بصور أقمار صناعية رصدتها الجزيرة نت.. حمى الاستيطان تلتهم أراضي نابلس

يسير مخطط الاستيطان -سواء في نابلس أو بالضفة الغربية ككل- بمستوى سياسي وعسكري متواز، وهو ما يُفسِّر بناء 40 وحدة استيطانية -"جزء منها إسمنتي"- في أقل من شهر، ورفدها بشبكة طرق معبدة وخدمات المياه والكهرباء وخط باص لتأمين نقل المستوطنين.

أعمال استيطانية جديدة ومستمرة في مستوطنة براخا جنوب نابلس حيث يوسع الاحتلال مخططها الهيكلي بهدف تحويلها لمدينة استعمارية (الجزيرة)

لوهلة قد يظن من يشاهد الفلسطيني محمد خبيصة وهو يمعن النظر بأرضه في جبل صبيح جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية؛ أنها المرة الأخيرة التي سيلقي عليها هذه النظرة، بعد أن احتلها المستوطنون، إلا أنه يقول -للجزيرة نت- إنها نظرة من يخطط لاقتلاع المستوطنين منها ولو بالقوة، كما احتلوها بالقوة.

ويعتبر جبل صبيح -في بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس- أقوى مثال على تسارع الاستيطان بالمنطقة، وقد تصدر المشهد هذه الأيام بعد نشر وسائل الإعلام الإسرائيلية صورا جوية وأخرى من الأرض تعكس حجم هذا الاستيطان وضخامته.

وبخطى تسابق الزمن وتدلل على تسارع الاستيطان؛ لم تمض بضع ساعات على "عملية زعترة" مطلع مايو/أيار الماضي حتى باشر المستوطنون بإقامة بؤرتهم "أفيتار" التي غدت مستوطنة كاملة الأركان فوق جبل صبيح، فبدؤوا بـ4 كرفانات (بيوت متنقلة) ليصلوا خلال أقل من شهر إلى 40 منشأة بينها مبان إسمنتية تحظى بخدمات بنى تحتية كاملة.

محمد خبيصة أقام المستوطنون مستوطنتهم على أرضه كاملة في جبل صبيح بنابلس (الجزيرة)

أرضه.. نصف المستوطنة

ومن 20 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)؛ يشيَّد المستوطنون أبنيتهم عليها في جبل صبيح، يملك خبيصة (68 عاما) 8 منها؛ "ما يعني أن نصف المستوطنة هي أرضي" يقول للجزيرة نت ذلك بينما يقف على التلة المقابلة يطالع حراك المستوطنين وأعلامهم ترفرف فوقها.

وطوال 4 عقود لم تفلح كل محاولات الاحتلال ومستوطنيه بالسيطرة على جبل صبيح أو غيره في بلدة بيتا تحت إغراء المال تارة، وبقوة السلاح تارة أخرى، ليفعلوا ذلك بغضون أيام فقط، ويقيموا "أول مستوطنة فيها وفوق أراض خاصة" في خطوة تعكس مدى عنجهية الاحتلال وصلفه.

ويضيف خبيصة أنه في أواخر أبريل/نيسان الماضي زار أرضه، ولم يكن أي أثر للمستوطنين، ولم ير سوى الدمار الذي أحدثته آليات الاحتلال العسكرية للسلاسل الحجرية وأشجار التين والزيتون.

جبل العرمة حيث أراد المستوطنون تشييد بؤرة استيطانية فوقه وتصدى لهم أهالي بيتا (الجزيرة)

ولغرض أمني نصب جيش الاحتلال عام 1988 نقطة عسكرية في جبل صبيح، لكنه سرعان ما أزالها تحت مقاومة الأهالي واستشهاد 3 منهم، وبعد ذلك -منذ عام 2000- خاض المستوطنون 5 محاولات للاستيطان فوق الجبل نجحت آخرها قبل شهر.

وهذا الاحتلال "السريع" للجبل -كما يصفه موسى حمايل نائب رئيس بلدية بيتا والناشط بالدفاع عن أرضها- لم يكن لولا دعم جيش الاحتلال الذي "حمى المستوطنين وسهَّل الطريق أمامهم، بل وساعدهم في البناء"، وتؤكد ذلك صور خاصة حصلت عليها الجزيرة نت. كما أدار الاحتلال "معركة كسب الوقت" لإقامة المستوطنة مستغلا توتر الأوضاع بالضفة الغربية والقدس وحرب غزة.

