فورين أفيرز: حكومة السودان الجديدة تواجه مشكلات قديمة.. دارفور تنزف مجددا

الاعتصام وجد تجاوبا منقطع النظير من جميع السودانيين
تغيير واحد لافت للنظر حدث بدارفور هو أن غير العرب استطاعوا التعبير عن إحباطهم بالاستمرار في تنظيم اعتصامات كانت تُقمع على الفور (الجزيرة)

قال خبير في الشؤون السودانية إن الحكومة الانتقالية الجديدة في الخرطوم تواجه مشكلات قديمة ورثتها من أيام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، وإن إقليم دافور في غربي البلاد عاد ينزف مجددا.
ففي مقال بمجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الأميركية، أفاد الباحث والصحفي الفرنسي المتخصص بشؤون السودان وتشاد، جيروم توبيانا، بأن أكثر ما يزعزع الاستقرار في دارفور هو الانتقال السياسي في الخرطوم الذي جعل القبائل العربية وغير العربية تتمادى في أعمال العنف إثر إخفاق الحكومة الاتحادية الجديدة في الارتقاء إلى مستوى التطلعات الشعبية في الإقليم الغربي.

ولفت الكاتب إلى أن كثيرا من أهالي دارفور شاركوا في الاحتجاجات التي أطاحت حكم البشير في أبريل/نيسان 2019.

ليست تكرارا لما سبق

على أن دوامة العنف الحالية في غرب السودان ليست تكرارا لأزمة دارفور السابقة، بل هي نتاج جانبي لعملية الانتقال السياسي الحالية في الخرطوم. فإطاحة البشير في 2019 رفعت تطلعات مواطني دارفور العرب منهم وغير العرب على حد سواء الذين تفاءلوا بتحسن أوضاعهم في ظل الإدارة الجديدة.

غير أن قلة من هؤلاء قد تحسنت أحوالهم في العامين الأخيرين، في حين تأهّب كثيرون تحسبا لاندلاع موجة جديدة من العنف.

وتطرق مقال فورين أفيرز إلى ما سماه الكاتب الدور الذي أدّته مليشيا الجنجويد العربية وقائدها محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، في أحداث دارفور. وقالت المجلة إن الحرب في الإقليم نشبت عام 2003 بعدما حملت القبائل غير العربية السلاح في وجه حكومة البشير.

صعود حميدتي

وحسب الكاتب أرسل نظام الخرطوم حينئذ الجيش لإخماد التمرد وعمد إلى تسليح بعض القبائل العربية في الإقليم، فأسس مليشيا الجنجويد "سيئة السمعة" التي أثارت الرعب في نفوس غير العرب هناك.

وبعد 10 سنوات وقع اختيار البشير على حميدتي ليكون قائدا لقوات الدعم السريع التي ما لبثت أن أصبحت حرسا للرئيس. وكان البشير يظن -في ما يبدو- أن "تاجر إبل عصاميا في الأربعينيات من عمره"، في إشارة إلى حميدتي، سيكون أكثر ولاء له من جنرالات الجيش القدامى لكنه كان مخطئا في ظنه، وفقا للباحث الفرنسي.

وأردف الباحث قائلا إن الدور الذي اضطلع به حميدتي في تولي العسكر لزمام السلطة في 2019 جعله يتبوأ منصب الرجل الثاني في حكومة السودان الانتقالية.

وقد شجع تولي حميدتي المنصب الجديد عرب دارفور على الاعتقاد أنه سيعينهم على تعزيز سيطرتهم على الأراضي والموارد التي حازوها بمساعدة الجنجويد.

حميدتي يسعى إلى دور جديد

ولكن حميدتي ظل يسعى جاهدا للتقليل من أهمية ماضيه في أثناء الحرب بدارفور وتقديم نفسه على أنه "صانع سلام" عبر دعوته للمصالحة بين القبائل وحتى قيادة المفاوضات مع عدد من الجماعات المتمردة غير العربية، التي أثمرت عن اتفاق سلام جوبا في أغسطس/آب 2020.

وأشار الكاتب إلى أن حدة العنف بدأت تخف في غرب دارفور عام 2010، فسمح ذلك بعودة بعض النازحين إلى قراهم لكن العائدين فوجئوا في بعض الحالات باستقرار البدو العرب في مناطقهم.

ويقول الكاتب إن بعض أولئك البدو قدموا من دولة تشاد المجاورة ومُنحوا الجنسية السودانية مقابل التحاقهم بمليشيا الجنجويد التي أُدمجت شيئا فشيئا في القوات شبه العسكرية الرسمية المسماة قوات الدعم السريع.

ورغم ما أشاعته الثورة على البشير من روح الوحدة في بادئ الأمر فإنه ثبت أنها مشاعر "عابرة" بعدما أُصيب المحتجون بخيبة أمل من وتيرة التغيير البطيئة، على حد زعم توبيانا في مقاله.

دارفور عالقة بحقبة البشير

فقد جأر الدارفوريون غير العرب على وجه الخصوص -حسب تعبير المقال- بالشكوى أن الثورة ظلت قاصرة على الخرطوم، وأن إقليمهم لا يزال عالقا في حقبة البشير.

ويقرّ الكاتب مع ذلك أن تغييرا واحدا لافتا للنظر قد حدث في واقع الأمر هو أن غير العرب في دارفور استطاعوا التعبير عن إحباطهم بالاستمرار في تنظيم اعتصامات "وهي أفعال من قبيل العصيان المدني كانت القوات السودانية في السابق تقمعها".

ومع توفر الحريات للتعبير عن الرأي، بدأ غير العرب في دارفور بالاحتجاج ليس من أجل الديمقراطية فحسب بل للمطالبة بحق العودة إلى أرض أجدادهم وطرد من استوطنوا فيها من العرب.

بيد أن القبائل العربية في دارفور شعرت بخطر تلك المطالب، فرفعت سقف توقعاتها هي الأخرى، كما يقول جيروم توبيانا.

سلام بلا معنى

وفي خضم هذه الأزمة، ثبت عدم جدوى الحكومة الانتقالية الجديدة في الخرطوم إذ لم تُنفذ بعد العديد من بنود اتفاقية السلام ولم تعمل على حماية غير العرب من مواطني دارفور من العنف المتصاعد، طبقا لمقال فورين أفيرز.

كذلك لم تُسلم البشير واثنين من كبار مساعديه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفق ما نصت عليه اتفاقية السلام.

ويرى جيروم توبيانا أن جزءا من المشكلة يكمن في أن بعض المسؤولين عن الجرائم السابقة ما زالوا في سدة الحكم مثل حميدتي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان "الذي حارب في دارفور ويُزعم أنه متورط في الهجمات على الجماعات غير العربية".

تكبيل قدرة الحكومة الانتقالية

ثم إن الخلافات المستمرة داخل الحكومة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري، وبين الجيش وقوات الدعم السريع حالت دون قدرتها على كبح جماح العنف.

وفي غياب توجيه واضح من الحكومة الانتقالية انحازت مختلف القوات الحكومية إلى جانب بعض الأطراف. فقد ساندت العديد من وحدات قوات الدعم السريع العرب في حين وقف بعض أفراد القبائل غير العربية في الشرطة والجيش في صف النازحين من غير العرب.

ونقل جيروم توبيانا في ختام مقاله على لسان أحد الناجين من أعمال العنف في معسكر للنزوح بدارفور القول إنه "لا معنى للسلام ما دام المجرمون هنا ويحملون أسلحتهم. نحن نريد تجريدهم من السلاح وتقديمهم إلى العدالة وإعادة أراضينا إلينا".

المصدر : فورين أفيرز