"حراس الجبل" يقضّون مضاجع المحتلين.. قرية بيتا الفلسطينية تقاوم بؤرة استيطانية بالنار والهتافات والليزر

إمدادات الكاوتشوك تصل إلى الشبان في إحدى ليالي الرباط عند جبل صبيح (الأوروبية)

أضاءت المشاعل وأشعة الليزر والألعاب النارية عتمة الليل، وخرق صوت الأناشيد الفلسطينية الصمت، وانتشرت في المكان رائحة إطارات مشتعلة.. ففي قرية بيتا قرب مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، لا يترك الأهالي سبيلا لإزعاج المستوطنين، الذين أقاموا بؤرة عشوائية في المنطقة، بغية دفعهم إلى الرحيل.

وتقع قرية بيتا (17 ألف نسمة) بين مرتفعات جبلية عدة، بينها جبل صبيح الذي أقيمت عليه البؤرة الاستيطانية، وتسكنها قرابة 50 عائلة إسرائيلية، منذ مايو/أيار الماضي.

ومنذ ذلك الحين، ينظم الفلسطينيون بشكل شبه يومي احتجاجات ليلية تستمر أحيانا حتى الصباح، ويطلقون خلالها هتافات "الله أكبر"، وينشدون أغان فلسطينية، ليجعلوا حياة المستوطنين لا تطاق.

واستشهد في مواجهات وقعت بين شبان القرية وجيش الاحتلال الإسرائيلي 4 فلسطينيين برصاص الجيش، كما أصيب أكثر من 300 آخرين بجروح، وفقا للهلال الأحمر الفلسطيني.

وبالرغم من إصابته برصاصة في قدمه خلال إحدى المظاهرات قبل أكثر من شهر، يحرص الشاب الفلسطيني ضياء على الوجود مساء كل يوم بين المتظاهرين.

ويقول ضياء، الذي توشح بالعلم الفلسطيني، بينما يتكئ على عكازين "سأواصل القدوم إلى هنا، وسنواصل العمل بهذه الطريقة والمقاومة حتى يرحلوا عن أرضنا".

تمر للشبان المرابطين في قرية بيتا (الأوروبية)

وحدات المقاومة

وقسم الشبان الفلسطينيون أنفسهم إلى وحدات، فهناك "وحدة الكاوتشوك"، و"وحدة الإرباك الليلي"، و"وحدة المشاعل"، ويرتدي بعضهم قمصانا كتب عليها "حراس الجبل".

بعد ساعات العصر، تصل إلى مكان الاحتجاج شاحنة ضخمة محملة بإطارات كاوتشوك تالفة، يقوم شبان بحرقها في الجهة الغربية من جبل صبيح ليتجه الدخان الكثيف شرقا نحو كرافانات المستوطنين.

ويصرخ شاب ملثم في ليلة كان فيها فريق وكالة الصحافة الفرنسية في المكان، "الله أكبر.. لن يبقوا في أرضنا".

ويقول رعد، مسؤول "وحدة الكاوتشوك"، إنه "عندما وضعوا هذه الكرافانات على سفح الجبل، أبلغت إسرائيل الارتباط الفلسطيني بأنهم سيبقون هنا يوما أو يومين. وخلال أقل من 50 ساعة بات هناك أكثر من 20 كرافانا متلاصقة".

ويضيف "لن تبقى هذه الكرافانات على أرضنا، ولو استشهد كل أهالي القرية".

ويقول غالب أبو زيتون (77 عاما)، الذي وضع كوفية بيضاء على رأسه، بينما يحمل سِبحة بيده، وينظر الى الدخان المتصاعد، "سيرحلون".

ويضيف "هذا العمل السلمي سيجبرهم على الرحيل، وهو أفضل من المواجهة المباشرة التي تجعلنا نخسر عددا من شبابنا".

"Night riot" protests in Nablus
بيتا فقدت 4 من شبانها منذ بدء الاحتجاجات (الأناضول)

بعد أن يخيم الظلام على القرية، ينتقل شبان إلى جهة مقابلة للجبل، ويشعلون النار في إطارات على مسافات قريبة من المستوطنة، بينما يقوم آخرون من مسافات بعيدة بتسليط أضواء من الليزر باتجاه موقع المستوطنة. كما يتوافد عشرات الشبان حاملين المشاعل إلى أقرب نقطة من المستوطنة، فيبدأ عناصر من الجيش الإسرائيلي بإطلاق قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع في اتجاههم.

ويقول شاب ملثم، وقد غطى اللون الأسود ملابسه ويديه، بينما يدفع بإطار ضخم نحو النيران القريبة، "سنواصل العمل بهذه الطريقة حتى يصل دخان الكاوتشوك إلى غرف نومهم".

ويردد الشاب ثائر حمايل، الذي وضع على رأسه كوفية شقيقه زكريا حمايل، الذي استشهد في المكان، "بهذه الطريقة أو بغيرها، يجب أن يرحلوا عن أرضنا".

داخل البؤرة

وقال مستوطنون في البؤرة إن دخان الإطارات يصل إلى أماكنهم ويلوثها.

ويصف تسيفي سكوت، أحد مؤسسي البؤرة الاستيطانية، في تغريدة له على تويتر، الاحتجاجات الفلسطينية هذه بأنها "مجنونة بكل بساطة".

ويضيف "نحن نعيش في سحابة من الدخان مسرطنة.. الأطفال يسعلون ويمرضون. إنهم يتحدثون عن طردنا وتدمير مجتمعنا. لا يمكن أن يستمر هذا. قريتهم التي يجب أن تدمر".

وتسمى البؤرة الاستيطانية "إفيتار"، على اسم ممثل ومستوطن إسرائيلي طعنه فلسطيني بالقرب من بيتا في 2013.

وأقيمت البؤرة على جبل صبيح بعدما نفذ فلسطيني هجوما بمسدس على عدد من المستوطنين، عند مفترق زعترة في المنطقة في مايو/أيار الماضي، ما أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة آخرين.

وأمر وزير الدفاع آنذاك، بيني غانتس، بإخلاء البؤرة؛ لكن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو جمّد القرار.

ولم تتعامل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، وهو رئيس سابق لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، مع هذه القضية الملتهبة بعد.

وترى منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاستيطان أن "مجموعة صغيرة من الناس قامت بدون أي سلطة، بخلق حقائق على الأرض تلحق ضررا خطيرا بأمن إسرائيل"، ودعت الحكومة الجديدة إلى إخلاء البؤرة الاستيطانية؛ لأنها تضعف من "إمكانية السلام في المستقبل".

المصدر : الفرنسية