أفغانستان.. طالبان تتوسع جنوبا وغربا وأميركا وبريطانيا ترسلان قوات إلى كابل لإجلاء رعاياهما

مصدر حكومي أفغاني أكد أن الحكومة عرضت تقاسم السلطة مع طالبان شرط وقف العمليات العسكرية، وردت الحركة باتهام الحكومة بالمماطلة وإهدار فرصة السلام

مقاتلون من طالبان بمدينة غزني الإستراتيجية بعد سيطرتهم عليها واقترابهم أكثر من العاصمة كابل (الأوروبية)

بعد اجتماعات دامت 3 أيام، أكدت الدول المشاركة في المؤتمر الدولي بشأن أفغانستان الذي انعقد في الدوحة على رفض أي حكومة في أفغانستان يتم فرضها باستخدام القوة العسكرية.

وحث البيان الختامي طرفا التصعيد في أفغانستان على ضرورة وقف العنف، واتخاذ خطوات لبناء الثقة وتسريع الجهود من أجل التوصل إلى تسوية سياسية باعتبارها مسألة ملحة.

وشدد البيان على أهمية العمل وفق المبادئ التوجيهية للتسوية التي يتقارب إزاءها الطرفان بخصوص آلية تقديم الحكومة واحترام القانون الدولي.

وعبر البيان عن مخاوفه من التقارير التي تتحدث عن تداعيات العنف الذي خلف أعدادا كبيرة من الضحايا ودمارا في البنية التحتية، وحدوث عمليات قتل خارج القانون ما من شأنه جعل الصراع مستداما والمصالحة أكثر صعوبة.

وأكد المشاركون التزامهم بالمساعدة في إعادة إعمار أفغانستان حالما تتوصل الأطراف المعنية إلى تسوية قابلة للتطبيق، وعبروا عن كامل دعمهم لجهود دولة قطر في هذا الصدد.

يشار إلى أن المؤتمر حظي بمشاركة واسعة ضمت ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأكثر من 10 دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والصين.

وأعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا اليوم الخميس عزمهما إرسال قوات إلى العاصمة الأفغانية كابل لإجلاء رعاياهما بالتزامن مع توسع حركة طالبان على الأرض وسيطرة مسلحيها على مراكز 11 ولاية وتقدمهم بمدينة قندهار جنوبا.

وفي وقت قال فيه مصدر حكومي إنه قد عُرض تقاسم السلطة على طالبان شرط وقف العمليات العسكرية، ردت الحركة باتهام الحكومة بالمماطلة وإهدار فرصة السلام، وأنها رفضت عرضا سابقا لوقف إطلاق النار.

وأعلنت حركة طالبان اليوم الخميس سيطرة مسلحيها على ولايتي هرات وغزني ليرتفع عدد مراكز الولايات الأفغانية التي أصبحت في قبضتها إلى 11، في حين اقتحم مقاتلو الحركة مدينة قندهار جنوبا.

وأكدت طالبان أنها سيطرت على مقر ولاية هرات غربي البلاد، وأن الاشتباكات مع القوات الحكومية لا تزال مستمرة على تخوم المدينة، في حين بث المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد صورا قال إنها توثق سيطرة مقاتلي الحركة على مركز شرطة هرات.

كما أعلن المتحدث صد هجوم للقوات الحكومية في منطقة شامتال بولاية بلخ، وقال إن مقاتلي الحركة استولوا على أسلحة ومعدات خلال الاشتباكات هناك.

من جانبه، قال مصدر أمني أفغاني للجزيرة إن اشتباكات بين القوات الحكومة ومسلحي طالبان تجري داخل مدينة قندهار جنوبي البلاد، وإنه تم وقف جميع الرحلات من وإلى مطار المدينة بسببها، في حين نشر المتحدث باسم طالبان، مشاهد قال إنها لوصول مقاتلي الحركة إلى ساحة الشهداء بالمدينة.

وأعلنت وزارة الداخلية أن قوات الأمن ألقت القبض على داود لغماني محافظ ولاية غزني ونائبه بتهمة تسليم المدينة دون قتال. كما نقل مراسل الجزيرة عن مصدر أمني إعلانه استسلام حاكم ولاية فراه ونائبه ومسؤولين حكوميين للحركة.

وأفاد المصدر نفسه بأن عضو البرلمان عن ولاية فراه وقائد الجيش فيها ورئيس مجلس الولاية فروا إلى إيران.

سقوط غزني

وكان ذبيح الله مجاهد أكد سيطرة مسلحي طالبان على مقر ولاية غزني وسط البلاد، مما يرفع عدد مراكز الولايات التي أصبحت تحت سيطرة الحركة إلى 10.

