نصبت منظومات دفاعية متطورة.. هذه خسائر السفارة الأميركية في بغداد جراء صواريخ الفصائل

تكلفة إسقاط منظومة "سي-رام" للصاروخ الواحد تبلغ ما بين 30 إلى 60 ألف دولار

تحليق مروحيات أميركية فوق مبنى السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء
مروحيات فوق مبنى السفارة الأميركية في بغداد أثناء هجوم صاروخي سابق (مواقع التواصل)

قد لا يبدو مشهد وجود أكبر سفارة أميركية بالعالم في بغداد مألوفا، حيث تماثل مساحتها نفس مساحة مدينة الفاتيكان تقريبا، وقد بنيت على مساحة 104 أفدنة، وفاقت أكبر سفارة أميركية في السابق (سفارة يريفان – عاصمة أرمينيا) بنحو 5 مرات.

وافتتحت السفارة الأميركية في بغداد يناير/كانون الثاني عام 2009، بعد سلسلة من عمليات الإنشاءات تخطت تكلفتها الـ750 مليون دولار، مستوعبة نحو 16 ألف موظف ومقاول.

وتشهد السفارة الأميركية في بغداد بين الحين والآخر، هجمات صاروخية مجهولة المصدر، مما أجبر الولايات المتحدة على نصب منظومات دفاعية متطورة معروفة بـ"سي-رام" (C-RAM) في مبنى السفارة بالمنطقة الخضراء وسط بغداد.

وبحسب مراقبين عسكريين فإن هذه المنظومات الدفاعية باهظة الثمن من ناحية التجهيز والعتاد المستخدم، مما يجعل واشنطن تصرف آلاف الدولارات على تشغيل هذه الأجهزة المتطورة.

منظومة "سي-رام"

تتكون منظومة "سي-رام" من وحدة مجهزة بنظام مضاد للصواريخ والهاون، ويحتوي الجزء الخلفي منها على المولدات وأجهزة الحاسوب.

وبحسب بيانات الشركة المصنعة، فإن وحدة المدفعية مزودة بنظام "الرادار"، نوع "كيو باند" ويعمل بحركة 360 درجة بشكل مستمر على مدار 24 ساعة بحثا عن أي تهديدات تستهدف السفارة.

وتشير البيانات إلى وجود نظام الرؤية الأمامية والذي يكون مجهزا بنظام الأشعة تحت الحمراء والعديد من الكاميرات الدقيقة تحت "الرادار" مباشرةً، كما تضم المنظومة أيضا مدفعا دوارا من طراز "إم-61 فولكان" (M61 Vulcan)‏.

ويطلق المدفع ما بين 3 إلى 4 آلاف طلقة في الدقيقة الواحدة وبمعدل تصويب يصل إلى 70%، وتعمل المنظومة على تدمير أهداف عدة في آن واحد، وتبدأ بالأهداف الأقرب والأخطر ومن ثم تنتقل إلى الأبعد والأقل خطورة.

ويغذى المدفع الدوار بالذخيرة عن طريق خزان حلزوني يحتوي على 1550 طلقة تطلق بسرعة تصل إلى 75 طلقة في الثانية، ويعتمد النظام على مدفع من عيار 20 مليمتر غاتلينغ، في حين تتكون الطلقة الواحدة من رأس حارق في المقدمة، ومن ثم مادة حارقة، فيما تأتي مادة شديدة الانفجار وفي نهايتها يكون هناك متعقب.

ويقع مجمع السفارة على نهر دجلة غرب جسر "14 تموز"‎، ويتكون من 21 مبنى، بمساحة تقارب 80 ملعب كرة قدم، ما يجعله أكبر من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك.

ويتكون مجمع السفارة الأميركية من 5 أقسام رئيسة، وهي 6 مجمعات سكنية، ومرافق المياه، والمخلفات، ومحطة طاقة، ومبنيان دبلوماسيان، وقسم ترفيهي.

كما تحتوي السفارة على دور عرض، ومطاعم، ومركز تسوق، وحمام سباحة، وصالة رياضية، وملاعب كرة سلة وكرة قدم، ومجمعات سكنية.

نقاط ضعف "سي-رام"

ولا تخلو هذه المنظومة المتطورة من نقاط الضعف، وعلى سبيل المثال يستغرق الأمر حوالي 5 ثوانٍ للتنبيه على وجود تهديد وتثبيته والتعامل معه، كما أن لديها نطاقا فعالا قصيرا إلى حد ما يتراوح بين 109 إلى 1093 ياردة ما يعادل (100 وألف متر).

كما أن المنظومة تنفق العديد من الذخيرة على تهديد واحد، مما يحد من توريد الذخيرة بشكل سريع وفوري نظريا.
ووفقا لبعض التقديرات العسكرية، فإن هذه المنظومة قد يكون لها حد أقصى مضاد لذاكرة الوصول العشوائي يبلغ حوالي 5 جولات قبل الحاجة إلى إعادة التحميل (تزويدها بالذخيرة).

