عامان على قصف قواعدها بالعراق.. لماذا لم ترد أميركا على صواريخ الحرس الثوري الإيراني؟

الأكاديمي العراقي حيدر شاكر خميس يرى أن الوجود الأميركي مرتبط بالتوازنات الإقليمية في المنطقة، لكنه حتما يشكل واحدة من أولويات السياسة الأميركية في العقدين الأخيرين.

أدى القصف الإيراني لحدوث أضرار جسيمة في قاعدة عين الأسد غربي الأنبار وقاعدة حرير في أربيل - الجزيرة نت
القصف الإيراني أدى لحدوث أضرار جسيمة في قاعدة عين الأسد غربي الأنبار التي تضم قوات أميركية (الجزيرة)

شهدت الساحة العراقية قبل نحو عامين ذروة التوتر الأميركي الإيراني بعد مقتل أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، وقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.

وبينما كانت المنطقة تحبس أنفاسها مترقّبة تحوّل العراق إلى ساحة صراع دولي، اكتفت إيران برد رمزي فجر الثامن من يناير/كانون الثاني 2020، تمثّل في رشقات صاروخية استهدفت قاعدتين أميركيتين بكردستان العراق وغربه.

2nd anniversary of killing of Qasem Soleimani and Abu Mahdi al-Muhandis
موقع اغتيال المهندس وسليماني في غارة جوية قرب مطار بغداد مطلع عام 2020 (الأناضول)

استهداف صاروخي

وتضمن الرد الإيراني إطلاق أكثر من 12 صاروخا باليستيا، أدت إلى حدوث أضرار جسيمة في قاعدة عين الأسد غربي الأنبار وقاعدة حرير في أربيل بإقليم كردستان العراق، وإصابات بين الجنود الأميركيين.

5- طوفان لفت إلى أن إيران اكتفت بهذا الرد الرمزي وطالبت بالتهدئة وعدم التصعيد - الجزيرة نت
طوفان أشار إلى أن إيران اكتفت بالرد الرمزي وطالبت بالتهدئة وعدم التصعيد (الجزيرة)

ويبيّن الخبير العسكري والإستراتيجي أعياد طوفان أن الصواريخ التي استُخدمت هي من نوع كروز روسية الصنع، ومزوّدة بحشوة دافعة إضافية تؤمن لها المدى الطويل على حساب الدقة، وهو ما أدى لسقوط بعضها في مناطق مفتوحة قرب القاعدتين.

ويؤكد طوفان في حديثه للجزيرة نت، أن إيران استهدفت هاتين القاعدتين لعلمها بوجود أعداد كبيرة من القوات الأميركية داخلهما، لذا اكتفت بهذا الرد الرمزي وطالبت بالتهدئة وعدم التصعيد. ويضيف أن القوات الأميركية فضلت عدم الرد كونها لم تتكبد أي خسائر لا في المعدات ولا في البشر، بحسب طوفان.

الشمري أكد بأن وضع العراق كاد أن يكون أكثر هشاشة لو ردت واشنطن على الضربات الإيرانية في حينها - الجزيرة نت
الشمري أكد أن وضع العراق كاد أن يكون أكثر هشاشة لو ردت واشنطن على الضربات الإيرانية (الجزيرة)

اشتباك مفتوح

ويشير رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري إلى أن وضع العراق سيكون أكثر هشاشة لو ردت واشنطن على الضربات الإيرانية التي استهدفت قاعدة عين الأسد وقاعدة حرير في أربيل، وستقوم أذرع إيران العسكرية المتمثلة في الفصائل المسلحة بتحويل العراق إلى أرض اشتباك مفتوح مع الولايات المتحدة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الشمري إن واشنطن أدركت عدم فاعلية هذه الضربات، كما أن مقتل سليماني والمهندس هو حدث كبير جدا، وبالتالي تجد أن الرد الإيراني لم يكن بالمستوى الذي يمكن أن ترد عليه.

ويضيف الشمري أن السبب الآخر لعدم رد واشنطن هو أنها لم تكن تريد الدخول في اشتباك مفتوح، و"هي من خلال اغتيال سليماني والمهندس بعثت برسائل تحذيرية صلبة جدا".

ويعزو أسباب تحول العراق إلى ساحة تصفية بين واشنطن وطهران إلى ضعف الطبقة السياسية الحالية، وارتهانها بأحضان الخارج وتمثل أجندات، وبالتالي لم تضع هذه الطبقة السياسية مصلحة العراق في حسبانها، ولم تعمل على تحييد البلد من هذا الصراع، بل انغمست في صراع المحاور.

وعن أبرز تداعيات الصراع التي أثرت على الواقع العراقي، يشير الشمري إلى صعود السلاح على حساب الدولة، وهيمنة القرار الخارجي على قرار الدولة، ومحاولة جر العراق لمحور على حساب الحياد الذي يحاول أن تنتهجه بغداد.