جنود إسرائيليون يساعدون المستوطنين في البناء بمستوطنة جبل صبيح (الجزيرة)

بين سياسي وعسكري

ويسير مخطط الاستيطان -سواء بنابلس أو بالضفة الغربية ككل- بمستوى سياسي وعسكري متواز، كما يقول حمايل، وهو ما يُفسِّر بناء 40 وحدة استيطانية "جزء منها إسمنتي" في أقل من شهر، ورفدها بشبكة طرق معبدة وخدمات المياه والكهرباء وخط باص لتأمين نقل المستوطنين.

وعلى الأرض يقمع الجيش الإسرائيلي مقاومة المواطنين السلمية؛ فأطلق الرصاص الحي وقتل 3 شبان وجرح المئات خلال الأيام الماضية، وسياسيا يستغل الاحتلال الصمت والتطبيع العربي "والاستعماء" الغربي تجاه انتهاكاته.

البناء الاستيطاني في جبل صبيح تنوع بين الكرفان والبناء الإسمنتي بتسارع زمني كبير (الجزيرة)

ولن يتوقف الاستيطان عند 20 دونما هي مساحة البناء فقط في جبل صبيح؛ بل سيُهوَّد الجبل بكامله والمقدر بـ840 دونما، وستفصل المستوطنة المذكورة شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وستجعل من حاجز زعترة القريب بوابة بينهما، كما ستربط مدن إسرائيلية مثل تل أبيب غربا مع مستوطناتها في الأغوار الفلسطينية شرقا.

وذكر تقرير إسرائيلي -أعدته منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان هما "بتسيلم" و "كيرم نابوت" مطلع أبريل/نيسان الماضي- أن أعداد المستوطنين بالضفة الغربية تزايد بنسبة 222% منذ عام 2000. وتوزع ما يزيد على 440 ألف مستوطن في 280 مستوطنة وبؤرة استيطانية تنهب أكثر من مليوني دونم من الأراضي الفلسطينية.

صور أقمار صناعية لإنشاءات استيطانية وشق عدد من الطرق الرئيسية والفرعية جنوب نابلس (القمر الصناعي Sentinal-2)

غلاف استيطاني

وتُظهِر صور أقمار صناعية حديثة -حصلت عليها "خدمة سند"- شق طرق وإنشاءات كثيفة متسارعة خلال الفترة الأخيرة في قرى جنوب نابلس. وأظهرت الصور الملتقطة بين 28 مايو/أيار 2021 وحتى 5 يونيو/حزيران الجاري بناء متسارعا لوحدات استيطانية في جبل صبيح قرب بلدة بيتا جنوب نابلس.

إن مشهد الاستيطان في عموم الضفة الغربية وكذلك جنوب مدينة نابلس المحاط بأكثر من 10 مستوطنات وبؤر استيطانية؛ لا يحتاج لصور أقمار صناعية لتأكيده، فجولة ميدانية واحدة -كالتي قامت بها الجزيرة نت- كفيلة بكشف أطماع الاحتلال التوسعية ببلع المنطقة وتحويل حياة الفلسطينيين لجحيم، خاصة في ظل غياب أي رادع للمستوطنين.

ويتجلى ذلك في الطريق الاستيطاني الجديد الذي بدأ الاحتلال بشقه قبل عدة أشهر ويمتد بطول 7 كيلومترات في قرى حوارة وبيتا جنوب نابلس، ويصادر بذلك ويلحق الضرر بمساحة كلية تقدر بأكثر من 1100 دونم.

جانب من الشارع الاستيطاني الالتفافي الذي يمر عبر قرى حوارة وبيتا جنوب نابلس (الجزيرة)

وهذا الشارع أقرته حكومة الاحتلال لربط المستوطنات المحيطة بمدينة نابلس، أو ما يعرف "بغلاف نابلس الاستعماري" بمستوطنة أرائيل، الأضخم بشمال الضفة الغربية، لضمان ضم هذه المستوطنات في أي عملية سياسية، كما يتم ربط مستعمرات مدينة الخليل ببعضها.

وداخل بلدة بيتا بالكاد تجد جدارا يخلو من رسم لشهيد، أو صورة لأسير، أو شعارا يحرض على التصدي للمستوطنين وطردهم من جبل صبيح، فالمواجهات لم تخمد نارها منذ أكثر من شهر. وقد استشهد شابان، وجرح المئات واعتقل آخرون، وأغلق الاحتلال مداخلها بالسواتر الحجرية والترابية، زيادة في العقاب، لكنها ترفض الاستسلام، وتعد بإعادة جبل صبيح كما كان.

المصدر : الجزيرة