محللون تحدثوا للجزيرة نت.. ما دلالات دعوة حركة النهضة التونسية للحوار؟

تفاوتت تقديرات المراقبين السياسيين بشأن دعوة حركة النهضة للحوار في تونس، بعد 11 يوما من تدابير اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد؛ بين من عدها حبل النجاة الوحيد للحركة، ومن رأى أنها تتبنى لغة الحوار منذ عام 2011.

مجلس شورى النهضة عقد اجتماعا استثنائيا لنقاش الأزمة السياسية في البلاد (الجزيرة)

تونس- دعت حركة النهضة إلى إطلاق حوار وطني للمضي في إصلاحات سياسية واقتصادية تحتاجها البلاد في هذه المرحلة للخروج من أزمتها والتعجيل باستعادة المالية العمومية لتوازناتها والاقتصاد الوطني لعافيته، بعد 11 يوما من تدابير اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وأحدثت انقساما سياسيا حادا.

وأكد بيان مجلس شورى الحركة -المنعقد استثنائيا مساء أمس الأربعاء- حرصها على نهج الحوار مع جميع الأطراف الوطنية، وفي مقدمتها رئيس الجمهورية قيس سعيّد لتجاوز الأزمة المركبة وتحقيق السلم الاجتماعية وإنجاز الإصلاحات الضرورية.

وقوبلت دعوات النهضة بترحيب بعض الأطراف التي عدتها خطوة إيجابية لإنهاء الأزمة مع سعيّد، في حين عدّها معارضوها "حبل نجاة" الحركة الوحيد لضمان عودتها إلى المشهد السياسي في تونس.

 

"ليست اختيارية"

يرى المحلل السياسي محمد بوعود أن دعوة النهضة للحوار "ليست اختيارية"، وأنه ليس أمامها خيار ثان لأنها "عرفت حجمها الحقيقي وقوتها في الشارع، ولاحظت تخلي جميع حلفائها عنها، كما أن جمهورها لم يلب نداء رئيسها راشد الغنوشي يوم 25 يوليو/تموز الماضي بالزحف للدفاع عن البرلمان".

ويعزو بوعود في حديثه للجزيرة نت أسباب دعوة النهضة للمحافظة "على ما تبقى من جسمها داخل المشهد السياسي، لأنها غير قادرة على خوض معركة دستورية قانونية حسمها سعيّد بتأويله للفصل 80 باعتبار غياب المحكمة الدستورية، وعلى خوض معركة أمنية تعرف جيدا نتائجها عليها وعلى البلاد، وعلى خوض معركة الشارع".

 

من جهته، يُرجع الكاتب الصحفي صبري الزغيدي جنوح الحركة نحو لغة الحوار "لاقتناعها بأنها تعاني عزلة سياسية وشعبية، وأن الرأي العام يعدها المتسببة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية والوضع السياسي المأزوم".

كما يعزوه إلى ما وصفه بـ"تخوفها من طرح ملف تورطها في الجرائم الانتخابية والتمويل المشبوه، ومن تسترها على ملفات فساد تورط فيها بعض أعضائها أو المتحالفين معها من حزبي "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، ومن ملف الاغتيالات السياسية وقضايا التسفير والجهاز السري".

ملاذ ومتنفس

ويرى الزغيدي أن هذه الملفات تحاصر النهضة؛ مما جعلها تبحث عن ملاذ ومتنفس في الخارج، بمحاولتها خلق "لوبي" (تجمع) خارجي يضم الدول الداعمة لها، وتسوّق له بأن "التجربة الديمقراطية في تونس في خطر" للضغط على سعيّد للعودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز الماضي.

وحسب الزغيدي في حديثه للجزيرة نت، فإن النهضة تحاول بتسويقها الحوار الوطني أن تربح الوقت لامتصاص غضب الرأي العام منها، ولترتيب بيتها الداخلي الذي يعاني من الانقسام.

وحسب رأيه، فإن رئيس الجمهورية لن يتفاعل إيجابيا مع دعوة الحركة، لأن في ذلك "خذلانا لمطالب الرأي العام ورصاصة انتحار يطلقها سعيّد على نفسه، باعتبار أن الشارع ما زال ينتظر الكثير منه لمحاسبة من أجرم".

في المقابل، يُرجع المحلل السياسي فتحي الزغل لجوء النهضة إلى لغة الحوار إلى أنها ومنذ سنة 2011 تتبنى هذه الفكرة، وأجبرت غيرها من الأحزاب وفي مناسبات سياسية عديدة على الجلوس إلى طاولة الحوار.

