سد النهضة.. السودان ومصر أمام خيارات صفرية إزاء الملء الثاني

تنشط مصر والسودان في جولات بين الدول الأفريقية، في محاولة لكسب تأييدها لصالح موقفهما بشأن ملف سد النهضة، والضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق ملزم، وتقابل هذه الجولات تحركات إثيوبية في الملعب نفسه.

جانب من سد النهضة الإثيوبي الذي سيصبح بعد الانتهاء منه أكبر السدود الأفريقية (الفرنسية)

تبقى أقل من شهر على الموعد الذي حددته إثيوبيا للقيام بالملء الثاني لسد النهضة الذي تبنيه على النيل الأزرق، أهم روافد نهر النيل؛ إذ قالت أديس أبابا مطلع هذا العام إنها ستقوم بحجز 13.5 مليار متر مكعب في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، بعد أن قامت العام الماضي بالملء الأول (4.9 مليارات متر مكعب)، فما الخيارات المطروحة أمام القاهرة والخرطوم تجاه هذا الموعد الوشيك؟

يشدد السودان ومصر على رفض تنفيذ الملء الثاني للسد من دون توقيع اتفاق قانوني وملزم وبه ضمانات دولية، غير أن المفاوضات بين الدول الثلاث توقفت عقب تعثر آخر جولة دعا إليها الاتحاد الأفريقي في عاصمة الكونغو الديمقراطية في أبريل/نيسان الماضي.

وفي ظل جمود التفاوض، ومع اقتراب الموعد المحدد؛ تقول إثيوبيا إنها لن تتراجع، بل إن رئيس الوزراء آبي أحمد قال إن "عدم تنفيذ الملء الثاني في موعده سيجعل إثيوبيا تتكبد خسائر بقيمة مليار دولار".

تكثيف التحركات

ولذا كثف السودان ومصر تحركاتهما لمواجهة هذا التحدي؛ ففي مطلع الأسبوع الحالي زار وزير الخارجية المصري سامح شكري برفقة وزير الري محمد عبد العاطي الخرطوم، وعقدا مباحثات مع نظيريهما السودانيين، والتقيا رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وتركزت المشاورات على تطورات ملف سد النهضة، الذي سيصبح عند الانتهاء منه أكبر السدود في أفريقيا، ليتفق الطرفان على وجود مخاطر جدية وآثار وخيمة ستنجم عن الملء الأحادي للسد، وأكدا أهمية تنسيق جهود البلدين على الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية لدفع إثيوبيا إلى "التفاوض بجدية وبحسن نية وبإرادة سياسية حقيقية، من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانونا حول ملء وتشغيل سد النهضة".

كما توافقت رؤى البلدين حول ضرورة التنسيق من أجل تدخل نشط من قبل المجتمع الدولي "لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا في انتهاج سياستها، والقائمة على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي مصب نهر النيل".

إعلان المبادئ

لكن في ظل هذا الوضع، ما الخيارات أمام القاهرة والخرطوم في حال مضت أديس أبابا في خطوتها ونفذت الملء الثاني من دون توقيع اتفاق؟ هل يجدي الانسحاب من إعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث في مارس/آذار 2015، الذي كان علامة فارقة في تفاهماتها بشأن السد؛ إذ أضفى المشروعية على المشروع عن طريق اعتراف كل من الخرطوم والقاهرة، حيث جاء في الفقرة الرابعة من إعلان المبادئ ما سمي "مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب" للسد؟

غير أن الاتفاق نص في فقرته الخامسة صراحة على أن الدول المعنية بملف السد تتفق على القواعد الاسترشادية لضمان الاستخدام المنصف والمناسب للسد، وليس التوقيع على اتفاق ملزم قانونا لإثيوبيا، إذ جاء فيها أنه يتم "الاتفاق على الخطوط الإرشادية، وقواعد الملء الأول لسد النهضة، التي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد".

ونص الإعلان على إخطار دولتي المصب (مصر والسودان) بأي ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل سد النهضة، مع إنشاء آلية تنسيقية مناسبة بين الدول الثلاث.

ويحاجج السودان بهذه الفقرة الأخيرة (حق الإخطار) مع قرب تنفيذ الملء الثاني لسد النهضة، وما يمثله من تهديد لتشغيل أقرب سدود السودان للسد الإثيوبي، وهو سد الرصيرص، الذي يبعد 100 كيلومتر عن سد النهضة، لكن حجمه يعادل فقط سدس السد الإثيوبي؛ فالقدرة التخزينية السنوية للسد السوداني تبلغ فقط 6.5 مليارات متر مكعب، في مقابل 74 مليارا لنظيره الإثيوبي.

كما أتاحت بنود إعلان المبادئ للسودان طلب تشكيل آلية رباعية برئاسة الاتحاد الأفريقي، وتضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو الطلب الذي ساندته مصر ورفضته إثيوبيا مستندة إلى المادة 10 من الإعلان، التي تقول "إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/الحكومات".

