6 أسئلة وأجوبتها حول قصة السلاح في دارفور

الوضع الإنساني في المدينة لا يزال خطيرا حيث ظل ألوف في الشوارع في حاجة لمأوى بعد حرق مخيم للنازحين خلال القتال

مدينة الجنينة تشهد اشتباكات عرقية تخلف أعدادا هائلة من القتلى والجرحى (مواقع التواصل)

للمرة الثالثة خلال عامين تسقط الحكومة الانتقالية بالسودان في امتحان الأمن المكشوف في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث تبدأ مشاجرة محدودة وتنتهي بمواجهات قبلية تحصد القتلى وتشرد المدنيين.

ومنذ 2003 تشتعل حرب في دارفور بين حركات مسلحة والحكومة المركزية بالخرطوم، ورغم توقيع اتفاق سلام بجوبا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 فإن الإقليم ما زال يعاني من الاقتتال القبلي والانفلات الأمني في ظل انتشار نحو 155 معسكرا للنازحين.

ما هي أسباب اندلاع الأحداث الأمنية في الجنينة؟

إثر مشاجرة انتهت بقتل شخصين من قبيلة المساليت مساء السبت الماضي عاشت مدينة الجنينة 3 أيام عصيبة من المواجهات بين المساليت وقبائل عربية.

وتقول هانم آدم -وهي أستاذة جامعية في الجنينة- إنه بعد وقوع الحادث كانت الأجواء متوترة في المدينة التي تبعد نحو 1200 كيلومتر عن العاصمة الخرطوم.

وتوضح أن المواطنين انطلاقا من تجربتهم كانوا يتوقعون حصول ما لا تحمد عقباه، ورغم ذلك لم تحرك السلطات ساكنا، على حد قولها.

وتضيف للجزيرة نت "صبيحة الحادثة كان من السهل التفرس في ملامح التوتر في وجوه الذين تقابلهم في الشارع".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي سقط عشرات القتلى والجرحى في مواجهات دامت لأيام في الجنينة إثر مشاجرة أدت لمصرع شخص وجرح آخرين.

وكذلك في ديسمبر/كانون الأول 2019 نشبت مواجهات مماثلة بين العرب الرحّل والنازحين بمعسكر كريندق إثر مشاجرة بين أشخاص في سوق المدينة، مما أدى لسقوط عشرات القتلى والمصابين.

وسبق أن شهدت الجنينة اقتتالا ذا طابع قبلي في عامي 1999 و2003 مع بداية اشتعال الحرب في إقليم دارفور.

من هم ضحايا أحداث الجنينة؟

وفقا لآخر إحصائية صادرة عن فرعية لجنة أطباء السودان المركزية بغرب دارفور، فإن عدد القتلى في الأحداث الأخيرة بلغ 87 شخصا، ووصل عدد الجرحى إلى 191.

وبحسب مصادر تحدثت للجزيرة نت، فإن عدد الضحايا يتوقع أن يكون أكثر وربما يصل إلى 200 قتيل، لأن الإحصاءات الرسمية تتعامل فقط مع الجثث التي تصل المشافي، وهناك الكثير من الجثث لم ترفع من الشوارع بسبب استمرار إطلاق النار.

وإلى جانب سقوط القتلى والجرحى بالعشرات في جميع الأحداث الأمنية التي شهدتها الجنينة كانت هناك عمليات نزوح جديدة يضطر معها النازحون للفرار مجددا من عمليات القتل والاغتصاب.

واضطر نازحون في مواجهات استهدفت معسكر كريندق في أواخر العام 2019 للجوء إلى تشاد على بعد 27 كيلومترا من الجنينة، حيث معسكرات اللاجئين الدارفوريين المقامة منذ العام 2003.

لكن التطور المريع هذه المرة أن الأحداث التي شهدتها المدينة هذا الأسبوع طالت السكان أنفسهم ولم تقتصر على النازحين، بحسب هانم آدم.

وأصبح حي الجبل -وهو أكثر الأحياء تأثرا- خاويا على عروشه بعد هروب قاطنيه إلى الأحياء الأكثر أمانا، وشمل الهروب من المنازل أحياء التضامن والثورة والجمارك.

ويؤكد المتحدث باسم منسقية معسكرات النازحين واللاجئين آدم رجال أن النازحين عاشوا تجربة الفرار بأرواحهم مرة ثانية، بعد حرق معسكر أبو ذر بالكامل ومعسكر جامعة زالنجي بشكل جزئي.

ما هي نوعية الأسلحة المستخدمة؟

في أحداث الجنينة السابقة كانت البنادق الآلية التي يحملها رجال القبائل هي التي تحصد الأرواح، لكن اللافت في الأحداث الأخيرة استخدام الأسلحة الثقيلة.

