عقب الانسحاب الأميركي.. هل تخسر طالبان بالسياسة ما ربحته بالحرب؟

Daily life views from Herat city after Taliban takeover of Afghanistan
مهمة حركة طالبان ليست بالسهلة فهي تواجه تحديات ومصاعب شتى (الأناضول)

أثار الانهيار السريع لحكومة كابل، ودخول طالبان العاصمة في زمن قياسي لم يتعدّ 11 يوما تساؤلات كثيرة عن حقيقة ما حدث ويحدث في أفغانستان التي اقترن ذكرها بالحروب وتصفية الحسابات بين الفرقاء الدوليين والإقليميين والمحليين.

وتأتي هذه التطورات المتسارعة في المشهد الأفغاني عقب توقيع حركة طالبان اتفاقا في دولة قطر لإعادة السلام إلى أفغانستان في 29 فبراير/شباط 2020 في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وينص الاتفاق على أن تبدأ واشنطن بالانسحاب التدريجي من أفغانستان، وأن ينتهي انسحابها بنهاية مايو/أيار 2021، وعلى أن يتم الانسحاب ضمن شروط، في مقدمتها تعهد طالبان بعدم استقبال تنظيمات أو مقاتلين من الخارج، خصوصا تنظيم القاعدة ومشتقاته مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهما.

ولكن الولايات المتحدة ماطلت في تنفيذ الاتفاق، ولم تلتزم بالانسحاب الكامل، وتركت طالبان تسيطر على الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى، بسرعة فائقة، حتى دخلت العاصمة كابل.

أهمية بالغة

وتحظى أفغانستان بأهمية بالغة، إذ إن موقعها الجغرافي وتركيبتها الديمغرافية والدينية جعلتها تاريخيا محل جذب للمطامع الأجنبية ابتداء من السوفيات إلى الروس والصينيين والإيرانيين والأميركيين من قبلهم.

واللافت للانتباه أن جميع الدول المجاورة والمعنية بالملف الأفغاني رأت أن الوضع في أفغانستان له صلة مباشرة بأمنها الإستراتيجي.

وللتوضيح؛ فإن أفغانستان تحدّها من الشمال 3 دول هي: طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، ومن الغرب إيران، ومن الشرق الصين، ومن الجنوب باكستان.

أما جيوسياسيا فإن أفغانستان محاطة بدول عظمى، أكبر منها مساحة وأكثر سكانا، لذلك بقيت محل طمع القوى الدولية المتصارعة.

ويكفي القول إن أفغانستان تتقاطع فيها مصالح دولتين عظميين عضوتين دائمتين في مجلس الأمن؛ هما الولايات المتحدة والصين، ومصالح دولتين نوويتين هما باكستان والهند، إلى جانب إيران.

إعادة تموضع

وحسب عدد من المحللين السياسيين، فإن الولايات المتحدة لم تنهزم في أفغانستان بالمعنى التقليدي، إنما تمارس إستراتيجية جديدة في إعادة التموضع سياسيا وعسكريا، باستخدام الأسلحة الناعمة عوضا عن القوة الخشنة، عقب حقبة من تدخلات عسكرية كبّدتها خسائر اقتصادية كبيرة، فضلا عن اتساع دائرة الكراهية لها خصوصا في العالم الإسلامي.

وما يعزز هذا الرأي اتفاق الحزبين الديمقراطي والجمهوري على الانسحاب من أفغانستان، وقلة الخسائر الأميركية مقارنة بحجم الأهداف التي تحققت في المنطقة خلال 20 سنة، فقد كان معظم ضحايا حرب العصابات التي قادتها طالبان من جنود الحكومة الأفغانية وأتباعها.

كما أن هناك إرهاصات تشير إلى إعادة تموضع القوات الأميركية في المنطقة وفق أجندة جديدة، من خلال إعادة توزيع خريطة الأساطيل والقطع البحرية، وفقا للخطط التي يبدو أنها تسير نحو مواجهة الصين أولا، ثم توسيع المواجهات بين دول المنطقة على أسس عرقية وطائفية.

تحديات ومصاعب

إلا أن مهمة حركة طالبان ليست بالسهلة، فهي تواجه تحديات ومصاعب شتى؛ لا تبدأ بتحقيق المصالحة الوطنية وتأسيس الاستقرار السياسي، ولا تنتهي عند كسب الشرعية الدولية.

ولعل من أبرز التحديات التي تنتظر طالبان في حقبة حكمها الثانية: المصالحة الوطنية وتشكيل الحكومة.

ويأتي الاتفاق والتفاهم مع الخصوم والمنافسين، وما أكثرهم في بلد يشهد حروبا منذ 40 عاما، أول تحدٍّ تواجهه طالبان، لأن تحقيق الاستقرار السياسي شرط أساسي لتأسيس الأمن وإنهاء حالة الحرب.

