إقليم إستراتيجي يضم موانئ البحر الأحمر.. ما أزمة الحكومة السودانية في التعامل مع مسار الشرق؟

اغلاق الطريق القومي بشرق السودان
المجلس الأعلى لنظارات البجا أغلق الطريق القومي على امتداد ولايات الشرق (الجزيرة)

الخرطوم – أشعل "مسار شرق السودان" في اتفاقية السلام الأوضاع في الإقليم، وهو ما يضع الحكومة الانتقالية بين خيارين أحلاهما مر، إما إلغاء المسار وإثارة حفيظة أصحابه، وإما التمسك به واستمرار إغلاق الإقليم الذي يضم موانئ البلاد على البحر الأحمر.

وتفسر الخيارات الصعبة صمت الحكومة وعدم تحركها حيال إغلاق الإقليم الشرقي بولاياته الثلاث، القضارف وكسلا والبحر الأحمر، حيث بدت حائرة في التعامل مع ناظر قبائل الهدندوة سيد الأمين ترك، الذي يقود الحراك الاحتجاجي.

ومنذ يوم الجمعة الماضي أغلق أنصار الناظر ترك -الذي يقود المجلس الأعلى لنظارات البجا- الطريق القومي على امتداد ولايات الشرق، مما عزل العاصمة الخرطوم عن موانئ بورتسودان وسواكن.

وتطوّر عزل الشرق عن بقية أرجاء البلاد اليوم الأحد إلى إغلاق مطار بورتسودان، وميناء بشائر لتصدير النفط، وفرع بنك السودان المركزي ببورتسودان.

ما قصة مسار الشرق؟

ولفهم حجم الورطة التي تسبب فيها مسار الشرق، تبدو قبائل الهدندوة كمن يتزعم معارضة المسار، في حين تقف قبائل البني عامر كمؤيدة للمسار، الذي وقعه منتمون لها بجوبا في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020.

ويرى الهدندوة أن مسار الشرق بمثابة ناسخ لاتفاقية سلام شرق السودان الموقعة بأسمرا عام 2006 بين الحكومة السودانية ومؤتمر البجا.

وبدأ الطرق على ضرورة فرز مسار للشرق إبان تفاوض الحكومة السابقة، برئاسة الرئيس المعزول عمر البشير، مع الحركات المسلحة بأديس أبابا.

ويقول الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا سيد علي أبو آمنة إن المطالبة بإقحام المسار في مفاوضات السلام بدأت في العام 2014، عندما طلبت الجبهة الثورية -التي تضم الحركات المسلحة بدارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق- بتخصيص مسار للشرق في التفاوض.

ويؤكد أبو آمنة، الذي كان يترأس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة لشرق السودان داخل الجبهة الثورية، للجزيرة نت أن "الحكومة السابقة والوسيط الأفريقي تابو مبيكي، حينها، رفضا تخصيص مسار لشرق السودان".

ويضيف أن حكومة البشير رفضت أي تفاوض مع أي فصائل مدنية في الجبهة الثورية بحجة ضعف أوزانها، وطلبت التفاوض مع الجبهة الثورية كحركات، في حين أفاد الوسيط الأفريقي بأنه غير مخول بإقحام مسارات جديدة.

اغلاق الطريق القومي بشرق السودان
مسار شرق السودان خلق أزمة للحكومة الانتقالية في الخرطوم (الجزيرة)

كيف عاد مسار الشرق لطاولة المفاوضات؟

يقول سيد أبو آمنة إنه عندما تعثر تخصيص منبر لشرق السودان في مفاوضات أديس أبابا، طالبت الجبهة الشعبية المتحدة لشرق السودان بأن تفاوض الجبهة الثورية -تحالف الحركات المسلحة بدارفور والمنطقتين- على أساس الحل الشامل للسودان.

ويوضح أنه حتى هذا الخيار لم ينجح لأن اجتماعا ضم أطراف التفاوض في برلين، برعاية منظمة بيركوف سنة 2015، أقر التفاوض بشأن مسارين فقط، دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

ويضيف "حينها لم يتبق أمامنا سوى الخروج من تحالف الحركات المسلحة، لكن بعد سقوط نظام البشير أرادت الحركات المسلحة إدخال مسار الشرق، ليكون لديها وكلاء في الإقليم، وتعجلت الحكومة لصنع السلام في 6 شهور".

