها من تركيا إلى سوريا حيث ستوزع المعونات على اللاجئين في عشرات المخيمات.

15 ألف أسرة مستفيدة

وكانت "القلوب الرحيمة" من أوائل الجمعيات التي انضمت إلى الحملة في الداخل الفلسطيني وتوجه مديرها مع مجموعة من المتطوعين إلى تركيا للإشراف على توزيع المعونات على 15 ألف أسرة سورية نازحة.

ويؤكد رائد بدر أن التبرعات السخية من الفلسطينيين حتى نهاية الأسبوع الماضي ستكفي لبناء 3037 منزلا للاجئين الذين يعيشون حاليا في الخيام، وسيضاف إلى ذلك عدد كبير من المنازل سيعلن عنها في الأيام المقبلة.

في القدس وقف سكان المدينة على قلب رجل واحد بين متطوع ومتبرع، ولوحظ تعمد كثير من المتبرعين إخفاء وجوههم خلال تسليم المبالغ النقدية، كما لوحظ تبرع كثير من الأطفال بحصّالاتهم.

قافلة المساعدات الفلسطينية قبل دخولها إلى الشمال السوري (الجزيرة)

المتطوع في حملة "سوريا تستغيث.. بيت حنينا تلبي النداء" عبد الكريم درويش يقول إن التبرعات جُمعت على مدار 4 أيام في مسجد الدعوة ببلدة بيت حنينا جُمع مليونا دولار أميركي خلالها.

ويضيف أن متطوعين من بلدة بيت حنينا سيتوجهون في الأسابيع المقبلة للوقوف على ترتيبات بناء قرية متكاملة تضم 100 وحدة سكنية في الشمال السوري، وستحمل القرية اسم "بيت حنينا-القدس" وستضم مسجدا ومدرسة وسوقا وستُنشأ للاجئين هناك مشاريع تشغيلية في مجال الثروة الزراعية والحيوانية سيكون تسويقها في سوق القرية.

جمعيات ومؤسسات خيرية في الداخل الفلسطيني وتركيا انضمت إلى هذه الحملة لترتيب وصول المعونات إلى سكان الخيام وتأمين حياة كريمة لهم، وفي كل بقاع فلسطين انطلقت الدعوات التي تحث الفلسطينيين على المشاركة في حملة التبرعات الضخمة.

ومن بين هذه الدعوات ما صدر عن الحركة الإسلامية في القدس التي أشادت بتبرعات أهالي المدينة، وجاء في بيان مقتضب لها "أيها المقدسيون إن الأموال التي تبرعتم بها ثقيلة في ميزان الله رغم قلتها مقارنة بمقدرات الأمة وثرواتها وثقيلة في ميزان الأمة التي لن تنسى تداعيكم ونصرتكم لأهلكم وأشقائكم في سوريا الحبيبة".

المصدر : الجزيرة