7- الأعسم: هناك خلافات كبيرة ما بين إيران وأميركا وكانا يعملان على تصفيتها داخل العراق - الجزيرة نت
الأعسم: توجد خلافات كبيرة بين إيران وأميركا وتعملان على تصفيتها داخل العراق (الجزيرة)

استهدافات متكررة

وحول أسباب تكرار الاستهدافات في العراق، يقول الخبير الإستراتيجي صفاء الأعسم إن هنالك ثأرا خلق ثأرا جديدا بعد اغتيال المهندس وسليماني، والذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وأصبح العداء واضحا جدا ومكشوفا لأن الولايات المتحدة تبنّت الاغتيال.

ويضيف الأعسم للجزيرة نت أن هناك خلافات كبيرة ما بين إيران وأميركا، وكانتا تعملان على تصفيتها داخل العراق، وكل منهما تحاول اختراق العلاقات القوية سواء كانت الأميركية أو الإيرانية مع بغداد، وبالتالي كانت تصفية الحسابات والأخذ بالثأر عن طريق العراق.

ويلفت الأعسم إلى أن معظم الفصائل المسلحة مدعومة من الخارج وتمتلك أسلحة خارج سيطرة الدولة وتم استلامها من خارج الحدود، وبالتالي أمدها بالقدرة والسيطرة داخل العراق عن طريق الكتل أو الأحزاب، فهي استطاعت أن تخترق حتى الأمن العراقي. ويرى أن هذه الفصائل استطاعت أن تجعل المصالح الأميركية مهددة ما دامت موجودة داخل العراق، وجعلت أميركا تبني منظومات دفاع جوي.

هل انتهى الرد؟

بدوره يستبعد أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد عدنان كاظم أن تتوقف العمليات العسكرية ضد المصالح الأميركية بعد إعلان الانسحاب من العراق، لا سيما وأن الاتفاق ما بين الجانب العراقي ونظيره الأميركي هو مجرد اتفاق على إنهاء المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق ليس إلا.

ويبيّن للجزيرة نت أن العمليات التي تشن ضد المصالح الأميركية تبقى مرهونة بدرجة الاتفاق المسبق في حسم الملف النووي مع إيران الذي ما زال قيد الحوار عبر مفاوضات فيينا مع الدول الأوروبية وبمشاركة أميركية أيضا.

ويعرب كاظم عن اعتقاده بأن الرد العسكري على حادثة المطار لم تنته بعد، لا سيما وأن سليماني والمهندس يمثلان الحالة الرمزية للقيادة العقائدية التي تعمل من أجل الثوابت وليس المتغيرات (حماية الأرض والمقدسات والحفاظ على سيادة الدولة أيّا كانت) لتبقى نهاية الرد من عدمه متوقفة على طبيعة الوجود العسكري الأميركي في العراق.

ويفيد بأن الانسحاب الأميركي من العراق كان متوقعا كما حصل في أفغانستان لا سيما وأن الإدارة الأميركية لم تتمكن من إدارة قضايا الحروب والصراعات في جميع المناطق التي دخلتها منذ نهاية الحرب الباردة وما بعدها وحتى وقتنا الحاضر.

ووصف أستاذ العلوم السياسية الانسحاب الأميركي بأنه انتصار لجميع العراقيين ولدولتهم، التي تروم العيش بسلام وأمن واستقرار بعيدا عن صراع القوى الكبرى ومصالحها في المنطقة.

خميس يرى بأن عمليات الاستهداف للمصالح الأميركية مرتبطة بالضغط السياسي أكثر مما هي عمليات أمنية - الجزيرة نت
خميس يرى أن الاستهدافات للمصالح الأميركية مرتبطة بالضغط السياسي أكثر مما هي عمليات أمنية (الجزيرة)

ضغط سياسي

من جانبه يقول أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حيدر شاكر خميس إنه من غير المرجح انتهاء عمليات القصف مع الانسحاب الأميركي المحتمل، لأنها في جوهرها عمليات مرتبطة بالضغط السياسي أكثر مما هي عمليات أمنية، ومبرراتها لا يمكن حصرها فقط في الانسحاب الأميركي.

ويضيف خميس للجزيرة نت أنه لا يمكن عدّ هذه العمليات على أنها نهاية الرد على اغتيال سليماني والمهندس، وإنما هي جزء من الحرب الباردة المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران.

ويشدد على أن الانسحاب الأميركي إن حدث، فلا يمكن اعتباره نصرا لإيران أو مؤيديها، وإنما هو خطوة مهمة للحفاظ على مكتسباتها في العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، تتيح لها الاستمرار في المناورة السياسية التي تؤديها منذ عام 2003، والمضي قدما في استخدام هذه الورقة الضاغطة في مفاوضاتها مع الدول الغربية.

ويعرب خميس عن اعتقاده بأن الوجود الأميركي مرتبط بالتوازنات الإقليمية في المنطقة، لكنه حتما يشكل واحدة من أولويات السياسة الأميركية في العقدين الأخيرين، وإن اختلفت قوة التمسك به من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة.

المصدر : الجزيرة