الحرب على غزة.. نتنياهو يبحث عن صورة انتصار وهمية

ستبقى الحكومة الإسرائيلية الانتقالية تشهد حالة إرباك بكل ما يتعلق بموعد إنهاء الحملة العسكرية وذلك في ظل اتساع مدى صواريخ المقاومة

نتنياهو برفقة كوخافي وغانتس بمقر وزارة الدفاع لمتابعة سير الحملة العسكرية على غزة
نتنياهو (وسط) برفقة كوخافي (يمين) وغانتس في مقر وزارة الدفاع لمتابعة سير الحملة العسكرية على غزة (الجزيرة)

أحبط رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي محاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تأطير مشاهد انتصار بعد انقضاء الأسبوع الأول من العدوان على غزة، حيث كان من المتوقع أن يعلن نتنياهو مساء أمس الأحد عن استعداداه لقبول المبادرة الأممية للتهدئة ووقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي لم يعلن عن بنك الأهداف لحملته على غزة -والتي أطلق عليها اسم "حارس الأسوار"- فإن الجيش نفذ -بحسب كوخافي- مرحلة جديدة في الحرب على غزة، قائلا "نعتزم مواصلة العمل العسكري بقوة، ووفقا للضرورة والخطوات التي خططنا لها".

وجاء موقف كوخافي خلال مؤتمر صحفي عقده مساء أمس الأحد في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب بمشاركة وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الوزراء نتنياهو الذي لم يبد تحمسا لاستمرار الحملة العسكرية، قائلا "تستغرق بعض الوقت، لكن ليس طويلا"، وألمح إلى أنها تقترب من النهاية بعد تحقيق أهدافها التي لم يفصح عنها.

تلميحات نتنياهو هذه تأتي خلافا لتسريبات وصلت إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية المتعلقة بمضامين ومحاور جلسة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت"، حيث قال مصدر سياسي للصحفيين إن "الكابينت لم يبحث وقف إطلاق نار، ولا يوجد على جدول الأعمال اقتراح لهدنة طويلة الأمد، حيث تم تناول تطورات الحرب على غزة والمأزق السياسي في إسرائيل".

ويزيد الموقف الضبابي الذي عبر عنه نتنياهو المشهد السياسي الإسرائيلي تعقيدا، كما أنه يعكس حالة الإرباك وكواليس الخلافات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية التي أكدت أنها لم تنجز العمليات التي أطلقت مع بداية الحملة، إذ أعطت الرد سريعا لضبابية نتنياهو حين شنت عند منتصف الليل سلسلة غارات استمرت حتى فجر اليوم الاثنين، وقال الجيش إنه أطلق المرحلة الثالثة من تدمير ما سماه مشروع "المترو لأنفاق حماس".

ولحين الانتهاء من الهدف المزعوم المعلن ستبقى الحكومة الإسرائيلية الانتقالية تشهد حالة إرباك بكل ما يتعلق بموعد إنهاء الحملة العسكرية، وذلك في ظل اتساع مدى صواريخ المقاومة إلى ما بعد تل أبيب، في حين أن المستوى العسكري الذي يرجح أن استمرار العدوان على غزة ينطوي على مخاطر أكبر يصر رغم ذلك على استمرار العمليات التي أطلقها حتى الانتهاء منها، حيث قال رئيس أركان الجيش "حماس لم تقرأنا بشكل صحيح ولم تقدّر شدة استجابتنا".

Israeli-Palestinian violence flares up
الغارات الإسرائيلية على غزة استهدفت البنى التحتية والمناطق السكنية وخلفت مئات الشهداء والجرحى (رويترز)

غارات ومفاوضات

وفي الوقت الذي واصل الطيران الحربي شن غاراته على قطاع غزة دأب نتنياهو على إجراء اتصالات مع نفتالي بينيت رئيس حزب "يمينا"، للحصول على دعمه مستقبلا في حال فشل رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد في تشكيل حكومة بديلة، بيد أن بينيت -الذي كان من المبادرين لتشكيل "كتلة التغيير"- يصر على موقفه ويدفع نحو تشكيل حكومة "وحدة وطنية".

وعقب العدوان على غزة والاحتجاجات الملتهبة في البلدات العربية بالداخل أسدل بينيت الستار على فكرة "كتلة التغيير" وإقامة حكومة يمين برئاسته بالتناوب مع لبيد تحظى بدعم قوى اليسار الصهيوني والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.

وقبيل بدء الحملة العسكرية على غزة أُعلن رسميا عن التوصل إلى تفاهمات أساسية لتشكيل حكومة بديلة برئاسة بينيت ولبيد، حيث كان من المفروض أن تقدم هذه الحكومة هذا الأسبوع للتصويت ونيل ثقة الكنيست، بيد أن الحرب على غزة حالت دون الإعلان رسميا عن تشكيل حكومة بديلة عن حكومة نتنياهو.