ويضيف للجزيرة نت أن أدبيات أيديولوجيا الحركة الإسلامية في كل عمل سياسي أو غير سياسي قائمة على الحوار، إلى جانب مرور النهضة الآن بفترة عصيبة، لأن كل "المحاولة الانقلابية" قائمة على استعدائها.

ووفق الزغل، فإنه سيتم قبول دعوة الحوار في حال وجود ضغوط خارجية مقتنعة بأن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج بتونس من هذه الأزمة، في حين سيرفضها قيس سعيّد وأنصاره لأنها "فرصتهم الوحيدة للقضاء والانقضاض على غريميهما؛ حزبي حركة النهضة وائتلاف الكرامة".

وعن تراجع حدة لهجة الحركة في التعامل مع الأحداث، يرى الزغيدي أن النهضة راوحت منذ 25 يوليو/تموز الماضي بين "التهديد المبطن والانحناء حتى تمر العاصفة، ويقول إن "هذه "التكتيكات" مرتبطة بالتوازنات المحلية في علاقة بتحالفات الحركة ووضعها الداخلي، وبالوضع الإقليمي والدولي ومواقف الدول الكبرى والمؤسسات المانحة مما جرى.

سنبلة عالية

من جانبه، لا ينف الزغل هذا "التراجع"، ويشبّه حركة النهضة "بالسنبلة العالية جدا التي كلما أتتها ريح انحنت قليلا حتى تمر عاصفة أزمة تونس"، مؤكدا أن بيان مجلس الشورى يندرج في هذا الإطار.

وكان الغنوشي أعلن في وقت سابق استعداد الحركة "لأي تنازل" مقابل العودة للديمقراطية، قائلا "الدستور أهم من تمسكنا بالسلطة".

 

وبخصوص هذه التنازلات، يقول محمد بوعود إنه على الحركة أن تكف عن المطالبة بالعودة الفورية للبرلمان، وعن إدانة "حركة 25 يوليو/تموز" وتسميتها بالانقلاب، وعن دعوات الخارج للتدخل، وألا تمارس أي أعمال استفزازية في الشارع أو في بعض المواقع العامة الحساسة".

أما فتحي الزغل فيلخص تنازل النهضة في تحولها من قوة برلمانية تدعم حكومة إلى حزب ذي أغلبية في البرلمان "إلى أنه يصدّق بنعم على قرارات رئيس انقلب عليه".

خلافات

ولم تغب الخلافات الداخلية عن اجتماع مجلس الشورى، حيث شهد انسحاب بعض قيادات الحركة، ومن بينهم يمينة الزغلامي وجميلة الكسيكسي ومنية إبراهيم، بسبب ما اعتبرنه "سياسة الهروب إلى الأمام".

ويرى المحلل السياسي محمد بوعود أن "معركة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الأخيرة تتمحور حول الحفاظ على وحدة الحركة التي شهدت تهديدا منذ أكثر من أسبوع، وصل إلى حد إمضاء العرائض والمجاهرة بالاستقالات وتصدير الخلافات الداخلية إلى وسائل الإعلام ولوحظ ما يسمى تمردا كبيرا داخل الحركة".

وأضاف أن الغنوشي استطاع أمس احتواء هذه الخلافات، وخرج منها بموقف معتدل تجنب من خلاله الصدام وانقسام الحركة، وأنه تم التغاضي عن طلب بعض القيادات تفويض صلاحيات الغنوشي لهيئة قيادية جديدة، و"لملمة الموضوع" في انتظار ما ستفرزه الأيام القادمة.

في المقابل، لا يولي المحلل السياسي فتحي الزغل أهمية للخلاف الداخلي للنهضة، لأنها "هي الحزب الوحيد في تونس المهيكل حسب مؤسسات والذي تنطبق عليه شروط الأحزاب الموجودة في العالم الغربي المتقدم والديمقراطي، لذلك حتى وإن شهد خلافات داخلية فإن كتلته الكبيرة تحتكم إلى المؤسسات".

ويرى أن المطالبين بهيئة قيادية جديدة يمثلون نسبة ضئيلة لا تتجاوز 3%، وأنها أتت في غير وقتها لأن تحقيقها عبارة عن تنفيذ مطالب إقليمية وداخلية مناصرة للانقلاب لأن "رأس الغنوشي سياسيا" مطلوب من البلدان العربية التي تعادي الربيع العربي، "وأظنها لن تنجح".

المصدر : الجزيرة