تضمنت 12 بندا لإعادة بناء الثقة مع دول الخليج.. كيف سيتعاطى لبنان مع مقترحات وزير الخارجية الكويتي؟

يرى مراقبون أن مقياس تداعيات زيارة وزير الخارجية الكويتي هو موقف حزب الله منها، لأنه سينظر إليها كرسالة موجهة ضده.

Kuwait's Foreign Minister Sheikh Ahmad Nasser Al-Mohammad Al-Sabah visits Beirut
ميشال عون (يمين) أثناء استقباله الشيخ أحمد ناصر الصباح في قصر بعبدا (رويترز)

بيروت- تركت زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح أصداء متباينة في بيروت، بين من اعتبرها مدخلا مهما لبناء العلاقات اللبنانية الخليجية، وبين من وجد فيها رسائل تثير مسائل خلافية في لبنان، وتحديدا حول نفوذ حزب الله.

ويرى محللون أن بنود ورقة الصباح التي سلمها للأطراف الرسمية اللبنانية، ينتظر الرد عليها تزامنا مع اقتراب الاجتماع التشاوري لمجلس وزراء الخارجية العرب في الكويت نهاية يناير/كانون الثاني الجاري.

وفي زيارة دامت يومي السبت والأحد، اجتمع الشيخ الصباح مع عدد من المسؤولين اللبنانيين. واكتسبت الزيارة أهميتها من كونها الأولى لمسؤول خليجي رفيع المستوى مند الأزمة بين لبنان ودول خليجية، على خلفية تصريحات لوزير الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وصف فيها حرب اليمن بأنها عبثية، وعلى إثرها سحبت دول خليجية طواقمها الدبلوماسية من لبنان.

Kuwait's Foreign Minister Sheikh Ahmad Nasser Al-Mohammad Al-Sabah visits Beirut
وزير الخارجية الكويتي دعا الأطراف اللبنانية إلى ضرورة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية (رويترز)

فماذا تضمنت رسالة الصباح إلى لبنان؟

وصفت رئاسة الجمهورية زيارة الصباح بـ"مبادرة إعادة بناء الثقة"، وأكد الأخير رفض تحويل لبنان إلى منصة لإطلاق العدوان اللفظي على دول الخليج، داعيا الأطراف اللبنانية إلى ضرورة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية.

وهنا، تشير الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف إلى أن تعبير وزير خارجية الكويت عن موقف خليجي عربي دولي، يكشف مضامين بنود رسالته، وترتكز وفق معطياتها على الأمور الآتية:

  •  أن ينأى لبنان بنفسه عن شؤون المنطقة، ولا يكون مصدرا لزعزعة أمن الدول العربية والخليجية.
  • أن يلتزم باتفاق الطائف الذي رعته الرياض عام 1989.
  •  أن يضبط لبنان حدوده البرية والبحرية والجوية وجميع المعابر غير الشرعية، والقضاء على عمليات تصدير المخدرات.
  •  أن تنفذ الحكومة اللبنانية كل الإصلاحات المطلوبة منها للتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
  • والأهم -برأيها- أن يلتزم لبنان بالشرعية الدولية وينفذ قرارات مجلس الأمن، مثل "1701" و"1680″ و"1559″، وتحديدا الأخير الذي يدعو إلى حل المليشيات والتنظيمات المسلحة، وما يتبعها تاليا من حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، ومناقشة الإستراتيجية الدفاعية للبنان عند جبهة الجنوب.

من جانبه، يشير الكاتب والمحلل السياسي جوني منير إلى أن الأولوية في زيارة وزير خارجية الكويت، تعطى راهنا لـ3 أمور، نظرا للخلافات الإشكالية حول القرارات الدولية، وهي: وقف تهريب المخدرات، ووقف تدخل حزب الله بالحرب اليمنية ودعم الحوثيين، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.

غير أن الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي (مقرب من حزب الله) يجد من الطبيعي أن يتعامل الموقف الرسمي اللبناني بمنطق مد اليد مع زيارة الوزير الكويتي، "لكن حزب الله قد يقرأ بعض بنودها بمنطق الشروط التي لا يمكن الرضوخ لها".

ويعتبر بزي ألا مشكلة لدى حزب الله بالحديث عن القرارات الدولية ذات الصلة، لأن البيانات الوزارية تتطرق لها.

وعن القرار "1559"، فهو نافذ بالنسبة لحزب الله -بحسب بزي- "لأن مليشيات الحرب الأهلية انحلت والجيش السوري انسحب وسلاح المقاومة (لحزب الله) يستمد شرعيته من البيانات الوزارية المتعاقبة، بلغة واضحة أو غير مباشرة".

وقال إن "سلاح حزب الله عنوان متفجر بلبنان، سياسيا وطائفيا، ويرتبط مباشرة بالنزاع مع إسرائيل وعدوانها المستمر على لبنان وعلى ثرواته"، وأوضح أن الإستراتيجية الدفاعية بند مطروح للنقاش لبنانيا، "لكن دور سلاح المقاومة تكاملي مع دور الجيش بمواجهة إسرائيل".

