ارتفاع مطالب أهل الشمال وإغلاق الطريق الحيوي.. مشكلات تواجه التجارة بين مصر والسودان

شهد طريق شريان الشمال، الذي تسوده الاحتجاجات، زيادة في الواردات من مصر وعبرها إلى السودان عقب إغلاق ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، وارتفع عدد المركبات المحملة بالمنتجات والسلع القادمة من مصر إلى 85 بدلًا عن 40 شاحنة يوميا.

معبر أشكيت - قسطل البري الحدودي بين مصر والسودان Eshkeet - Qastal الفرنسية
معبر أشكيت-قسطل البري الحدودي بين مصر والسودان (الفرنسية)

الخرطوم- رفع أهالي شمال السودان من سقف مطالبهم التي أشعلتها شرارة زيادة تعرفة الكهرباء إلى نحو غير مسبوق مطلع العام الحالي بلغت في بعض القطاعات 1000%.

وقرر اجتماع لمزارعي الولاية الشمالية تقديم جملة مطالب لوالي المنطقة ومجلس السيادة، مهددين بإغلاق الولاية بالكامل والمطالبة بالحكم الذاتي، وذلك سيعيق طريق التجارة بين مصر والسودان.

وبدأت لجان المقاومة ومواطنون في مناطق عدة نصب الحواجز، مرة أخرى، على طول طريق الشمال الذي يقطع الولاية قادمًا من الخرطوم ومتجهًا إلى وادي حلفا، في أقصى الشمال، ومن ثم يخترق الحدود ليربط السودان بجمهورية مصر العربية.

والثورة التي أشعلتها وزارة المالية بقرار الزيادة الكبيرة في تعرفة الكهرباء بداية العام، وحاول مجلس السيادة إطفاءها بتجميد القرار، سرعان ما عادت بمطالب أخرى، لكن قضية الكهرباء ظلت واحدة منها.

وكان أهل الولاية الشمالية قد رفعوا الحواجز عن الطريق في 13 من الشهر الجاري عقب إغلاق دام 3 أيام، بعد أن كوّن مجلس السيادة لجنة برئاسة عضو المجلس أبو القاسم برطم، للنظر في المشكلة.

وانتهت اللجنة إلى تجميد القرار والعودة للتعرفة السابقة، ولكن سرعان ما عادت الحكومة للعمل بقرار الزيادة مرة أخرى.

معبر أشكيت - قسطل البري الحدودي بين مصر والسودان Eshkeet - Qastal الفرنسية
طريق الشمال يمثّل ممرا حيويا من السودان إلى مصر وتسجل السلطات السودانية ارتفاعا في الواردات من مصر وعبرها إلى السودان في العام الأخير (الفرنسية)

تجاوز قضية الكهرباء

وقال القيادي في الحراك الثوري بمحلية دلقو، عمرو محمد فقير، إن مبادرة مجلس السيادة الأولى كانت لحل مشكلة تعرفة الكهرباء التي أُغلق فيها الطريق، وإن المجلس ليس لديه أي مبادرة جديدة لحل القضية الآن.

ويرى فقير أن المطالب التي رفعها تجمع مزارعي الولاية الشمالية هذه المرة جاءت نتيجة للتحول في الوعي الذي أفرزته "ثورة ديسمبر". وقال للجزيرة نت إن أهالي الولاية تجاوزوا قضية الكهرباء، ويطالبون الآن بحقوقهم في الموارد التي تنتجها منطقتهم، ولكن قضية تعرفة الكهرباء ستظل ضمن القضايا الرئيسة.

ويؤكد رئيس رابطة منطقة "أبدوم قشابي"، محجوب محمد محجوب، أن أبناء الشمالية صعّدوا من مطالبهم الآن، وينادون بوقف الصادرات لمصر، التي لا تعود على البلاد بفوائد من العملة الأجنبية.

وقال محجوب -للجزيرة نت- إن القيادات المجتمعية وكل أهل الشمالية وقفوا ضد زيادة تعرفة الكهرباء بهذا الشكل، لأنها ستؤثر في الزراعة تأثيرا مركزيا، خاصة أن الشمالية تعتمد على الري عبر المضخات من نهر النيل والآبار التي تعمل بالكهرباء.

