السلطي عبد الرزاق الرحاحلة.. هكذا أنقذ وثائق أراضي القدس في حرب 1967

تمكّن ابن مدينة السلط الأردنية عبد الرزاق الرحاحلة من إنقاذ وثائق أراضي وعقارات مدينة القدس في حرب 1967 ونقلها إلى الأردن وهو ما حفظ ملكية المقدسيين لأراضيهم ومقدساتهم في المدينة.

عبد الرزاق الرحاحلة رحل عن 93 بعدما حفظ وثائق أملاك القدس (الجزيرة)

احتضن وثائق الفلسطينيين المقدسيين ومستندات الملكيات والأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة بين ذراعيه وسارع بها إلى عمّان، ليحمي حقوق أصحاب الأرض وملكياتهم لأراضيهم.

وبسيارته "فوكس فاغن" القديمة، خاض عبد الرزاق الرحاحلة -وكان حينها مأمور تسوية أراضي القدس- معركة من نوع آخر مع الاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع حرب عام 1967، وقد سجل انتصاره الخاص على قوات الاحتلال الإسرائيلي رغم نكسة القوات العربية في تلك الحرب.

توفي الرحاحلة الأسبوع الماضي عن عمر 93 عاما في مدينة السلط شمال غرب العاصمة الأردنية عمّان، وصادفت وفاته ذكرى الإسراء والمعراج.

وثيقة تعيين الراحل عبد الرزاق الرحاحلة مأمورا بدائرة أراضي مدينة القدس (الجزيرة)

كيف أُنقذت الوثائق؟

خاض الرحاحلة معركة من نوع مختلف في حرب يونيو/حزيران 1967 -التي احتلت فيها إسرائيل كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وسميت بنكسة حزيران، أو حرب الأيام الستة- وتمكن بمفرده من حفظ التاريخ والذاكرة المقدسية.

يروي أبو معن الرحاحلة شقيق الراحل عبد الزراق تفاصيل معركتهما فيقول "عندما علم عبد الرزاق أن الحرب بدأت دب الخوف في قلبه على الأوراق والمستندات الموجودة، وتيقن أن الاحتلال الإسرائيلي سيقصف دائرة الأراضي لإحراق ما فيها من أوراق الملكيات والوثائق المهمة، فأخبرني أنه يجب علينا نقل تلك الملفات إلى عمّان، وقمنا بالسرعة الممكنة بتحميلها بالسيارة".

أبو معن شقيق الراحل الرحاحلة يروي للجزيرة نت قصة إنقاذ سجلات أراضي القدس (الجزيرة)

ويتابع أبو معن حديثه للجزيرة نت قائلا إننا "باقترابنا من عمّان أعلنت الأردن دخولها الحرب، وعندما وصلنا لدائرة الأراضي لتسليم الأوراق والملفات، قيل لنا إن الوقت الحالي لا يسمح بذلك بسبب اندلاع الحرب، فقرر عبد الرزاق الاحتفاظ بها في بيتنا بمدينة السلط لحين انتهاء الحرب".

وفي اليوم التالي قامت قوات الجيش الإسرائيلي بقصف مكتب أراضي القدس، واقتحمت المكان لمصادرة ما بقي من تلك الوثائق، وتشكل الوثائق المنقولة ملكية أهالي القدس للأراضي في المدينة المقدسة وما حولها، ومستندات الأوقاف الإسلامية والمسيحية هناك، وبعض تلك الوثائق لا يوجد منها نسخة ثانية، فلو فقدت لخسر المقدسيون أراضيهم.

عينة من الوثائق التي نقلها الرحاحلة إلى الأردن (الجزيرة)

ترك مصاغ زوجته

في القدس سكن الراحل الرحاحلة في بيت مطل على مكتب أراضي القدس، حتى يبقى المكتب تحت حراسته ورعايته طوال اليوم بعد مغادرة الموظفين، كما تقول زوجته عفاف زيد الكيلاني.

وتتابع الكيلاني حديثها للجزيرة نت فتقول "جاء إلي مسرعا يوم الحرب وأخبرني أننا سنغادر البيت إلى عمّان، وطلب مني ألا أصطحب معي أية أغراض، لأننا سنعود بعد أيام للقدس، وكنا قد تزوجنا حديثا، حتى مصاغي لم آخذه معي من سرعة المغادرة، حرصا على ألا يمس تلك الأوراق أي مكروه".

وتضيف عفاف الكيلاني أن عملية نقل الأوراق للأردن حافظت على ملكية أهل القدس، بالإضافة لحفاظها على ملكيات وزارة الوقاف المعروفة بـ"الوقف الإسلامي المسيحي" من مساجد ومراكز ودور عبادة وزوايا إسلامية، وكنائس وأديرة للمسيحيين.

عبد الرزاق الرحاحلة (الأول يمين) يرتدي الكوفية مع أصدقائه في مدينة القدس (الجزيرة)

رحل قبل تكريم الأردن له

يقول مدير مركز التوثيق الملكي في الديوان الهاشمي مهند مبيضين إن "الوثائق مهمة وتتعلق بالأملاك الفلسطينية في مدينة القدس والمدن الفلسطينية منذ نصف القرن الـ 18، أي ما قبل الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي".

ويتابع للجزيرة نت أن هذه الوثائق تكفل حفظ حقوق أهل فلسطين وأملاكهم وتشمل هوية الأرض الفلسطينية والناس هناك، وهي سجلات أصلية وليست صورا، بعضها مؤرخ من الدولة العثمانية منذ عام ١٨٥٠، وتشكل مصدر توثيقي لملكية أهل القدس وفلسطين لأراضيهم وحقوقهم التاريخية هناك.

وكان الأردن يخطط لتكريم الراحل ضمن احتفالية مئوية الدولة الشهر المقبل، إلا أن الموت عاجله، وقد قام مركز التوثيق الملكي بترميم وأرشفة كل سجلات دائرة الأراضي في القدس، من مبدأ الوصاية الهاشمية وحفظا لحقوق العباد وتوثيقا لذاكرة الأرض والتاريخ.

المصدر : الجزيرة