بين الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سوريا.. ما أبزر الإشكاليات والتحديات التي تواجه لبنان لتوفير الطاقة؟

الخبيرة في شؤون النفط والغاز لوري هايتيان: الضوء الأخضر الأميركي يأتي تحت عنوان الحاجة الإنسانية للبنان، ولا ضمانة لاستمراريته إذا طرأت تبدلات سياسية قد تدفع أطراف الاتفاقية إلى دائرة العقوبات.

أسلاك كهربائية موصولة بمولد يعمل عندما تكون شبكة الكهرباء الوطنية معطلة في الأوزاعي جنوبي بيروت (الأوروبية)

بيروت – يختزل ملف الطاقة معاناة لبنان، وأضحى الوصول إليها -بوصفها سلعة- من الكماليات والترف، نظرًا لكلفة المحروقات التي ترمي ثقلا كبيرا على ميزانيات الأسر بعد رفع الدعم عن استيرادها، في حين تتجه الأنظار للإجراءات الرسمية، وتحديدا من وزارة الطاقة.

ومقابل ظلام يحل على يوميات اللبنانيين -إذ تتوفر الكهرباء 6 ساعات يوميا على أقصى حد- ثمة بصيص أمل لم يخلُ من هواجس كبيرة، بعد توقيع اتفاقية استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء اللبنانية، في سبتمبر/أيلول الماضي، بين لبنان والأردن ومصر وسوريا.

ومع ذلك، ثمة أسئلة كثيرة حول مضمون الاتفاقية والعوائق التي تعترضها، رغم إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لإمكانية استثناء المشروع من عقوبات "قانون قيصر" الذي يحظر التعامل مع السلطات السورية.

تطمينات أميركية

يشير وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض -في حديث خاص للجزيرة نت- إلى ترقب الموقف النهائي للإدارة الأميركية لجهة ألا يتبع تنفيذ المشروع فرض عقوبات مرتبطة بقانون قيصر، موضحا عدة نقاط:

  • مصريا، قال فياض إن "السلطات المصرية حصلت على رسالة تطمينات من الإدارة الأميركية، فحواها أن الاتفاقية لن تعرضهم للعقوبات".
  • سوريا، السلطات السورية "مهتمة بالاتفاقية، ووضعت استثمارا خاصا لإصلاح أنابيبها حتى لا تكون عائقا لإنجازها".
  • لبنانيا، قال فياض "نلتُ تطمينات من الجانب الأميركي عبر شخصيات ألتقيها، وعلى الأرجح لن يُعنى لبنان بعقوبات قيصر، ونحاول التدقيق والتأكد بمساعدة وزارة خارجيتنا".
منظر عام لمحطة "فاطمة غول سلطان" العائمة لتوليد الكهرباء الراسية قبالة شاطئ بلدة زوق مصبح شمال لبنان (الأوروبية)

فما الرؤية الرسمية اللبنانية للمشروع؟

يشرح وزير الطاقة تفاصيل الاتفاقية، معتبرا أن لبنان يحاول -عبر الغاز المصري والكهرباء الأردنية- رفع التغذية لشبكة كهرباء لبنان؛ لأنها "أرخص وطاقتها نظيفة قياسا للكهرباء التي تنتجها المولدات الخاصة".  ويقرّ فياض بأن رفع الدعم عن استيراد المحروقات كشف حجم معاناة السكان للحصول على التغذية الكهربائية من المولدات الخاصة المعتمدة على الديزل، وأنه "كان خيارا ضروريا، إذ لا نملك المال لاستيراد الفيول (الوقود) عشوائيا".

بين الغاز المصري والكهرباء الأردنية

يلفت الوزير فياض إلى أن استجرار الغاز المصري سيؤمن أرخص كيلوواط للكهرباء، ويرتبط بسعر خام برنت عالميا، ويتراوح بين 7 أو 10 دولارات لكل "ألف وحدة حرارية" (MBTU)، ويبلغ نحو 7 سنتات للكيلوواط، وتضاف إليه كلفة التوزيع والنقل والهدر بالشبكة.