وأضاف مجاهد في تغريدات أن عشرات الجنود من القوات الحكومية قتلوا خلال المعارك، وأن طالبان استولت على أسلحة ومعدات خلال تقدمها نحو مكتب حاكم الولاية.

وغزني عاصمة أقرب ولاية إلى كابل تستولي عليها طالبان منذ أن أطلقت هجوما في مايو/أيار الماضي، مع بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المقرر أن يكتمل بحلول نهاية الشهر الجاري.

وكانت طالبان سيطرت الساعات الماضية على مدينة فيض آباد مركز ولاية بدخشان شمالي البلاد.

وأعلنت وزارة الدفاع مقتل 27 مسلحا من طالبان بغارة جوية للقوات الحكومية في ولاية بلخ شمالي البلاد. كما أعلنت مقتل 90 وإصابة 130 من مسلحي الحركة بولاية هلمند خلال الساعات الأخيرة.

في الأثناء، أعلن المتحدث باسم طالبان -عبر حسابه في تويتر- أن عددا من جنود القوات الحكومية انضموا إلى الحركة، وأن الأخيرة استولت على مروحية في مطار ولاية قندوز كما استولت على أسلحة أخرى.

تبادل الاتهامات

سياسيا، اتهم رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادار حكومة كابل بالمماطلة وإهدار فرصة السلام، وعرقلة إطلاق سراح المعتقلين إلى 6 أشهر.

وأضاف برادار أن طالبان عرضت وقف النار 3 أشهر، لكن الجانب الحكومي رفض العرض رغم أنه كان فرصة حقيقية لإحراز تقدم في المفاوضات، حسب تعبيره.

وأكد رئيس المكتب السياسي أن طالبان لا تسعى لاحتكار السلطة بل تريد نظاما إسلاميا مركزيا يوفر العمل على أساس الكفاءة. كما وصف استمرار الضربات الجوية الأميركية بأنه انتهاك يتعارض مع كل المبادئ.

وأضاف أن القصف الأميركي يتعارض مع اتفاق الدوحة، وأنه ما لم يتوقف فإن المشاكل ستزداد وستتحمل واشنطن المسؤولية، حسب تعبيره، مشيرا إلى أن طالبان أكدت للعالم كله ولا سيما الولايات المتحدة أنها لن تسمح لأحد باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الآخرين.

تقاسم السلطة

وكان مصدر حكومي قد قال للجزيرة إن الحكومة مستعدة لتقاسم السلطة مع طالبان شرط وقف العمليات العسكرية في عموم البلاد، في حين نقل مراسل الجزيرة عن سهيل شاهين عضو وفد طالبان لمحادثات السلام نفيه أن تكون الحركة قد تلقت عرضا جديدا لاقتسام السلطة.

جاء ذلك خلال الاجتماع الدولي الموسع بشأن أفغانستان الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة، وركز على محاولة إقناع الأطراف الأفغانية بخفض العنف، والانخراط في مفاوضات عاجلة لتحقيق السلام.

رئيس المجلس الأعلى للمصالحة بأفغانستان عبد الله عبد الله مع وفده المشارك في محادثات الدوحة (الفرنسية)

وضم الاجتماع عددا من دول الجوار الأفغاني والولايات المتحدة وقطر والاتحاد الأوروبي وألمانيا وتركيا والهند، وشارك فيه المبعوث الأميركي لأفغانستان زلماي خليل زاد، والمبعوث القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة وتسوية النزاعات مطلق القحطاني، وممثلا الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إضافة إلى ممثلي دول أخرى معنية بالأزمة الأفغانية.

وأفاد مراسل الجزيرة بانضمام وفد حركة طالبان اليوم الخميس إلى اجتماع للمؤتمر الدولي حول أفغانستان المنعقد بالدوحة بعد مغادرة وفد الحكومة.

وبعد مغادرة وفد الحكومة بقيادة رئيس الهيئة العليا للمصالحة عبد الله عبد الله للمؤتمر، طالبت لجنة المصالحة الأفغانية بعقد اجتماع استثنائي لمجلس الأمن الدولي بشأن أفغانستان.

مقابلة خاصة

وفي مقابلة خاصة مع مراسلة الجزيرة في كابل، قال وزير الداخلية عبد الستار ميرزاكول إن الحكومة تعمل وفق 3 مراحل لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها حركة طالبان.

ودعا ميرزاكول حركة طالبان لوقف العنف والجلوس مع السلطات للعمل على تشكيل حكومة تحالف مقبولة من الجميع.

واعتبر أن كثيرا من خسائر القوات الحكومية جاءت نتيجة فقدان السيطرة على الشوارع والطرق السريعة، مشيرا إلى أن كثيرا من المناطق تحتاج إلى إمدادات عبر الجو، لكن بعد الانسحاب الأميركي خسرت القوات الحكومية القدرة على ذلك.

