ولادة من الخاصرة.. كيف أطاح كشف المراسلات السرية بين عون والحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية؟

18 لقاء بين عون والحريري فشلت في الخروج بتشكيلة توافقية للحكومة الجديدة

الحريري وعون
عون (يسار) استقبل الحريري الاثنين لبحث تشكيلة الحكومة إلا أن اللقاء بينهما لم يسفر عن نتيجة (الأوروبية)

لا حكومة بالمدى المنظور، في حين لبنان يتدحرج نحو هاوية لا قعر لها. هذا ما يخلص إليه محللو المشهد اللبناني، مع مضي 5 أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، بعد أن بلغ الصراع بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون الذروة، وصار أشبه بمعركة انقلابات مضادة، برأي كثيرين، قوامها التشهير بالمراسلات السرية بين الرجلين.

وكما كان متوقعًا، انتهى اللقاء الـ 18، أمس الاثنين، بالإطاحة بآمال ولادة الحكومة الجديدة، ففتح الحريري من القصر الجمهوري بعد لقاء عون معركته السياسية، متهمًا رئيس البلاد بالإصرار على نيل الثلث المعطل -أي ثلث عدد الوزراء زائد واحد- (لفريقه السياسي برئاسة صهره جبران باسيل)، كاشفًا أن عون أرسل له جدولًا لتشكيلة وزّع حقائبها على الطوائف والأحزاب.

كشف المراسلات

هذه الخطوة، اعتبرها الحريري ومن يدعمه سياسيًا تعديًا دستوريًا على موقع رئاسة الحكومة، فردّ بالكشف عن ورقة تشكيلة حكومية من 18 وزيرًا، لا تتضمن ثلثًا معطلًا، ولا تشمل أسماء حزبيين، بل شخصيات متخصصة، وفق الحريري.

لائحة الحريري الاسمية لتشكيل حكومة من الاختصاصيين غير الحزبين ورفضها عون (مواقع التواصل الاجتماعي)

واستمر السجال بين عون والحريري، ليأتي كشف المراسلات، بعد أن أخذ الصراع بين الرجلين طابع التحدي على قاعدة من يبقى ومن يرحل.

وبدل أن تكون الحكومة طريقًا للحل، أصبحت آلية تشكيلها عائقا، ورأى مراقبون أنها شرّعت البلاد على أزمة الحكم، إثر استفحال صراع صلاحيات عون والحريري الدستورية.

مراسلة عون للحريري مرفقا كل حقيبة يريدها بكلمة "رئيس" وترك خانات لملئها بأسماء الوزراء ومرجعية تسميتهم (مواقع التواصل)

أزمة نظام

يعتبر الباحث والمحلل السياسي سركيس أبوزيد، أن صراع الرجلين، ليس إلا قشورًا تضمر أزمة الحكم والنظام، والمشكلة وفق أبوزيد، أن النظام اللبناني قائم على اتفاق الطائف، الذي لا تتفق الطبقة السياسية على تفسيره بوضوح بغية الاحتكام له.

ولأن اتفاق الطائف الموقع عام 1989، لم يحدد مهلة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ولم يوضح نطاق تصريف الأعمال، فيعني أن الخروج من الأزمة صار شبه مستحيل، "وسط تفسيرات واجتهادات متناقضة للدستور، الذي لا يعطي صلاحيات لرئيس الجمهورية على حساب صلاحيات الرئيس المكلف من مجلس النواب"، وفق حديث أبو زيد للجزيرة نت.

والأزمة، وفق المحلل، أن ثمة فئة من الطبقة السياسية سعت لتفسير اتفاق الطائف على قاعدة "الأقوى بطائفته يحتكر تمثيلها"، ما عكس خللًا بطبيعة النظام الذي يقوم على مفهوم "الديمقراطية التوافقية"، وتعني توافقا بين أهل الحكم بناءً على خيارين: إذا اتفقوا يتقاسمون حصص السلطة، وإذا اختلفوا يأخذون البلد للهاوية.

معركة الصلاحيات

يوافق الأكاديمي والباحث السياسي فادي الأحمر على ما ذكره أبو زيد، معتبرًا أن أزمة عون والحريري تجاوزت الحكومة لمعركة الصلاحيات، معتبرًا أن اتفاق الطائف بعد أكثر من 30 عاما على توقيعه، قد يحتاج لإعادة نظر، أو على الأقل بحث تطبيقه نصًا وروحًا بكامل مندرجاته.

ميدان - اتفاق الطائف
اتفاق الطائف عام 1989 يستند إليه اللبنانيون كمرجع نهائي يستمدون منه وفاقهم الوطني بعد الحرب الأهلية (مواقع التواصل)

ويرى الأحمر، بحديثه للجزيرة نت، أن الأزمة بدأت قبل اتفاق الطائف، الذي قام على اختلال موازين القوى، بعد الخروج من الحرب الأهلية بغالب ومغلوب.