ويتهم أبو آمنة بعض أطراف التفاوض حينها بالارتهان لأجندة دولة مجاورة تريد التخلص من مجموعات معارضة لها داخل السودان، ودولة خليجية لديها أطماع في موانئ السودان على البحر الأحمر.

ويرى معارضو مسار الشرق أن المسار يمهد لاستقرار مكونات أجنبية بالبلاد، ومشاركتها في حكم البلاد.

احتجاجات تهدد الكهرباء والنفط والطرق القومية بالسودان
إغلاق الطريق القومي على امتداد ولايات الشرق السوداني (مواقع التواصل الاجتماعي)

من أيّد إدخال مسار الشرق في المفاوضات؟

رغم اعتراض قوى الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم- على إقحام مسارات الشرق والشمال والوسط في مفاوضات السلام بجوبا، فإن المكون العسكري، الذي قاد المفاوضات عبر عضوي مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان (دقلو) والفريق أول شمس الدين الكباشي، أصر على تضمين المسارات في التفاوض.

وما إن جرت مراسم التوقيع حتى تفجرت الأوضاع في شرق السودان بين قبائل الهدندوة والبني عامر.

ومن المفارقات أن مسار الشرق في مفاوضات جوبا قاده الأمين داود، لكن من ظفر بالتوقيع ومكاسب الاتفاق كان هو خالد شاويش المقرب من دولة الإمارات، والذي أطاح بداود خارج الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة لشرق السودان.

ومع تصاعد الأحداث في شرق السودان، اضطر حاكم دارفور رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي -خلال مخاطبته حشدا قبل أيام- للاعتراف بأن مسار الشرق اشتراه شاويش واسع الثراء.

ما مصير مسار الشرق؟

منذ أن نجح الناظر ترك في تأليب القبائل واكتساب تأييد مجموعات أخرى خارج عشيرته، مثل منبر البطانة الحر بكسلا وتجمع شرق السودان بالقضارف، بدأت حظوظ مسار الشرق في الإبقاء عليه تتضاءل.

وعطلت الاحتجاجات ضد مسار الشرق مشاركته في السلطة، التي منحته وزارة التربية والتعليم، فضلا عن منصب والي ولاية كسلا.

ويثير تعطيل مسار الشرق غضب الموقعين عليه، ويقول كبير المفاوضين عن هذا المسار عبد الوهاب جميل إن التصعيد في شرق السودان الآن تجاوز مطلب إلغاء المسار إلى حل الحكومة التي فشلت في الإيفاء بالتزاماتها.

وبحسب جميل، فإن الموقعين على مسار الشرق يلتقون الآن مع مطالب مجلس نظارات البجا الرافض للمسار، وهو ككبير للمفاوضين سبق أن جلس مع الرافضين وتوصل معهم لنقاط التقاء. وزاد "ما يجري في الشرق أزمة حكومة قبل أن تكون أزمة تتعلق بالمسار".

كيف ستتعامل الحكومة مع أزمة مسار الشرق؟

حتى الآن لم تحرك الحكومة ساكنا حيال إغلاق الإقليم الشرقي ومرافقه الحيوية، بما فيها الموانئ البحرية، وسط تسريبات بأن المكون العسكري يشترط للتعامل الأمني مع الاحتجاجات تفويضا يحصن الأجهزة الأمنية من الملاحقات، وهو ما يرفضه المدنيون في الحكومة الانتقالية.

وقال وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، في لقاء أسبوعي راتب على فيسبوك (Facebook)، إن الحكومة فيما يلي اتفاق جوبا أقرت بأن مسار الشرق ناقص لأنه لم يضم كل الأطراف، رغم أنه طرح قضايا الإقليم.

وتعهد الوزير باستكمال مسار الشرق بخلق آلية ما لإشراك بقية الأطراف، خاصة وأن الاتفاق أقر قيام مؤتمر جامع لكل الشرق، كما أن الحكومة وافقت على تشكيل منبر منفصل لكل المكونات التي لم تشارك في مسار الشرق.

وتعهد بأن الحكومة ستتواصل مع كل الأطراف بلا استثناء، وشدد على أن الحل السياسي لقضية الشرق هو الأمثل وليس الحلول الأمنية.

ويبدو أن الحكومة تريد أن تمسك العصا من النصف في ظل مطالب المجلس الأعلى لنظارات البجا، الذي يغلق الشرق الآن ويعزله عن بقية البلد بإلغاء مسار الشرق وإنشاء منبر تفاوضي جديد مع الحكومة الاتحادية بالخرطوم.

المصدر : الجزيرة