سؤال وجواب.. هل تسعى الفصائل العراقية لحرب مع أميركا؟ وما السيناريوهات المحتملة للمواجهة؟

فصيل مسلح يدعى "ثأر المهندس" تبنى الهجوم على قاعدة عين الأسد

قاعدة عين الأسد أثناء استهدافها بهجوم صاروخي نفذته فصائل شيعية (رويترز)

بغداد- شهدت الأيام الأخيرة عدة هجمات استهدفت المصالح الأميركية في العراق، فقد تعرض مطار أربيل الدولي ليل الثلاثاء لهجمات بطائرات مسيرة، بعد أن كان قد تعرض لضربة مماثلة الشهر الماضي أدت فيما بعد لرد أميركي باستهداف مواقع للفصائل المسلحة على الحدود العراقية السورية في 28 يونيو/ حزيران الماضي.

لم تكتمل تحقيقات مطار أربيل الدولي حتى تعرضت قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار (غربي البلاد) لاستهداف بـ14 صاروخا ظهيرة الأربعاء الماضي، مما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى بحسب المتحدث باسم التحالف الدولي في العراق، واين ماروتو، في حادثة تعد الثانية خلال يومين.

وبعد الهجوم بساعات تبنى فصيل مسلح يدعى "ثأر المهندس" الهجوم على قاعدة عين الأسد، ولا تعرف تفاصيل عن هذا الفصيل سوى أنه فيما يبدو يحاول الثأر لمقتل نائب رئيس الحشد الشعبي، أبو المهدي المهندس، الذي اغتيل بقصف أميركي قرب مطار بغداد الدولي رفقة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

د. مهند الجنابي الجزيرة
الجنابي يرى أن الفصائل الشيعية لا ترغب بحرب شاملة مع أميركا (الجزيرة)
  • هل تسعى الفصائل إلى حرب شاملة؟

وفي بيان لها على قصف مطار أربيل، اعتبرت عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي الهجوم رداً على قصف لواء 16 التابع للحشد الشعبي على الحدود السورية العراقية قبل أيام.
وقال عضو المكتب السياسي للحركة سعد السعدي في حديث صحفي إن "الأيام المقبلة ستشهد زيادة وتيرة العمليات النوعية ضد التواجد الأميركي، حتى تنصاع هذه الإدارة إلى قرار البرلمان العراقي القاضي بمغادرة العراق واحترام السيادة العراقية".

وعما إذا كانت الفصائل المسلحة تسعى لحرب شاملة ضد الوجود الأميركي بالعراق، وصف الخبير الأمني والاستراتيجي فاضل أبو رغيف الفصائل المسلحة بالعراق بـ"العنيدة والصلبة"، وبالتالي ترى ضرورة فيما وصفه بـ"ترهيب" الجانب الأميركي واستمرار الهجمات دون الدخول في حرب شاملة لأسباب عديدة.

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان مهند الجنابي، فيرى من جانبه أن هذه الفصائل لا ترغب بحرب شاملة، وأن الهجمات تحمل رسائل عديدة منها إيرانية في محاولة تحريك مباحثات الملف النووي الإيراني، إضافة إلى رسائل للحكومة العراقية والمواقف السياسية الضاغطة على هذه الفصائل وأفعالها.

ويضيف الجنابي -للجزيرة نت- أن هذه الهجمات تستهدف حصول الفصائل على حصانة مستقبلية، خاصة أن الحكومة العراقية والكتل السياسية (بعضها شيعية) والقيادات العسكرية قد ضاقت ذرعا بهذه الهجمات.

على الجانب الآخر، يرى الباحث السياسي غانم العابد أن هذه الفصائل أعلنت الحرب فعليا ضد التواجد الأميركي سواء في إقليم كردستان العراق من خلال استهداف مطار أربيل الدولي لأكثر من مرة، أو من خلال استهداف المصالح الأميركية في قاعدة عين الأسد وقاعدة فيكتوريا في مطار بغداد الدولي.

ويتنافى التحليل الأخير مع رؤية الخبير العسكري عبد الخالق الشاهر في حديثه للجزيرة نت، الذي يؤكد أن هذه الفصائل لا تملك القدرة على الحرب مع الولايات المتحدة في العراق، وأن الاستهدافات لا تخرج عن توجيه إقليمي ومصالح متبادلة.