وأظهرت مقاطع فيديو رجالا بزي مدني يجوبون شوارع أحياء المدينة ويقتحمون المنازل وعلى أكتافهم مدافع "آر بي جي" (RPG) وبنادق "إف جي 42" (FG 42).

ويؤكد عصمت إبراهيم محمد إدريس -وهو صحفي من سكان الجنينة- أن الأحداث التي شهدتها المدينة هذا الأسبوع تعد الأسوأ والأكبر نظرا لاستخدام أسلحة ثقيلة وتكتيكات عسكرية واضحة.

وتعرضت العديد من المواقع لقذائف من أسلحة ثقيلة، وبحسب هانم آدم فإن 4 قذائف طالت السكن الجامعي، مما اضطر المقيمات فيه لقلب كراسي الجلوس والانحشار تحتها خوفا من سقوط الأسقف.

العديد من المواقع تعرضت لقذائف من أسلحة ثقيلة (مواقع التواصل الاجتماعي)

ما هي قصة السلاح في دارفور؟

عرفت دارفور السلاح بشكل كبير إبان حقبة الحكم الديمقراطي الأخير (1986-1989) في عهد رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي، فيما عرف حينها بـ"النهب المسلح".

وأسهمت الحرب التشادية في تدفق كميات هائلة من الأسلحة إلى إقليم دارفور الذي يمتلك حدودا شاسعة ومفتوحة مع تشاد.

واضطر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير (1989-2019) لتسليح القبائل العربية بعد اشتعال الحرب في دارفور سنة 2003.

ولاحقا، تم تشكيل مليشيات من هذه القبائل مثل قوات حرس الحدود وقوات الدعم السريع لمحاربة الحركات المسلحة التي قوامها الأساسي قبائل الزغاوة والفور والمساليت.

واشتهر إقليم دارفور بانتشار السلاح الذي بيع في أوقات سابقة علانية بالأسواق العامة، وكانت الذخائر توضع في العبوات التي تباع بها حبوب الذرة.

ما هي مصادر السلاح؟

رصد تقرير دولي في وقت سابق حجم السلاح المتداول في دارفور بنحو مليوني قطعة، وإن كانت التقديرات المحلية تشير إلى أن العدد أكثر من ذلك بكثير، لأن اقتناء السلاح لكل أسرة أصبح ضروريا لحماية الأنفس والممتلكات.

وإلى جانب الأسلحة التي سلمها النظام السابق لقبائل بعينها فإن المصدر الرئيسي للأسلحة في دارفور يتمثل في ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في العام 2011.

وفي فبراير/شباط 2020 نبهت الأمم المتحدة في تقرير إلى أن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، بما يوازي بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد.

ومن واقع مشاهدتها تقول الأستاذة الجامعية هانم آدم إن انتشار السلاح في الجنينة أصبح لافتا جدا، فالكل يتأبط بندقيته لأنهم فقدوا الثقة في حماية الحكومة.

وفي وقت سابق، قال والي ولاية غرب دارفور محمد عبد الله الدومة إن حجم السلاح غير المقنن في ولايته يمكن أن يسلح جيشا كاملا، مشيرا إلى أن عملية جمع السلاح في الحكومة السابقة كانت صورية.

وأطلق البشير في 2016 عملية لجمع السلاح في إقليم دارفور، لكن هذه العملية بدت وقتها بعيدة عن الواقع جراء تصميم القبائل على إخفاء أسلحتها.

من يشعل الصراع؟

يبدو هذا السؤال هو الأهم، خاصة في أحداث الجنينة، لأن سكانها يعيبون على الأجهزة الأمنية التفرج على الانفلات الأمني الذي يستمر لأيام.

لكن آدم رجال يعتبر أن بعض الأجهزة الأمنية أصبحت جزءا من الصراع باعتبار أن قوات الدعم السريع ينحدر أغلب مكونها من العنصر العربي "الرزيقات".

وبحسب الصحفي عصمت إبراهيم، فإن هناك تبادلا للاتهامات لأن قبيلة المساليت تتهم قوات الدعم السريع، فيما تتهم القبائل العربية الحركات المسلحة -وعلى رأسها "التحالف السوداني"- بالتدخل في الصراع.

ورغم صعوبة معرفة هوية من يقف خلف تأجيج الصراع تبقى الحقيقة في أن ما يحدث في دارفور منسق ومرتب.

وتقول هانم آدم "هناك ترتيب مسبق، في كل مرة افتعال مشكلة ثم جهة تشعل الأحداث، السيناريو بات معروفا".

وتبدي استغرابها من تعايش المكونات الاجتماعية بالجنينة، ثم فجأة تسيطر الكراهية على الجميع برسائل وصور للقتل على أساس عرقي في منصات التواصل كما حدث في المواجهات الأخيرة.

المصدر : الجزيرة + وكالات