بعد 20 عاما من القتال والعداء.. أيّ مستقبل ينتظر علاقات أميركا بطالبان؟

خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، يُتوقّع أن تعمل إدارة بايدن للحصول على التزام موثوق من طالبان بقطع الصلات مع تنظيم القاعدة وغيره من "الجماعات الإرهابية"، والامتناع عن استهداف الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة.

مقاتلون من حركة طالبان بعد سيطرتهم على العاصمة كابل (الأوروبية)

واشنطن- تترك تطورات الأيام الأخيرة العلاقات المستقبلية للولايات المتحدة مع حركة طالبان أمام سيناريوهات مختلفة. فبعد 20 عاما من القتال والعداء، تستند مواقف ومصالح كل طرف إلى واقع جديد متغير لم يتخيله أحد قبل أسابيع قليلة.

وكان من اللافت أن الرئيس الأميركي جو بايدن تجنب ذكر أوصاف سلبية في تصريحاته عن حركة طالبان خلال كلمته -الاثنين الماضي- بشأن تطورات الأوضاع في أفغانستان، ورغم وصفه عددا من الحركات والجماعات بالإرهابية، فإنه لم يتحدث باللهجة نفسها عندما تحدث عن طالبان.

كما أكد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان -أمس الثلاثاء خلال إفادة صحفية- أن الجانب الأميركي ينسق مع طالبان يوميا لضمان سلامة وصول المدنيين إلى مطار كابل، وأن مسؤولي طالبان تعهدوا بضمان عبور آمن للمدنيين إلى المطار، في حين ذكر المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد أن حركة طالبان لن تسمح للمقاتلين الأجانب بتهديد أمن البلدان الأخرى أو إيذائها انطلاقا من أفغانستان.

واقع جديد لواشنطن وطالبان

وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر السفير ديفيد ماك المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط أن هناك واقعا جديدا لأرضية العلاقات الأميركية سواء مع حركة طالبان أو أفغانستان ككل.

وبرأي ماك فإن الرئيس بايدن "اعتبر أن الرأي العام الأميركي لن يدعم بعد الآن إرسال شبابنا أو إنفاق مواردنا في محاولة لإجراء تغييرات جذرية في الهياكل السياسية والاجتماعية لبلد أثبت مقاومة هذه الجهود لمدة 20 عاما، وباعتقاد بايدن فإن الناخبين سيعاقبون الحزب الديمقراطي في السنوات المقبلة إذا كنا لا نزال غارقين في أفغانستان".

من جانبه، اعتبر مايكل روبين المسؤول السابق بوزارة الدفاع وخبير السياسية الخارجية الأميركية بمعهد أميركان إنتربرايز أن ما يجري يعكس إجماع إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن على الخروج من أفغانستان.

وقال روبين -في حديث للجزيرة نت- إن "حركة طالبان تفوقت على أميركا، لقد أراد كل من ترامب وبايدن الخروج، وخرجا بعذر اتفاق السلام مع طالبان الموقع في 29 فبراير/شباط 2020، الذي كان مجرد غطاء لسياسة تم تحديدها مسبقا".

وقسم جون كاليبريس الأستاذ المتخصص بالشؤون الآسيوية بالجامعة الأميركية في واشنطن مستقبل علاقات واشنطن بحركة طالبان إلى جزئين: الظروف الفورية والملحة من ناحية، والمدى الطويل من ناحية أخرى.

وحسب كاليبرس في حديثه للجزيرة نت "في الأيام والأسابيع المقبلة، ستبحث إدارة بايدن عن ضمانات وإجراءات لا سيما بشأن الخروج الآمن للدبلوماسيين والمواطنين الأميركيين، ومن مصلحة طالبان عدم إطلاق النار على أفراد الجيش الأميركي حتى لا يحرقوا الجسور، وفي الوقت نفسه، حتى لا يعرضوا للخطر قدرتهم على تعزيز سلطتهم وسيطرتهم الإدارية بسرعة على كابل".

وعلى المدى الطويل -خلال الأسابيع والأشهر المقبلة- يتوقع كاليبريس أن "تعمل إدارة بايدن دبلوماسيا لتحقيق هدفين، أولهما: التزام موثوق وقابل للتحقق من طالبان بقطع الصلات مع تنظيم القاعدة وغيره من "الجماعات الإرهابية".