السفارة-الامريكية-الاميركية
تكلفة السفارة الأميركية في بغداد تخطت 750 مليون دولار (الجزيرة)

خسائر واشنطن

ووفقا لمعلومات وتقديرات دقيقة حصل عليها موقع الجزيرة نت، فإن أسعار الوحدة من منظومة "سي-رام" مع نظامها الكامل تتراوح ما بين 10 إلى 15 مليون دولار أميركي، حسب مواصفات الوحدة، في حين تبلغ تكلفة إسقاط الصاروخ الواحد ما بين 30 إلى 60 ألف دولار، نظرا للمعدل الهائل للنيران المطلقة على الصاروخ الذي يستهدف مبنى السفارة.

وعند الذهاب إلى عملية حسابية بسيطة وعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة إسقاط 10 صواريخ فقط، ما بين 300 ألف إلى 600 ألف دولار تتحمل نفقاتها الولايات المتحدة.

ومن المعروف أن السفارة الأميركية في بغداد تتعرض وبشكل مستمر إلى عشرات الاستهدافات الصاروخية تنفذها الفصائل المسلحة في العام الواحد، مما يجعل التقديرات المالية تذهب إلى خسارة واشنطن لملايين الدولارات لصد هذه الصواريخ المجهولة.

داغر اعتبر أن وجود منظومات دفاعية متطورة في السفارة الأميركية مخالفا للأعراف الدولية (مواقع التواصل)
داغر اعتبر أن وجود منظومات دفاعية متطورة في السفارة الأميركية مخالف للأعراف الدولية (مواقع التواصل)

ويقول مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مؤسسة غالوب الدولية منقذ داغر، إن "الحكومة العراقية غير ملزمة بدفع أي مبالغ مالية إلى السفارة الأميركية تعويضا عن خسائرها لصد الصواريخ"، ويرى أن "الولايات المتحدة لديها اتفاقية سارية المفعول مع بغداد، وهي مستمرة في تقديم المساعدات العسكرية إلى الجيش العراقي منذ سنوات وبشكل كبير جدا".

وبشأن وجود منظومات دفاعية متطورة في السفارة الأميركية، يؤكد داغر أن "وجود هذه المنظومات يعتبر مخالفا للقانون والأعراف الدولية، لكن تحرك الولايات المتحدة بهذا الصدد جاء بموافقة وعلم الحكومة العراقية".

علي الغانمي
الغانمي قال إن البرلمان العراقي لا يملك معلومات عن منظومة "سي-رام" (الجزيرة)

ثكنة عسكرية

ولا يملك البرلمان العراقي أي معلومات حقيقية تخص عمل منظومة "سي-رام" الموجودة في السفارة الأميركية ببغداد، كما يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي علي الغانمي.

ويقول الغانمي إن "البرلمان سبق وأن خاطب الحكومة العراقية بشأن تزويده بمعلومات عن هذه المنظومات وأسباب تواجدها ومخاطرها على المناطق القريبة من السفارة، لكن دون رد من الحكومة".

ويضيف الغانمي في حديث للجزيرة نت أن "السفارة الأكبر في العالم هي عبارة عن ثكنة عسكرية تحتوي على العديد من الأمور التي لا تعلم بها الحكومة العراقية".

ويشير إلى أن "العراق مطالب بالدفاع عن السفارات والبعثات الأجنبية استنادا للقوانين واللوائح الدولية الخاصة بذلك، وعلى الحكومة الدفاع والحد من الهجمات المسلحة التي تستهدف البعثات الأجنبية وفتح تحقيقات رسمية لكشف من يقف وراء هذه الاستهدافات المتكررة".

ويستطرد الغانمي بأن "ضعف العراق عسكريا وأمنيا واقتصاديا وحتى سياسيا، كان وراء اعتماد السفارة الأميركية مبدأ الدفاع عن نفسها ضد الهجمات المسلحة التي تحاول زعزعة استقرار العراق وإلحاق الضرر بعلاقاته الدولية والإقليمية".

وتوجد السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء والتي تعتبر من أكثر المناطق أمانا في بغداد، ويستقر فيها حوالي 5 آلاف مسؤول ومقاول مدني، وهي محاطة بجدران خرسانية وأسوار شائكة وفيها نقاط تفتيش عديدة، كما يحيطها نهر دجلة من الجانبين الجنوبي والشرقي.

وتتهم واشنطن فصائل عراقية مسلحة -من أبرزها كتائب حزب الله العراقي- بالوقوف وراء الهجمات التي تستهدف سفارتها وقواعدها العسكرية التي ينتشر فيها جنودها بالبلاد.

وصوّت البرلمان العراقي مطلع عام 2020 بالأغلبية على إنهاء الوجود العسكري الأجنبي على أراضي البلاد، إثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في غارة أميركية قرب مطار بغداد.

المصدر : الجزيرة