الشاهر يرى أن الجيش العراقي كان أفضل القطعات العسكرية في الحرب مع إسرائيل - الصحافة العراقية
الشاهر: استهدافات الفصائل للمصالح الأميركية لا تخرج عن توجيه إقليمي ومصالح متبادلة (الصحافة العراقية)
  • هل خرجت الفصائل عن إرادة إيران؟

وعما إذا كانت هذه الفصائل قد خرجت من عباءة إيران بعد تأكيد قائد الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني حسين طائب -خلال زيارته بغداد قبل يومين- أنه لا علاقة لبلاده بالهجمات، يتابع الشاهر أنه يصعب على هذه الفصائل الخروج عن إرادة إيران أو أوامرها، مبينا أن هذه الفصائل تستهدف إبقاء حالة ما وصفها بـ"اللادولة" في العراق، وأن أي سيطرة للقوات العراقية تعني نهاية حكم هذه الفصائل ونفوذها.

أما مهند الجنابي فيرى أنه رغم ادعاء الفصائل بأنها تتبع الأجندة العراقية، فإن الوقائع تشير إلى أن هناك توجهات مشتركة لهذه الفصائل في استهداف المصالح الأميركية، رغم وجود بعض الفصائل التي استهدفت المصالح الأميركية دون مشورة إيرانية مسبقة.

وأشار في حديثه -للجزيرة نت- أن فصيل "ثأر المهندس" الذي تبنى الهجوم على عين الأسد، كان قد أعلن عن نفسه في مايو/ أيار 2020، وتبنى بعدها عمليتين ضد الفصائل الإيرانية، مشيرا إلى أن جميع الفصائل التي تعلن تبنيها للهجمات تتبع الفصائل التقليدية المنضوية ضمن ما يعرف بـ"المجلس التنسيقي للمقاومة العراقية"، حيث يتخذ كل فصيل لنفسه مسمى آخر يستخدمه في تبني الهجمات.

ويتفق فاضل أبو رغيف مع رأي الجنابي، إلا أنه يضيف أن تصريحات مسؤولي إيران تتسم بالحذر وليست مسؤولة، على اعتبار أن القرار الإيراني متعدد وليس من جهة واحدة، وبالتالي لا يستطيع أحد الحصول على إجابة وافية من الإيرانيين.

وهو ما يؤكده غانم العابد -للجزيرة نت- ليتابع أن زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني الأخيرة إلى بغداد جاءت لتؤكد على استمرار التصعيد، معتبرا أن الفصائل المسلحة بالعراق تأتمر بما يخرج عن قيادة الحرس الثوري من دون أي شائبة.

من مواقع التواصل الاجتماعي - الباحث السياسي - غانم العابد
العابد: الفصائل المسلحة بالعراق تأتمر بما يخرج عن قيادة الحرس الثوري من دون أي شائبة (الجزيرة)
  • هل ستسمر الهجمات؟

تحليلات كثيرة عن الأوضاع المستقبلية في العراق، حيث يرى العديد من المحللين والخبراء أن الهجمات ستتواصل وتتصاعد، وهو ما يشير إليه العابد في استمرار وتصاعد الهجمات في الأيام والأسابيع القادمة وبشكل أوسع وأشد.

ليس هذا فحسب، إذ لا يستبعد العابد لجوء الفصائل المسلحة لعمليات تصفية واغتيال للشخصيات السياسية الراغبة في الوجود الأميركي بالبلاد ومن مختلف أطراف العملية السياسية، خاصة مع تصاعد الخلافات البينية المتعلقة بالانتخابات المبكرة المقرر عقدها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول القادم.

أما أبو رغيف فيستقرئ استمرار الهجمات حتى جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بين بغداد وواشنطن التي لم يحدد موعدها حتى الآن، لافتا إلى أن الطريقة الأفضل لإيقاف هذه الهجمات تتمثل في إشراك مفاوض من تحالف الفتح بزعامة هادي العامري أو الحشد الشعبي في جولة الحوار المقبلة، شريطة أن يكون هذا المفاوض مقبولا من الحشد والفصائل والحكومة.

وبالعودة إلى الخبير العسكري عبد الخالق الشاهر حيث يؤكد استمرار الهجمات حتى تقرر الولايات المتحدة استخدام القوة المفرطة ضد هذه الفصائل، وبغير ذلك قد تتمادى الفصائل في شنِّ المزيد منها.