أما الكهرباء الأردنية -بحسب الوزير- فسيتم توريدها من فائض الكهرباء الأردنية، ويجب على لبنان دفع الكلفة للأردن، وستحصل سوريا كمية من الكهرباء مقابلا للنقل، وستكلف لبنان حدود 12 سنتا للكيلوواط.

وهكذا، بحسب الفياض "سيحصل لبنان بحد أقصى على 250 ميغاواط كهرباء، وبحد أدنى 150 ميغاواط، وستوفر للبنان نحو ساعتي كهرباء إضافية يوميا".

والغاز المصري سيوفر نحو 4 ساعات كهرباء، "أي أن ساعات التغذية سترتفع إلى 10 ساعات يوميا، إذا احتسبنا ضمنا الفيول (الوقود) العراقي"، وفقا للوزير.

أسلاك كهربائية موصولة بمولد يعمل عندما تكون شبكة الكهرباء الوطنية معطلة في أحد أحياء طرابلس المكتظة (الأوروبية)

جدول زمني ومالي

من المتوقع بلوغ التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 200 مليون دولار بالسنة الأولى، وأن تموّل بقرض من البنك الدولي.

تقنيا، يرى خبراء أن تنفيذ المشروع به عدة ملاحظات، مثل فحص شبكة النقل من الجهة السورية، لأنها تصل من الأردن إلى درعا في سوريا ثم تعبر إلى لبنان، كما أن خط الغاز يحتاج إلى رصد أضرار الأنابيب -خاصة في حمص- لتحديد إن كانت تستوجب إعادة تأهيل أم إعمار.

وهنا، يشير الوزير فياض إلى دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بأقرب وقت ممكن، بعد حسم مسائل عدة كتمويل البنك الدولي والتعاقد مع الشركات المشغلة وإصلاح خط الغاز.

وقال فياض إن لبنان يحتاج إلى أشهر قليلة لإتمام الاتفاقية، كاشفا عن أن مجلس إدارة البنك الدولي سيجتمع بداية يناير/كانون الثاني 2022، لإقرار برنامج التمويل.

هذه الاتفاقية هي الحل الأمثل لأزمة الكهرباء، برأي وزير الطاقة؛ في حين ينكب على إيجاد حلول داخلية أخرى، مذكرا بأن مؤسسة كهرباء لبنان تعاني شحا كبيرا بالتمويل لأن تعرفتها منخفضة، ولديها احتياجات لجهة تمويل المحطات، ومشغلي خدماتها.

وقال "هناك توجه فعلي لدى وزارة الطاقة لرفع تعرفة الكهرباء، ولن تنفذ القرار من دون دراسة تضمن عدم إلحاق الضرر بالفئات الاجتماعية الفقيرة، لكنه خيار أوفر وأفضل من الاتكال على المولدات الخاصة".

منظر عام لبيروت مع الأضواء في بعض المباني فقط حيث يعاني المواطنون انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم (الأوروبية)

معضلة التعرفة

يرى كثيرون أن ملف الكهرباء يختزل تركيبة الفساد من جهة الصفقات المشبوهة على مدار العقود الثلاثة الماضية.

ويشير الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن خسائر لبنان بقطاع الكهرباء من عام 1992 حتى 2020 بلغت نحو 38 مليار دولار، أي نحو 40% من الدين العام؛ ويربط ذلك بأسباب عديدة، كالسرقة من الشبكة، وعدم الجباية ودعم تعرفة الكهرباء.

ومع بناء أول معمل بالسبعينيات وآخرها معمل دير عمار عام 1998، يولّد لبنان الكهرباء من 7 معامل حرارية تشكو من تقادمها وإنتاج الكهرباء بكلفة عالية متوسطها 14 سنتا للكيلوواط بالساعة، بينما المعامل الحديثة تنتج كهرباء بأقل من 3 سنتات.

أما السعر الوسطي لمبيع الكهرباء للمواطن المستهلك، فيبلغ نحو 8.6 سنتات للكيلوواط، وهذه الفجوة الأساسية بالخسائر بين الإنتاج والمبيع، بحسب الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي ومسؤول ملحق "رأس المال" بجريدة الأخبار اللبنانية محمد وهبة.

وقال إن التعرفة الموضوعة حاليا وفق سعر برميل النفط 20 دولارا، وإن الخسائر المباشرة يترتب عليها خسائر إضافية مرتبطة بالاقتصاد.