وحذر من توقف المشاريع الكبيرة عن العمل إذ بلغت الزيادة في تعرفة الكهرباء 1000%، وهو "شيء غير معقول"، على حد قوله.

شروط لتجنّب التصعيد

ووضع تجمع مزارعي الولاية الشمالية شروطًا للحكومة المركزية لتجنب التصعيد، على رأسها تقنين دخول الشاحنات المصرية، والتعامل بالمثل في دخول السائقين لكلا البلدين، وإنشاء موازين على طريق شريان الشمال.

كما طالب بمنح الولاية نصيبها من كهرباء سد "مروي"، البالغ 5%، إلى جانب تحديد نصيب الولاية من عائدات التعدين، ومناهضة زيادات تعرفة الكهرباء الأخيرة، وإنشاء ترعتي سد مروي.

وقال إن نصب الحواجز في الطريق لمنع استنزاف موارد السودان، والغاية منها إيقاف تصدير ثروات البلاد دون عائد مجزٍ. وأكد أن هذا الإجراء جاء بعد انضمام كل القوى السياسية والمجتمعية إلى الحراك.

سد مروي الذي تطالب الولاية الشمالية بنصيبها من كهربائه (رويترز)

آثار اقتصادية سلبية

وشهد طريق شريان الشمال زيادة في الواردات من مصر وعبرها إلى السودان عقب إغلاق ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. وحسب تصريح سابق لمدير معبر أشكيت الحدودي بين مصر والسودان، اللواء عباس كردي، فقد ارتفع عدد المركبات المحملة بالمنتجات والسلع القادمة من مصر إلى 85 بدلًا عن 40 شاحنة يوميا.

ويصدّر السودان إلى مصر محاصيل السمسم والموز والخضراوات واللحوم المذبوحة والحية والقطن، في حين يستورد معدات ومدخلات الإنتاج والسيراميك والأواني المنزلية والمواد الغذائية والأثاث.

ويقول المحلل المالي والاقتصادي بابكر إلياس إن آخر إحصائية للتجارة الخارجية أصدرها البنك المركزي تشير إلى أن مصر هي أكبر سوق للصادرات من السودان بين دول الكوميسا "السوق المشتركة لشرق أفريقيا وجنوبها".

ويميل الميزان التجاري بين البلدين إلى مصلحة مصر، فقد بلغ حجم الصادرات السودانية لمصر في عام 2020-2021 أكثر من 346 مليون دولار، في حين بلغت واردات السودان من مصر أكثر من 606 مليون دولار.

وقال إلياس إن الواردات تشمل مستلزمات صناعية بنسبة 35% من جملة الواردات، في حين تبلغ نسبة واردات المواد الاستهلاكية 65%. وأضاف أن طريق الشمال اضطلع بدور أساسي في التجارة بين البلدين إبان الأزمات السياسية والاقتصادية، وعمل على تطوير التبادل التجاري الإقليمي وزيادته.

وحذر إلياس من أن إغلاق طريق الشمال له آثار سلبية على الدولتين، وأن إغلاق طريق الشرق وميناء بورتسودان على البحر الأحمر أدى إلى  تمركز للصادرات الحيوانية والزراعية لمصر وعن طريق مصر، وهي مصدر للإيرادات بسوق سعر الصرف في السودان.

وقال إن ذلك سيؤدي إلى تآكل القيمة المضافة المحلية الوطنية في سلسلة قيمة الإنتاج، وستتوقف المصانع المحلية رغم قلتها، لاعتمادها على استيراد مدخلات التصنيع، وذلك سيشكل ضغطا على سوق سعر الصرف للجنيه السوداني في ظل تنامي الطلب على الدولار لمقابلة الدفع إلى الاستيراد، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى انخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.

وقال إلياس إن الأثر المباشر يقع على ميزانيات الدفاع والأمن التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الصادرات غير الدفاعية والمبيعات بإدارة وإشراف الشركات الأمنية والعسكرية في السودان.

المصدر : الجزيرة