صورة طالبان في الإعلام الأميركي بين الثابت والمتغير

تأثرت التغطية الإعلامية -بالولايات المتحدة- للتطورات في أفغانستان بالاستقطاب الحاد في الحياة السياسية الأميركية، ومع ذلك فإن العديد من وسائل الإعلام هناك تبنت نهجا إيجابيا في تغطيتها لما قد يكون عليه مستقبل أفغانستان.

Thousands of Afghans rush to the airport in Kabul
وسائل الإعلام الأميركية ركزت بصورة كبيرة على صور الفوضى في مطار كابل (الأناضول)

واشنطن – مع التقدم السريع لطالبان وبسط سيطرتها على كامل التراب الأفغاني؛ بدأت الكثير من وسائل الإعلام الأميركي تغيير الصورة التي تعكسها عن أفغانستان والتي نقلتها على مدى عقدين منذ سقوط حكم طالبان عام 2001.

وعلى مدار الـ20 عاما الماضية ارتبطت الصورة الذهنية لدى الإعلام الأميركي تجاه حركة طالبان بهجمات 11 سبتمبر/أيلول وبما عانته النساء والفتيات الأفغانيات من تشدد وقهر تحت حكم طالبان، وعكس الإعلام الأميركي مظاهر "التطرف الطالباني" وركز عليها، ومنها على سبيل المثال تدميره للتماثيل والمعابد البوذية.

وشهدت تغطية الإعلام الأميركي -خلال الأيام الماضية- تركيزا واسعا على صور الفوضى في مطار كابل ورغبة الآلاف في مغادرة البلاد سريعا وتكدس الآلاف حول الطائرات، إلا أنه كان هناك في الوقت ذاته اختلافا واضحا بين تغطية المحافظين وتغطية الليبراليين.

Afghan women demand the protection of their rights
مظاهرة لأفغانيات في العاصمة كابل أمس الثلاثاء للمطالبة بحماية حقوق المرأة التي تعهدت طالبان بحمايتها (الأناضول)

تغطية أميركية مختلفة

لسنوات طويلة ركز الإعلام الأميركي على الصورة النمطية عند تناول الشأن الأفغاني بالمقارنة بين صور وفيديوهات المجتمع الأفغاني قبل وبعد سيطرة تنظيم طالبان عليه.

وبعد سقوط حكم تنظيم طالبان عام 2002 احتفى الإعلام الأميركي بما اعتبره "تحريرا للنساء الفتيات في أفغانستان".

واتهمت هيلين بينديكت -الخبيرة الإعلامية بجامعة "كولومبيا" (Columbia) في حديث مع الجزيرة نت- الإعلام الغربي والأميركي بالتقصير لتجاهله الأقاليم الأفغانية واقتصار تركيزه على العاصمة كابل، وقالت إن "المراسلين الغربيين كانوا يركزون أكثر من اللازم على الليبرالية النسبية في كابل وتجاهلوا في كثير من الأحيان المناطق التي كانت طالبان تتنمر فيها على الناس لسنوات خارج كابل".

ومع دخول طالبان العاصمة، انتقل الإعلام الأميركي ليركز على تداعيات الحدث وتفاصيله، وكانت التغطية متوقعة بصورة كبيرة من وسائل الإعلام المختلفة.

واتبعت وسائل الإعلام المحافظة والقريبة من الحزب الجمهوري -مثل شبكة "فوكس" (FOX) الإخبارية- منهجا قاسيا على قرار بايدن بالانسحاب، وركزت فوكس على صور الفوضى داخل مطار كابل، ومعاناة الراغبين في المغادرة، وركزت كذلك على عرض تقارير سلبية عن عمليات سطو ومضايقات تتعرض لها النساء الأفغانيات مع وصول أفراد حركة طالبان لمدينة كابل.

في حين حاولت شبكة "سي إن إن" (CNN) أن تظهر متوازنة مع توجيه بعض الانتقادات البسيطة لبايدن بسبب فوضى عملية الإجلاء في المطار.

واكتسب مراسلة الشبكة كلاريسا وارد شهرة واسعة بسبب أدائها المهني، حيث تنقلت في شوارع كابل تنقل ما كانت تسمعه وتشاهده، وركزت على رجال يهتفون "الموت لأميركا، وبينما كانت لاريسا تتحدث أمام الكاميرا، كان المشاهدون يسمعون طلقات نارية في الخلفية".

وأقرت البروفيسورة جانيت ستييل -من كلية الإعلام بجامعة "جورج واشنطن" (George Washington)- بوجود "استقطاب كبير في الحياة السياسية الأميركية، وهو ما ينعكس في التغطية الإعلامية للجهات الإعلامية والقريبة من هذا الحزب أو ذاك، من هنا نجد من يدعم فكرة التعاون مع طالبان، وهناك من يرفضها بصورة قاطعة".

واستضافت شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) -المعروف عنها أنها قريبة من الحزب الديمقراطي- السيد سهيل شاهين المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان، وهو ما مثّل سابقة، وتحدث الضيف الأفغاني بلغة إنجليزية سليمة وعرض موقف حركة طالبان من التطورات الأخيرة وموقفها من النساء والأقليات.

Taliban patrols Afghan capital Kabul
مقاتلون من حركة طالبان في العاصمة كابل بعد سيطرة الحركة عليها (الأناضول)

إيجابية التغطية

تبنت العديد من وسائل الإعلام الأميركية نهجا إيجابيا في تغطيتها لما قد يكون عليه مستقبل أفغانستان، ولاحظت البروفيسورة جانيت ستييل -من كلية الإعلام بجامعة "جورج واشنطن"- أن هناك "فارقا بسيطا أكثر إيجابية قليلا -أو ربما يبعث على الأمل- مفاده أنه ربما تكون حركة طالبان جديدة، وأنها تعلمت شيئا من السنوات الـ20 الماضية، وأنه سيكون من الممكن العمل معها في الأشهر والسنوات المقبلة".

وقالت ستييل -في حديث للجزيرة نت- إن هناك "تركيزا واضحا على النساء والفتيات في أفغانستان وكم كانوا أفضل حالا بدون طالبان، أود أن أقول إن أحد أكبر المواضيع كان "هل الإسلام والديمقراطية متوافقان؟"، يتم التعرض لهذا الموضوع في كل القضايا الفرعية مثل كتابة الدستور، إلى تشكل الحكومة وسن القوانين".

وفي حديث مع الجزيرة نت أشار برينت كوفمان -البروفيسور في كلية الاعلام بجامعة "نورث ويست" (NorthWest)- إلى أنه لاحظ "تناول وتغطية أكثر إيجابية حتى الآن فيما يتعلق بطالبان من وسائل الإعلام الأميركي مثل إظهار عناصر طالبان يركبون ويمزحون ويقفون مسالمين لا يتعرض للمواطنين، ويبدو أن هذا يدفع بفكرة أن طالبان غير مؤذية الآن وأن كل شيء قد يكون على ما يرام بعد رحيل الولايات المتحدة".

وأقر كوفمان أنه تم في الماضي "تصوير طالبان على أنها إرهابية وعدوة للولايات المتحدة؛ مما تسبب في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وكان للفيديو السيئ السمعة لتدمير طالبان تماثيل بوذا في باميان دور كبير في تشويه صورتها".

 

المصدر : الجزيرة