 ما التوقعات بشأن ردّ السلطات اللبنانية على مقترحات الصباح حول القرارات الدولية الإشكالية في الداخل؟

يعتبر علي درويش النائب في كتلة الوسط البرلمانية (برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي) قبيل اجتماع الحكومة، أنها ستتعاطى بجدية وإيجابية مع زيارة الوزير الصباح، مذكرا بأن البيان الذي يحكم عمل حكومة ميقاتي ينص على سياسة النأي بالنفس وبناء أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب.

وقال النائب للجزيرة نت إن حكومة ميقاتي لا تنظر إلى رسالة الصباح كشروط بقدر ما هي أفكار وخريطة طريق لإعادة اللحمة مع الخليج، و"ستسعى بخطوات عملية إيجابية تجاه الزيارة التي أعطت زخما للداخل وشكلت دعما للحكومة".

وتلفت بومنصف إلى أن زيارة الصباح هي بمثابة مبادرة خليجية لفتح الأبواب أمام لبنان، ولدحض الذرائع التي تربط بين الانهيار اللبناني وعزلته عن الخليج والعرب.

وتتوافق المحللة مع جوني منير في أن الزيارة تتقاطع مع بنود المبادرة الفرنسية السعودية التي صدرت ببيان مشترك أثناء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للخليج في ديسمبر/كانون الأول 2021، وتأتي خطوة متكاملة بعد البيانات الخليجية المشتركة تجاه لبنان، أثناء جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في دول الخليج.

وقالت بومنصف للجزيرة نت إن المبادرة بعد الأزمة الدبلوماسية تتطلب التعاطي معها بشكل مختلف، بعدما عبّر الخليج -وفقها- عن عدم نيته ترك لبنان وحيدا، ولنفوذ إيران بالمنطقة.

وأضافت أن الدور الخليجي والعربي حاجة ماسة للبنان، خصوصا مع توجه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لعدم المشاركة في انتخابات مايو/أيار المقبل، وما يمكن أن يتركه من فراغ كبير في الساحة السنية الداخلية وخلط لأوراق الانتخابات ونتائجها.

Kuwait's Foreign Minister Sheikh Ahmad Nasser Al-Mohammad Al-Sabah visits Beirut
ميشال عون أشاد بـ"مبادرة إعادة بناء الثقة" التي قدمها الوزير الصباح (رويترز)

تقديرات بعد الزيارة

وبينما تتجه الأنظار لأصداء الخطوة داخليا بعد اختتام وزير الخارجية الكويتي زيارته، يرى جوني منير أن مقياس تداعيات الزيارة هو موقف حزب الله منها، لأنه سينظر إليها كرسالة موجهة ضده، مذكرا أن كل المحاولات اللبنانية منذ عام 2005 عجزت عن بلوغ تفاهمات ترضي المجتمعين العربي والدولي حول نفوذ حزب الله وسلاحه والإستراتيجية الدفاعية.

ويتوقع -عبر الجزيرة نت- أن يقابلها الحزب بالردّ أو بالصمت السلبي أيضا، إلا إذا قاربها بميزان تحولات إقليمية، وتحديدا على مستوى نتائج مفاوضات فيينا، قد تدفعه لتغيير سياسة تعاطيه مع الخليج.

وأضاف أن لبنان الرسمي غير قادر على فعل شيء حول الاتهامات الخليجية بتورط حزب الله في حرب اليمن.

وتستبعد روزانا بومنصف إنجاز خطوات متقدمة قبل الانتخابات البرلمانية ونهاية عهد الرئيس ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، "لأن كل البنود المطروحة تتطلب نقاشا جديا داخليا بين القوى اللبنانية التي تنشغل حاليا بحساباتها الانتخابية".

وأوضحت أن لدى حزب الله أجندة مختلفة، داخليا وإقليميا، قد تعيق الانفتاح بين لبنان والخليج، معتبرة أن "إصراره على دعم الحوثيين، معنويا وعمليا، يشكل ضررا كبيرا للبنان".

ويتوقع وسيم بزي أن يترك حزب الله للجانب الرسمي اللبناني التفاعل مع مضمون الزيارة، دون أن يأخذها بالمدى المنظور كمناسبة تصعيدية للسجال.

ماذا عن السفراء؟

يجد منير أن عودة سفراء الخليج إلى لبنان بعد الزيارة، وإن شكلت نقطة تحول تمهيدية في العلاقات، تتطلب خطوة من لبنان، بعدما تبين أن استقالة قرداحي غير كافية.

وتفيد بومنصف أن سحب السفراء والدبلوماسيين كان رسالة قوية لبنان، و"عودتهم ممكنة لكنها مقرونة بإجراءات لبنانية ملموسة تعيد الحرارة إلى العلاقات، بدل الاكتفاء بكلام عاطفي رسمي حول الحرص على العلاقات مع الخليج".

المصدر : الجزيرة