وكمثال أساسي، يعطي الأكاديمي مفهوم "الطائفية السياسية"، التي لم يجر العمل على إلغائها تطبيقًا لروح الاتفاق، "لأن الجو الطائفي، بلغ مستوى من التعقيد يعيق سبل إلغائها".

توزيع للأدوار

وما يُسعر أزمة عون والحريري، وفق الأحمر، هو الالتباس بالمواد الدستورية أولًا، وإعطاء خلافهما طابعًا شخصيًا ثانيًا، "خصوصًا أن عون لا يريد الحريري أساسًا، وإنما فُرض عليه بدفع من الثنائي الشيعي".

وحتى التباين "الظاهر" بين حزب الله وحركة أمل بالملف الحكومي -إذ يدعم الحزب عون بينما تدعم حركة أمل الحريري- يجده الباحث توزيعًا للأدوار، لأن الهدف من تمسك "الثنائي الشيعي" بعون والحريري، كأقوياء سياسيا بطوائفهما (موارنة وسنة)، هو لإحكام سيطرة حزب الله على لبنان.

توترت العلاقة في الاونة الاخيرة بين رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال - الحريري - ميشيل عون
توترت العلاقة في الآونة الأخيرة بين عون والحريري على خلفية التشكيل المتعثر للحكومة (الجزيرة)

وقال الأحمر "لو يرغب حزب الله بتشكيل حكومة لضغط على حلفائه وخصومه لكنه ينتظر نضوج ملامح التسوية الأميركية الإيرانية".

تعايش مستحيل

لكن الصحفي والمحلل السياسي إبراهيم حيدر، يعتبر أن صراع عون مع الحريري يحيي أزمة تسوية 2016، التي جاءت بعون رئيسًا للجهورية، وبالحريري رئيسًا للحكومة، وبالتالي يريد الطرفان إما أن يكونا بالسلطة معًا أو أن يخرجا سويًا.

وإضافة لأزمة النظام، يرى حيدر أن مجرد قبول الحريري بالتكليف، فهو يتحمل مسؤولية كبيرة، ويعكس رغبته بالشراكة في تقاسم الحصص بالسلطة.

وقال إن الحريري لا يبدي نية بالاعتذار عن تشكيل الحكومة ولا استقالة كتلته من مجلس النواب، وقد يلجأ لخيار التكليف المفتوح، في حال أصر على عدم تسليم السلطة لخصومه، وهذا الصراع وفق حيدر، يزيد الأمور تعقيدا، لأن سبل تعايش عون مع الحريري صار مستحيلا.

فرنسا بموقف حرج

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أعلن الاثنين، أنه طالب من نظرائه بالاتحاد الأوروبي بالنظر في سبل مساعدة لبنان، معربًا عن إحباطه من فشل جهود تشكيل حكومة جديدة.

وهنا، يقفز السؤال عن مصير المبادرة الفرنسية التي حملها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقوى السياسية عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، وزار لبنان على إثره مرتين، داعيًا لتشكيل حكومة "مهمة".

ماكرون في لبنان
ماكرون قدم للقوى السياسية بلبنان مبادرة لحل الأزمة السياسية إلا أنها لم يكتب لها النجاح حتى اليوم (الأوروبية)

لكن فادي الأحمر، يعتبر أن المبادرة الفرنسية سقطت، لأنها جاءت لتدوير الزوايا فقط، وهي يتيمة من أي دعم إقليمي ودولي، وتحديدًا خليجي (سعودي) وإيراني وأميركي.

ويعتقد الأحمر أن فرنسا تسعى لتحويل مبادرتها الفرنسية لتكون أوروبية، من أجل تسويقها لدى إدارة جو بايدن بواشنطن، ثم لدى الخليج وإيران، انطلاقًا من حساسية موقع لبنان بالمتوسط، لمحاذاته حدود سوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ويضم نحو مليون لاجئ سوري، مما يجعل منه منطقة قابلة للانفجار، سياسيا وإستراتيجيا.

وقال "فرنسا بموقف محرج، ولن تتراجع، لأنه لم يبق لها بشرق المتوسط غير لبنان".

وبرأي حيدر، فإن الأوروبيين وحدهم لا يستطيعون فعل شيء بلبنان، رغم التلويح بالعقوبات، من دون قوة دفع أميركية.

لبنان إلى أين؟

يرى أبوزيد أنه بعد 5 أشهر من التكليف، أثبتت القوى السياسية تمسكها بأعراف طائفية تدفع لبنان نحو الخراب.

ويعتبر حيدر أن البلد ينزلق نحو فوضى شاملة في ظل غياب معالم الدولة، مما يضاعف مخاطر التفلت الأمني، وغياب لبنان عن قائمة الأولويات الدولية.

ويجد الأحمر أن صورة لبنان المستقبلية سوداوية، ويتوقع قريبا تدهورًا متسارعًا مع توالي انهيار الليرة أمام الدولار، وغياب التواصل الجدي مع صندوق النقد الدولي لوضع خطة تعافي شاملة وجذرية.

المصدر : الجزيرة