وثانيهما: التزام موثوق من جانب طالبان للامتناع عن استهداف الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة.

جو بايدن تجنب وصف طالبان بالإرهاب في أول خطاب له بعد سيطرتها على أفغانستان (أسوشيتد برس)

هل تعترف واشنطن بطالبان؟

يرى بعض المعلقين أن إقدام إدارة ترامب على التفاوض مع حركة طالبان وصولا لتوقيع اتفاق في فبراير/شباط من العام الماضي يقضي بانسحاب كامل القوات الأميركية من أفغانستان، مع استبعاد حكومة الرئيس أشرف غني من المفاوضات، قد منح طالبان قوة ونفوذا كبيرين.

وقبل عام 2001، كانت حركة طالبان تسيطر على 90% من أراضي أفغانستان، وجادلت في واشنطن بشأن الاعتراف بها، لكن جاءت "هجمات 11 سبتمبر" لتعصف بهذه الآمال.

ويرى روبين "أن ادعاء نائب الرئيس الأفغاني عمرو الله صالح بقيادة المقاومة الأفغانية لحركة طالبان سيدفع إلى تأخير الاعتراف بطالبان".

من جانبه، يرى البروفيسور كاليبريس أن واشنطن ستستخدم ورقة تمويل المساعدات الإنسانية للضغط على طالبان، وعبر عن اعتقاده أن الولايات المتحدة ستمتنع عن الاعتراف الرسمي حتى تتمكن من حث طالبان على توسيع قاعدة المشاركة في هيكل الحكم الذي تعيد تأسيسه، وأن ترى أدلة واضحة على أن طالبان تمتثل للتعهدات بقطع جميع العلاقات مع الجماعات المتطرفة".

واتفق السفير ماك مع هذا الطرح، وقال إنه "إذا التزمت طالبان ببنود اتفاق الدوحة بعدم توفير ملاذ آمن مرة أخرى للإرهابيين مثل تنظيم القاعدة، يمكنك أن تتخيل مستقبلا يشبه العلاقات الأميركية الفيتنامية التجارية الواسعة، رغم اختلاف نظام الحكم في البلدين بصورة جذرية، ويمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات".

10th Mountain Troops Return To Fort Drum As Part Of US Drawdown From Afghanistan
جنود أميركيون بعد عودتهم من أفغانستان إثر استكمال واشنطن سحب قواتها (الفرنسية)

شبح الصين وروسيا

ولا يغيب التنافس الدولي عن حسابات واشنطن بشأن مستقبل علاقاتها بأفغانستان، ويرى روبين أن كلا من "ترامب وبايدن ركزا على الصين لتبرير الانسحاب، ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن بايدن جاد في مواجهة الصين، فهو يعتمد على تيار ديمقراطي تقدمي يتبني الانعزالية عن الساحة العالمية".

واختلف كاليبريس في تقديره لأهمية البعد الصيني والروسي في القرار الأميركي تجاه أفغانستان، وقال "ورثت إدارة بايدن من سلفها ترامب -التنافس بين القوى العظمى- باعتباره الأولوية العليا للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".

وأكد كاليبريس أن للولايات المتحدة والصين وروسيا، مصلحة أمنية مشتركة في ضمان عدم عودة أفغانستان ملاذا للجهاديين و"الجماعات الإرهابية" الأخرى، وفي هذا الصدد، قد يكون لدى موسكو وبكين ما تخشيانه، نظرا لقربهما من أفغانستان أكثر من الولايات المتحدة وأوروبا.

ومع ذلك، يقول كاليبريس إن "واشنطن على دراية ويقظة -بالتأكيد- لطموحات الصين في أفغانستان وآسيا الوسطى، والعلاقات الودية نسبيا مع طالبان، وطموحاتها لربط ’مبادرة طريق الحرير‘ بأفغانستان، ومد نفوذها الجيوسياسي".

واتفق السفير ماك على أهمية تحويل الموارد الأميركية للتنافس مع روسيا والصين إستراتيجيا، وكذلك اقتصاديا مع الصين، وقال إن "موسكو وبكين ستكونان سعيدتين برؤية واشنطن مقيدة في أفغانستان".

المصدر : الجزيرة