وعين الجنرال ميرزاكول وزيرا للداخلية قبل 5 أسابيع، ويدير قوة تتألف من 130 ألف شخص.

إجلاء رعايا

أعلنت واشنطن أنها تستعد لإرسال قوات إلى العاصمة الأفغانية كابل لسحب أفراد من موظفي سفارتها هناك، مؤكدة أن السفارة ستبقى مفتوحة وستواصل الولايات المتحدة حضورها الدبلوماسي.

وفي مؤتمر صحفي عقده اليوم الخميس، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين تحدثا مع الرئيس الأفغاني أشرف غني اليوم للتنسيق.

وكانت شبكة "سي إن إن" (CNN) نقلت عن مسؤول أميركي ومصدرين مطلعين أن واشنطن تدرس نقل سفارتها لمطار كابل بسبب الوضع الأمني المتدهور بأفغانستان.

وأوضح المتحدث باسم الخارجية أن خفض موظفي سفارة واشنطن في كابل سيبدأ في الأيام المقبلة.

وقال برايس إن هناك توافقا دوليا على الحل الدبلوماسي للأزمة الأفغانية ولن تعترف واشنطن بأي واقع يُفرَض بقوة السلاح، ولفت إلى أن وفد الولايات المتحدة شارك في الاجتماع الدولي بشأن أفغانستان بالدوحة، وأن واشنطن تسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وأشار المتحدث إلى أن بيانا سيصدر من الدوحة يتضمن اتفاقا دوليا بشأن أهمية تسريع عملية السلام بأفغانستان.

وعقب حديث برايس، أعلن البنتاغون إرسال 3 آلاف جندي إلى كابل لإجلاء دبلوماسيين أميركيين، مشيرا إلى أن قوات أميركية إضافية ستصل إلى كابل خلال 24 أو 48 ساعة لحماية الموظفين الأميركيين هناك.

بدورها، أعلنت الحكومة البريطانية عزمها أيضا إرسال قوات إلى كابل للمساعدة في إجلاء البريطانيين من هناك، مشيرة إلى أنها ستنشر 600 جندي لهذا الغرض.

دعوة للمغادرة

وفي ظل التطورات المتسارعة على الأرض، حثت السفارة الأميركية في كابل المواطنين الأميركيين على مغادرة أفغانستان فورا بسبب الوضع الأمني في البلاد.

وفي بيان لها، أوصت السفارة المواطنين الأميركيين باقتناء تذاكر للسفر على متن الرحلات التجارية المتوفرة فورا، مبدية استعدادها لإقراض من ليست لديهم الأموال الكافية. ونبهت السفارة إلى أن قدراتها على التعاطي مع مشاكل الأميركيين في أفغانستان محدودة جدا نظرا لتقليص طاقمها في الآونة الأخيرة.

في واشنطن، قال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس إن ما سماها المؤشرات الأخيرة تفيد بأن طالبان تسعى للنصر العسكري في أفغانستان.

وأضاف برايس أن هناك تأخرا وصفه بالمؤلم في المحادثات بشأن أفغانستان، مشيرا إلى أن جهود واشنطن بالدوحة تهدف للضغط على طالبان للحد من العنف والانخراط في مفاوضات عاجلة للسلام.

وبشأن تطورات الوضع الميداني، قال برايس إن الوزارة اتخذت خطوات لضمان سلامة وأمن الدبلوماسيين الأميركيين، وأشار إلى أن طالبان قدمت التزامات بشأن القوات الأميركية وقوات التحالف على الأرض بموجب الاتفاق معها.

من جانبه، قال السفير الأميركي في كابل روس ويلسون إن تصريحات حركة طالبان في الدوحة لا تطابق أفعالها في بدخشان وغزني وهلمند وقندهار.

وفي تغريدة على تويتر، أضاف ويلسون أن محاولات طالبان احتكار السلطة بالعنف والخوف والحرب لن تؤدي إلا إلى عزلتها دوليا.

مطار كابل

في هذه الأثناء، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اليوم الخميس إن مسألة تشغيل مطار كابل ستتبلور خلال الأيام المقبلة، وإن بلاده لن تُعرّض حياة جنودها للخطر.

وأضاف أكار أنه سيكون من المفيد أن يظل مطار كابل مفتوحا.

وكانت رويترز نقلت عن مسؤولَين تركيَين أن بلادهما ما زالت عازمة في الوقت الراهن على إدارة وحماية مطار كابل بعد انسحاب القوات الأجنبية الأخرى من أفغانستان، لكنها تراقب الوضع بعد تحقيق حركة طالبان مكاسب سريعة على الأرض.

المصدر : الجزيرة + وكالات