200 انقلاب خلال 60 عاما.. بعد غينيا هل بات العسكر عنوان التغيير المفضل في أفريقيا؟

أدت الانقلابات إلى ارتفاع البطالة بشكل هائل في أوساط الشباب، وترغيب الجنرالات المتحكمين واستيعابهم في مرتزقة يخدمون مصالحهم.

Special forces members are seen during an uprising that led to the toppling of president Alpha Conde in Kaloum neighbourhood of Conakry
عناصر من القوات الخاصة الغينية خلال الأحداث التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي في حي كالوم بالعاصمة كوناكري (رويترز)

الجزيرة نت – صباح الأحد الماضي، استيقظ الغينيون في عاصمة بلادهم "كوناكري" على وقع تبادل لإطلاق نار بين عناصر من القوات الخاصة من جهة، وموالين للرئيس ألفا كوندي من جهة أخرى.

كانت هذه حلقة من حلقات الانقلابات التي لا تنتهي في أفريقيا، ومن غير المتوقع أن تكون الأخيرة، ما دام كثيرون في القارة السمراء يصفّقون للعسكر، وينتظرون التغيير والإصلاح والرفاه مع كل انقلاب لا يزيحه إلا آخر مثله.

وكلما ظنت الشعوب الأفريقية أنها قد غادرت تجربة الانقلابات وتحكّم العسكر في مسار وتوجهات دولها، مدّت الجيوش لسانها ساخرة، لتؤكد خيبة الأمل في التحرر من دوامة عدم الاستقرار بسبب هيمنة العسكر على الحياة العامة، نطرح جملة من الأسئلة والإجابات لنتعرف على قصة أفريقيا التي لا تنتهي مع الانقلابات التي يبدو أنها باتت لغة مفضلة للتغيير.

– ما تاريخ الانقلابات في أفريقيا؟

شهدت دول أفريقيا خلال 60 سنة من عمر الاستقلال عن الاستعمار عددا كبيرا من الانقلابات، وأحصت مصادر موثقة لأفريقيا ما يزيد على 200 انقلاب خلال هذه العقود، نصفها يمكن وصفه بأنه "انقلابات ناجحة". وفي فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي فقط، شهدت القارة ما يزيد على 100 انقلاب، أما المحاولات الفاشلة والتآمر للقيام بالانقلاب فيصعب حصرها.

في مطلع التسعينيات، سرت موجة من الاستقرار وتوجهت أفريقيا لتبني التعددية السياسية والانتخابات، فيما عُرف بالموجة الثالثة للديمقراطية، فخرجت دول عديدة هنا من تصنيف "الاستبدادية" إلى مصاف الدول "الهجين".

لكن القرن الـ21 شهد عودة دول القارة إلى "عادتها المفضلة"، عبر موجة جديدة من الانقلابات على الأنظمة الشرعية المنتخبة.

انتشار الجيش الغيني في شوارع العاصمة كوناكري بعد اعتقال رئيس غينيا ألفا كوندي من قبل القوات الخاصة التابعة للجيش (الأوروبية)

– ما فلسفة الانقلابات الجديدة في أفريقيا؟

من يتتبع الانقلابات الحديثة، يتضح له اختلافها عن الانقلابات التقليدية القديمة، ففي السابق كان الطموح في الحكم والجاه وربما الثروة، هو ما يقود العسكر للانقلاب، ولكن، حديثا، تقدم الجيوش نفسها على أنها رائدة الإصلاح والحريصة على السيادة الوطنية والأمينة على الشعوب ومقدراتها، والحامية لحدودها، مما يُطرب قطاعات واسعة من الأفريقيين الباحثين عن الأمن والاستقرار.

ولعل العامل الخارجي يلعب دورا مهما في توجّه الجيوش الأفريقية الجديد، مما يشجعها على القيام بالانقلابات لأسباب لا علاقة لواقع الشعوب بها إلا على مستوى الشعارات والهتافات.

غينيون يشاهدون قوة من الشرطة وسط انتشار أمني مكثف في العاصمة بعد أنباء عن انقلاب في البلاد (الفرنسية)

– ما موقف الاتحاد الأفريقي من الانقلابات في أفريقيا؟

تأسست منظمة الوحدة الأفريقية على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، ولكن بعد نشوء الاتحاد الأفريقي عام 1999، حدثت تعديلات جوهرية في هذا المبدأ.

وينص القانون الأساسي للاتحاد، الذي دخل حيز النفاذ في مايو/أيار 2001، في المادة (30)، أن الحكومات التي تصل إلى السلطة بوسائل مخالفة للدستور لا تُقبل مشاركتها في أنشطته.

وفي انعقاده بأديس أبابا عام 2009، اعتمد الاتحاد مقرّرات مشددة بشأن عودة الانقلابات في القارة، باعتبارها تقهقرا سياسيا خطيرا وتراجعا للعملية الديمقراطية وتهديدا للسلم والأمن والاستقرار.

– ما الذي يمنع الاتحاد من حماية الأنظمة الدستورية في أفريقيا؟

في سياق التطور الذي أحدثه الاتحاد الأفريقي تماشيا مع بعض التوجهات الدولية، أنشأ مجلسا للسلم والأمن الأفريقي عام 2002. وفي البروتوكول المتعلق به، نص على حق الاتحاد في التدخل لحماية النظام الدستوري في حالة وجود تهديد خطير للنظام الشرعي، مثل الانقلابات، ويكون هذا التدخل، حسب نص البروتوكول، دون طلب الدولة.

