أزمة داخلية وضغوط خارجية.. هل تنتهي لقاءات عون والحريري بحكومة؟

رغم تدهور الأوضاع في لبنان على كل المستويات إلا أن لقاء عون والحريري لم يفض إلى نتيجة، وهو ما يقرؤه محللون، حيث إن القرار بيد قوى خارجية وتحديدا بين واشنطن وطهران.

توترت العلاقة في الاونة الاخيرة بين رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال - الحريري - ميشيل عون
لقاءات متكررة بين الرئيسين عون (يسار) والحريري دون نتيجة مباشرة لحل أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية (الجزيرة - أرشيف)

فيما يستمر انحدار لبنان نحو الانهيار، لم تؤد الأوضاع المتأزمة للإسراع بتشكيل الحكومة؛ بل بلغت الأزمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ذروتها، وقد أخذت، برأي كثيرين، طابعا شخصيا، رغم كل التحذيرات من مخاطر هذا الانهيار التاريخي الذي يعصف بالبلاد.

وبين التصعيد تارة والتهدئة تارة أخرى، زار الرئيس المكلف قصر بعبدا اليوم، الخميس، للقاء عون، بعد ليلة حامية من السجالات تطورت لتبادل الدعوات بالاعتذار أو الاستقالة.

في الشكل، بدا أن الطرفين يدفعان نحو التهدئة، عبر تحديد موعد للقائهما الاثنين المقبل؛ لكن في المضمون، يرى مراقبون أن العقبات ما زالت عالقة نتيجة تمترس كل طرف خلف مواقفه السابقة، فيما يتعلق بعدد الوزراء وتوزيع الحقائب.

فمن جهة، يعتبر الحريري أن عون يعرقل تشكيل الحكومة بمطالبته بما يعرف بـ"الثلث المعطل"؛ أي ثلث عدد الوزراء في الحكومة، والإصرار على الحصول على حقائب وزارية معينة بما يتيح له الإمساك بالقرارات داخل الحكومة. ومن جهة أخرى، يرى فريق عون السياسي أن الحريري يريد فرض تشكيلة حكومية لا تلتزم بالمعايير الميثاقية والدستورية، ولا تراعي مبدأ "وحدة المعيار".

ولدى خروجه من قصر بعبدا، شدد الحريري على سعيه لتشكيل حكومة مؤلفة من 18 وزيرا من الاختصاصيين، مشيرا إلى أنّ "الهدف من أي حكومة هو السير مع "صندوق النقد الدولي" (IMF) في عملية وقف الانهيار"، لاستعادة ثقة المجتمع الدولي. ولاحقا، أعلنت رئاسة الجمهورية عن تحديد موعد للقاء الاثنين، ليكون "هناك أجوبة حول إمكانية الوصول إلى حكومة في أسرع وقت ممكن".

ومع مضي نحو 5 أشهر على تكليف مجلس النواب للحريري بتشكيل الحكومة، جاء هذا اللقاء الـ17 بعد أعنف تراشق كلامي ليل الأربعاء بين الرئيسين عون والحريري، فانكشف صراع الرجلين إلى العلن. ففيما توجه رئيس الجمهورية للبنانيين داعيا الحريري إلى "التنحي في حال وجد نفسه عاجزا" عن تشكيل الحكومة، ردّ الحريري مطالبا عون بـ"إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة، إذا وجد نفسه عاجزا عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة".

لقاء بعبدا

وهنا يقفز السؤال حول إمكانية التعويل على تبريد الأجواء بين الرئيسين في لقاء بعبدا لفتح مسارات جديدة تدفع نحو تشكيل الحكومة.

رغم أن اتصالات المسؤولين السياسيين والأمنيين تكثفت في الساعات الماضية لتجسير الهوّة بين عون والحريري؛ لكن الصحفي والمحلل السياسي منير الربيع، يعتبر أن الأزمة ما زالت مستفحلة بينهما، وأن كليهما متمسكان برؤيتهما المتناقضة لتشكيل الحكومة.

ويستبعد الربيع في تصريحه للجزيرة نت "أن يكون الاثنين مقدمة لتشكيل الحكومة، لا سيما أن الحريري أعاد تأكيد شروطه لتشكيل الحكومة، التي يرفضها عون".

ويرجح المحلل أن يكون الحريري أراد التعاطي بمرونة نسبية مع عون، فأراد أن يعطي الناس انطباعا إيجابيا بتلقف دعوة عون للقائه، وكذلك كي يوحي للمجتمع الدولي أنه ما زال يسعى لتشكيل حكومة.

وفيما اعتبر الحريري أنه "ليس هناك ما يبرّر أن تنخفض قيمة الليرة بهذا الحجم"، بعد أن لامست تداولات الدولار بالسوق الموازية سقف 15 ألف ليرة، في سابقة تاريخية، يرى الربيع أن الحريري أراد من لقائه بعون أن يلجم الأسباب السياسية، التي تؤدي لفوضى سعر صرف الدولار؛ "لكن لا أحد يضمن أن يعود لبنان للدوامة نفسها إذا فشل لقاء الاثنين"، وفق الربيع.