المؤسسات الدولية

وإزاء هذا التباين في النظر إلى إعلان المبادئ، يصبح ذهاب دولتي المصب إلى مجلس الأمن للبت في الخلاف مع دولة المنبع محفوفا بـ"فيتو" من روسيا والصين، اللتين حالتا دون أن يُصدر المجلس بيانا عندما عقد جلسة خاصة بشأن السد بطلب من مصر في 29 يونيو/حزيران 2020.

كما تخرج بعض الأصوات في مصر والسودان مطالبة بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية لحل الخلاف، وذلك استنادا إلى الاتفاقية الدولية للأنهار، التي نصت مادتها الثامنة على التزام التعاون على أساس المساواة السيادية للدول المتشاطئة لتحقيق الفوائد المتبادلة، وذلك بقصد بلوغ الاستخدام الأمثل للمجرى المائي الدولي، بما في ذلك تبادل المعطيات والمعلومات حول حالة مجرى النهر (المادة 9)، والوقاية من الكوارث الطبيعية (المادتان 27 و28) وفي مجال ضبط المياه وتدفقها (المادتان 25 و26)، والتشاور في ما يتعلق بالمشروعات المخطط لها (المدتان 11 إلى 19).

كما نصت المادة 33 من الاتفاقية الدولية على سلسلة من الإجراءات لتسوية الخلافات سلميا بين الدول، كالمفاوضات المباشرة والمساعي الحميدة والتوسط والتحقيق والتوفيق والتحكيم، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

لكن طريقة عمل المحكمة التي تلزم بأن توافق جميع أطراف النزاع على اللجوء إليها يجعلها خيارا صعبا، إن لم يكن مستحيلا؛ فإثيوبيا لن تقبل الذهاب للمحكمة وهي تقطع أشواطا في بناء سد النهضة.

الدبلوماسي والعسكري

تنشط مصر والسودان في جولات بين الدول الأفريقية في محاولة لكسب تأييدها لصالح موقفهما، والضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق. وتقابل هذه الجولات تحركات إثيوبية في الملعب نفسه، كما أن تأثير كل من مصر والسودان في أفريقيا ضعيف مقارنة مع أديس أبابا التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، وهي لسنوات طويلة قائد مجموعة شرق أفريقيا في تكتلات الاتحاد.

كما يتحدث البعض -لا سيما في القاهرة- عن إمكانية القيام بعمل عسكري لضرب السد الإثيوبي، خاصة أن ثمة تنسيقا عسكريا يجري بين القاهرة والخرطوم، اللتين نفذتا مناورات عسكرية مرتين خلال 3 أشهر فقط، لكن رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى للجيش في السودان قال في مايو/أيار الماضي إن بلاده لن تقوم بعمل عسكري لحل قضية السد، وإنها تعتمد الحلول السلمية.

وهو ما جعل الخيار العسكري مستبعدا، وحتى لو أرادت القاهرة اللجوء إليه فستقوم بذلك منفردة، ولا بد لها من استخدام أجواء وأراضي السودان بل ومطاراته لتنفيذه، فأقرب مطار عسكري مصري في جنوب البلاد يبعد عن السد الإثيوبي أكثر من ألفي كيلومتر، وهو خارج مدى طائرات رافال التي اشترتها مصر من فرنسا، كما أن هذا الحل سيجد رفضا شديدا من المجتمعين الدولي والإقليمي.

الخيارات الفنية

بإقدام السودان على تغيير طريقة تشغيل سد الرصيرص بعدم إفراغه من المياه في مايو/أيار الماضي، كما كان يفعل سنويا، يبدو أن الخرطوم تتحسب لبدء إثيوبيا الملء الثاني من دون أن توقع اتفاقا، إضافة إلى أن السودان غيّر طريقة تشغيل سد جبل أولياء -الذي يقع على بعد 45 كيلومترا جنوب الخرطوم- على الفرع الآخر لنهر النيل الأبيض، ولم تفرغ السلطات بحيرة السد في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، حتى تضمن عدم تأثر محطات مياه الشرب شمال العاصمة.

وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة التي تجابهها الخرطوم والقاهرة، يبقى سؤال يطرحه بعض الخبراء: هل إثيوبيا في وضع هندسي من حيث تشييد السد يتيح لها الملء الثاني؟ إذ إن هناك شكوكا حول الأمر لأنه يتطلب أن يرتفع الحائط الأوسط للسد (الحائط الخرساني) إلى مستوى 595 مترا، وحتى الأسبوع الأول من يونيو/حزيران الحالي وصل البناء إلى ارتفاع 536 مترا فقط.

ومع اشتداد هطول الأمطار في منطقة سد النهضة، التي يمكنها إعاقة عمليات البناء، وتوقفها حتى انتهاء موسم هطول الأمطار؛ فإن ذلك يعضد الشكوك المذكورة سابقا، فقد قال أحد المختصين السودانيين -طالبا عدم إيراد اسمه- "هناك الآن سباق بين الجانب الهندسي لبناء الحائط الأوسط والأمطار، ففي حال وصل البناء إلى 595 مترا قبل الشهر المقبل، يمكن أن يتم الملء الثاني، وإن لم يحدث ذلك فيمكن لإثيوبيا تخزين كمية أقل من المخطط لها".

المصدر : الجزيرة