نتنياهو تفقد غرفة العمليات الخاصة التابعة للشاباك التي أدارت عمليات استهداف قادة حماس
نتنياهو تفقد غرفة العمليات الخاصة التابعة للشاباك التي أدارت عمليات استهداف قادة حماس (الجزيرة نت)

حكومة ضيقة

وبالتوازي مع ذلك، بحث نتنياهو في اليوم الخامس للعدوان على غزة -خلال اجتماع مع طاقم مفوضات الليكود عقده في مقر وزارة الأمن في تل أبيب- تقدم الاتصالات بين الليكود ويمينا لتشكيل حكومة يمين ضيقة في حال انتهاء مهلة التكليف إلى لبيد وفشله في تشكيل حكومة.

سياسي وانتخابي

وفي قراءة للمشهد السياسي-الانتخابي في إسرائيل أوضح المحلل السياسي عكيفا إلدار أن نتنياهو -الذي يسعى لتوظيف العدوان على غزة لأهدافه الشخصية وإفشال مهمة تشكيل حكومة بديلة- واصل خلال سير العمليات العسكرية مفاوضات تشكيل الحكومة مع بينيت، حيث بدا واضحا أنه يتجه لقبول وقف إطلاق النار بعد أن حقق أهدافه بإفشال مهمة تشكيل حكومة بديلة.

ويعتقد إلدار في حديثه للجزيرة نت أن نتنياهو المعروف عنه أنه يخشى الخروج لحرب طويلة الأمد ويمتنع عن المواجهات العسكرية الشاملة يرى بالعدوان على غزة بمثابة طوق نجاة مؤقت له لإعادة ترتيب أوراقه وترحيل محاكمته بتهم فساد، وحتى جر إسرائيل لانتخابات خامسة لتعزيز فرصه لتدعيم معسكره، وتشكيل حكومة يمين فاشي لضمان بقائه في رئاسة الحكم وتجنب السجن.

وقال المحلل السياسي "بعد أسبوع من القتال لم يكن لدى أي منا أي فكرة عن أهداف العملية في غزة، وما هي نقطة الخروج المفضلة، وكم عدد نشطاء حماس الذين قتلوا في الأنفاق، وإلى أي مدى صحة الأمر بأننا وجهنا ضربة قاسمة لحماس، لكن كان واضحا أن المستوى العسكري رفض أن يكون رهينة لأهواء وقرارات ورغبات نتنياهو وما يخدم مصالحه".

وفي ظل هذا الصراع الخفي بين المؤسسة العسكرية ممثلة بكوخافي والمستوى السياسي ممثلا بنتنياهو يعتقد إلدار أنه "من وجهة نظر نتنياهو يجب وقف إطلاق النار، لاعتقاده بتحقيق أهداف الحملة بانهيار المباني العالية في غزة، وبتوجيه ضربة موجعة لحماس وتدمير ترسانتها العسكرية وقدرتها الصاروخية"، لافتا إلى أن الهدف الحقيقي لنتنياهو وراء حملته العسكرية على غزة هو توجيه ضربة لحكومة التغيير قبل تشكيلها، وهذا ما تحقق، حسب المحلل السياسي.

تهديد وانتصار

وخلافا لجولات قتالية سابقة، هذه المرة وفي هذه العملية أصدرت حماس عن عمد إنذارا نهائيا بشأن القدس واختارت شن الحرب، ووضعت بذلك القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل على المحك حين تركت منذ البداية تاريخ انتهاء الحملة مفتوحا هذه المرة، فهذا التحرك في حد ذاته هو إنجاز إستراتيجي حسب الجنرال احتياط غرشون هكوهين الباحث في "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية" في جامعة "بار إيلان".

ويعتقد الباحث الإستراتيجي أنه على الرغم من عدم الكشف والإعلان عن بنك الأهداف قبل الخروج للحملة العسكرية فإنه توجد لدى الجيش الإسرائيلي خطة فعالة لمواصلة الهجمات، ويجب التوضيح أنه ينوي الاستمرار بالعلميات التي أطلقها وعدم التراجع.

وأكد الجنرال احتياط للجزيرة نت أنه يجب ألا ينتهي المطاف بدولة إسرائيل بطريقة قد تبدو منسجمة مع مطالب حماس فيما يتعلق بالقدس "فأي رد إسرائيلي كالاستسلام لقضية الشيخ جراح يشكل انتصارا لحماس".

وقال هكوهين "يجب عدم تجاهل العلاقة العميقة التي نشأت بين حالة التمرد للعرب في إسرائيل والاقتتال في قطاع غزة، فدولة إسرائيل في حالة اشتعال شبيهة بما حدث مع اندلاع حرب 1948 (الاستقلال)، فمثيرو الشغب هذه المرة هم رسميا مواطنون في دولة إسرائيل، مما يجعل من الصعب فهم التهديد الوجودي لأسس سيادة الدولة اليهودية".

المصدر : الجزيرة