محتجون يقطعون طريقا بلبنان
محتجون يقطعون طريقا بلبنان احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية (الأوروبية)

عناصر أخرى

على مستوى آخر، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب أن "المعطيات الداخلية التي منعت تأليف الحكومة منذ نحو 5 أشهر ما زالت قائمة حتى اللحظة". لكن لقاء الحريري وعون، فتح نافذة للواقع السياسي المتصل بتشكيل الحكومة، وربطها بالعناصر الخارجية التي تفوقت تطوراتها على العناصر الداخلية؛ لا سيما بعد التلويح بعقوبات أوروبية جدية قد تفرض على من يعرقل تشكيل الحكومة.

ويعتقد أيوب، في حديثه للجزيرة نت، أن "الرسالة وصلت للقوى السياسية، والجانب الأميركي صار أكثر مرونة، وانتقل من حالة الحياد السلبي للحياد الإيجابي، رغم عدم الانخراط المباشر بالملف اللبناني؛ لكن الأجواء تجلت بالزيارات التي تقوم بها السفيرة الأمريكية دورثي شيا في بيروت، وكان آخرها لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان ينشط مع المدير العام للأمن اللبناني اللواء، عباس إبراهيم، وبالتنسيق مع حزب الله، على خط التهدئة بين عون والحريري".

لذا، يرى المحلل أن التصعيد الأخير بين عون والحريري، أدى وظيفته على مستوى فتح أبواب النقاش ولقائهما، الذي نسف المعادلة التي كان يسعى عون لفرضها على الحريري "التأليف أو الاعتذار"، ليدخل لبنان مرحلة معادلة جديدة؛ إمّا تأليف الحكومة، وإما التكليف المفتوح.

سيناريوهات أخرى

ويعتبر منير الربيع أن رسالة عون التصعيدية ضد الحريري، كانت تهدف لنقطتين؛ أولا، إبلاغ حزب الله أنه لم يعد قادرا على المضي مع الحريري بالنهج نفسه الذي يسود عملية التشكيل، وثانيا، لأن عون يتعرض لضغط كبير من المجتمع الدولي الذي يحمله جزءا من مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة.

وبعد لقاء عون والحريري، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "إننا نحتاج لتغيير النهج والأسلوب في الأسابيع المقبلة فيما يتعلق بلبنان".

وأمام حالة الاستعصاء والانسداد التي يشهدها لبنان داخليا، يرى كثيرون أنها امتدادات إقليمية ودولية. لذا، يعتبر الربيع أن "حل الأزمة لا يمكن تحقيقه حتى بتشكيل حكومة، وإنما يحتاج لاتفاق خارجي، وتحديدا إيراني أميركي، وإلا سنذهب نحو الانهيار الكبير، الذي تراهن بعض القوى السياسية على وقوعه بحثا عن انفراجة ما".

هذا الأمر، يؤيده الباحث والمحلل السياسي، جورج علم، ويعتبر أن تشكيل الحكومة يحتاج لجهد أكبر؛ لأن الخلافات ما زالت قائمة، حتى ولو انتهت بتنقية الأجواء الصدامية.

ويرى علم -في تصريح للجزيرة نت- أن لبنان ما زال أسير الصراع الأميركي الإيراني، وطالما لم يصدر عن إدارة جو بايدن موقف مباشر يوضح قبولها بتشكيل حكومة يتمثل فيها حزب الله، "يعني أن الفيتو الأميركي الذي فرضته إدارة دونالد ترامب ما زال فاعلا".

ويقول الباحث إذا رفعت أميركا الفيتو عن حزب الله، تصبح التسوية الداخلية ممكنة، وإلا فإن كل بحث عن مخرج الأزمة لا معنى له. ومع ذلك، يعتبر أن الدول الكبرى تدرك مخاطر ترك لبنان للانهيار الشامل، خصوصا، أن الدول الأوروبية تتوجس من مصير اللاجئين والنازحين في لبنان، وأن يلجؤوا إليها هربا من واقع لبنان عبر معابر غير الشرعية، بحرا وبرا.

ويذكر علم أن الحكومة المنتظرة لا تستطيع صنع المعجزات؛ لأن التسويات في المنطقة لم تتضح بعد، خصوصا بالملف النووي الإيراني والأزمة السورية، "ما يعني أن لبنان يواجه خطرا وجوديا؛ لأن طبيعة الانهيار الواقع تشبه الاندفاع نحو الانتحار".

وعليه، لا يتفاءل الباحث بمفاوضات عون والحريري؛ لأن المطلوب أن يتنازل الطرفان عن شروطهما لتشكيل الحكومة، "لا سيما أن خراب الهيكل ليس من مصلحة أحد، بينما يدفع اللبنانيون ثمن الفساد لعقود خلت".

المصدر : الجزيرة