ولكن، لأسباب تخص الحكومات الأفريقية، لم توقع على هذه المادة النسبة المطلوبة لإجازتها، وهي ثلثا الأعضاء من الاتحاد، مما يمنع التدخل لتعطيل الانقلابات على النظم الشرعية.

– ماذا جنت الشعوب الأفريقية من الانقلابات؟ وما تأثيرها عليها؟

تأتي الانقلابات عادة تحت حجج محاربة الفساد والمحسوبية وهدر المال العام، وإصلاح الاقتصاد، ورفاهية الشعوب، وبسط الأمن. ولكن عند تفحّص حقيقة الأمر، فإن تأثير الانقلابات على الشعوب الأفريقية مدمر على كل المستويات وفي كافة المجالات.

فمن ناحية، لم تغير الانقلابات القارة الأفريقية نحو الأفضل؛ فلا الاقتصاد تحسّن ولا الوعود التي تُعلن في البيان الأول للانقلاب تحقّقت، هذا إذا لم تتدهور الأحوال أصلا نحو الأسوأ.

ولم يسجل التاريخ الأفريقي أن مجلسا عسكريا حكم بلدا ما فازدهر، ما عدا سنوات توماس سينكارا في بوركينا فاسو بمنتصف ثمانينيات القرن العشرين.

ومن ناحية أخرى، فإن عسكرة المجتمعات، وتحويلها إلى مليشيات، وترسيخ ثقافة العنف، كان أبرز تأثيرات الانقلابات في إنتاج دورات العنف المتبادل بأفريقيا، وفي تعزيز النزاعات الإثنية المكتومة.

هذا إلى جانب انتشار السلاح العشوائي، فقد أشارت دراسات دولية إلى أنه يجري تداول نحو 30 مليون قطعة سلاح في أفريقيا جنوب الصحراء، بين عامي 2008 و2011، ربع هذا العدد في غرب أفريقيا وحدها، وهو سبب كاف لنشوء تمردات وفوضى لا ضابط لها.

وألقت الانقلابات أيضا بآثارها على ارتفاع البطالة بشكل هائل في أوساط الشباب، وترغيب الجنرالات المتحكمين واستيعابهم في مرتزقة تخدم مصالحهم.

كما أدت إلى تحول النخب العسكرية إلى سياسيين باستغلال مواقعهم وروابطهم الاجتماعية وممارسة الفساد الذي جاؤوا لمحاربته.

وبسبب الانقلابات، زادت ممارسة القمع ومصادرة الحريات وتشويه الديمقراطية بإجراء انتخابات شكلية لإقناع المراقبين إقليميا ودوليا.

إسرائيل عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي.. ما دلالات هذه الخطوة؟ (فيديو)
صورة من إحدى اجتماعات الاتحاد الأفريقي الأخيرة (الجزيرة)

– كيف يخفق الاتحاد الأفريقي في التعامل مع الانقلابات؟

لعل أبرز المآخذ على الاتحاد الأفريقي هي إخفاقه في لجم فوضى الانقلابات التي تعانيها شعوب القارة وعدم معاقبة جنرالات الانقلاب، واضطراره للتعامل معهم بعد فترة وجيزة من انقلابهم، وبالتالي شرعنة الانقلاب والاعتراف به.

ففي مصر مثلا، اضطر الاتحاد للتعامل مع الانقلاب تحت ضغوط خارجية، وفعل ذلك مع انقلابيي مالي، وربما إذا لم تطبق البروتوكولات والآليات المعنية، سيكون الاتحاد الأفريقي منصة لتبادل التحايا والبيانات التي لا يتجاوز تأثيرها المنصة التي تٌقرأ من فوقها.

– إذن ما مستقبل الانقلابات في أفريقيا؟

ما لا شك فيه أن تزايد معدل الانقلابات في أفريقيا مخيف ومقلق، فبينما يؤمَل بمزيد من النضج على مستوى الشعوب والنخب الأفريقية، فإن الواقع يعكس تراجعا مريعا، تشجعه ضعف آليات الاتحاد الأفريقي وصمت أصحاب المصالح المرتبطة بالأنظمة الدكتاتورية، مما يفضي، بالضرورة، إلى مزيد من الانقلابات لتزدهر أسواق السلاح وتنهب مقدرات القارة وتقتسمها الدول مرة أخرى في موجة التدافع الجديد نحو أفريقيا، وهو ما يجري الآن على قدم وساق.

وبين تكاثر الأزمات ودوامة الانقلابات وعجز الاتحاد الأفريقي، تنزف أفريقيا مقدراتها وإمكاناتها الاقتصادية الهائلة لصالح الفوضى والأطماع الخارجية، كما تخسر أغلى ما تملك وهو إنسانها، وتُغري مافيا الاستغلال وتجار الدماء للتدخل والتخطيط لقلب الحكم طمعا في الثروات التي لا يستفيد منها الإنسان الأفريقي.

وفي ظل التدافع العالمي الجديد نحو أفريقيا، والتنافس المحموم على مقدراتها، فإن مساعي تضخيم الجنرالات لقيادة الانقلابات تظل مفتوحة.

المصدر : الجزيرة