إسرائيل "تشوّش" على بيروت.. ما أسباب تشكيكها بمصدر الغاز المصري إلى لبنان؟

يقول الخبراء إن تل أبيب ليست من مصلحتها تفعيل خط الغاز العربي، دون الحصول على مكاسب. لذا تقوم بالضغط على لبنان في ملف ترسيم الحدود للحد من عمليات التنقيب التي تطمح بيروت لتنفيذها بيروت بالمياه المتنازع عليها مع إسرائيل.

Lebanon, Israel resume U.S. mediated maritime talks
إسرائيل تضغط لترسيم الحدود البحرية مع لبنان والحد من تنقيبه عن الغاز (رويترز)

بيروت- تواصل إسرائيل تشكيكها بمصدر الغاز المصري الذي ينتظر لبنان وصوله عبر "الخط العربي" بعد إنجاز الاتفاقية، تقنيا ولوجستيا وماليا.

وهي ليست المرة الأولى التي تدّعي فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن واشنطن وافقت على اتفاقية لتوريد الغاز إلى لبنان، وأنه سيُنقل من إسرائيل إلى الأردن، ومن ثم عبر خط الأنابيب لسوريا ومن هناك إلى لبنان، وهو ما سارعت الخارجية الأميركية إلى نفيه، حسبما أوردت القناة-12 العبرية.

ويروج الإعلام الإسرائيلي لهذه الرواية منذ اتفاق وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر وسوريا، في سبتمبر/أيلول 2021، على خريطة طريق لإمداد لبنان بالكهرباء الأردنية والغاز المصري، للمساهمة في حل أزمته الكبيرة بالطاقة.

ورسميًا، كذّبت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية التقارير الإسرائيلية حول رعاية واشنطن اتفاقية توريد غاز إسرائيلي للبنان، مؤكدة أن نصّ الاتفاقية صريح من ناحية نقل الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا وصولًا إلى لبنان، كما نفت الخارجية الأميركية صحة التقارير عن رعاية واشنطن صفقة في مجال الطاقة بين لبنان وإسرائيل، تنقل بموجبها إسرائيل كميات من الغاز إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.

ولقيت الادعاءات الإسرائيلية صدىً كبيرا في بيروت نظرًا لحساسيتها تجاه كيان "عدو للبنان" ودفعت كثيرين للسؤال عن حقيقة مصدر الغاز، وإن كان يُنقل بنفس الأنبوب بين مصر وإسرائيل، ويختلط معه.

سوريا / النظام السوري أعلن على وجه السرعة جاهزية خط الغاز في أراضيه لاستقبال الغاز المصري المصدر إلى لبنان (أ ف ب)
النظام السوري أعلن سابقا جاهزية خط الغاز بأراضيه لاستقبال الغاز المصري المصدر للبنان (الفرنسية)

ماذا يقول الخبراء؟

بحسب الاتفاقية، فمن المفترض أن توفر مصر للبنان نحو 60 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا، عبر شركة "إيجاس" المصرية للغازات الطبيعية، وذلك عبر عملية مبادلة "Swap" من حقول الغاز في حمص، حيث تقع نهاية نقطة الخط العابر من مصر فالأردن وسوريا.

وهنا، يشرح الجانبَ التقني الخبيرُ والمستشار بالشؤون النفطية ربيع ياغي، مذكرًا بوجود خطين للغاز في مصر، الأول ينطلق من العريش ويوصل خط الغاز لإسرائيل. أمّا الثاني، فهو الخط العربي، ويصل من العريش إلى الأردن فسوريا، وكان من المفترض حسب الخطة أن يصل لبنان لكنه توقف عند حمص في سوريا.

وقال الخبير التقني إن إسرائيل كانت تستورد الغاز من العريش، وصارت العملية معكوسة، إذ صارت دولة الاحتلال تصدّر الغاز إلى مصر بغرض تسييله من العريش، ومن ثم يجري تصديره.

ويوضح أن إسرائيل لا تنقل عبر خط الغاز العربي، ولا سلطة لها على الغاز الذي يخرج من مصر لتصديره إلى الأردن ومن ثم سوريا، وأن لبنان لديه خط غاز بُني بطول نحو 32 كيلومترا يربطه مع حمص.

وما يدحض المزاعم الإسرائيلية -برأيه- أن سوريا هي من ستأخذ الغاز المصري وتعطي بدلا منه للبنان بنفس الكمية والنوعية. وتاليا، فإن لبنان يحصل على غاز سوري مقابل رسوم معينة لخط النقل.

ويعود بناء "خط الغاز العربي" إلى عام 2003. وسبق لمصر أن صدرت الغاز الطبيعي إلى لبنان عبره بين عامي 2009 و2011. ثم استجلب لبنان الكهرباء بمعدل 250 ميغاوات، بمراحل متقطعة أثناء الحرب السورية، وتوقف نهائيا عام 2019، تحسبا لعقوبات قانون "قيصر" الأميركي ضد النظام السوري.

