نيويورك تايمز: "الإبادة الجماعية المنسية".. ما الذي فعلته ألمانيا في ناميبيا؟

Germany returns remains from 1904-1908 genocide to Namibia
أحفاد وعائلات ضحايا الإبادة الجماعية في ناميبيا خلال لقاء عقد أمس في برلين (رويترز)

بين عامي 1904 و1908 قُتل عشرات الآلاف من الأفارقة على يد جنود ألمان في المنطقة الجغرافية، التي تعرف الآن بدولة "ناميبيا"، وهي دولة شاسعة قاحلة تقع في أقصى غرب القارة السمراء، ويعتبر البعض تلك الأحداث الدامية بمثابة "أول إبادة جماعية في القرن 20″ فيما يصفها آخرون بـ"الإبادة الجماعية المنسية".

صحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) الأميركية توقفت عند هذه المحطة التاريخية الأليمة من تاريخ ناميبيا -من خلال تقرير مطول– عقب اعتراف الحكومة الألمانية -أمس- رسميا بتلك الأحداث على أنها "إبادة جماعية"، وقرارها تقديم اعتذار وتعويضات للسلطات الناميبية ولأسر الضحايا في شكل برنامج للتنمية وإعادة الإعمار قيمته 1.35 مليار دولار.

وقد أشادت الحكومة الناميبية بهذه التسوية، ورحب بها مواطنون ناميبيون؛ لكن زعماء قوميتي الهيريرو والناما -وهم ضحايا تلك الإبادة الجماعية- رفضوا الصفقة، واعتبروها "مناورة علاقات عامة"؛ لأنها لا تشمل دفع أموال لتعويض أحفاد وعائلات الضحايا.

وكانت الإمبراطورية الألمانية -التي عرفت باسم "الرايخ الألماني"- استعمرت ناميبيا في الفترة من عام 1884 حتى 1915، وآنذاك تم إخماد انتفاضتين لقوميتي هيريرو وناما بطريقة وحشية.

Germany returns remains of Namibian genocide victims
يُعتقد أن ضباطا استعماريين ألمانا كانوا يدرسون طرق تحسين النوع البشري أرسلوا مئات الجماجم لضحايا الإبادة إلى ألمانيا لفحصها (الأناضول)

إعدامات ومعسكرات

واستهدف الجنود الألمان بشكل خاص أبناء هاتين القوميتين -تضيف الصحيفة- لأنهم قاوموا الاستيلاء على أراضيهم من المستوطنين الألمان، فأعدم كثير منهم شنقا أو رميا بالرصاص، فيما تُرك آخرون يصارعون الموت بقلب الصحراء الناميبية الشاسعة، أو قتلوا تعذيبا في معسكرات الاعتقال.

ويقول مؤرخون إن نحو 80 ألفا من قبائل الهيريرو (البالغ عددها 100 ألف شخص)، وما لا يقل عن 10 آلاف من قبائل الناما (البالغ عددها 20 ألف شخص) لقوا حتفهم خلال تلك المرحلة الدامية.

وقد حافظ أحفاد الهيريرو والناما -وهما قوميتان مهمشتان أصلا داخل ناميبيا- على ذكرى تلك الأحداث وعلى قصص الإبادة الجماعية، حية في وجدانهم طوال قرن من الزمان من خلال الروايات الشفهية والفعاليات الثقافية.

وبدأت حملة من أجل الاعتراف بالإبادة الجماعية بحق شعبيهما بعد استقلال ناميبيا عام 1990، وازدادت قوة وزخما مع الذكرى المئوية للفظائع عام 2004 وخلال السنوات الأخيرة خاصة؛ بفضل الباحثين والسياسيين ذوي الميول اليسارية، الذين دفعوا ألمانيا للتصالح مع تاريخها الاستعماري، الذي نادرا ما تتفحصه.

وفيما ألمحت ألمانيا مبكرا إلى أنها مستعدة للاعتراف بالفظائع على أنها إبادة جماعية، كان هناك على الدوام حجر عثرة يقف في طريق هذا الاعتراف، وهو المال؛ ليس فقط المبلغ الذي سيتم تقديمه كتعويضات، لكن أيضا كيف ستوصف تلك الأموال.

أسرى من قومية هيريرو وناما بيد جنود ألمان في مكان ما بناميبيا في الفترة ما بين 1904 و1908
أسرى من قوميتي هيريرو وناما بيد جنود ألمان في مكان ما بناميبيا في الفترة ما بين 1904 و1908 (الأرشيف الوطني الناميبي-مواقع التواصل)

نهب ومقاومة

نيويورك تايمز أشارت في تقريرها أيضا إلى أن ألمانيا مطلع القرن الماضي كانت قوة استعمارية صغيرة في أفريقيا مقارنة بدول مثل فرنسا وبريطانيا، وكانت من بين ممتلكاتها القليلة وأكثرها قيمة في القارة ناميبيا -التي كانت تسمى آنذاك جنوب غرب أفريقيا- والتي عمل الآلاف من المستوطنين الألمان بشكل ممنهج على الاستيلاء على أراضي وماشية ساكنيها الأصليين.

وقد واجه هؤلاء المستوطنون المقاومة الأشد على الإطلاق من شعبي الهيريرو -وكانوا رعاة ماشية تقليديين- ومن بعدهم الناما، فقامت السلطات الألمانية من أجل قمع المعارضة بإرسال لوتار فون تروثا (Lothar von Trotha)، وهو قائد عسكري عرف بشراسته في مستعمرات ألمانيا في كل من آسيا وشرق أفريقيا، إلى هناك حيث قاد ما عرف بـ"قوة الحماية" (Schutztruppe).

عام 1904، أصدر فون تروثا تحذيرا لأبناء شعب الهيريرو، جاء فيه أن "كل هيريرو، ببندقية أو بلا بندقية، بماشية أو بدونها، سيتم إطلاق النار عليه"، كما حذر من أنه لن يأوي بعد الآن نساء أو أطفالا؛ بل "سيعيدهم إلى قبيلتهم أو يقتلهم رميا بالرصاص". وفي العام الذي يليه أصدر تحذيرا مماثلا لأبناء الناما، المجموعة العرقية الثانية ضحية الإبادة.

ويعتقد خبراء ألمان -وفق الصحيفة- أن الإبادة الجماعية للهيريرو والناما كانت مؤشرا ينذر بتنامي الأيديولوجية النازية وبوقوع المحرقة اليهودية (الهولوكوست) فيما بعد إبان الحرب العالمية الثانية.

ويُعتقد أن الضباط الاستعماريين الألمان، الذين كانوا يدرسون طرق تحسين النوع البشري، وهو اعتقاد مشوه في تحسين السلالات البشرية من خلال التربية الانتقائية، قد طوروا أفكارا حول النقاء العرقي واختلاط الأجناس خلال تجاربهم على الضحايا في ناميبيا.

وقد تم فعلا إرسال مئات جماجم الضحايا إلى ألمانيا لفحصها، أعيد بعض منها خلال السنوات الأخيرة، فيما اعتبر أحد "أكثر المواقف عاطفية وإثارة للجدل" في تاريخ الإبادة الجماعية الناميبية.

المصدر : نيويورك تايمز