4 زوايا لفهم بيع واشنطن أسلحة لمصر وانتقاد حقوق الإنسان بها

القاهرة بادرت بالتعاقد مع شركة اللوبي "براونشتاين هيات فاربر" تزامنا مع وصول بايدن للحكم، وذلك للتأكيد التقليدي على دور مصر المهم لواشنطن في الشرق الأوسط.

SINAI, EGYPT - OCTOBER 27: Military helicopters and soldiers of Egyptian Armed Forces are seen as Egypt reinforces its 2. and 3. armies in the Sinai Peninsula, Egypt on October 27, 2014.
الخارجية الأميركية أكدت أن الصفقة تدعم السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركيين. (غيتي إيميجز)

عبرت الكثير من الدوائر المصرية والأميركية عن اندهاشها من إقدام واشنطن على الموافقة على بيع معدات عسكرية إلى الجيش المصري، تقترب قيمتها من 200 مليون دولار، تزامنا مع تأكيدها التواصل مع الحكومة المصرية بشأن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

وأكدت الخارجية الأميركية أن الصفقة تدعم السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركيين من خلال المساعدة في تحسين أمن دولة حليفة غير عضو في حلف الناتو.

وقد أشار نيد رايس، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إلى أن بيع السلاح الذي أعلن عنه لمصر، لا علاقة له بمسألة إعرابهم عن قلقهم حيال أوضاع حقوق الإنسان في مصر، مشيرا إلى أن الأمرين مختلفان عن بعضهما البعض.

وأضاف رايس أن الموافقة لن تحد من قدرة واشنطن على مواصلة التركيز على قضايا حقوق الإنسان، وأكد قائلا "إنني طرحت خبر عائلة محمد سلطان، لن نتسامح مع اعتداءات وتهديدات الحكومات الأجنبية ضد المواطنين الأميركيين وعائلاتهم".

وحتى نفهم التعارض بين معضلة بيع السلاح وانتقاد سجل حقوق الإنسان، تتعرض الجزيرة نت لـ4 نقاط من شأنها المساهمة في فهم تعقيدات هذا الموقف الأميركي المزدوج.

أولا: خطاب الحملات الانتخابية يختلف عن الممارسات السياسية

خلال حملة الانتخابات الرئاسية 2020، وصف جو بايدن المرشح الديمقراطي في تغريدة له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه "دكتاتور ترامب المفضل"، وقال إنه لن يسمح بإعطائه مزيدا من الشيكات على بياض.

كما استنكر بايدن اعتقال ونفي وتعذيب نشطاء مثل سارة حجازي ومحمد سلطان، وترهيب عائلاتهم، مرحبا بعودة الناشط الأميركي من أصول مصرية محمد عماشة إلى بيته مؤخرا.

لكن لا يمثل خطاب الحملة الانتخابية موقفا رسميا، فقد تبنى بايدن موقفا مشابها من المملكة السعودية، ووعد بعقاب الرياض بسبب جريمة جمال خاشقجي؛ لكن عاد وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن للتأكيد على الدور المحوري للرياض في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط.

وتهدف خطابات الحملات الانتخابية للهجوم على المنافس ومواقفه السياسية، ومثل هجوم بايدن على السيسي هجوما غير مباشر على منافسه حينذاك، دونالد ترامب.

ثانيا: عملية بيع السلاح الأميركي معقدة وطويلة

تستغرق عملة بيع السلاح الأميركي أشهر طويلة وسنوات في بعض الحالات، وقد أشار لهذا الأمر الخبير العسكري، ديفيد دي روش، المحارب السابق والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، في حديثه للجزيرة نت إلى أنه لا توجد أسلحة على أرفف المخازن في انتظار قدوم المشتري للحصول عليها فور الدفع.

وأضاف أن عملية بيع السلاح تتضمن عملية طويلة تستغرق أشهرا، ويبدأ العمل في مصانع السلاح بعد التعاقد وبعد الحصول على الموافقات الحكومية النهائية، وعليه فإن إدارة بايدن لم تتخذ قرار عقد صفقة سلاح جديدة مع مصر، وكان هذا توقيت لم تتحكم فيه الإدارة الجديدة.

وفي سياق متصل، أشارت ميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط بـ"مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" (Carnegie Endowment for International Peace)، للجزيرة نت إلى أن إجراء مبيعات الأسلحة تلك يستغرق وقتا -عادة أشهر- للعمل في الدوائر البيروقراطية؛ لذا يبدو التوقيت وكأنه مصادفة مؤسفة للغاية، "ولا أتصور أن هناك رسالة متعمدة، مفادها أن مشاكل حقوق الإنسان لن يكون لها أي تأثير على العلاقات الدفاعية".

ثالثا: لا تعيينات مهمة بخصوص الملف المصري

يبدو جليا تدني أهمية الشأن المصري بين ملفات السياسة الخارجية لإدارة بايدن حتى مقارنة بالنسبة لبقية ملفات الشرق الأوسط.

وأشارت دان إلى عدم وجود أحد مسؤول داخل إدارة بايدن عن سياسة واشنطن تجاه مصر حتى الآن، مضيفة أن المسؤولين رفيعي المستوى القلائل ممن تم تسميتهم للتعامل مع الشرق الأوسط لديهم أولويات أخرى، مثل إيران والعراق واليمن والمملكة العربية السعودية، على حد تعبيرها.

وأكدت دان أنه من الواضح "أن الشرق الأوسط ليس على رأس قائمة أولويات بايدن وبلينكن فحسب؛ بل حتى بين قضايا الشرق الأوسط، وتعد مصر غير ذات أولوية. وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تصبح سياسة بايدن تجاه مصر واضحة. شيء واحد واضح بالفعل هو أن السيسي لم يعد لديه صديق مقرب في البيت الأبيض".

إدارة ترامب مثلت استثناء وحيدا، حيث تم التغاضي تماما عن دعوات القيم الديمقراطية في التعامل مع مصر. (رويترز)

رابعا: الرئيس ترامب كان الاستثناء

منذ التأسيس الحديث لعلاقات واشنطن مع القاهرة، والذي جاء مصاحبا لمبادرة السلام مع إسرائيل، عرفت واشنطن ثنائية صراع تناقض المصالح الإستراتيجية مع القيم الديمقراطية.

ولعقود طويلة لم تتأثر سياسات واشنطن تجاه مصر بوصول إدارة ديمقراطية أو جمهورية للبيت الأبيض. ومثلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الاستثناء الوحيد، حيث تم التغاضي تماما عن دعوات القيم الديمقراطية في التعامل مع مصر، ولم يكترث ترامب بسجل القاهرة المتردي تجاه قضايا الديمقراطية أو حقوق الإنسان.

وستعرف العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن عودة لما هو متعارف عليه من ثنائية صراع المصالح والمبادئ.

ومثل تشكيل عضوي الكونغرس توم مالينوفسكي (ديمقراطي- نيوجيرسي) ودان باير (ديمقراطي- فيرجينيا) تكتلا لحقوق الإنسان في مصر داخل مجلس النواب، عودة لتعبير بعض أعضاء الكونغرس عن عدم رضاهم عن سجل مصر الحقوقي، في الوقت الذي سيتم التركيز فيه على دور مصر المحوري في إستراتيجيته في الشرق الأوسط.

ومن جانبها بادرت القاهرة بالتعاقد مع شركة اللوبي "براونشتاين هيات فاربر" بقيمة شهرية تبلغ 65 ألف دولار، تزامنا مع وصول بايدن للحكم، وذلك للتأكيد التقليدي على دور مصر المهم لواشنطن في الشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة