حصص المياه.. أحدث حلقات مسلسل التوتر بين الأردن وإسرائيل

التوتر الأخير بين عمّان وتل أبيب حول مخصصات المياه إنما يعكس أزمة العلاقات بين الجانبين، وخصوصا بين الملك عبدالله الثاني ونتنياهو الذي يصر على معاقبة الأردن لأسباب شخصية.

تنعكس الأجواء السلبية التي تحكم علاقة ملك الأردن برئيس الوزراء الإسرائيلي على ملفات عدة متوترة بين البلدين. (وكالات)

يشير تصاعد التوتر بالعلاقات بين إسرائيل والأردن إلى عمق الأزمة الدبلوماسية بين الجانبين، حيث لم يعد خافيا تأزم العلاقات الشخصية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والملك عبدالله الثاني، حيث تجلت مؤخرا في رفض نتنياهو تزويد الأردن بحصص مائية طلبها وفقا لاتفاقية وادي عربة.

قضية مخصصات المياه كانت حلقة في سلسلة من الأحداث، التي وقعت العام الماضي، وزادت من التوتر بين البلدين، خصوصا في أعقاب إطلاق قطار التطبيع والتوقيع على "اتفاقية أبراهام"، وتلويح نتنياهو بالمضي لنزع الوصاية الهاشمية الأردنية عن إدارة المقدسات في مدينة القدس والأقصى.

وسعيا من نتنياهو لممارسة الضغط على الأردن لتقديم تنازلات في القضية الفلسطينية والملفات الإقليمية، وتجاوز عمّان في قطار التطبيع، رفض نتنياهو طلب الأردن تزويده بالمياه، خلافا لموقف سلطة المياه في تل أبيب والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي أوصت بالاستجابة لطلب الأردن، وفق ما أفادت صحيفة "هآرتس".

ونقل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، عن مصادر أمنية إسرائيلية وأردنية قولها إن "نتنياهو لم يستجب للطلب الأردني لتزويده بالمياه"، إذ يعكس نهج نتنياهو "عمق الأزمة بين الدولتين، التي باتت أشبه بمواجهة شخصية بين نتنياهو والملك عبدالله"، وفقا لتقديرات المحلل العسكري.

ويأتي رفض نتنياهو، خلافا للبنود المشمولة في اتفاقية وادي عرابة الموقعة بين البلدين عام 1994، وما رافقها من تعديلات عام 1997، حيث تعهدت من خلالها تل أبيب بضخ المياه من بحيرة طبرية إلى نهر الأردن لزيادة حصص المياه التي تزودها للأردن.

بحيرة طبريا، حيث تعهدت إسرائيل بضخ المياه منها إلى الأردن.
بحيرة طبريا التي تعهدت إسرائيل بضخ المياه منها إلى الأردن (الجزيرة)

نتنياهو والملك عبدالله

وأعرب محللون إسرائيليون عن قلقهم من تحركات ونهج نتنياهو، وتصاعد التوتر بين البلدين. ووفقهم، فإن "نتنياهو يهدد عمدا استقرار اتفاقيات السلام على خلفية العداء الشخصي بينه وبين الملك عبدالله، ويتجاهل القيمة الإستراتيجية الكبيرة لإسرائيل من علاقاتها مع عمّان".

وتجلى التوتر بين البلدين، في أعقاب منع الأردن طائرة نتنياهو عبور أجوائها واضطراره إلغاء زيارته إلى الإمارات، وذلك قبل أيام من انتخابات الكنيست التي جرت الأسبوع الماضي.

وجاء موقف عمّان من منع الطائرة الإماراتية، التي حطت في مطار علياء الدولي، من السفر إلى تل أبيب لتقل نتنياهو إلى أبو ظبي، بعد أن ألغى ولي العهد الأردني، الحسين بن عبدالله الثاني، زيارته إلى المسجد الأقصى بمناسبة الإسراء والمعراج، بعد أن وضعت تل أبيب عدة شروط وترتيبات أمنية تحول دون مرافقة الوفد الأردني لولي العهد خلال زيارته للقدس.

تهديد الاستقرار

وقال المحلل العسكري هرئيل إن العلاقات بين نتنياهو والملك عبدالله توترت منذ سنوات؛ لكنها طفت على السطح في الفترة الأخيرة، على الرغم من المحادثات الهاتفية التي تجري بين الحين والآخر بين الجانبين.

ويعود التوتر بالعلاقات بين نتنياهو والملك عبدالله، إلى صيف 2017، حيث سادت أزمة شديدة بين الجانبين في أعقاب نصب إسرائيل بوابات إلكترونية قبالة أبواب المسجد الأقصى.

كما أقدم حارس في السفارة الإسرائيلية في عمّان على قتل مواطنين أردنيين. ووافق الملك عبدالله حينها على الإفراج عن الحارس الإسرائيلي؛ لكنه غضب في أعقاب احتفال نتنياهو بهذا الإفراج والاحتفاء بعودة الحارس إلى تل أبيب، والتقاط الصور معه.

واستشهد هرئيل بتصريحات نسبت إلى نتنياهو مؤخرا خلال حملته الانتخابية، حيث قال إن "الأردنيين يحتاجون إلينا أكثر بكثير مما نحتاجهم"، وأشار هرئيل إلى أن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تتفق مع هذا النهج، وترفضه جملة وتفصيلا، وتعتبر الأردن حليفا مهما لأمن إسرائيل".

أجواء الذكرى الـ 72 للنكبة.. خطط إسرائيلية لضم أراضٍ جديدة
نتنياهو ينتهج سياسة استفزازية تجاه الأردن حتى بتقدير المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية (الجزيرة)

أزمة ثقة وخلافات

من جانبه، يعتقد نمرود جورن، مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المتخصص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط، أن التوتر بالعلاقات بين تل أبيب وعمّان يعود لسنوات طويلة من الخلافات الشخصية بين نتنياهو والملك عبدالله، الذي أعرب في تصريحات في عدة مناسبات أنه لا يثق برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.

ولكن على الرغم من أزمة الثقة والعلاقة المتوترة بين الزعيمين، يقول جورن للجزيرة نت "واصلت المؤسسات المهنية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية للبلدين العمل والتنسيق، فيما كان واضحا تدخل وزير الدفاع، بيني غانتس، الذي التقى الملك عبدالله الثاني في قصره، ولقاءات وزير الخارجية غابي أشكنازي بنظيره الأردني أيمن الصفدي، وكلها كانت خطوات لتدعيم وتحصين العلاقات بين البلدين بعد أن طفت المشاكل والخلافات على السطح".

وعلى الرغم من تأزم العلاقات بين البلدين بسبب شخص نتنياهو، يستبعد جورن أن يؤدي توتر العلاقات بين البلدين إلى تعليق الملك عبدالله اتفاقية السلام مع إسرائيل. مشيرا إلى أن "المستويات المهنية الإسرائيلية تعي جديا الأهمية والمكانة الإستراتيجية للأردن بالنسبة لإسرائيل، حيث لا يمكن الاستغناء عن هذا الدور، حتى وإن تم تطبيع العلاقات بين تل أبيب والمزيد من الدول العربية والإسلامية".

ويبدي جورن تخوفه من تفرد نتنياهو بالسلطة، وتحكمه بمفاصل القرارات في المؤسسات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، التي تربطها علاقات عمل وطيدة مع الأردن، ويشير إلى أهمية تدخل الرئيس الأميركي جو بايدن ودول أوروبية تربطها علاقات وطيدة مع الأردن من أجل وقف تصعيد التوتر بين نتنياهو والملك عبدالله، وتجنب إمكانية انهيار العلاقات بين البلدين.

ما الرسالة؟.. ملك الأردن يزور الأراضي المستعادة من إسرائيل
زيارة الملك عبدالله الثاني الأراضي المستعادة من إسرائيل عكست توتر العلاقة بين الجانبين (الجزيرة – أرشيف)

أهمية إستراتيجية للأردن

ذات الطرح يتبناه، الباحث الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن، الذي يعتقد أن جوهر ومضمون العلاقات بين الأردن وإسرائيل دائما كان سريا وخفيا، ولا نسمع ولا نعرف حتى حقيقة وطبيعة هذه العلاقات المتينة والوطيدة والعميقة إلى أبعد الحدود، والتي تعكس مصلحة مشتركة للبلدين.

ويوضح شطيرن للجزيرة نت أن أي إرباك للعلاقات بسبب نهج وممارسات نتنياهو كان يتم احتواؤه قبل الخروج للعلن؛ لكن طفت المشاكل لأسباب شخصية قبيل انتخابات الكنيست، بإلغاء ولي العهد الأردني زيارة للأقصى بسبب الخلافات بشأن الترتيبات الأمنية، ومنع الأردن طائرة نتنياهو عبور أجوائها في الطريق إلى الإمارات، وهو ما اعتبره نتنياهو مساسا بشخصه وتقليلا لفرصه في حسم الانتخابات وتقويضها لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

ويشار إلى أن نتنياهو الذي يسيطر على مقاليد الدبلوماسية وقنوات سياسة الخارجية الإسرائيلية، أراد معاقبة الأردن ومنع طيرانها والطيران الأجنبي التحليق في الأجواء الإسرائيلية في الطريق إلى مطار الملكة علياء الدولي، وهو ما تم إحباطه من مختلف المؤسسات الإسرائيلية التي رفضت طلب نتنياهو.

ويحذر شطيرن، من تداعيات نهج نتنياهو الشخصي تجاه الأردن، واصفا ذلك بـ"النهج الاستفزازي غير المدروس"، الذي من شأنه أن يشكل خطرا حقيقا على مستقبل العلاقات السلمية بين إسرائيل والأردن، محذرا من إبقاء العلاقات الإستراتيجية مع الأردن رهينة لدى شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي يمكن أن ينهي فترة ولايته قريبا.

المصدر : الجزيرة