لبنان يتعاقد مع مصر فقط

ويتفق مارك أيوب الأكاديمي والباحث في مجال الطاقة بالجامعة الأميركية في بيروت، مع تشخيص ياغي التقني، معتبرًا أن الدولة اللبنانية لا يمكن أن توقع على اتفاقية غاز تشكّ أن مصدره إسرائيلي، لأنه في حال كشف المشروع سيسقط تلقائيا بالحكومة والبرلمان.

ومن جانبه، يؤكد وزير الطاقة اللبناني وليد فياض أن الجانب المصري أكد له ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن مصدر الغاز مصري 100%.

وقال فياض -للجزيرة نت- إن لبنان يتعاقد مباشرة مع مصر، وهو غير معني بعلاقاتها التجارية ولمن تصدر الغاز، وإن بلاده نهاية المطاف ستحصل على غاز من سوريا، والتي تحتاج وفقه أيضًا للغاز المصري بسبب التعديات على خطوطها خلال الحرب.

عمليات إنشاء خط أنابيب ناقل الغاز الطبيعي من إسرائيل للأردن (الجزيرة)

تحديات كبرى

ويعوّل لبنان كثيرًا على اتفاقية توريد الغاز المصري والكهرباء الأردنية، ومن شأن إنجازهما رفع ساعات التغذية بالبلاد إلى نحو 10 ساعات يوميا، مع احتساب الفيول العراقي (النفط الخام) ضمنًا. لكن هذا المشروع ما دونه عقبات كثيرة:

  • تقنيا، إصلاح الخطوط، وتحديدا بالجهتين اللبنانية والسورية، وقد تأجل توريد الغاز بعد أن كان مقررًا في يناير/كانون الثاني 2022.
  • ماليا، كيفية حصول لبنان على قرض البنك الدولي لدفع ثمن الغاز العام الأول على الأقل، والحصول عليه مقرونا أيضا بشروط إصلاحية.
  • أميركيا، يستمر القلق من مدى جدية واشنطن بإعطاء ضوء أخضر يعفي أطراف الاتفاق من "عقوبات قيصر" لتعاملهم مع النظام السوري. وفيما تطالب مصر باستثناء رسمي وعدم الاكتفاء بالتطمينات الشفهية، سلّمت سفيرة واشنطن في بيروت، دوروثي شيا، رئيس الوزراء اللبناني رسالة حكومتها، وتتضمن بعض التطمينات حول تسهيل وصول الغاز والكهرباء، وطلبت عدم القلق من العقوبات.

ما أسباب تشويش إسرائيل على لبنان؟

وقّع لبنان عام 2018 على أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط، وجزء منه يقع في "البلوك 9" بالمياه الإقليمية المتنازع عليها مع إسرائيل. وبالتالي، لن يستطيع لبنان التنقيب إلا بعد إنجاز مفاوضات ترسيم الحدود غير المباشرة.

وتوقفت هذه المفاوضات، التي تجري بوساطة أميركية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، بسبب الخلاف على خرائط المساحات البحرية، ومطالبة لبنان بالتفاوض على مساحة 2290 كيلومترا، بناء على خرائطه، بدل مساحة 860 كيلومترا.

ومن المفترض أن يحضر الوسيط الأميركي آموس هولشتاين، قريبا، إلى بيروت لتحريك ملف ترسيم الحدود البحرية، بحسب ما أعلن مؤخرا وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب.

انطلاقًا من ذلك، يعتبر بالباحث بالجامعة الأميركية أن إسرائيل، ومن خلفها واشنطن، تضغط باتجاه تضمين الغاز المصري بسلة واحدة مع المطالب الأخرى من لبنان، وفي طليعتها ترسيم الحدود.

وقال أيوب إن ثمة ربطا ضمنيا بين الغاز المصري وترسيم الحدود، مما يدفع إسرائيل لمواصلة استفزاز لبنان والتشويش عليها لانتزاع المزيد من التنازلات، عبر طريقين:

  1. إيهام الإعلام العالمي والعربي أن لبنان المنهار يستفيد من غاز إسرائيلي، وأن عمليات التطبيع بمختلف أشكالها المباشرة وغير المباشرة ليست عصية.
  2. الضغط على لبنان بملف ترسيم الحدود، والرضوخ لشروطها.

وبحسب المستشار بالشؤون النفطية (ياغي) فإن إسرائيل ليست من مصلحتها تفعيل خط الغاز العربي، دون الحصول على مكاسب.

ومن جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي داود رمال أنه إذا تمكنت إسرائيل لاحقًا من إثبات أن لبنان يستفيد من غازها عبر مصر، فقد تدفع الشركات التي ستنقب عن الغاز بالحقول اللبنانية مستقبلًا إلى التشبيك مع الأنبوب الإسرائيلي طمعا بمطالبة لبنان بدفع بدل استخدام الناقل الإسرائيلي "وهذا ما لا يمكن مروره في لبنان بالاتفاقيات والعقود".

المصدر : الجزيرة