أبو رغيف رجح أن يكون الرد الأميركي محدودا للغاية (الجزيرة)
  • كيف سيكون رد واشنطن؟

وعن كيفية ما سيكون عليه الرد الأميركي وطبيعته، يرى الشاهر أن تصريحات وزارة الدفاع الأميركية -بعيد الضربة الأميركية الأخيرة على الحدود العراقية السورية- تشي بأن الرد الأميركي سيكون حاضرا، لكنه يبقى وفق الرؤية الأميركية والأهداف والمآلات المحتملة.

ويؤيد الجنابي هذا الطرح، لافتا إلى أن البنتاغون أعلن في 28 يونيو/ حزيران الماضي، أن الرد الأميركي سيكون ضربة بضربة، وهو ما ينسف سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي حدد الرد الأميركي تجاه أي استهداف يطال أرواح جنود الولايات المتحدة أو المتعاقدين معها.

ويضيف الجنابي أن الرد الأميركي سيكون مراعيا للوضع العراقي، إذ إن واشنطن لا تريد أن تستغل الفصائل الرد الأميركي في سبيل توسيع نفوذها على حساب الحكومة العراقية، لافتا إلى أن الاستهداف سيحدث بلا شك، لكنه سيكون نوعيا من حيث الأهداف دون الانجرار لحرب شاملة، بحسب تعبيره.

وعلى خلاف هذا الطرح، يؤكد أبو رغيف أن الولايات المتحدة تسعى للتهدئة لأطول فترة ممكنة، معتبرا أن العراق يعد البعد الاستراتيجي والجغرافي الأول في العالم بالنسبة لواشنطن، مشيرا إلى أن الرد الأميركي سيكون محدودا للغاية.

ويعلق بالقول إن "هناك عمليات مد وجزر بين واشنطن والفصائل، وإن الساحة العراقية ستظل ساحة مناوشات وتنافر بين الجانبين دون إرادة أميركية لإحراج الحكومة العراقية".

أما غانم العابد فيستقرئ احتمالين في الرد، إذ يتمثل الأول برد أميركي قوي وقاصم وهو ما سيجبر الفصائل على التهدئة، أما الاحتمال الثاني، فهو رد محدود على غرار ما سبق، وهو ما سيجعل الفصائل تستمر في تصعيده.

صورة حصرية مرسلة من قبله - الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة - اللواء يحيى رسول
رسول اعتبر الهجمات على قاعدة عين الأسد ومطار أربيل عملا إرهابيا (الجزيرة)
  • ما احتمالية استنساخ التجربة الأفغانية؟

يأتي تصاعد استهداف المصالح الأميركية بالعراق متزامنا مع الانسحاب المتسارع للولايات المتحدة وحلف الناتو من أفغانستان بعد 20 عاما على الغزو، في ظل حديث الفصائل المسلحة عن ضرورة استنساخ التجربة الأفغانية وإرغام واشنطن على الانسحاب.

وكان زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي قد أكد في تغريدة -على حسابه في تويتر- على أن الطريقة الأفغانية هي الكفيلة بإخراج القوات الأميركية من العراق.

وتعقيبا على هذه التغريدة، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان أن تقليد السيناريو الأفغاني في العراق لن ينفع، معللا ذلك بأن الوضع الأفغاني يختلف جذريا عن العراق، وأن البعد الاستراتيجي للعراق أميركيا أهم بكثير من نظيره الأفغاني.

أما الخبير العسكري عبد الخالق الشاهر، فيرى أن أحد أهم أسباب انسحاب واشنطن من أفغانستان جاء لإتاحة الفرصة لواشنطن لتركيز جهودها على الوضع العراقي والإيراني على حد سواء.

وتواصل مراسل الجزيرة نت مع قيادات في الحشد الشعبي ولكن لم يحصل على أي تعليق، إضافة إلى أن رد القيادات الأمنية في البلاد كان الإشارة إلى البيان الصادر عن المتحدث الإعلامي باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول الذي وصف الاعتداء على قاعدة عين الأسد ومطار أربيل بأنه عمل إرهابي.

وأكد رسول على أن خيارات السلم والحرب هي حق حصري للدولة العراقية، وأن الحكومة تؤكد رفضها استخدام الأراضي العراقية وأمن مواطنيها ساحةً لردود الفعل، مما يستوجب ضبط النفس واحترام مخرجات الحوار الاستراتيجي، بحسب نص البيان.

المصدر : الجزيرة