لبنان شهد شهورا من الاحتجاجات ضد الحكومة الحالية تغذيها الحالة المتردية للاقتصاد المحلي (الأوروبية)

المواطن هو الضحية

يوضح وهبة أن المواطن اللبناني يتكبد عبء فاتورتين للكهرباء، وقال إنه قبل انهيار الليرة "شكلت فاتورة المولدات الخاصة، نحو 40% من الكهرباء المستهلكة، وكانت أرخص نسبيا من شركة كهرباء لبنان".

وبعد الانهيار ورفع الدعم عن المحروقات -حسب وهبة- بلغ سعر مبيع الكهرباء نحو 25 سنتا للكيلوواط للمولدات الخاصة، بينما بقيت مستقرة عند 8.6 سنتات لدى شركة كهرباء لبنان. وتاليا، "أصبحت المولدات الخاصة أغلى بكثير من كهرباء الدولة، وصارت توفر نحو 70% من الطاقة المستهلكة".

وهكذا، ارتفعت الأعباء على ميزانيات الأسر، وتحتاج -بالحد الأدنى- إلى استهلاك كهرباء بقيمة 850 ألف ليرة (تعادل 34 دولارا)، أي أكثر بـ1.25 مرة من الحد الأدنى للأجور. ويُذكّر وهبة بأن 50% من اللبنانيين أجورهم لا تتجاوز مليون و100 ألف ليرة، أي ينفقون 76% من دخلهم على فاتورة الكهرباء.

متظاهرة تحمل لافتة كتب عليها "24/24 عتمة" (الأوروبية)

حلول مجتزأة؟

الخبيرة في شؤون النفط والغاز لوري هايتيان تعد استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية حلا مؤقتا بدون الذهاب إلى حلول مستدامة.

وقالت -للجزيرة نت- إن المطلوب إنتاج كهرباء بأقل سعر وبالطاقة النظيفة، وحلّ أزمات "كهرباء لبنان" لأنها شركة خاسرة بسبب تقادم شبكتها، وغير قادرة على تسديد ديونها للدولة.

وترى هايتيان أن الضوء الأخضر الأميركي يأتي تحت عنوان الحاجة الإنسانية للبنان، ولا ضمانة لاستمراريته إذا طرأت تبدلات سياسية قد تدفع أطراف الاتفاقية إلى دائرة العقوبات.

كما تجد صعوبة في ضمان عدم إخلال الجانب السوري ببنود الاتفاقية "لأن العلاقات الرسمية غير واضحة بين لبنان وسوريا".

وتذكر الخبيرة بأن إصلاح الشبكة من الناحية اللبنانية والسورية ليس سهلا، وربما يستغرق وقتا، ويحتاج إلى تكاليف باهظة. وتضيف أن العراقيل المالية تكمن في آلية تسديد لبنان لقرض البنك الدولي بالدولار.

من جانبه، يجد محمد وهبة أن أي اتفاقية تؤدي إلى خفض كلفة الإنتاج، "تفيد لبنان اقتصاديا، بمعزل عن الأهداف السياسية الموجودة دائما".

وقال إن الحصول على الطاقة النظيفة يعد خطوة إيجابية، خاصة أن كلفة إنتاجها للكهرباء ستكون أقل بـ50%.

ويجد وهبة أن ثمة مشكلة تواجه الاتفاقية على مستويين: خارجيا، يجب على لبنان تسديد كلفة استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية بالدولار، وداخليا أصبح سعر الدولار مرتفعا، أو بمعنى آخر "المواطن اللبناني يدفع سعر الكيلوواط الذي يستهلكه بالليرة، بينما على الدولة أن تسدده للخارج بالدولار".

أما الحل الأمثل برأي هايتيان -إذا كان هدف لبنان كهرباء 24 ساعة- فهو السعي إلى إنشاء معامل حديثة تعتمد على الغاز، والتحول تدريجيا نحو الطاقة المتجددة، وهذا "يتطلب رؤية جديدة لقطاع الكهرباء وإنشاء هيئة ناظمة، وإصلاحات بنيوية وفصل وزارة الطاقة عن التدخلات السياسية".

المصدر : الجزيرة