وهذا يبدأ بالتفاهم مع الخصوم والمعارضين، ويتطلب دفع ثمن سياسي في صورة تنازلات ربما تكون مؤلمة لفريق ما زال يعيش نشوة النصر.

ولا شك أن قادة حركة طالبان يدركون جيدا أن سيطرتهم العسكرية على أفغانستان لا تعني بالضرورة القضاء على احتمالات نشوب الحرب مرة أخرى، لذلك لا بد من تحقيق المصالحة الوطنية.

وثمة تحدٍّ داخلي آخر ينتظر طالبان، وهو حرية الرأي والتعاطي مع وسائل الإعلام واسعة الانتشار في البلاد، وذلك يجعل مهمتها بفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام غير الحكومية صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة.

مقاتلون من حركة طالبان عقب سيطرتهم على البلاد (الأناضول)

تحديات وتنازلات

أما التحدي الآخر فهو يتعلق بكسب الشرعية الدولية، إذ إن إدارة ملف العلاقات الخارجية مع المجتمع الدولي، دولا ومنظمات، تمسك الولايات المتحدة الأميركية ناصيته.

ومن الواضح أن طالبان تعلمت من تجربتها السابقة في الحكم، فلم تعترف بحكومتها إلا 3 دول هي: باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية وبقية الدول الفاعلة على الساحة الدولية لن تمنح طالبان الشرعية إلا من بعد تقديمها تنازلات راديكالية قد تفقدها شريحة واسعة من مؤيديها داخليا وخارجيا.

أما الملف الاقتصادي فيعدّ التحدي الثالث، إذ ستشكل إدارته المهمة الأصعب لطالبان، فالتحول من حالة الحرب إلى عملية البناء والتنمية ليس بالأمر الهين، خصوصا على صعيد البنية التحتية شبه المفقودة، ومكافحة الفقر الذي يشمل نحو 70% من المواطنين.

ولا شك أن ضعف أداء حركة طالبان أو إخفاقها في إصلاح الوضع الاقتصادي المتردّي أصلا ستكون له انعكاسات كارثية على أفغانستان، وعلى مستقبل الحركة أيضا.

ومن التحديات الأخرى ملف المخدرات والتعامل معه، لأن أفغانستان خصوصا بعد الغزو الأميركي تحولت إلى إحدى أكبر الدولة المنتجة والمصدّرة للمخدرات في العالم.

وكانت قد شهدت زراعة المخدرات وتجارتها انحدارا كبيرا خلال حقبة حكم طالبان الأولى بسبب تحريم الحركة ذلك شرعا، وإقدامها على حرق المحاصيل وإتلافها، وملاحقة زارعيها ومعاقبتهم.

ولكن رغم الدعاية الكبيرة للحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والحملات المعلنة عن مكافحة المخدرات، فإن زراعتها ازدهرت وكذلك تصنيعها وتهريبها وأصبحت مصدر دخل لكثيرين من رجال الدولة وبعض الجهات الأجنبية.

حركة طالبان سيطرت على البلاد في 11 يوما (الأوروبية)

تساؤلات وقرارات

وأمام هذه الأوضاع، تثار تساؤلات عدة من بينها: هل تصل ارتدادات زلزال أفغانستان إلى الشرق الأوسط؟

وللإجابة عن هذا السؤال، تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى أن إلى نسبة اقتربت من 70% مؤيدة لعملية الانسحاب من أفغانستان، إذ ينظر أغلب الشعب الأميركي إلى التدخلات العسكرية الخارجية على أنها مضيعة لضرائبه التي يدفعها من عرق جبينه.

وحظي الانسحاب الأميركي من أفغانستان بتأييد الجمهوريين أيضا، بغض النظر عن المشاغبات التي يثيرها الرئيس السابق دونالد ترامب ومؤيدوه.

هذا التأييد الشعبي والسياسي الكبير لإدارة جو بايدن يدفع إلى السؤال عن الوجهة القادمة التي ستشهد انسحابا أميركيا بعد أفغانستان والمتوقع أن تكون العراق.

طبعا ليست منطقة الشرق الأوسط وحدها من تقلّب حساباتها بخصوص الانسحاب الأميركي، فهناك دول البلقان أيضا، حيث تسعى روسيا بوتين إلى ملء الفراغ الأميركي بطريقة ناعمة هادئة، من خلال نفوذها القديم، وعلاقاتها المميزة مع الصرب وحتى الكرواتيين.

ولا بد من التأكيد أن انسحاب القوات المحتلة، كما تدخلها؛ كلتا الحالتين تخلق حالات إرباك وفراغات وخلخلة في موازين القوى تؤدي إلى صراعات داخلية لا تنتهي.

ويبدو من الواضح أن طالبان حققت نصرا، وأنها نجحت في طرد القوات الأميركية من أراضيها، لكن التحدي الأصعب يكمن في مدى نجاحها في امتحان الحكم وإدارة البلاد.

المصدر : وكالة الأناضول